ومما يجب الحذر منه، ما دُسَّ على الحافظ النَّسائي (303هـ) في تفسيره مؤسسة الكتب الثقافية[(335)]، وهي قصة مكذوبة على سيدنا سليمان عليه السلام، ولا نعتقد في النسائي أنه يقول ما لا يليق بأنبياء الله تعالى، بل نقول إنه مما افتُرِيَ ودُسَّ عليه، فيقولون والعياذ بالله تعالى من الافتراء على الأنبياء: «قوله تعالى {…وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ… *} [سورة البقرة] . أنا محمد بن العلاء أنا أبو معاوية حدثنا الاعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال: كان الذي أصاب سليمان بن داود عليه السلام في سبب امرأة من أهله يقال لها جرادة وكانت أحب نسائه إليه وكان إذا أراد أن يأتي نساءه أو يدخل الخلاء أعطاها الخاتم، فجاء أناس من أهل الجرادة يخاصمون قومًا إلى سليمان بن داود عليه السلام فكان هوى سليمان أن يكون الحق لأهل الجرادة فيقضي لهم فعوقب حين لم يكن هواه فيهم واحدًا، فجاء حين أراد الله أن يبتليه فأعطاها الخاتم ودخل الخلاء ومَثَّل الشيطانُ في صورة سليمان قال: هاتي خاتمي فأعطته خاتمه فلبسه فلما لبسه دانت له الشياطين والإنس والجن وكل شئ. جاءها سليمان قال: هاتي خاتمي قالت: اخرج لست بسليمان، قال سليمان عليه السلام: إن ذاك من أمر الله إنه بلاء أُبتَلَى به، فخرج فجعل إذا قال: أنا سليمان، رجموه حتى يُدمون عقبه، فخرج يحمل على شاطئ البحر ومكث هذا الشيطان فيهم مقيمًا ينكح نساءه ويقضي بينهم، فلما أراد الله عزوجل أن يرد على سليمان ملكه انطلقت الشياطين وكتبوا كتبًا فيها سحر وفيها كفر فدفنوها تحت كرسي سليمان عليه السلام ثم أثاروها وقالوا هذا كان يفتن الجن والإنس قال: فأكفر الناس سليمان حتى بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل على محمد عليه السلام (وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا) يقول: الذي صنعوا، فخرج سليمان يحمل على شاطئ البحر، قال: ولما أنكر الناس لما أراد الله أن يرد على سليمان ملكه أنكروا انطلقت الشياطين جاؤوا إلى نسائه فسألوهن فقلن: إنه ليأتينا ونحن حُيَّض وما كان يأتينا قبل ذلك، فلما رأى الشيطانُ أنه حَضَر هلاكُه هرب وأرسل به فألقاه في البحر، وفي الحديث فتلقاه سمكُهُ فأخذَه، وخرج الشيطانُ حتى لحق بجزيرة في البحر، وخرج سليمان عليه السلام يحمل لرجل سمكًا قال: بكم تحمل قال: بسمكة من هذا السمك، فحمل معه حتى بلغ به أعطاه السمكة التي في بطنها الخاتم، فلما أعطاه السمكة شق بطنها يريد يشويها، فإذا الخاتم فلبسه فأقبل إليه الإنس والشياطين، فأرسل في طلب الشيطان فجعلوا لا يطيقونَه، فقال: احتالوا له، فذهبوا فوجدوه نائمًا قد سَكِرَ فبَنوا عليه بيتًا من رصاص، ثم جاؤوا ليأخذوه فوثب فجعل لا يثب في ناحية إلا أماط الرصاص معه، فأخذوه فجاؤوا به إلى سليمان فأمر بحنت من رخام فنُقِر ثم أدخله في جوفه ثم سدَّه بالنحاس ثم أمر به فطُرح في البحر» اهـ. فهذا الكلام لا يليق بأنبياء الله عليهم الصلاة والسلام، وهو مما افتُرِيَ على نبي الله سليمان عليه السلام، فالأنبياء معصومون عن مثل ذلك.
فقد قال ملا علي القاري الحنفي في كتابه «شرح الشفا للقاضي عياض»: [(336)] «(واعلم أن الأمة مجمعة) وفي نسخة مجتمعة (على عصمة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم) أي حفظه وحمايته (من الشيطان) لقوله تعالى: إن عبادي ليس لك عليهم سلطان. (وكفايته) أي وعلى كفاية الله له، وفي نسخة وحراسته (منه) أي من ضرره الظاهري والباطني كما بينه بقوله (لا في جسمه) أي ظاهر جسده (بأنواع الأذى) كالجنون والإغماء (ولا خاطره بالوسواس أي بجنسه الذي يوسوس في صدور سائر الناس». وقال[(337)]: (وقد حكى السمرقندى) أي الإمام أبو الليث الحنفي (إنكار قول من قال بتسلط الشيطان) ويروى بتسليط الشيطان (على ملك سليمان وغلبته عليه وأن مثل هذا لا يصح) يعني فإذا كان لا يصح تسلط الشيطان على ملك سليمان من الأمور الدنيوية فبالأحرى أن لا يصح له التسلط على الأنبياء فيما يتعلق بالأمر الديني والأخروي» اهـ.
وقال أبو الحسن علي بن أحمد السبتي الأموي المعروف بابن خُمَير في كتابه «تنزيه الأنبياء عما نَسَب إليهم حُثالة الأغبياء»[(338)]، فيما افتُرِيَ على نبي الله سليمان عليه السلام: «وزاد فيها الفجرة – أي في قصته – أن الشيطان كان يقعُ على نساء سليمان عليه السلام وهنَّ حُيَّض، ولذا تفطَّنوا أنه لم يكن سليمان، وحاشى وكلا من هذه الوصمة الخسيسة أن يفعلها الله تعالى مع أنبيائه عليهم السلام وكيف، والأمة مجمعة على أنه ما زنت امرأة نبي قط: كانت مؤمنة أو كافرة». ثم قال[(339)]: ومع ذلك فالخبرُ باطلٌ من وجه آخر، وهو أنه لو جاز أن يخلفَ النبي شيطانٌ على صورته ويستنبط في شريعته أحكامًا فاسدة، لكان ذلك إخلالاً بالنبوة إذ كان يتخيّل الناس ذلك في سائر أحكام الأنبياء حتى لا يتميّز حكمُ النبي من حكم الشيطان، فيشكلُ الأمر على المكلفين ولا يتقون أمرًا بعد، وهذا بمثابة تقدير خرق العادة على أيدي الكذابين في ادَّعاء النبوة، وهذه الأُلقِيَّة في هذه القصة من دسائس البراهمة في إبطال النبوات والله أعلم» اهـ.
ـ[335] مؤسسة الكتب الثقافية (الطبعة الأولى 1410هـ، الجزء الأول ص/176 – 177 – 178).
ـ[336] شرح الشفا للقاضي عياض (دار الكتب العلمية، الجزء الثاني ص213).
ـ[337] شرح الشفا للقاضي عياض (ص/219).
ـ[338] تنزيه الأنبياء عما نَسَب إليهم حُثالة الأغبياء (دار الفكر – المعاصر، دار الفكر – دمشق، الطبعة الثانية 1420هـ ص50).
ـ[339] (ص/52).