تعرف إخوة يوسف بيوسف عليه السلام وعطفه عليهم واعترافهم بذنبهم
رجع إخوة يوسف عليه السلام إلى مصر كما أمرهم أبوهم يعقوب عليه السلام وقصدوا يوسف عليه السلام في مصر في مُلكه، فلما دخلوا عليه قالوا متعطفين مترحمين: يا أيّها العزيز لقد مسّنا وأهلنا الحاجة والفقر وضيق الحال من الجدب والقحط وجئنا لحلب الطعام ببضاعة ضعيفة قليلة رديئة نبادلها بالطعام وهي لا يُقبل مثلها إلا أن تتجاوز عنا وتقبلها منا، وطلبوا منه أن يوفي لهم الكيل ويتصدق عليهم بردّ أخيهم بنيامين عليهم، قال الله تعالى: {فلمّا دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسّنا وأهلنا الضّرّ وجئنا ببضاعة مزجاة فأوفِ لنا الكيل وتصدّق علينا إنّ الله يجزي المتصدقين} [سورة يوسف/٨٨].
ولمّا سمع يوسف عليه السلام هذا الكلام من إخوته ورأى ما وصلوا اليه من سوء الحال رق قلبه وحنّ عليهم ورحمهم وبكى وباح لهم بما كان يكتمهم من شأنه، كاشفاً عن سرّه حاسراً عن جبينه الشريف قائلاً لهم: {هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون} [سورة يوسف/٨٩] المعنى: ما أعظم ما ارتكبتم من قطيعة الرحم وتضييع الحق إذ فرّقتم بين يوسف وأخيه وسببتم بذلك الأذى والمكروه وأنتم جاهلون بعاقبة ما تفعلون بيوسف وما يؤول اليه أمره، يقول الله تبارك وتعالى: {قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون} وعندما واجه يوسف عليه السلام إخوته بهذه الحقيقة تعجبوا وذهبت سكرتهم وتيقظوا وعرفوا الحقيقة أنه هو يوسف {قالوا أءنّك لأنت يوسف قال أناْ يوسف وهذا أخي قد منّ الله علينا إنّه من يتّق ويَصبر فإنّ الله لا يضيع أجر المحسنين} [سورة يوسف/٩٠] فما أكبر وأعظم ما قاله نبيّ الله يوسف عليه السلام لإخوته تحدثاً بنعمة الله، وما أعظم نصحه لهم حيث بين لهم عاقبة من يتق الله ويصبر فيطيع الله مولاه، فيؤدي ما فرض الله، ويجتنب ما حرّم ونهى عنه، ويصبر على المصائب والشدائد ابتغاء الثواب من الله، وبيّن لهم أنّ الله لا يضيع أجر هؤلاء المتقين المحسنين، وأن الله تبارك وتعالى قد منّ عليه وعلى أخيه بما أسلفا من طاعة الله وتقواه وصبرهما على الأذى من جاني إخوتهما.
وعندما سمع إخوة يوسف عليه السلام كلام أخيهم وعظيم موعظته اعترفوا له بالفضل وعظيم القَدر والمنزلة، وأنّ الله تعالى قد اختاره وفضّله عليهم بالعلم والحلم والفضل والمنزلة وما أعطاه وحباه من سائر الفضائل والمواهب، واعترفوا له بأنهم كانوا ءاثمين خاطئين بما ارتكبوا من تلك الأفاعيل الخسيسة.
يقول الله تبارك وتعالى:{قالوا تالله لقد ءاثرك الله علينا وإن كنّا لخاطئين}[سورة يوسف/٩١] وعندما اعترف إخوة يوسف عليه السلام بإثمهم وخطئهم ووقفوا بين يدي أخيهم يوسف عليه السلام ملك مصر والحاكم النافذ الكلمة على بلاد مصر وخزائنها، وهم ينتظرون حكم اخيهم عليهم {قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين} [سورة يوسف/٩٢] أي لست أعاتبكم ولا أعيركم بعد هذا اليوم أبدا بما صنعتم.