الأربعاء أبريل 2, 2025

تأويل مالك والأوزاعيّ
حديث النـزول بنـزول الملك

عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله ﷺ قال: «يَنْـزِلُ ربُّنا تباركَ وتعالى كلَّ ليلةٍ إلى السماءِ الدنيا حينَ يَبْقَى ثُلُثُ الليلِ الآخرُ يقولُ: مَنْ يدعوني فأستجيبَ لهُ؟ من يسأَلُنِي فأعطيَهُ؟ ومنْ يستغفرُني فأغفرَ لهُ([1])؟». لا يجوز أن يحمل هذا الحديث على ظاهره لإثبات النزول من علو إلى سفل في حقّ الله تعالى. قال النوويّ في شرحه على صحيح مسلم([2]): «هذا الحديث من أحاديث الصفات، وفيه مذهبان مشهوران للعلماء:

أحدهما: وهو مذهب جمهور السلف وبعض المتكلّمين، أنه يؤمن بأنها حقّ على ما يليق بالله تعالى وأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد، ولا يتكلّم في تأويلها – أي تفصيلًا – مع اعتقاد تنـزيه الله تعالى عن صفات المخلوق وعن الانتقال والحركات وسائر سمات الخلق.

والثاني: مذهب أكثر المتكلّمين وجماعات من السلف، وهو محكيّ هنا عن مالك والأوزاعيّ، أنها تتأوّل على ما يليق بها بحسب مواطنها، فعلى هذا تأوّلوا هذا الحديث تأويلين أحدهما: تأويل مالك بن أنس وغيره، معناه تنـزل رحمته وأمره وملائكته، كما يقال: فعل السلطان كذا إذا فعله أتباعه بأمره، والثاني: أنه على الاستعارة، ومعناه الإقبال على الدَّاعين بالإجابة واللطف» اهـ.

ويبطل ما ذهبت إليه المجسمة من اعتقاد نزول الله بذاته إلى السماء الدنيا أن بعض رواة البخاريّ ضبطوا كلمة «يُنْزِلُ» بضمّ الياء وكسر الزاي، فيكون المعنى نزول المَلَك بأمر الله، وهذا صرّح به النبيّ ﷺ في حديث أبي هريرة وأبي سعيد من أنَّ الله يأمر مَلَكًا بأن ينزل فينادي، فتبيّن أن المجسمة ليس لها حجة في هذا الحديث.

وقال القرطبيّ في تفسير سورة آل عمران عند قول الله تعالى: وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ {17} (آل عمران) بعد ذكره حديث النزول وما قيل فيه ما نصّه([3]): «وأَوْلَى ما قيل فيه ما جاء في كتاب النسائيّ مفسّرًا عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله ﷺ: «إنَّ الله عزَّ وجلَّ يُمهِلُ حتَّى يَمْضِيَ شَطْرُ الليلِ الأولُ ثمَّ يأمرُ مناديًا فيقولُ: هلْ مِنْ داعٍ يستجابُ لهُ؟ هل مِنْ مُستَغْفِرٍ يُغفرُ لهُ؟ هلْ مِنْ سائلٍ يُعطى؟» صحّحه أبو محمد عبد الحقّ، وهو يرفع الإشكال ويوضح كلّ احتمال، وأن الأول من باب حذف المضاف، أي ينزل مَلَك ربّنا فيقول. وقد روي «يُنـزل» بضم الياء وهو يبيّن ما ذكرنا» اهـ.

[1] ) صحيح البخاريّ، البخاري، كتاب الصلاة، باب الدعاء والصلاة من آخر الليل، 3/36. صحيح مسلم، مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه، 2/175.

 

[2] ) شرح صحيح مسلم، النوويّ، 6/36.

 

[3] ) تفسير القرطبيّ، القرطبي، 4/39.