وهنا لنا وقفة لنقول:
تصوّف ولا تطرّف
تاريخ التطرّف:
ليعلم أن الإسلام دين اعتدال ووسطية لا إفراط فيه ولا تفريط، وأن الإفراط في الدين من دواعي التطرف البغيض الذي شوه صورة الإسلام والمسلمين في عديد من دول العالم، وقد أخذ عبر العصور أوجهاً متعددة وتسميات مختلفة.
وهذا التطرف البغيض ما هو إلا امتداد لجذور ابتدأت من الخوارج الذين قام مبدؤهم على فكرة الحاكمية وأن من حكم بغير شرع الإسلام ولو في مسألة واحدة فهو كافر مطلقاً من غير تفصيل متأولين قوله تعالى: { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ } فكفروا علياً ومن معه ومعاوية ومن معه لأنهم رضوا بالتحكيم، على أن معنى الآية ليس الذي ذهبوا إليه، بل إن الصحابي الجليل البراء بن عازب رضي الله عنه قال: “إنها نزلت في الكفار وليس في المسلمين” وقال ترجمان القرآن سيدنا عبد الله بن عباس في تفسير الآية: “كفر دون كفر” أي ليس بكفر يخرج من الملة.
وقد ثبت فيهم حديث: “يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم وعملكم مع عملهم ويقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية”.
وتفرعت منهم طائفة تسمى البيهسية انفردت عن سائر فرق الخوارج بقولهم: إن الاملك إذا حكم بغير الشرع صار كافراً ورعاياه كفاراً من تابعه ولم لم يتابعه.
وللأسف وجدت هذه الطائفة لها خلفاً في عصرنا هذا، ففي أواخر القرن العشرين ظهرت جماعات التكفير المطلق في عديد من الدول العربية والإسلامية تحت شعار الدعوة إلى الحكم بما أنزل الله، فكفروا جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربهم وإن صلوا وإن صاموا وزكوا وحجوا باعتبار أنهم ليسوا من جماعتهم، وحكموا على مجتمعات المسلمين بأنها مجتمعات جاهلية وبالتالي حكموا على ديارهم بأنها دار كفر فاستجروا الكثير من الشباب المتحمس تحت هذا العنوان وأباحوا لهم أموال وأعراض ودماء من خالفهم، وقد سبب هذا النوع من الاتطرف للوطن العربي سلسلة حوادث دموية طالت فئات المجتمع كافة من علماء ومشايخ وقوى أمنية وأطفال ونساء وغيرهم،وكل ذلك باسم الإسلام كذباً وزوراً.