تجنب قطرة سم خير من الحصول على قنطار عسل
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله من بعثه الله رحمة للعالمين هاديًا ومبشِّرًا ونذيرا ، بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمّة، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيًا من أنبيائه صلوات الله وسلامه عليه وعلى كلِّ رسول أرسله.
أما بعد عباد الله ، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله العليِّ العظيم ، اتقوا الله حقّ تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون.
يقول الله تعالى : {يوم يقوم الروح والملئكة صفًا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابًا . ذلك اليوم الحقّ فمن شآء اتخذ إلى ربه مئابًا} سورة النبأ / ءاية 38 – 39 .
إخوة الإيمان ، إنّ يوم القيامة ثابت ليس فيه تخلّف، ومن أراد السلامة من العذاب يوم القيامة يسلك سبيل الخير ، يسلك طريق الأنبياء ، يسلك طريق الجنة، فيؤدي ما أوجب الله ويجتنب ما حرَّم الله ليفوز يوم القيامة . يقول الله تعالى : {وبرِّزّت الجحيم لمن يرى . فأمَّا من طغى . وءاثر الحيوة الدنيا . فإنّ الجحيم هي المأوى}النازعات/ 36-37-38-39
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : “إنّ الحلال بيّن وإنّ الحرام بيّن وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإنّ لكل ملك حمى ألا وإنّ حِمى الله محارمه”.
إخوة الإيمان ، هذا الحديث العظيم هو أصل عظيم من أصول الشريعة وهو من الأحاديث التي يدور الإسلام عليها. ويفهم من قوله عليه الصلاة والسلام : “إنّ الحلال بيّن وإنّ الحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات “ أنّ الأشياء ثلاثة أقسام ، فما نُصَّ على تحليله فهو الحلال البيّن كما في قوله تعالى : “{أحلّ لكم صيد البحر وطعامه متعًا لكم} الآيبة . (سورة المائدة ءاية/96) ونحو ذلك .
وما نُصَّ على تحريمه فهو الحرام البيّن مثل قوله تعالى : {حرّمت عليكم أمهتكم وبناتكم } الآية سورة النساء/ 23 .
وقوله تعالى: {حرّمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنـزير} الآية/ سورة المائدة/ 3
وهناك المشتبهات التي أشار إليها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في هذا الحديث بقوله عليه الصلاة والسلام {وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس}
فلا تدخل أخي المسلم في تحليل أو تحريم ما جهلت حكمه من تلقاء نفسك واسأل أهل العلم الثقات ، يقول الله تعالى : {فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} سورة النحل/43 .
إخوة الإيمان، فالعلماء علّموا الناس الأحكام وبيّنوا لهم الحلال والحرام وعلّموهم إذا أرادوا الدخول في أمر بيع أو شراء أو زواج أو نحو ذلك، علّموهم كيف يكون حلالا موافقًا لشرع الله، علّموهم قواعد الشرع التي منها إذا تعيَّن الوقوع في إحدى المفسدتين عُدِل إلى أخفهما كما حصل مرة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث دخل أعرابي وبال في المسجد فقام بعض الصحابة لإخراجه فنهاهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم . تُرى لماذا نهاهم ؟ وهم أرادوا إخراجه لأنه ينجّس المسجد، نهاهم رسول الله لأنه إن أخرجوه وهو في هذه الحالة تتوسع النجاسة ، أما إن تُرِكَ تنحصر النجاسة، فهذا أخف من ذاك ، فإن تعيَّن أحد الشرَّين يعدل إلى أخفهما .
ومن القواعد التي نصّ عليها العلماء تجنب قطرة سم خير من الحصول على قنطار عسل ، نعم تجنب قطرة سم أفضل من الحصول على قنطار من العسل أي الشىء الكثير من العسل ، لأنك إن أخذت العسل ووضع لك فيه السمّ فالسمّ يضرُّك، لذلك يحذر مما يحصل من بعض الجهال وهو أنك إذا قلت لهم لا تأخذوا من فلان أو فلان ممن يتصدرون للإفتاء وهم غير أهل لا تأخذوا منهم يقولون بالعامية ” نحن نأخذ المنيح ونترك القبيح ” نقول لهم ليس كل أحد من المسلمين عنده الميزان الشرعي الذي به يميّز بين القبيح والحسن ، ثم أنت إن سمعت منه أمرًا واحدًا فاسدًا لم تتفطّن له يكون سببًا في هلاكك، هذا السمّ في الدسم الذي قد يدخل فيه الجاهل فيهلكه. وقد ورد عن الحسن بن علي رضي الله عنهما سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته قال : ” حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم دع ما يريبك إلى ما لا يريبك “ .
فنصيحتي أحبابنا أن لا ندخل في شىء تبعًا لهوى النفس وأن لا نقول بآرائنا في الدين وليكن هوانا تبعًا لما جاء به رسول الله فقد قال سيدنا علي رضي الله عنه : “لو كان الدين بالرأي لكان مسح الخف من أسفله لا من أعلاه ولكني رأيت رسول الله يمسح أعلاه “ .
فإيّاك والغفلة وهي سواد القلب . قال تعالى : {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} المطفِّفين/14
أي ثبتت على قلوب الكفار الخطايا حتى غمرتها، والران الغشاوة وهو كالصداء. وروى الترمذي وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : “إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه فإذا هو نزع واستغفر صقلت فإن هو عاد زيد فيها حتى تَعْلُوَ قَلْبَهُ فهو الران الذي ذكره الله تعالى {كلا بل ران على قلوبهم} “ .
وأما قوله تعالى : {ما كانوا يكسبون} أي من المعاصي والذنوب لما كثرت معاصيهم وذنوبهم أحاطت بقلوبهم .
والله الموجود بلا مكان يراك في خلوتك وفي غير خلوتك، قال عليه الصلاة والسلام: “الله أحقُّ أن يُستحى منه” .
يقول الشاعر :
يا كاتِمَ الذنبِ أما تستَحي |
| والله في الخلوةِ رائيكا |
غرَّك من ربّكَ إمهاله |
| وستره طول مساويكا |
ويقول ذو النون المصري : “كم من مغرور تحت الستر وهو لا يشعر” .
نسأل الله المسامحة والستر في الدنيا والآخرة . فتجنبوا أحبابنا السمّ في الدسم وانظروا عمن تأخذون دينكم .
هذا وأستغفر الله لي ولكم .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ الْوَعْدِ الأَمِينِ وَعَلَى إِخْوَانِهِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ. وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَءَالِ الْبَيْتِ الطَّاهِرِينَ وَعَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَعَنِ الأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللَّهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ فَاتَّقُوهُ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَى نَبِيِّهِ الْكَرِيْمِ فَقَالَ ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾، اللَّهُمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعَاءَنَا فَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا وَءَامِنْ رَوْعَاتِنَا وَاكْفِنَا مَا أَهَمَّنَا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ. عِبَادَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغِي، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يُثِبْكُمْ وَاشْكُرُوهُ يَزِدْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ وَاتَّقُوهُ يَجْعَلْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مَخْرَجًا، وَأَقِمِ الصَّلاةَ.