الجمعة أبريل 19, 2024

تقريظ الشيخ كمال الدين جعيط مفتي الجمهورية التونسية

الجمهورية التونسية

الوزارة الأولى

مفتي الجمهورية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي هدانا للإسلام، ودعانا بلطفه ورحمته إلى دار السلام، ومنّ على المؤمنين ببعثه سيد المخلوقات محمد سيد الأنام، الذي محى به عبادة الأوثان والأصنام، وأزال بدعوته ضلالات الأنصاب والأزلام، المبين ما يحتاجه الإنسان من أداب وأحكام، الهادي بنصائحه المحذر من القبائح والآثام، صلى الله وسلم عليه وعلى ءاله وصحابته الكرام، صلاة وسلامًا متتابعين على مر السنين والأيام. أما بعد فإن الاشتغال بالعلم من أفضل القربات، وأجل الطاعات، وأولى ما أنفقت فيه نفائس الأوقات، وبادر إلى الاهتمام به الراغبون في الخيرات، وتسابق إلى التحلي به مستبقو المكرمات، ومن أهم أنواع العلوم تحقيق معرفة الأحاديث النبوية أعني معرفة متونها صحيحها وحسنها وضعيفها متصلها ومرسلها ومنقطعها ومعضلها ومقلوبها ومشهورها وغريبها وشاذها ومنكرها ومعللها وموضوعها وناسخها ومنسوخها وخاصها وعامها ومبينها ومجملها وغير ذلك من أنواع المعرفة من حال الرجال والرواة وضبطهم من حيث الجرح والتعديل وغير ذلك من الصفات ثم معرفة استنباط الأحكام والأصول منها والفروع والقواعد والآداب ورياضات النفوس ومعالجة القلوب وغير ذلك من المقاصد الشرعية. ومعلوم أن شريعتنا مبينة على الكتاب والسنة مدار أكثر الأحكام الفقهية لأن أكثر الآيات عامات أو مجملات وأن السنة هي التي أوضحت تقييد المطلقات وخصصت الآيات العامات لأن السنة قد تأتي مؤكدة لما ثبت بالكتاب. وقد تأتي بأحكام لم ترد في الكتاب. وقد تأتي شارحة وموضحة لما جاء في الكتاب مجملاً وهو كثير. هذا وقد وقفت على ما تضمنه كتاب [التعقب الحثيث على من طعن فيما صح من الحديث] لحضرة العالم الجليل الغيور على أحاديث الرسول، وما حققه وأجاد البيان في سبحة أهل الإيمان فوجدته قد صادف الصواب، وكشف عن تلبيس من ادعى الصواب، مما أثلج الفؤاد، وقد أوضحتم معنى النكارة ودرجاتها ومراتبها وأن من يروي مناكير ليس بساقط عن الاعتبار بحيث لا تنفعه متابعة راو ءاخر له فيما رواه محتجًا بالإمام مسلم عن أبي زكير في المتابعات. وقد وصف برواية المنكر. وقد فرقتم بين مقامات التجريح وأنها درجات ومراتب وأن الراجح يقال له المعروف وأن مقابله المنكر. واستخلصتم من كل ذلك أن المنكر شيء وأن الموضوع شيء ءاخر وأنه لا يحكم بكون الحديث موضوعًا بمجرد كون الراوي منكرًا أو مجهولاً. بل إن مجرد الكذب من الراوي لا يدل على الوضع.

وقد أعطيتم المسألة حقها وأوضحتم ما يكتنفها بطريقة علمية تدل على قدم راسخ في مصطلح الحديث وتبين الغث من السمين والصحيح من السقيم.

فبارك الله فيكم وجعلكم قدوة للمتعلمين ومرشدًا للمتعطشين وسيفًا مسلطًا على المعاندين الزائغين.

والحمد لله رب العالمين