ترجمة الإمام السبكي
ترجمة الإمام السبكي من كتاب أعيان العصر وأعوان النصر لصلاح الدين الصفدي [1]:
هو علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن مسوار بن سوار بن سليم، الإمام العالم العامل الزاهد العابد الورع الخاشع البارع العلامة، شيخ الإسلام حبر الأمة المقرئ المحدث الرِّحلة المفسر الفقيه الأصولي البليغ الأديب المنطقي الجدلي النظار، جامع الفنون علامة الزمان قاضي القضاة أوحد المجتهدين، تقي الدين أبو الحسن الأنصاري الخزرجي السبكي الشافعي الأشعري:
يا سعد هذا الشافعي الذي *** بلّغه اللهُ تعالى رضاهْ
يكفيهِ يومَ الحشر أن عُدَّ في *** أصحابهِ السبكيُّ قاضي القضاهْ
أما التقى فيا إمساك ابن عطية، وأما الحديث فيا هزيمة ابن عساكر وعيّ الخطيب لما أن يذاكر، وأما الأصول فيا كلال حدّ السيف وعظمة فخر الدين كيف تحيفها الحيف، وأما الفقه فيا وقوع الجويني في أول مهلك من نهاية المطلب وجرّ الرافعي إلى الكسر بعد انتصاب علمه المذهب في المذهب، وأما النحو فالفارسي ترجَّل له يطلب إعظامه والزجاجي تكسر وما فاز بالسلامة، وأما اللغة فالجوهري ما لصحاحه قيمة والأزهري أظلمت لياليه البهيمة [2]، إلى أن قال: منزّه النفس عن الحُطام، منقادًا إلى الزهد الصادق بخطام، مقبلًا إلى الزهد الصادق بخطام، مقبلًا على شأنه في العلم والعمل، منصرفًا إلى تحصيل السعادة الأبدية فما له في غيرها أمل، ناهيك به من قاض حكمه في هذا الإقليم متصرف الأوامر، وحديثه في العفة عن الأموال عُلالة المسامر، ومات الأمير سيف الدين تنكر وهو يعظمه ويختار أكبر الجواهر للثناء عليه:
وعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهلُهُ *** ولو سكتوا أثنتْ عليكَ الحقائبُ
وتوفي رحمه الله تعالى في ليلة الاثنين ثالث جمادى الآخرة سنة ست وخمسين وسبعمائة، ومولده أول يوم من صفر سنة ثلاث وثمانين وستمائة، وتفقه في صغره على والده رحمه الله تعالى ثم على جماعة ءاخرهم فقيه العصر نجم الدين بن الرفعة، ورأيته رحمه الله يثني عليه ثناء كثيرًا ويعظمه تعظيمًا زائدًا، وقرأ الفرائض على الشيخ عبد الله الغماري المالكي، وقرأ المنطق والخلاف على الشيخ سيف الدين البغدادي، وقرأ النحو على الشيخ أثير الدين أبي حيان، وقرأ التفسير على الشيخ علم الدين العراقي، وقرأ القراءات على الشيخ تقي الدين بن الصائغ، وتخرج في الحديث على الحافظ شرف الدين الدمياطي، وصحب في التصوف الشيخ تاج الدين ورحل في طلب الحديث إلى الإسكندرية والشام، ومن مشاهير أصحابه في الرواية ابن الصواف وابن جماعة والدمياطي وابن القيم وابن عبد المنعم وزينب هؤلاء بالإسكندرية وبمصر، والذين بالشام ابن الموازيني وابن مشرف والمطعّم وغيرهم، والذين بالحجاز رضي الدين إمام القاهر وغيره، وخرّج له شهاب الدين الدمياطي معجمًا لشيوخه جلس بالكلاسة جوار الجامع الأموي بدمشق وحدث به قرأه عليه الإمام أقضى القضاة تقي الدين أبو الفتح السبكي وسمعه عليه خلائق منهم الحافظ الكبير جمال الدين المزي والحافظ أبو عبد الله الذهبي، وروى عنه شيخنا الذهبي في معجمه، وتولى بدمشق مع القضاء خطابة الجامع الأموي وباشرها مدة، وذلك في سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، فقال شيخنا الحافظ شمس الدين الذهبي: ما صعد هذا المنبر بعد ابن عبد السلام أعظم منه ونظم في ذلك:
ليهنَ المنبرُ الأمويُّ لمّا *** علاه الحاكمُ البرُّ التقيّ
شيوخُ العصرِ أحفظهم جميعًا *** وأخطبهم وأقضاهم عليُّ
وتولى بعد وفاة شيخنا المزي رحمه الله مشيخة دار الحديث الأشرفية، فالذي نقول إنه ما دخلها أعلم منه ولا أحفظ في الرجال من المزي ولا أورع من النووي وابن الصلاح ولا يورد زين الدين الفارقي فإنه أفقه منه رحم الله كلًا.
ومن مسموعاته الحديثية: الكتب الستة، والسيرة النبوية، وسنن الدارقطني، ومعجم الطبراني، وحلية الأولياء، ومسند الطيالسي، ومسند الحارث بن أبي أسامة، ومسند الدارمي، ومسند عبد بن حميد، ومسند العدلي، ومسند الشافعي رضي الله عنه، وسنن الشافعي، واختلاف الحديث للشافعي، ورسالة الشافعي، ومعجم ابن المقري، ومختصر مسلم، ومسند أبي يعلى، والشفا للقاضي عياض، ورسالة القشيري، ومعجم الإسماعيلي، والسيرة للدمياطي، وموطأ يحيى بن يحيى، وموطأ القعنبي، وموطأ ابن بكير، والناسخ والمنسوخ للحازمي، وأسباب النزول للواحدي، وأكثر مسند أحمد، ومن الأجزاء شيء كثير.
إلى أن قال: ولم أره في مدة ولايته القضاء يستكثر على أحد شيئًا والعلة في ذلك إعراضه عن الدنيا وإلقاؤها وراء ظهره حتى لم تكن له ببال، حتى لم تكن له ببال، حتى إنني قلت فيه:
لم يلتفت يومًا إلى زهرة الـ *** ـدنيا وإن كانت له زاهره
رئاسة العلم التي حازها *** تكفيهِ في الدنيا وفي الآخره
ولله درّ ولده قاضي القضاة تاج الدين حيث قال في ترجمته لما ذكره في طبقات الفقهاء:
وما عليَّ إذا ما قلتُ معتقدي *** دعِ الحسودَ يظنُّ السوءَ عدوانا
هذا الذي تعرفُ الأملاكُ سيرتهُ *** إذا ادْلَهَمَّ دُجًى لهم لم يبقَ سهرانا
هذا الذي يسرعُ الرحمنُ دعوتَهُ *** إذا تقاربَ وقت الفجرِ أو حانا
هذا الذي يسمعُ الرحمنُ صائحهُ *** إذا بكى وأفاضَ الدمعُ ألوانا
هذا الذي لم يزلْ من حينَ نشأتِهِ *** يقطعُ الليلَ تسبيحًا وقرءانا
هذا الذي تعرفُ الصحراءُ جبهتهُ *** من السجودِ طوالَ الليلِ عرفانا
هذا الذي لم يغادرْ سيلُ مدمعهِ *** أركانَ شيبتِهِ البيضاءِ أحيانا
واللهِ واللهِ واللهِ العظيم ومَن *** أقامهُ حجةً في العصرِ بُرهانا
وحافظًا لنظام الشرعِ ينصرهُ *** نصرًا يُلقيهِ من ذي العرشِ غُفرانا
كلُّ الذي قلتُ بعضٌ من مناقبهِ *** ما زدتُ إلا لعلي زدتُ نقصانا
وصنف بالديار المصرية ودمشق ما يزيد على المائة والخمسين مصنفًا فمن ذلك: الدر النظيم في تفسير القرءان العظيم عمل منه مجلدين كبيرين ونصفًا، وتكملة المجموع في شرح المهذب ولم يكمل، والابتهاج في شرح المنهاج في الفقه بلغ فيه إلى ءاخر وقت [3]، والتحقيق في مسئلة التعليق ردًا على الشيخ تقي الدين بن تيمية في مسئلة الطلاق، وكان فضلاء الوقت قد عملوا ردودًا ووقف عليها [4] فما أثنى على شيء منها غير هذا وقال ما ردّ عليّ ردّ فقيه غير السبكي، وكتاب شفاء السقام في زيارة خير الأنام ردًا عليه في إنكار سفر الزيارة، وقرأته عليه بالقاهرة في سنة سبع وثلاثين وسبعمائة من أوله إلى ءاخره، وكتبت عليه طبقة جاء مما فيها نظمًا:
لقولِ ابن تيميةٍ زُخرفٌ *** أتى في زيارةِ خيرِ الأنامْ
فجاءتْ نفوسُ الورى تشتكي *** إلى خيرِ حبرٍ وأزكى إمامْ
فصنّفَ هذا وداواهمُ *** فكانَ يقينًا شِفاءَ السَّقامْ [5]
والرفدهْ في معنى وحدَهْ وكتبتها بخطي وقرأتها عليه وكتبت عليها:
خَلّ عنكَ الرقده *** وانتبه للرفده
تَجْنِ منها عِلمًا *** فاقَ طعمَ الشهده
والتعظيم والمنة في {لتُؤمِنُنَّ بهِ ولتَنصُرُنَّهُ} [سورة ءال عمران/81] وكتبتها بخطي وقرأتها عليه وكتبت عليها:
غالبُ ما صنّفهُ الناسُ في *** مُسَبَّباتِ المالِ والجاهِ
فللريا ذلك قد كان والـ *** ـتعظيمُ والمنة لله
والحلم والأناه في إعراب {غيرَ ناظرينَ إناهُ} [سورة الأحزاب/53] وكتبتها بخطي وقرأتها عليه وكتبت عليها:
يا طالبَ النحوِ في زمانٍ *** أطولَ ظلًا من القناه
وما تحلى منها بعقدٍ *** عليكَ بالحلم والأناه
والإغريضْ في الحقيقة والمجاز والكناية والتعريض كتبتها بخطي وقرأتها عليه وكتبت عليها:
قل لمنْ راحَ باحثًا عن كلام *** في كتاباتهِ وفي التعريضْ
لا تغالط ما يشبهُ الدُّرَّ شيءٌ *** إن تأملتَهُ سوى الإغريض
ووَرْدُ العلل في فهم العلل وكتبتها بخطي وقرأتها عليه وكتبت عليها:
أيا من شفا ما بنا من عللْ *** وردَّ ردانا بورْدِ العَلَلْ
جزاكَ إلهُكَ منْ محسِنٍ *** هدانا الصوابَ وروَّى الغُللْ
ونيل العلا في العطف بلا وكتبتها بخطي وقرأتها عليه وكتبت عليها:
يا مَنْ غدا في العلمِ ذا همةٍ *** عظيمةٍ في الفضلِ تملا الملا
لم ترقَ في النحوِ إلى رتبةٍ *** ساميةٍ إلا بنيلِ العُلا
ومن تصانيفه أيضًا رافع الشقاق في مسئلة الطلاق، والرياض الأنيقة في قسم الحديقة، ومُنية المباحث في حكم دين الوارث، ولمعة الإشراق في أمثلة الاشتقاق، وإبراز الحكم من حديث رفع القلم، وإحياء النفوس في حكمة وضع الدروس، وكشف القناع في إفادة لو الامتناع، وضوء المصابيح في صلاة التراويح، ومسئلة كل وما عليها تدل، وكتب عليها الفاضل سراج الدين عبد اللطيف بن الكويك ثلاثة أبيات أوردتها في ترجمته، والرسالة العلائية، والتحبير المذهب في تحرير المذهب، والقول الموعَب في القول بالموجب، ومناسك أولى ومناسك أخرى، وبيع المرهون في غيبة المديون، وبيان الربط في اعتراض الشرط على الشرط، ونور الربيع من كتاب البديع، والرقم الإبريزي في شرح التبريزي، وعقود الجُمان في عقود الرهن والضمان، وطليعة الفتح والنصر في صلاة الخوف والقصر، والسيف المسلول على من سبّ الرسول، والسهم الصائب في منع دين الغائب، وفصل المقال في هدايا العمال، والدلالة على عموم الرسالة، والتهدي إلى معنى التعدي، والنقول البديعة في أحكام الوديعة، وكشف الغمة في ميراث الأمة، والطوالع المشرقة في الوقوف على طبقة بعد طبقة، وحسن القنيعة في حكم الوديعة، وأجوبة أهل طرابلس، وتلخيص التلخيص وتاليه، والإبهاج في شرح المنهاج في الأصول بدا فيه قدر كُراسين، وكمله ولده قاضي القضاة تاج الدين، ورفع الحاجب في شرح ابن الحاجب في الأصول، والقراءة خلف الإمام، والرد على الشيخ زين الدين الكتاني، وكشف اللبس في المسائل الخمس، ومنتخب طبقات الفقهاء، وقطف النَّوْر في دراية الدَّوْر، والغيث المغدق في ميراث المعتق، وتسريح الناظر في انعزال الناظر، والملتقط في النظر المشترط، وتنزل السكينة على قناديل المدينة، ودفع من تغلبك في مسئلة مدرسة بعلبك، وشي الحلا في تأكيد النفي بلا، الاعتبار ببقاء الجنة والنار، ضرورة التقدير في تقويم الخمر والخنزير، تقييد التراجيح، الكلام على حديث: “إذا مات ابن ءادم انقطع عمله إلا من ثلاث”، الكلام مع ابن الدارس في المنطق، جواب سؤال على ابن عبد السلام، رسالة أهل مكة، أجوبة أهل صفد، فتوى كل مولود يولد على الفطرة، مسئلة فناء الأرواح، مسئلة في التقليد، النوادر العمدانية، الفرق في مطلق الماء والماء المطلق، المسائل الحلبية، أمثلة المشتق، القول الصحيح في تعيين الذبيح، القول المحمود في تنزيه داود، الجواب الحاضر في وقت عبد القادر، حديث نحر الإبل، قطف النَّور من مسائل الدور، مسئلة ما أعظم الله، مسائل في تحرير الكتابة، مسئلة هل يقال العشر الأواخر، مختصر كتاب الصلاة لمحمد بن نصر المروزي، الإقناع في قوله تعالى: {ما للظالمينَ من حميمٍ ولا شفيعٍ يُطاعُ} [سورة غافر/18]، جواب سؤال من القدس، منتخب تعليقة الأستاذ في الأصول… وسرد عدة من مؤلفاته إلى أن قال:
ولما وقف على رد الشيخ تقي الدين بن تيمية على ابن المطهر قال وانشدنيها من لفظه –فذكر أبياتًا منها-:
ولابنِ تيميةٍ رَدٌّ عليهِ وَفَى *** بمقصِدِ الرَّدِ واستيفاءِ أَضْرُبِهِ
لكنَّه خلطَ الحقَّ المُبينَ بما *** يَشوبُهُ كَدَرٌ في صَفْوِ مَشربِهِ
يُحاولُ الخشوَ أنَّى كانَ فهوَ لهُ *** حثيثُ سيرٍ بشرقٍ أو بمغربهِ
يرى حوادثَ لا مبْدا لأوّلها *** في اللهِ سبحانه عما يظنُّ بهِ
لو كانَ حيًّا يرى قولي ويفهمهُ *** رددتُ ما قالَ أقفو إثْرَ سبسبِهِ
كما رددتُ عليهِ في الطلاقِ وفي *** ترْكِ الزيارةِ ردًّا غيرَ مُشتبهِ
إلى أن قال: وكتب لابنه الأكبر محمد رحمه الله تعالى في سنة عشر وسبعمائة فأنشدنيه من لفظه رحمه الله تعالى:
أبُنَيَّ لا تُهمِلْ نصيحتي التي *** أوصيكَ واسمعْ من مقالتي ترشُدِ
احفظْ كتابَ اللهِ والسننَ التي *** صحَّتْ وفِقْهَ الشافعي محمدِ
وتعلَّمِ النحوَ الذي يُدني الفتى *** من كلّ فهمٍ في القرءانِ مُسَدَّدِ
واعلمْ أصولَ الفقهِ علمًا مُحكمًا *** يهديكَ للبحثِ الصحيحِ الأيِّدِ
واسلُكْ سبيلَ الشافعيّ ومالكٍ *** وأبي حنيفةَ في العلومِ وأحمدِ
وطريقةَ الشيخِ الجُنيدِ وصحبهِ *** والسالكينَ طريقهم بهمُ اقْتدي
واتبعْ طريقَ المصطفى في كلّ ما *** يأتي بهِ مِنْ كلّ أمرٍ يُسعِدِ
واقصدْ بعلمكَ وجهَ ربكَ خالصًا *** تظفرْ بسبلِ الصالحينَ وتهتدي
واخشَ المُهيمنَ وائتِ ما يدعو إليـــهِ وانتهي عمّا نهى وتزهَّدِ
وارفعْ إلى الرحمنِ كلَّ مُلمَّةٍ *** بضراعةٍ وتمسكنٍ وتعبُّدِ
واقطعْ عن الأسبابِ قلبكَ واصطبرْ *** واشكر لمن أولاكَ خيرًا واحمدِ
وعليكَ بالورعِ الصحيحِ ولا تحُمْ *** حولَ الحِمى واقنتْ لربكَ واسجُدِ
وخُذِ العلومَ بهمَّةٍ وتفطنٍ *** وقريحةٍ سمحاءَ ذاتِ توقدِ
واستنبطِ المكنونَ من أسرارها *** وابحثْ عنِ المعنى الأسدّ الأرشدِ
وعليكَ أربابَ العلومِ ولا تكن *** في ضبطِ ما يُلقونه بمُفنّدِ
فإذا أتتكَ مقالةٌ قد خالفتْ *** نصَّ الكتابِ أو الحديثِ المسندِ
فاقْفُ الكتابَ ولا تمِلْ عنهُ وقِفْ *** متأدِّبًا مع كلّ حبرٍ أوحدٍ
فلُحُومُ أهلِ العلم سُمّتْ للجُنا *** ةِ عليهمُ فاحفظْ لسانكَ وابعدِ
هذي وصيتي التي أوصيكها *** أكرِمْ بها مِنْ والدٍ متودّدِ
ووصل الخبر مع البريدي من مصر بوفاته قدس الله روحه في يوم الجمعة سابع جمادى الآخرة سنة ست وخمسين، فكتبت مرثيه إلى ابنه قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب وأنشدت في صبيحة العزاء بالعادلية وهي:
أي طود من الشريعة مالا *** زعزعت ركنه المنون فزالا
مات قاضي القضاة من كان يرقا *** رُتب الاجتهاد حالًا فحالا
إلى أن قال: وكتبت بعد ذلك إلى ولده الشيخ الإمام بهاء الدين أحمد بمصر أعزيه:
أهكذا جبلُ الإسلامِ ينهدمُ *** وهكذا سيفُهُ المسلولُ ينثَلِمُ
إلى أن قال:
تزايدَ الحُلْمُ مِنْ زاكي سَجيَّتِهِ *** فلمْ يكُنْ مِنْ عداهُ قطُّ ينتقمُ
مُوَفَّقُ الحُكمِ والفتوى على رشدٍ *** ما ندَّ منهُ على ما قدْ مضى ندمُ
كم باتَ يُنصِرُ مظلومًا رءاهُ وقدْ *** أوْدى وجانِبُهُ بالضعفِ يهتضمُ
كان ابنُ تيميةٍ بالفضلِ مُعترفًا *** وهْوَ الألدُّ الذي في بحثِهِ خَصِمُ
يُثني عليهِ وقد أبدى بفكرتِهِ *** أوهامهُ فيراها وهْوَ يبتسِمُ
وما أقرَّ لمخلوقٍ سِواهُ وفي *** زمانِهِ كلُّ حِبْرٍ عِلمهُ عَلَمُ
قاضي القضاة تقيُّ الدين حينَ قضى *** غدا أولو العلمِ لمْ يهناهُمُ حُلُمُ
وكيفَ يهنأ عيشٌ بعدهُ وبهِ *** قد كان سهلَ الهُدى بالحقّ يلتئمُ
إلى أن قال:
كا كنتُ إلا إمامَ الناسِ قاطبةً *** في النقلِ والعقلِ تقضي كلَّما اختصموا
وكلُّ مشكلةٍ في الدينِ مُعضلةٍ *** يضيقُ منها على سلاكِها اللقمُ
تحُلُّ شُبهتَها من حيثُما عرضتْ *** بالحقّ إذْ لستَ في الترجيحِ تُتَّهمُ
تأوي إليكَ نفوسُ العارفينَ لِما *** تراهُ منكَ وتُرعى عندكَ الذمم
مُطَهَّرُ الذاتِ من ريبٍ تُضيءُ لنا *** منكَ العوارفُ والأخلاقُ والشيمُ
يكاد من دقةٍ فيهِ يهبُّ صبًا *** هذا وقد برحتْ أحداثهُ الحُطمُ
من أجلِ ذاكَ غدتْ أيامهُ غُرَرًا *** بيضًا ولمْ يقضِ منها أن يُراقَ دمُ
انتهى ما ذكره صلاح الدين في ترجمة الإمام السبكي.
والآن نشرع في نقض أقوال ابن تيمية التي شذّ بها مما سبق ذكره بطريق الإجمال بالدلائل الواضحات.
الهوامش:
[1] انظر ترجمة علي بن عبد الكافي السبكي من الكتاب [مخطوط].
[2] ويناسب هنا أن نذكر ما قاله أبو المحاسن الحسيني في ذيل تذكرة الحفاظ [ص/39]. قال ما نصه: وكان ممن جمع فنون العلم من الفقه والأدب والنحو واللغة والشعر والفصاحة والزهد والورع والعبادة الكثيرة والتلاوة والشجاعة والشدة في دينه، ولي قضاء الشام سنة تسع وثلاثين وسبعمائة اهـ.
وكذلك ما قاله ابن فهد الهاشمي في لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ [ص/352] قال: هو الإمام الفقيه المحدث الحافظ المفسر الأصولي المتكلم النحوي اللغوي الأديب المجتهد تقي الدين أبو الحسن علي بن عبد الكافي شيخ الإسلام إمام العصر، ولد في صفر سنة ثلاث وثمانين وستمائة وأخذ الفقه عن ابن الرفعة والحديث عن الشرف الدمياطي والقراءات عن التقي الصائغ والأصلين والمعقول عن العلاء الباجي والخلاف والمنطق عن السيف البغدادي والنحو عن أبي حيان اهـ.
[3] هكذا الاصل.
[4] أي وقف عليها ابن تيمية.
[5] وهذا فيه رد من الصفدي لإنكار ابن تيمية لسفر الزيارة.