تفسير الرضا والغضب في حق الله:
اعلم أخي المسلم أنه يجب إثبات صفة الغضب وصفة الرضا لله تعالى مع اعتقاد أن غضبه ورضاه ليس تأثرا، بل هما صفتان أزليتان لا بداية لهما أبديتان لا نهاية لهما ليستا كرضانا وغضبنا أي ليستا انفعالا وتغيرا يحدث في النفس. فالله تعالى يغضب ويرضى لا كأحد من الخلق كما نطق به القرءان بقوله تعالى: “رضي الله عنهم” وفي حق الكفار “وغضب الله عليهم ولعنهم”، والأصل أن الله تعالى يوصف بما وصف به نفسه في كتابه العزيز وبما صح أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصفه به. فالغضب بالنسبة للخلق تغير يحصل عند غليان الدم في القلب بإرادة إيصال الضرر إلى المغضوب عليه. والغضب إذا وصف الله به يكون بمعنى إرادة الانتقام، وإرادة الانتقام أزلية لا بداية لها. ورضا الله إرادة إنعامه على عباده أو عن نفس إنعامه عليهم وهذا هو معنى الرحمة أيضا، وليست رحمته تعالى رقة القلب. وقد كان السلف وهم أهل القرون الثلاثة الأولى يقولون الله يغضب ويرضى بلا كيف والكيف هو ما كان من صفات المخلوقين، فهؤلاء عندما يذكرون الصفات التي وردت في حق الله تعالى مما يتوهم بعض الناس أنها كصفات المخلوقين لقصر أفهامهم، كانوا رضي الله عنهم يقولون: “بلا كيف”. أما الذين جاءوا بعد السلف وبعض السلف أيضا فيقولون رضا الله إرادته الرحمة وغضبه إرادته الانتقام، أرجعوا الصفتين إلى الإرادة، وكلا القولين صحيح. أما الحديث الذي فيه أن الله كتب في كتاب موضوع فوق العرش “إن رحمتي سبقت غضبي” فمعناه أن مظاهر الرحمة أكثر من مظاهر الغضب، الجنة من مظاهر الرحمة وهي أكبر من جهنم بآلاف المرات والملائكة من مظاهر الرحمة وهم أكثر عددا من الإنس والجن ومن قطرات الأمطار وأوراق الأشجار، وأكثر الجن كفار فهم من مظاهر الغضب فالشىء الذي يحبه الله من المخلوقات أكثر مما يكرهه. وليس المراد بالرحمة في هذا الحديث الصفة وكذلك الغضب لأن صفات الله كلها أزلية لا بداية لها ولا يسبق بعضها بعضا. أما ما ورد في الحديث الذي رواه البخاري من أن ءادم وغيره يقولون: “إن الله غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله”، فليس المراد به الغضب الذي هو صفة لله لأن الصفة لا بداية ولا نهاية لها، إنما المراد بذلك ءاثار الغضب كتقريب جزء من جهنم إلى الموقف حتى يراه الكفار فيفزعوا وغير ذلك من أهوال القيامة، فالمعنى أن الله تعالى يظهر يوم القيامة من ءاثار الغضب ما لم يكن قبل ذلك مثله وليس معناه أن الله تأثر ذلك الوقت لأن التأثر مستحيل على الله لأن الذي يتأثر لا بد أن يكون مخلوقا.