قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَصْلٌ: وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ صَلَّى مُقْتَدِيًا فِي جُمُعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَنْ لا يَتَقَدَّمَ عَلَى إِمَامِهِ فِي الْمَوْقِفِ وَالإِحْرَامِ، بَلْ تُبْطِلُ الْمُقَارَنَةُ فِي الإِحْرَامِ وَتُكْرَهُ فِي غَيْرِهِ إِلَّا التَّأْمِينَ.
الشَّرْحُ هَذَا الْفَصْلُ مَعْقُودٌ لِبَيَانِ شُرُوطِ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ، فَيَجِبُ عَلَى مَنْ أَرَادَ الصَّلاةَ مُقْتَدِيًا بِغَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي جُمُعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَنْ يُرَاعِيَ شُرُوطَ الِاقْتِدَاءِ فِي إِمَامِهِ الَّذِي يُرِيدُ الِاقْتِدَاءَ بِهِ، وَهِيَ سِتَّةٌ:
الأَوَّلُ أَنْ لا يَعْلَمَ بُطْلانَ صَلاتِهِ بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ عَلِمَ بُطْلانَ صَلاتِهِ بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ كَأَنْ كَانَ عَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهَا وَاقْتَدَى بِهِ فَسَدَتْ صَلاتُهُ لِتَلاعُبِهِ.
وَالثَّانِي أَنْ لا يَعْتَقِدَ الْبُطْلانَ أَوْ يَظُنَّهُ، فَلَوِ اجْتَهَدَ اثْنَانِ فِي الْقِبْلَةِ فَاخْتَلَفَ اجْتِهَادُهُمَا فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَقْتَدِيَ بِالآخَرِ فَإِنِ اقْتَدَى أَحَدُهُمَا بِالآخَرِ بَطَلَتْ صَلاةُ الْمُقْتَدِي. وَكَذَلِكَ إِذَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِمَا إِنَاءَانِ أَحَدُهُمَا تَصِحُّ الطَّهَارَةُ بِمَا فِيهِ وَالآخَرُ لا تَصِحُّ فَاخْتَلَفَ اجْتِهَادُهُمَا فَظَنَّ هَذَا أَنَّ هَذَا طَاهِرٌ بِعَلامَةٍ وَالآخَرَ نَجِسٌ، وَالآخَرُ ظَنَّ عَكْسَ ذَلِكَ فَتَوَضَّأَ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنَ الَّذِي ظَنَّهُ طَاهِرًا فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَقْتَدِيَ بِالآخَرِ. وَكَذَلِكَ الْمُخْتَلِفَانِ فِي الِاجْتِهَادِ فِي ثَوْبَيْنِ أَحَدُهُمَا طَاهِرٌ وَالآخَرُ مُتَنَجِّسٌ ثُمَّ اشْتَبَهَ الأَمْرُ عَلَيْهِمَا فَلَبِسَ هَذَا أَحَدَهُمَا بِاجْتِهَادِهِ لِظَنِّهِ أَنَّهُ طَاهِرٌ وَالآخَرُ ظَنَّ بِاجْتِهَادِهِ الثَّوْبَ الآخَرَ طَاهِرًا فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَقْتَدِيَ بِالآخَرِ. وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَا يَخْتَلِفَانِ فِي الْمَذْهَبِ كَأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا شَافِعِيًّا وَالآخَرُ مَالِكِيًّا فَعَلِمَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ هَذَا الْمَالِكِيَّ تَرَكَ الْبَسْمَلَةَ فَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَقْتَدِيَ بِالْمَالِكِيِّ بَعْدَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ تَرَكَ الْبَسْمَلَةَ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَعْلَمْ يَقِينًا تَرْكَهُ لِلْبَسْمَلَةِ فَتَصِحُّ الْقُدْوَةُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَسْمَلَةَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ءَايَةٌ مِنَ الْفَاتِحَةِ وَعِنْدَ مَالِكٍ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ تَرْكُهَا فَأَغْلَبُهُمْ لا يَقْرَءُونَ الْبَسْمَلَةَ إِلَّا مَنْ أَرَادَ الِاحْتِيَاطَ، فَإِنِ اعْتَقَدَ فِي الإِمَامِ أَنَّهُ تَرَكَ الْبَسْمَلَةَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ وَلا تَصِحُّ الْقُدْوَةُ بِهِ. أَمَّا إِنْ كَانَ يَشُكُّ فَقَطْ تَصِحُّ الْقُدْوَةُ وَذَلِكَ بِأَنْ كَانَ فِي صَلاةٍ سِرِّيَّةٍ أَمَّا إِذَا تَحَقَّقَ بِأَنْ سَمِعَهُ كَبَّرَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِلا فَاصِلٍ حَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ مَا دَامَ مُلْتَزِمًا لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَمَّا إِنْ قَلَّدَ مَذْهَبَ مَالِكٍ فَتَصِحُّ الْقُدْوَةُ.
وَالثَّالِثُ أَنْ لا يَعْتَقِدَ وُجُوبَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ كَمُتَيَمِّمٍ لِفَقْدِ مَاءٍ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُهُ فَلا يَصِحُّ أَنْ يَقْتَدِيَ بِمَنْ عَلِمَهُ مُتَيَمِّمًا لِفَقْدِ الْمَاءِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ لِأَنَّهُ لا بُدَّ لَهُ مِنَ الْقَضَاءِ، وَمِثْلُهُ مَنْ كَانَ وَضَعَ جَبِيرَةً عَلَى مَوْضِعِ التَّيَمُّمِ.
وَالرَّابِعُ أَنْ لا يَشُكَّ فِي كَوْنِهِ مَأْمُومًا أَوْ إِمَامًا فَيَحْرُمُ الِاقْتِدَاءُ بِمَنْ شَكَّ فِيهِ هَلْ هُوَ إِمَامٌ أَوْ مَأْمُومٌ وَبِالأَوْلَى إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَأْمُومٌ وَهَذَا إِنْ كَانَ اقْتَدَى بِهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ صَلاةِ إِمَامِهِ وَأَمَّا إِنِ اقْتَدَى بِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ صَلاةِ إِمَامِهِ صَحَّتْ صَلاتُهُ [مَعَ الْكَرَاهَةِ إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ مَأْمُومًا]، فَلَوْ رَأَى اثْنَيْنِ وَشَكَّ أَيُّهُمَا الإِمَامُ لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ بِأَحَدِهِمَا وَلَوِ اجْتَهَدَ فِي ذَلِكَ.
وَالْخَامِسُ أَنْ لا يَكُونَ أُمِّيًّا لا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ كَأَنْ يَعْجِزَ عَنْ حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ أَوْ عَنْ إِخْرَاجِهِ مِنْ مَخْرَجِهِ، أَوْ عَنْ تَشْدِيدَةٍ مِنْ تَشْدِيدَاتِهَا وَلَوْ كَانَتِ الصَّلاةُ سِرِّيَّةً، أَمَّا شَكُّهُ فِي كَوْنِهِ أُمِّيًّا لا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ فَلا يَضُرُّ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَسَرَّ فِي مَحَلِّ الْجَهْرِ كَأَنِ اقْتَدَى فِي صَلاةِ الْعِشَاءِ بِمَنْ لا يَعْلَمُ حَالَهُ هَلْ هُوَ قَارِئٌ أَمْ لا يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ فَأَسَرَّ وَلَمْ يَجْهَرْ لَمْ تَصِحَّ الْقُدْوَةُ بِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ لَجَهَرَ، وَفِيهِ وَجْهٌ أَيْ قَوْلٌ لِبَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْقُدْوَةَ بِهِ صَحِيحَةٌ.
وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ شَخْصٍ يَعْجِزُ عَنْ بَعْضِ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ بِمِثْلِهِ إِنْ كَانَ عَجْزُهُمَا عَنْ حَرْفٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا يُبْدِلُ الرَّاءَ لامًا وَالآخَرُ يُبْدِلُهَا غَيْنًا صَحَّ اقْتِدَاءُ أَحَدِهِمَا بِالآخَرِ.
وَالسَّادِسُ أَنْ لا يَقْتَدِيَ الذَّكَرُ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ بِغَيْرِ ذَكَرٍ وَاضِحٍ، فَلا تَصِحُّ قُدْوَةُ الذَّكَرِ بِالْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلِ، وَلا قُدْوَةُ الْخُنْثَى بِالأُنْثَى أَوْ بِخُنْثَى مُشْكِلٍ مِثْلِهِ، أَمَّا الْخُنْثَى الْوَاضِحُ أَنَّهُ ذَكَرٌ فَيَصِحُّ اقْتِدَاءُ الذَّكَرِ وَالأُنْثَى بِهِ، وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ هُوَ الَّذِي لَهُ ءَالَةُ الذُّكُورِ وَءَالَةُ الإِنَاثِ وَلَمْ يَتَبيَّنْ بِعَلامَةٍ كَوْنُهُ ذَكَرًا فِي الْحَقِيقَةِ أَوْ كَوْنُهُ أُنْثَى. فَإِذَا بَالَ الْخُنْثَى بِالذَّكَرِ فَقَطْ وَلَمْ يَبُلْ بِالْفَرْجِ هَذَا صَارَ خُنْثَى وَاضِحًا أَنَّهُ ذَكَرٌ، لَكِنْ إِذَا بَالَ مِنْ ذَكَرِهِ وَحَاضَ مِنْ فَرْجِهِ فَهَذَا مُشْكِلٌ.
تَنْبِيهٌ الْمَرْأَةُ يَصِحُّ أَنْ تَقْتَدِيَ بِذَكَرٍ وَخُنْثَى وَامْرَأَةٍ.
فَائِدَةٌ مُهِمَّةٌ
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ فِي كِتَابِ حَوَاشِي الرَّوْضَةِ مَا نَصُّهُ: «وَأَطْلَقَ الْقَفَّالُ وَكَثِيرُونَ مِنَ الأَصْحَابِ الْقَوْلَ بِجَوَازِ الِاقْتِدَاءِ بِأَهْلِ الْبِدَعِ وَأَنَّهُمْ لا يُكَفَّرُونَ قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ: هُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اهـ زَادَ [أَيِ النَّوَوِيُّ صَاحِبُ رَوْضَةِ الطَّالِبِينَ] هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَفَّالُ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ هُوَ الصَّحِيحُ أَوِ الصَّوَابُ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَقْبَلُ شَهَادَةَ أَهْلِ الأَهْوَاءِ إِلَّا الْخَطَّابِيَّةَ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ الشَّهَادَةَ بِالزُّورِ لِمُوَافِقِيهِمْ وَلَمْ يَزَلِ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ عَلَى الصَّلاةِ خَلْفَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ اهـ.
فَائِدَةٌ الصَّحِيحُ وَالصَّوَابُ خِلافُ مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ [يَعْنِي النَّوَوِيَّ]، وَقَوْلُ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ ذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الأَهْوَاءِ وَلَمْ تَثْبُتْ عَلَيْهِ قَضِيَّةٌ مُعَيَّنَةٌ تَقْتَضِي كُفْرَهُ وَهَذَا نَصٌّ عَامٌّ وَقَدْ نَصَّ خَاصًّا عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ قَالَ بِخَلْقِ الْقُرْءَانِ وَالْقَوْلُ بِالْخَاصِّ هُوَ الْمُقَدَّمُ. وَأَمَّا الصَّلاةُ خَلْفَ الْمُعْتَزِلَةِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الْمُقْتَدِينَ بِهِمْ مَا يُكَفِّرُهُمْ. قَوْلُهُ وَقَدْ تَأَوَّلَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُحَقِّقِينَ مَا جَاءَ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْ تَكْفِيرِ الْقَائِلِ بِخَلْقِ الْقُرْءَانِ عَلَى كُفْرَانِ النِّعَمِ لا كُفْرَانِ الْخُرُوجِ مِنَ الْمِلَّةِ. فَائِدَةٌ هَذَا التَّأْوِيلُ لا يَصِحُّ لِأَنَّ الَّذِي أَفْتَى الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِكُفْرِهِ بِذَلِكَ هُوَ حَفْصٌ الْفَرْدُ وَقَدْ قَالَ أَرَادَ الشَّافِعِيُّ ضَرْبَ عُنُقِي، وَهَذَا هُوَ الَّذِي فَهِمَهُ أَصْحَابُهُ الْكِبَارُ وَهُوَ الْحَقُّ وَبِهِ الْفَتْوَى خِلافُ مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ« انْتَهَى كَلامُ الْبُلْقِينِيِّ.
وَهَذَا الإِطْلاقُ الَّذِي ذُكِرَ فِي كِتَابِ النَّوَوِيِّ ضَرَرٌ عَظِيمٌ إِذْ كَيْفَ تَصِحُّ الْقُدْوَةُ بِمَنْ يَقُولُ الْعَبْدُ يَخْلُقُ أَفْعَالَهُ مُسْتَقِلًّا بَعْدَ أَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ الْقُدْرَةَ عَلَى الْفِعْلِ أَيْ يُخْرِجُهَا مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ. هَذَا أَشْرَكَ بِاللَّهِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ تَصِحُّ الْقُدْوَةُ بِهِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ يَجِلُّ مَقَامُهُ عَنْ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ. إِنَّمَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَقْبَلُ شَهَادَةَ أَهْلِ الأَهْوَاءِ إِلَّا الْخَطَّابِيَّةَ مُرَادُهُ إِذَا لَمْ يُعْلَمْ مِنَ الْبِدْعِيِّ أَيِ الْمُعْتَزِلِيِّ أَوِ الْخَارِجِيِّ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ الِاعْتِقَادِيَّةِ مَا يَقْتَضِي كُفْرًا بِسَبَبٍ مُعَيَّنٍ فَعِنْدَئِذٍ تَصِحُّ الْقُدْوَةُ بِهِ وَأَمَّا مَنْ عُلِمَ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ تِلْكَ الْبِدْعَةَ الَّتِي تَقْتَضِي الْكُفْرَ فَلَيْسَ مُرَادَ الشَّافِعِيِّ بِقَوْلِهِ أَقْبَلُ شَهَادَةَ أَهْلِ الأَهْوَاءِ إِلَّا الْخَطَّابِيَّةَ وَذَلِكَ لِأَنَّ أَهْلَ الأَهْوَاءِ أَيْ أَهْلَ الْعَقَائِدِ الْفَاسِدَةِ بَعْضُهُمْ يَعْتَقِدُ مَقَالاتِهِمْ كُلَّهَا وَبَعْضُهُمْ لا يَعْتَقِدُ كُلَّ مُعْتَقَدَاتِهِمْ بَلْ يَعْتَقِدُ بَعْضَ مُعْتَقَدَاتِهِمُ الَّتِي هِيَ غَيْرُ كُفْرٍ فَهَذَا لَيْسَ كَافِرًا وَكَلامُ الشَّافِعِيِّ يُحْمَلُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ وَلا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الإِطْلاقِ.
وَإِطْلاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يُكَفِّرْ أَهْلَ الأَهْوَاءِ مَرْدُودٌ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ تَكْفِيرُهُ لِحَفْصٍ الْفَرْدِ الْمُعْتَزِلِيِّ بِقَوْلِهِ «لَقَدْ كَفَرْتَ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ» بَعْدَمَا نَاظَرَهُ فِي قَوْلِهِ الْقُرْءَانُ مَخْلُوقٌ وَأَقَامَ عَلَيْهِ الْحُجَّةَ. وَلا عِبْرَةَ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّ الشَّافِعِيَّ أَرَادَ بِقَوْلِهِ لِحَفْصٍ الْفَرْدِ لَقَدْ كَفَرْتَ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ كُفْرَانَ النِّعْمَةِ أَيِ الْكُفْرَ الَّذِي لا يُخْرِجُ مِنَ الإِسْلامِ وَإِنَّمَا هُوَ جَحْدٌ لِنِعْمَةِ اللَّهِ أَيْ أَنَّهُ مَا شَكَرَ اللَّهَ بِمَا ارْتَكَبَهُ مِنْ هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ الْكَبِيرَةِ. لِأَنَّ حَفْصًا نَفْسَهُ فَهِمَ مِنْ كَلامِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ كَفَّرَهُ حَيْثُ قَالَ إِنَّمَا أَرَادَ الشَّافِعِيُّ ضَرْبَ عُنُقِي.
وَالْعَجَبُ أَنَّ النَّوَوِيَّ يَقُولُ هُنَا هَذَا وَيَقُولُ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ مَنِ اعْتَقَدَ فِي اللَّهِ الِاتِّصَالَ أَوِ الِانْفِصَالَ مُرْتَدٌّ. نَقَلَهُ عَنِ الْمُتَوَلِّي مُقِرًّا لَهُ وَهَذَا تَكْفِيرٌ صَرِيحٌ لِلْمُشَبِّهَةِ فَكَيْفَ يَقُولُ هَذَا بَعْدَ أَنْ قَالَ هَذَا، كَيْفَ يَقُولُ إِنَّ الْمُعْتَزِلَةَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ أَهْلِ الأَهْوَاءِ الِاعْتِقَادِيَّةِ تَصِحُّ الصَّلاةُ خَلْفَهُمْ. وَقَدْ صَرَّحَ أَبُو الْحَسَنِ الأَشْعَرِيُّ بِتَكْفِيرِ الْمُشَبِّهَةِ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالنَّوَادِرِ. أَمَّا هَذَا الْكِتَابُ الْمَنْسُوبُ إِلَيْهِ الْمَعْرُوفُ بِمَقَالاتِ الإِسْلامِيِّينَ فَلا تَصِحُّ نِسْبَتُهُ إِلَيْهِ. هَذَا الْكِتَابُ الْمُسَمَّى مَقَالاتِ الإِسْلامِيِّينَ يَقُولُ بِتَرْكِ تَكْفِيرِ كُلِّ الْفِرَقِ الْمُنْتَسِبَةِ إِلَى الإِسْلامِ مِنْ مُشَبِّهَةٍ وَمُرْجِئَةٍ وَجَبْرِيَّةٍ وَمُعْتَزِلَةٍ وَغَيْرِهِمْ وَهَكَذَا كِتَابُ الِاقْتِصَادِ فِي الِاعْتِقَادِ لِلْغَزَالِيِّ فَلْيُحْذَرْ هَذَانِ الْكِتَابَانِ.
وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ: «أَنْ لا يَتَقَدَّمَ عَلَى إِمَامِهِ فِي الْمَوْقِفِ وَالإِحْرَامِ بَلْ تُبْطِلُ الْمُقَارَنَةُ فِي الإِحْرَامِ وَتُكْرَهُ فِي غَيْرِهِ إِلَّا التَّأْمِينَ».
فِيهِ ذِكْرُ أُمُورٍ مِنَ الشُّرُوطِ:
الأَوَّلُ أَنْ لا يَتَقَدَّمَ عَلَى إِمَامِهِ فِي الْمَوْقِفِ. وَالْعِبْرَةُ بِالتَّقَدُّمِ بِعَقِبِ الرِّجْلِ فِي الْقَائِمِ الْمُعْتَمِدِ عَلَيْهَا وَأَلْيَةِ الْقَاعِدِ وَجَنْبِ الْمُضْطَجِعِ، وَإِنْ كَانَا يُصَلِّيَانِ مُسْتَلْقِيَيْنِ فَالْعِبْرَةُ بِالرَّأْسِ، فَإِنْ تَقَدَّمَ بِشَىْءٍ مِمَّا ذُكِرَ عَلَى الإِمَامِ لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ، وَلا عِبْرَةَ بِغَيْرِ ذَلِكَ مَا لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَيْهِ كَأَصَابِعِ قَائِمٍ وَرُكْبَتَيْ قَاعِدٍ.
وَالثَّانِي الْمُتَابَعَةُ لَهُ فِي التَّحَرُّمِ وَسَائِرِ الأَفْعَالِ الْوَاجِبَةِ فَيَجِبُ أَنْ لا يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ بِتَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ بَلْ تُبْطِلُ الْمُقَارَنَةُ لِلإِمَامِ يَقِينًا أَوْ شَكًّا بِالإِحْرَامِ، فَيَجِبُ تَأْخِيرُ جَمِيعِ تَكْبِيرَةِ الْمَأْمُومِ عَنْ جَمِيعِ تَكْبِيرَةِ الإِمَامِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [فِي صَحِيحِهِ] وَأَبُو دَاوُدَ [فِي سُنَنِهِ]. وَأَمَّا الْمُقَارَنَةُ فِي غَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الأَفْعَالِ فَمَكْرُوهَةٌ وَتَفُوتُ بِهَا فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ، وَكَذَلِكَ الْمُقَارَنَةُ فِي الأَقْوَالِ مَكْرُوهَةٌ وَلَوْ فِي سِرِّيَّةٍ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ تَأَخَّرَ إِلَى فَرَاغِهِ مِنَ الْقِرَاءَةِ لَمْ يُدْرِكْهُ فِي الرُّكُوعِ فَلا تُكْرَهُ الْمُقَارَنَةُ حِينَئِذٍ.
وَالسُّنَّةُ فِي غَيْرِ الإِحْرَامِ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الْمَأْمُومِ مُتَأَخِّرًا عَنِ ابْتِدَاءِ إِمَامِهِ، وَالأَكْمَلُ تَأَخُّرُ ابْتِدَاءِ فِعْلِهِ عَنْ جَمِيعِ حَرَكَةِ الإِمَامِ فَلا يَشْرَعُ حَتَّى يَصِلَ الإِمَامُ إِلَى حَقِيقَةِ الْمُنْتَقَلِ إِلَيْهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَتَأَخَّرَ عَنِ الْهُوِيِّ لِلسُّجُودِ مَثَلًا حَتَّى يَضَعَ الإِمَامُ جَبْهَتَهُ عَلَى الأَرْضِ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يُدْرِكْهُ فِي الْمُنْتَقَلِ إِلَيْهِ فَحِينَئِذٍ يَفْعَلُ مَا يَظُنُّ بِهِ إِدْرَاكَهُ فِيهِ.
وَيُسْتَثْنَى مِمَّا ذُكِرَ التَّأْمِينُ أَيْ قَوْلُ ءَامِينَ فَالأَفْضَلُ فِيهِ الْمُقَارَنَةُ أَيْ لا يَسْبِقُهُ وَلا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيَحْرُمُ تَقَدُّمُهُ بِرُكْنٍ فِعْلِيٍّ.
الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ أَحْكَامِ الْجَمَاعَةِ أَنْ لا يَتَقَدَّمَ الْمَأْمُومُ عَلَى الإِمَامِ بِرُكْنٍ فِعْلِيٍّ، وَالْمَعْنَى أَنَّ تَقَدُّمَ الْمَأْمُومِ عَلَى الإِمَامِ بِرُكْنٍ فِعِلِيٍّ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ حَرَامٌ وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَمَعْنَى السَّبْقِ بِرُكْنٍ فِعْلِيٍّ أَنْ يَكُونَ الإِمَامُ فِي الْقِيَامِ مَثَلًا فَيَسْبِقَهُ الْمَأْمُومُ فَيَرْكَعَ ثُمَّ يَرْفَعَ رَأْسَهُ فَهَذَا حَرَامٌ مِنَ الْكَبَائِرِ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ [فِي صَحِيحَيْهِمَا] وَأَصْحَابُ السُّنَنِ [أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ] وَالْبَيْهَقِيُّ [فِي سُنَنِهِ] وَغَيْرُهُمْ. الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا الَّذِي يَرْكَعُ وَالإِمَامُ فِي الْقِيَامِ ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَالإِمَامُ بَعْدُ قَائِمٌ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ لِعِظَمِ ذَنْبِهِ، وَمِثْلُهُ الَّذِي يَسْجُدُ وَالإِمَامُ فِي الِاعْتِدَالِ قَائِمٌ فَيَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ وَالإِمَامُ قَائِمٌ فَهَذَا أَيْضًا مِنَ الْكَبَائِرِ وَلا تَبْطُلُ الصَّلاةُ بِذَلِكَ. فَلَوْ سَبَقَ الإِمَامَ بِبَعْضِ الرُّكْنِ لا بِكُلِّهِ كَأَنْ رَكَعَ وَالإِمَامُ قَائِمٌ فَانْتَظَرَ فِي الرُّكُوعِ حَتَّى رَكَعَ الإِمَامُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَمِثْلُهُ الَّذِي يَسْجُدُ وَالإِمَامُ قَائِمٌ فِي الِاعْتِدَالِ ثُمَّ يَنْتَظِرُ الإِمَامَ فِي السُّجُودِ حَتَّى يَضَعَ الإِمَامُ جَبْهَتَهُ بِالأَرْضِ ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مَعَ الإِمَامِ، فَهَذَا إِنْ تُعُمِّدَ مَكْرُوهٌ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَتَبْطُلُ الصَّلاةُ بِالتَّقَدُّمِ عَلَى الإِمَامِ بِرُكْنَيْنِ فِعْلِيَّيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ طَوِيلَيْنِ أَوْ طَوِيلٍ وَقَصِيرٍ بِلا عُذْرٍ.
الشَّرْحُ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ مَثَلًا بِأَنْ يَرْكَعَ الْمَأْمُومُ وَيَعْتَدِلَ وَيَهْوِيَ لِلسُّجُودِ وَالإِمَامُ قَائِمٌ، وَمِثْلُهُ أَنْ يَرْكَعَ الْمَأْمُومُ قَبْلَ الإِمَامِ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ سَجَدَ فَلَمْ يَجْتَمِعْ مَعَهُ فِي رُكُوعٍ وَلا اعْتِدَالٍ فَهَذَا أَيْضًا تَقَدُّمٌ عَلَى الإِمَامِ بِرُكْنَيْنِ فِعْلِيَّيْنِ.
فَالرُّكُوعُ رُكْنٌ فِعْلِيٌّ طَوِيلٌ وَالسُّجُودُ كَذَلِكَ، أَمَّا الِاعْتِدَالُ وَالْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَفِيهِمَا خِلافٌ فِي الْمَذْهَبِ هَلْ هُمَا رُكْنَانِ قَصِيرَانِ أَمْ طَوِيلانِ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُمَا رُكْنَانِ طَوِيلانِ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَكَذَا التَّأَخُّرُ عَنْهُ بِهِمَا بِغَيْرِ عُذْرٍ.
الشَّرْحُ أَنَّ ذَلِكَ كَأَنْ رَفَعَ الإِمَامُ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وَاعْتَدَلَ وَبَدَأَ بِالْهُوِيِّ لِلسُّجُودِ وَالْمَأْمُومُ بَعْدُ قَائِمٌ لَمْ يَرْكَعْ فَهَذَا تَأَخُّرٌ عَنِ الإِمَامِ بِرُكْنَيْنِ فِعْلِيَّيْنِ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَبِأَكْثَرَ مِنْ ثَلاثَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ وَلَوْ لِعُذْرٍ، فَلَوْ تَأَخَّرَ لإِتْمَامِ الْفَاتِحَةِ حَتَّى فَرَغَ الإِمَامُ مِنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودَيْنِ فَجَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ أَوْ قَامَ تَرَكَ إِتْمَامَ الْفَاتِحَةِ وَوَافَقَ الإِمَامَ فِيمَا هُوَ فِيهِ وَأَتَى بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلامِ إِمَامِهِ، وَإِنْ أَتَمَّهَا قَبْلَ ذَلِكَ مَشَى عَلَى تَرْتِيبِ نَفْسِهِ.
الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مُبْطِلاتِ الصَّلاةِ التَّأَخُّرَ عَنِ الإِمَامِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلاثَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودَيْنِ، كَأَنْ رَكَعَ الإِمَامُ ثُمَّ اعْتَدَلَ ثُمَّ هَوَى لِلسُّجُودِ فَسَجَدَ السُّجُودَ الأَوَّلَ وَالسُّجُودَ الثَّانِيَ وَبَدَأَ بِالتَّشَهُّدِ وَالْمَأْمُومُ بَعْدُ قَائِمٌ لَمْ يَرْكَعْ أَوْ قَامَ الإِمَامُ لِرَكْعَةٍ أُخْرَى وَالْمَأْمُومُ بَعْدُ لَمْ يَتْرُكْ إِتْمَامَ الْفَاتِحَةِ فَهَذَا تَبْطُلُ صَلاتُهُ لِأَنَّهُ تَأَخَّرَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلاثَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ وَلَوْ كَانَ تَأَخُّرُهُ لِعُذْرٍ كَأَنْ كَانَ نَاسِيًا أَنَّهُ فِي الصَّلاةِ أَوْ أَنَّهُ مُقْتَدٍ بِهِ، فَمَا دَامَ لَمْ يَتَلَبَّسِ الإِمَامُ بِهِ أَيْ بِالرُّكْنِ الرَّابِعِ فَيَسْعَى الْمَأْمُومُ عَلَى تَرْتِيبِ صَلاةِ نَفْسِهِ، فَإِذَا كَانَ لَمْ يَنْتَهِ مِنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَقَدْ رَفَعَ الإِمَامُ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ الثَّانِي لِلْقِيَامِ أَوْ لِلْجُلُوسِ فَقَامَ أَوْ جَلَسَ تَرَكَ تَرْتِيبَ نَفْسِهِ أَيْ تَرَكَ إِتْمَامَ الْفَاتِحَةِ وَوَافَقَ الإِمَامَ فِيمَا هُوَ فِيهِ وَفَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلامِ إِمَامِهِ، وَمِنَ الْعُذْرِ فِي ذَلِكَ بُطْءُ قِرَاءَتِهِ أَيْ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ أَيْ لِسَانُهُ لا يُسَاعِدُهُ عَلَى السُّرْعَةِ.
بَيَانٌ إِنَّمَا شَرَطُوا الرُّكْنَ الْفِعْلِيَّ لِأَنَّ التَّقَدُّمَ بِالرُّكْنِ الْقَوْلِيِّ لا يَحْرُمُ وَلا يُبْطِلُ الصَّلاةَ كَالتَّقَدُّمِ بِالْفَاتِحَةِ قَبْلَ أَنْ يَبْدَأَ الإِمَامُ بِهَا أَوْ بِالتَّشَهُّدِ الأَخِيرِ قَبْلَ أَنْ يَبْدَأَ الإِمَامُ بِهِ، فَإِذَا قَرَأَ الْمَأْمُومُ الْفَاتِحَةَ وَأَنْهَاهَا وَالإِمَامُ بَعْدُ لَمْ يَشْرَعْ فِي قِرَاءَتِهَا ثُمَّ اكْتَفَى الْمَأْمُومُ بِتِلْكَ الْقِرَاءَةِ لَمْ يَحْرُمْ ذَلِكَ وَلَمْ تَبْطُلْ صَلاتُهُ لَكِنَّهُ ارْتَكَبَ الْكَرَاهَةَ، وَكَذَلِكَ لا تَبْطُلُ الصَّلاةُ لَوْ سَبَقَ الْمَأْمُومُ الإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ وَالصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُمَا رُكْنَانِ قَوْلِيَّانِ. وَإِنَّمَا فَرَّقُوا بَيْنَ الرُّكْنِ الْفِعْلِيِّ وَالرُّكْنِ الْقَوْلِيِّ لِأَنَّ الرُّكْنَ الْفِعْلِيَّ التَّقَدُّمُ بِهِ يُشْعِرُ بِاخْتِلالِ هَيْئَةِ الْقُدْوَةِ بِظُهُورٍ إِلَّا أَنَّ التَّقَدُّمَ بِتَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ عَلَى الإِمَامِ أَوْ بِالسَّلامِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقُدْوَةِ فَيُبْطِلُ الصَّلاةَ، فَمَنْ أَرَادَ الِاقْتِدَاءَ بِإِمَامٍ فَكَبَّرَ قَبْلَهُ تَكْبِيرَةَ الإِحْرَامِ مَعَ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ إِلَّا أَنْ يُعِيدَ التَّكْبِيرَةَ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الإِمَامِ، وَكَذَا السَّلامُ قَبْلَ الإِمَامِ يُبْطِلُ الصَّلاةَ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْمُفَارَقَةَ فَيُسَلِّمَ قَبْلَهُ فَإِنَّ صَلاتَهُ لا تَبْطُلُ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَنْ يَعْلَمَ بِانْتِقَالاتِ إِمَامِهِ.
الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْقُدْوَةِ عِلْمَ الْمَأْمُومِ وَلَوْ ظَنَّا بِسَمَاعِ الْمُبَلِّغِ بِانْتِقَالاتِ إِمَامِهِ لِيَتَمَكَّنَ مِنَ الْمُتَابَعَةِ [مِثَالُ الظَّنِّ إِذَا كَانَ الْمَأْمُومُ لا يَرَى الإِمَامَ لَكِنْ عِنْدَمَا يَرْفَعُ الإِمَامُ يُكَبِّرُ الْمُبَلِّغُ فَيَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ هَذَا بِطَرِيقِ الظَّنِّ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْعِلْمِ الْيَقِينِيِّ لِأَنَّ الْمُبَلِّغَ يَجُوزُ أَنْ يُخْطِئَ بِأَنْ يُبَلِّغَ عَنْهُ وَالإِمَامُ لَمْ يَنْتَقِلْ إِلَى الرُّكْنِ الَّذِي بَعْدَهُ]. وَيَحْصُلُ هَذَا الْعِلْمُ بِرُؤْيَةِ الإِمَامِ أَوْ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ أَوْ بِسَمَاعِ الصَّوْتِ مِنَ الإِمَامِ أَوْ مِنَ الْمُبَلِّغِ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُصَلٍّ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا أَوْ أَنْ يَعْتَقِدَ الْمَأْمُومُ صِدْقَهُ. فَإِذَا كَانَ الْمَأْمُومُ لا يَرَى الإِمَامَ وَلا يَرَى مَنْ يَرَى الإِمَامَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِانْتِقَالاتِهِ بِسَمَاعِ صَوْتِهِ وَإِنَّمَا اعْتَمَدَ عَلَى الْمُبَلِّغِ فَذَهَبَ الْمُبَلِّغُ فَحِينَئِذٍ إِمَّا أَنْ يَنْوِيَ الْمُفَارَقَةَ أَوْ يَنْتَظِرَهُ إِنْ كَانَ يَرْجُو عَوْدَتَهُ بِقُرْبٍ قَبْلَ مُضِيِّ رُكْنَيْنِ، فَإِنْ كَانَ يَرْجُو عَوْدَهُ قَبْلَ مُضِيِّ رُكْنَيْنِ فَعَادَ لَمْ تَبْطُلْ صَلاةُ الْمَأْمُومِ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَنْ يَجْتَمِعَا فِي مَسْجِدٍ وَإِلَّا فَفِي مَسَافَةِ ثَلاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ يَدَوِيَّةٍ.
الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْقُدْوَةِ أَنْ يَجْتَمِعَ الإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ فِي مَكَانٍ مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ فَضَاءٍ [السَّاحَةِ وَمَا اتَّسَعَ مِنَ الأَرْضِ. مُخْتَارَ الصَّحَاحِ] أَوْ بِنَاءٍ أَوْ أَحَدُهُمَا بِمَسْجِدٍ وَالآخَرُ بِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَا فِي مَسْجِدٍ أَوْ مَسَاجِدَ مُتَلاصِقَةٍ وَتَنَافَذَتْ أَبْوَابُهَا صَحَّتِ الْقُدْوَةُ وَإِنْ كَانَ كُلُّ مَسْجِدٍ مُنْفَرِدًا بِمُؤَذِّنٍ وَصَلاةٍ وَإِنْ بَعُدَتِ الْمَسَافَةُ جِدًّا كَأَنْ كَانَتِ الْمَسَافَةُ بَيْنَ الإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ أَرْبَعَمِائَةِ ذِرَاعٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَالَتْ بَيْنَهُمَا الأَبْنِيَةُ الْمُتَنَافِذَةُ أَيِ الَّتِي يَنْفُذُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ لِلْمُرُورِ أَوِ اخْتَلَفَتْ كَبِئْرٍ أَوْ سَطْحٍ وَمَنَارَةٍ دَاخِلاتٍ فِيهِ أَيْ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُمَا يُعَدَّانِ مُجْتَمِعَيْنِ، وَإِنْ كَانَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ كَأَنْ كَانَا فِي فَضَاءٍ أَوْ كَانَا فِي بَيْتٍ أَوْ كَانَا فِي سَطْحَيْنِ أَوْ سَفِينَتَيْنِ اشْتُرِطَ أَنْ لا تَزِيدَ الْمَسَافَةُ بَيْنَ الإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ عَلَى ثَلاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ بِذِرَاعِ الآدَمِيِّ الْمُعْتَدِلِ تَقْرِيبًا، فَإِنْ كَانَ الْمَأْمُومُونَ صُفُوفًا مُتَتَابِعَةً اشْتُرِطَ أَنْ لا تَزِيدَ الْمَسَافَةُ بَيْنَ الصَّفِّ الَّذِي فِيهِ الْمَأْمُومُ وَالصَّفِّ الَّذِي قَبْلَهُ عَلَى ثَلاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ وَإِنْ بَلَغَ مَا بَيْنَ الإِمَامِ وَالصَّفِّ الأَخِيرِ فَرَاسِخَ بِشَرْطِ إِمْكَانِ الْمُتَابَعَةِ. فَإِنْ لَمْ يَرَ الإِمَامَ اشْتُرِطَ عَدَمُ تَقَدُّمِهِ عَلَى مَنْ يَرْبُطُ لَهُ صَلاتَهُ بِصَلاةِ الإِمَامِ لِأَنَّهُ لَهُ كَالإِمَامِ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَنْ لا يَحُولَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ يَمْنَعُ الِاسْتِطْرَاقَ.
الشَّرْحُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْقُدْوَةِ عَدَمُ وُجُودِ حَائِلٍ بَيْنَ الإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ يَمْنَعُ الْمُرُورَ إِلَى الإِمَامِ أَوْ رُؤْيَةَ الإِمَامِ أَوْ مَنْ خَلْفَهُ كَجِدَارٍ أَوْ بَابٍ مُغْلَقٍ أَوْ مَرْدُودٍ لِمَنْعِهِ الرُّؤْيَةَ أَوْ شُبَّاكٍ لِمَنْعِهِ الِاسْتِطْرَاقَ أَيِ الْمُرُورَ، فَلا يَضُرُّ تَخَلُّلُ شَارِعٍ وَنَهْرٍ كَبِيرٍ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ عُبُورُهُ وَنَارٍ وَنَحْوِهَا وَبَحْرٍ بَيْنَ سَفِينَتَيْنِ لِأَنَّهَا لا تُعَدُّ لِلْحَيْلُولَةِ فَلا تُسَمَّى حَائِلًا عُرْفًا، نَعَمْ الْفُلْكَانِ [وَالْفُلْكَانِ تَثْنِيَةُ الْفُلْكِ وَهِيَ السَّفِينَةُ] الْمَكْشُوفَانِ كَالْفَضَاءِ لا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا إِلَّا الْقُرْبُ أَيْ أَنْ لا يَزِيدَ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ بِالأَذْرُعِ الْيَدَوِيَّةِ، أَيْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الإِمَامُ فِي سَفِينَةٍ وَالْمَأْمُومُ فِي سَفِينَةٍ وَالسَّفِينَتَانِ مَكْشُوفَتَانِ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ مَعَ الشُّرُوطِ الَّتِي مَضَتْ.
وَيَصِحُّ عِنْدَ غَيْرِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ كَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ إِذَا كَانَ يُمْكِنُهُ مُتَابَعَةُ الإِمَامِ بِنَحْوِ سَمَاعِ صَوْتِهِ مَثَلًا وَلَوْ لَمْ يَرَ الإِمَامَ أَوْ مَنْ يَرَى الإِمَامَ كَمَا يَحْصُلُ الْيَوْمَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَسَاجِدِ وَالْمُصَلَّيَاتِ مِنْ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ فِي الطَّابِقِ الْعُلْوِيِّ وَالإِمَامُ فِي الطَّابِقِ السُّفْلِيِّ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَنْ يَتَوَافَقَ نَظْمُ صَلاتَيْهِمَا فَلا تَصِحُّ قُدْوَةُ مُصَلِّي الْفَرْضِ خَلْفَ مُصَلِّي صَلاةِ الْجِنَازَةِ.
الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْجَمَاعَةِ وَالْقُدْوَةِ تَوَافُقَ نَظْمِ صَلاةِ الإِمَامِ وَنَظْمِ صَلاةِ الْمَأْمُومِ بِأَنْ يَتَّفِقَا فِي الأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ وَإِنِ اخْتَلَفَا عَدَدًا وَنِيَّةً فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ كَمَكْتُوبَةٍ أَوْ مَنْذُورَةٍ أَوْ نَفْلٍ مَعَ صَلاةِ الْكُسُوفِ إِذَا صُلِّيَتْ بِقِيَامَيْنِ وَرُكُوعَيْنِ فَإِنَّ هَذِهِ الْقُدْوَةَ فَاسِدَةٌ، وَكَذَلِكَ هَذِهِ الصَّلَوَاتُ إِذَا اقْتَدَى فَاعِلُهَا بِمَنْ يُصَلِّي صَلاةَ الْجِنَازَةِ فَإِنَّهَا لا تَصِحُّ وَذَلِكَ لِأَنَّ صَلاةَ الْكُسُوفِ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى مِنْهَا قِيَامَانِ وَرُكُوعَانِ لِمَنْ أَرَادَ الأَكْمَلَ فَلا تَصِحُّ الْقُدْوَةُ بِمَنْ يُصَلِّي صَلاةَ الْكُسُوفِ بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ لِتَعَذُّرِ الْمُتَابَعَةِ بَلْ تَصِحُّ الْقُدْوَةُ بِمَنْ يُصَلِّي صَلاةَ الْكُسُوفِ فِي الْقِيَامِ الثَّانِي مِنَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ مُمْكِنَةٌ عِنْدَئِذٍ، فَلَوِ اقْتَدَى شَخْصٌ فِي صَلاةِ الظُّهْرِ بِمَنْ يُصَلِّي صَلاةَ الْكُسُوفِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ أَنْ رَكَعَ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى رُكُوعَيْنِ وَقَامَ قِيَامَيْنِ وَرَكَعَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ الرُّكُوعَ الأَوَّلَ وَاعْتَدَلَ مِنْهُ صَحَّتْ صَلاةُ الْمُقْتَدِي لإِمْكَانِ الْمُتَابَعَةِ.
وَتَصِحُّ الظُّهْرُ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ أَوِ الصُّبْحَ فَيُتِمُّ هَذَا الْمُقْتَدِي بَعْدَ سَلامِ الإِمَامِ كَالْمَسْبُوقِ، فَهَذَا الْمُقْتَدِي إِذَا تَابَعَ الإِمَامَ فِي قُنُوتِ الصُّبْحِ وَتَشَهُّدِ الْمَغْرِبِ الأَخِيرِ أَفْضَلُ مِنَ الْمُفَارَقَةِ، وَلَوْ فَارَقَهُ عِنْدَمَا دَخَلَ الإِمَامُ فِي الْقُنُوتِ أَوْ تَشَهُّدِ الْمَغْرِبِ الثَّانِي لَمْ يُحْرَمْ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّ هَذِهِ مُفَارَقَةٌ بِعُذْرٍ [وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ اقْتَدَى بِهِ وَهُوَ لا يَعْلَمُ أَنَّهُ يُصَلِّي الْقَضَاءَ، وَإِلَّا فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ تَكُونُ مَكْرُوهَةً فِي الأَدَاءِ بِالْقَضَاءِ وَعكْسِهِ]. وَيَصِحُّ الْعَكْسُ بِأَنْ يَقْتَدِيَ مُصَلِّي الصُّبْحِ بِمَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُفَارِقُ الْمَأْمُومُ الإِمَامَ إِذَا تَمَّتْ صَلاتُهُ، وَإِنْ شَاءَ مُصَلِّي الصُّبْحِ خَلْفَ الظُّهْرِ انْتَظَرَ الإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ حَتَّى يَأْتِيَ بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ، وَالِانْتِظَارُ فِي التَّشَهُّدِ أَفْضَلُ لِيُسَلِّمَ مَعَ الإِمَامِ بَعْدَ أَنْ يُكْمِلَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ [كُلُّ مَوْضِعٍ يُخَيَّرُ فِيهِ الْمَأْمُومُ بَيْنَ انْتِظَارِ الإِمَامِ لِلسَّلامِ مَعَهُ وَبَيْنَ مُفَارَقَتِهِ بِالنِّيَّةِ وَإِنْهَاءِ صَلاتِهِ لَهُ ثَوَابُ الْجَمَاعَةِ إِنْ فَارَقَ وَإِنِ انْتَظَرَ لِأَنَّ مُفَارَقَتَهُ لِعُذْرٍ]، وَأَمَّا مُصَلِّي الْمَغْرِبِ مَعَ مُصَلِّي الْعِشَاءِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُفَارَقَةُ.
وَيَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْقَاضِي مَعَ الْمُؤَدِّي وَالْمُفْتَرِضِ مَعَ الْمُتَنَفِّلِ وَالْعَكْسُ لَكِنَّ الِانْفِرَادَ أَفْضَلُ مِنْ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَنْ لا يَتَخَلَّفَ عَنِ الإِمَامِ فِي سُنَّةٍ تَفْحُشُ الْمُخَالَفَةُ فِيهَا، كَالتَّشَهُّدِ الأَوَّلِ أَيْ جُلُوسِهِ فِعْلًا كَالْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ الأَوَّلِ وَتَرْكًا كَالسُّجُودِ لِلسَّهْوِ.
الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْقُدْوَةَ أَنْ لا يُخَالِفَ الْمَأْمُومُ الإِمَامَ فِي تَرْكِ سُنَّةٍ بِحَيْثُ تَفْحُشُ الْمُخَالَفَةُ مِنَ الْمَأْمُومِ لِلإِمَامِ كَأَنْ تَرَكَ الإِمَامُ التَّشَهُّدَ الأَوَّلَ وَفَعَلَهُ الْمَأْمُومُ فَإِنَّ صَلاةَ الْمَأْمُومِ تَبْطُلُ إِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْحُكْمِ وَتَعَمَّدَ ذَلِكَ وَلَوْ لَحِقَهُ عَنْ قُرْبٍ لِتَرْكِهِ الْمُتَابَعَةَ الْمَفْرُوضَةَ وَأَمَّا إِنْ كَانَ جَاهِلًا بِالْحُكْمِ فَلا تَفْسُدُ صَلاتُهُ، أَمَّا لَوْ فَعَلَ الإِمَامُ التَّشَهُّدَ الأَوَّلَ وَتَرَكَهُ الْمَأْمُومُ عَمْدًا لَمْ تَبْطُلْ صَلاةُ الْمَأْمُومِ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ فَرْضٍ إِلَى فَرْضٍ وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ سَهْوًا لَزِمَهُ الْعَوْدُ وَإِلَّا بَطَلَتْ، هَذَا عَلَى تَرْجِيحِ النَّوَوِيِّ [فِي رَوْضَةِ الطَّالِبِينَ]، وَرَجَّحَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ [فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ] أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ بَيْنَ الْعَوْدِ وَبَيْنَ انْتِظَارِهِ قَائِمًا. وَلَهُ نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ.
وَلَوْ قَامَ الإِمَامُ ثُمَّ عَادَ نَاسِيًا لَمْ يَجُزْ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَعُودَ مَعَهُ إِلَى الْقُعُودِ بَلْ يَنْتَظِرُهُ قَائِمًا أَوْ يُفَارِقُهُ بِالنِّيَّةِ.
وَأَمَّا الْمُخَالَفَةُ فِي سُنَّةٍ لا تَفْحُشُ الْمُخَالَفَةُ فِيهَا كَجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ وَالْقُنُوتِ [أَيْ تَخَلَّفَ الْمَأْمُومُ لِيَقْنُتَ] إِنْ أَدْرَكَهُ فِي السَّجْدَةِ الأُولَى فَلا تَضُرُّ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ وَلَمْ يُحْدِثْ مَا لَمْ يَفْعَلْهُ الإِمَامُ بِخِلافِهِ فِي التَّشَهُّدِ الأَوَّلِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ أَتَى الإِمَامُ بِبَعْضِ التَّشَهُّدِ الأَوَّلِ جَازَ لِلْمَأْمُومِ إِكْمَالُهُ اسْتِصْحَابًا.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَنْ يَنْوِيَ الِاقْتِدَاءَ مَعَ التَّحَرُّمِ فِي الْجُمُعَةِ وَقَبْلَ الْمُتَابَعَةِ وَطُولِ الِانْتِظَارِ فِي غَيْرِهَا فَلَوِ انْتَظَرَهُ طَوِيلًا وَلَمْ يُتَابِعْهُ فِي الأَفْعَالِ فَلا تَفْسُدُ. أَمَّا لَوْ تَابَعَهُ اتِّفَاقًا بِلا قَصْدٍ لَمْ تَبْطُلْ صَلاتُهُ.
الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْقُدْوَةِ أَنْ يَنْوِيَ الْمَأْمُومُ الْقُدْوَةَ أَوِ الْجَمَاعَةَ أَوِ الِائْتِمَامَ بِالإِمَامِ أَوْ بِمَنْ فِي الْمِحْرَابِ فِي التَّكْبِيرَةِ أَوْ فِيمَا بَعْدَهَا، وَفِي تَكْبِيرَةِ التَّحَرُّمِ فِي الْجُمُعَةِ وَالصَّلاةِ الْمُعَادَةِ وَالْمَجْمُوعَةِ لِلْمَطَرِ، فَيُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ نِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ فِي أَثْنَاءِ تَكْبِيرَةِ التَّحَرُّمِ وَكَذَلِكَ الْمَنْذُورَةُ جَمَاعَةً، وَمَا سِوَى هَؤُلاءِ الأَرْبَعِ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ قَبْلَ الْمُتَابَعَةِ بِحَيْثُ لَوْ تَابَعَ بِلا نِيَّةٍ فَسَدَتْ صَلاتُهُ أَيْ إِنْ طَالَ انْتِظَارُهُ بِخِلافِ مَا إِذَا انْتَظَرَهُ انْتِظَارًا طَوِيلًا بِلا مُتَابَعَةٍ فَإِنَّهُ لا تَفْسُدُ صَلاتُهُ، أَيْ أَنَّ الَّذِي يُتَابِعُ شَخْصًا لَمْ يَنْوِ الِاقْتِدَاءَ بِهِ قَصْدًا يَنْتَظِرُ رُكُوعَهُ فَيَرْكَعُ بَعْدَ رُكُوعِهِ وَيَنْتَظِرُ سُجُودَهُ فَيَسْجُدُ بَعْدَ سُجُودِهِ كَأَنَّهُ مَأْمُومٌ وَهُوَ لَيْسَ بِمَأْمُومٍ فَسَدَتْ صَلاتُهُ أَيْ إِنْ طَالَ انْتِظَارُهُ بِخِلافِ مَا لَوْ تَابَعَهُ اتِّفَاقًا مُصَادَفَةً لا بِقَصْدٍ فَإِنَّ صَلاتَهُ لا تَفْسُدُ، وَلا تُفْسِدُ مُتَابَعَتُهُ فِي الأَقْوَالِ إِلَّا فِي السَّلامِ، وَكَذَلِكَ إِنِ انْتَظَرَهُ انْتِظَارًا طَوِيلًا وَلَمْ يُتَابِعْهُ فِي الْفِعْلِ فَلا تَفْسُدُ صَلاتُهُ.
وَفِي بَعْضِ الْمَذَاهِبِ مُتَابَعَةُ الإِمَامِ فِي الصَّلاةِ مِنْ غَيْرِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ لا تُفْسِدُ الصَّلاةَ. لَكِنْ إِذَا كَانَ هَذَا الشَّخْصُ فَاسِدَ الْعَقِيدَةِ وَالْوُقُوفُ وَرَاءَهُ يُوهِمُهُ أَنَّ صَلاتَهُ صَحِيحَةٌ فَلا يَجُوزُ الْوُقُوفُ خَلْفَهُ عَلَى هَذَا النَّحْوِ، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ يُوهِمُ غَيْرَهُ صِحَّةَ صَلاتِهِ.
الْعَقَائِدُ الْفَاسِدَةُ قِسْمٌ مِنْهَا كُفْرٌ وَقِسْمٌ مِنْهَا لَيْسَ كُفْرًا إِنَّمَا حَرَامٌ، فَاعْتِقَادُ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ الْعَبْدَ يَخْلُقُ أَفْعَالَهُ أَيْ هُوَ يُبْرِزُهَا مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ كُفْرٌ.
الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَفَّرَ الْقَائِلَ بِخَلْقِ الْقُرْءَانِ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ لَهُ كَلامٌ ذَاتِيٌّ إِلَّا مَا يَخْلُقُهُ فِي غَيْرِهِ وَهُوَ يُكَفِّرُ الْقَائِلَ بِخَلْقِ الْعَبْدِ أَفْعَالَهُ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ يَحْيَى الْعِمْرَانِيُّ الْيَمَنِيُّ فِي كِتَابِهِ الْبَيَانُ [الْعِمْرَانِيُّ قَبْلَ النَّوَوِيِّ، النَّوَوِيُّ يَنْقُلُ مِنْهُ أَحْيَانًا]. وَتَكْفِيرُهُ لِلْقَائِلِ بِخَلْقِ الْقُرْءَانِ قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِيمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ فَقَدْ ثَبَتَ عَنِ الشَّافِعِيِّ بِأَنَّهُ قَالَ لِحَفْصٍ الْفَرْدِ لَقَدْ كَفَرْتَ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ بَعْدَمَا نَاظَرَهُ فِي الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْءَانِ وَهَذَا مِنَ الشَّافِعِيِّ صَرِيحٌ فِي تَكْفِيرِهِ لِلْمُعْتَزِلَةِ لِقَوْلِهِمْ هَذَا.
بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَوَّلُوا كَلامَ الشَّافِعِيِّ لِحَفْصٍ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ كُفْرَانَ النِّعْمَةِ وَتَأْوِيلُهُمْ هَذَا بَاطِلٌ وَأَمَّا الْمُشَبِّهُ الْمُجَسِّمُ فَيَجِبُ الْقَوْلُ بِتَكْفِيرِهِ جَزْمًا وَلا عِبْرَةَ بِمَا فِي كِتَابِ الِاقْتِصَادِ لِلْغَزَالِيِّ مِنْ تَرْكِ تَكْفِيرِهِ لِهَؤُلاءِ كُلِّهِمْ فَلَعَلَّ هَذَا مِمَّا دُسَّ فِي كُتُبِ الْغَزَالِيِّ، وَلا يُعَوَّلُ عَلَى كَلامِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ قَوْلِهِمْ بِتَصْحِيحِ تَرْكِ تَكْفِيرِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمِنْهَاجُ الْقَوِيْمُ شَرْحُ الْمُقَدِّمَةِ الْحَضْرِمِيَّةِ: «وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَرَافِيَّ وَغَيْرَهُ حَكَوْا عَنِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْقَوْلَ بِكُفْرِ الْقَائِلِينَ بِالْجِهَةِ وَالتَّجْسِيمِ وَهُمْ حَقِيقُونَ بِذَلِكَ» اهـ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ بَدْرِ الدِّينِ بنِ بَلْبَانَ الدِّمَشْقِيُّ الْحَنْبَلِيُّ فِي كِتَابِهِ مُخْتَصَرِ الإِفَادَاتِ عَنِ اللَّهِ «وَلا يُشْبِهُ شَيْئًا وَلا يُشْبِهُهُ شَىْءٌ فَمَنْ شَبَّهَهُ بِشَىْءٍ مِنْ خَلْقِهِ فَقَدْ كَفَرَ كَمَنِ اعْتَقَدَهُ جِسْمًا أَوْ قَالَ إِنَّهُ جِسْمٌ لا كَالأَجْسَامِ» اهـ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْمُعَلِّمِ فِي كِتَابِهِ نَجْمِ الْمُهْتَدِي وَرَجْمِ الْمُعْتَدِي مَا نَصُّهُ: «وَمَنْ كَفَّرْنَاهُ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ كَالْقَائِلِينَ بِخَلْقِ الْقُرْءَانِ وَبِأَنَّهُ لا يَعْلَمُ الْمَعْدُومَاتِ قَبْلَ وُجُودِهَا وَمَنْ لا يُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ وَكَذَا مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ جَالِسٌ عَلَى الْعَرْشِ كَمَا حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ هُنَا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ».
وَقَالَ مَا نَصُّهُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «سَيَرْجِعُ قَوْمٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ عِنْدَ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ كُفَّارًا قَالَ رَجُلٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كُفْرُهُمْ بِمَاذَا أَبِالإِحْدَاثِ أَمْ بِالإِنْكَارِ فَقَالَ بَلْ بِالإِنْكَارِ يُنْكِرُونَ خَالِقَهُمْ فَيَصِفُونَهُ بِالْجِسْمِ وَالأَعْضَاءِ».
وَقَالَ السُّيُوطِيُّ فِي كِتَابِ الأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ مَا نَصُّهُ: قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ لا يُكَفَّرُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْمُجَسِّمَ اهـ.
وَنَقَلَ صَاحِبُ الْخِصَالِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ قَالَ إِنَّ اللَّهَ جِسْمٌ لا كَالأَجْسَامِ كَفَرَ» وَهَذَا مِنَ الإِمَامِ أَحْمَدَ تَكْفِيرٌ صَرِيحٌ لِلْمُجَسِّمِ. نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي تَشْنِيفِ الْمَسَامِعِ، وَقَالَ الْكَمَالُ بنُ الْهُمَامِ الْحَنَفِيُّ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: «مَنْ قَالَ اللَّهُ جِسْمٌ لا كَالأَجْسَامِ كَافِرٌ».
وَيَقُولُ النَّسَفِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ الْمَشْهُورِ عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَللَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ﴾ [سُورَةَ الأَعْرَاف/180] مَا نَصُّهُ: «وَمِنَ الإِلْحَادِ تَسْمِيَةُ اللَّهِ بِالْجِسْمِ وَالْجَوْهَرِ وَالْعَقْلِ وَالْعِلَّةِ» وَقَالَ الإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِهِ النَّوَادِرِ «الْمُجَسِّمُ جَاهِلٌ بِرَبِّهِ فَهُوَ كَافِرٌ بِهِ».
الْقَائِلُ بِخَلْقِ الْعَبْدِ أَفْعَالَهُ أَشْرَكَ بِاللَّهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ تَرْكُ تَكْفِيرِهِ لِأَنَّ مَنْ قَالَ بِخَلْقِ الْعَبْدِ أَفْعَالَهُ فَقَدْ نَفَى انْفِرَادَ اللَّهِ بِالأُلُوهِيَّةِ. قَائِلُ هَذَا كَأَنَّهُ يَقُولُ يُوجَدُ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ لِأَنَّ الأُلُوهِيَّةَ الْقُدْرَةُ عَلَى إِيْجَادِ الْمَعْدُومِ أَيْ إِخْرَاجِ الْمَعْدُومِ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ هَكَذَا فَسَّرَ الأَشْعَرِيُّ الأُلُوهِيَّةَ. وَعَلَيْهِ فَمَعْنَى لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لا قَادِرَ عَلَى اخْتِرَاعِ الْحَادِثَاتِ إِلَّا اللَّهُ.
وَالشَّائِعُ عَلَى أَلْسِنَةِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ فِي تَفْسِيرِ الأُلُوهِيَّةِ هُوَ الِانْفَرَادُ بِاسْتِحْقَاقِ الْعِبَادَةِ وَعَلَيْهِ شَاعَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ إِنَّ مَعْنَى لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لا مَعْبُودَ بِحَقٍّ إِلَّا اللَّهُ، وَكِلا التَّفْسِيرَيْنِ جَيِّدٌ لَكِنْ مَنْ قَالَ مَعْنَى لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لا مَعْبُودَ بِحَقٍّ إِلَّا اللَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِانْفِرَادِ اللَّهِ بِالْخَالِقِيَّةِ وَإِنْ كَانَ يَلْزَمُ مِنْهُ ذَلِكَ وَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّ مَعْنَى لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لا قَادِرَ عَلَى اخْتِرَاعِ الْحَادِثَاتِ إِلَّا اللَّهُ فَكَأَنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّهُ لا يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ أَحَدٌ غَيْرُ اللَّهِ.
وَأَمَّا مَا أَحْدَثَهُ سَيِّد قُطُب فَبَاطِلٌ فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِهِ مَعْنَى لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لا حَاكِمِيَّةَ إِلَّا لِلَّهِ فَلْيُحْذَرْ فَإِنَّهُ خِلافُ الشَّرْعِ لِأَنَّ الْحَاكِمِيَّةَ الْحَقِيقِيَّةَ خَاصَّةٌ بِاللَّهِ وَتُطْلَقُ الْحَاكِمِيَّةُ فِي غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَعْنًى خَاصٍّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ [سُورَةَ الْمَائِدَة/49] يَعْنِي الرَّسُولَ فَالرَّسُولُ حَاكِمٌ وَقُضَاةُ الْمُسْلِمِينَ يُقَالُ لَهُمْ حُكَّامٌ فَسَيِّد قُطُب أَتَى بِدِينٍ جَدِيدٍ فَلْيُحْذَرْ، هَكَذَا يَقُولُ سَيِّد قُطْبٍ فِي تَفْسِيرِهِ وَكَلامُهُ هَذَا مُخَالِفٌ لِلإِسْلامِ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيَجِبُ عَلَى الإِمَامِ نِيَّةُ الإِمَامَةِ فِي الْجُمُعَةِ وَالْمُعَادَةِ وَتُسَنُّ فِي غَيْرِهِمَا.
الشَّرْحُ أَنَّهُ لا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ الإِمَامَةِ أَوِ الْجَمَاعَةِ مِنَ الإِمَامِ بَلْ يُسَنُّ لَهُ ذَلِكَ، فَلَوْ تَرَكَهَا أَيْ نِيَّةَ الإِمَامَةِ لَمْ يَحُزْ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَالْمُعَادَةِ، فَإِنْ تَرَكَهَا فِيهِمَا فِي التَّكْبِيرِ فَلا تَصِحُّ صَلاتُهُ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْمُعَادَةُ هِيَ الصَّلاةُ الَّتِي يُصَلِّيهَا مَرَّةً ثَانِيَةً بَعْدَ أَنْ صَلَّاهَا جَمَاعَةً أَوْ مُنْفَرِدًا إِذَا وَجَدَ رَجُلًا يُصَلِّي مَعَهُ جَمَاعَةً أَوْ صَلَّى جَمَاعَةً لَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُكْسِبَ رَجُلًا جَاءَ لِيُصَلِيَّ حَتَّى لا تَفُوتَهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ.
الشَّرْحُ أَنَّهُ مَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا أَوْ جَمَاعَةً ثُمَّ رَأَى مَنْ يُصَلِّي مَعَهُ جَمَاعَةً يُسَنُّ لَهُ إِعَادَتُهَا، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصُّبْحَ فَرَأَى رَجُلَيْنِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ فَقَالَ «مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا»؟ قَالا صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا فَقَالَ «إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَاهَا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ [فِي سُنَنِهِ] وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ [فِي سُنَنِهِ] وَغَيْرُهُ.
وَتَكُونُ نِيَّةُ الْمُعَادَةِ بِأَنْ يَقُولَ مَثَلًا «أُصَلِّي فَرْضَ الظُّهْرِ صُورَةً جَمَاعَةً».
تَنْبِيهٌ مَنْ أَمَّ النَّاسَ وَهُوَ عَلَى الرِّدَّةِ ثُمَّ تَشَهَّدَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَ الَّذِينَ ائْتَمُّوا بِهِ لِيُعِيدُوا صَلَوَاتِهِمْ هَذِهِ، وَالَّذِينَ صَلَّوْا خَلْفَهُ وَهُمْ لا يَعْلَمُونَ بِحَالِهِ مَا عَلَيْهِمْ إِثْمٌ لَكِنْ إِنْ عَلِمُوا بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُمْ حِينَ صَلَّوْا خَلْفَهُ كَانَ عَلَى الرِّدَّةِ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يُعِيدُوا صَلَوَاتِهِمْ هَذِهِ.
فَائِدَةٌ لَوْ كَبَّرَ الإِمَامُ تَكْبِيرةَ الإِحْرَامِ فَكَبَّرَ الْمَأْمُومُونَ ثُمَّ أَعَادَ الإِمَامُ التَّكْبِيرَ لِشَكِّهِ فَإِنْ حَمَلَ الْمَأْمُومُونَ تَكْبِيرَتَهُ الثَّانِيَةَ عَلَى أَنَّهَا لِقَطْعِ الأُولَى انْقَطَعَتْ قُدْوَتُهُمْ وَإِنْ حَمَلُوهَا عَلَى أَنَّهُ كَبَّرَ بِنِيَّةِ الذِّكْرِ لَمْ تَنْقَطِعِ الْقُدْوَةُ.
فَائِدَةٌ أُخْرَى الْجَمَاعَةُ مُلازَمَتُهَا فِيهَا سِرٌّ وَكَانَ السَّلَفُ يَحْرِصُونَ عَلَيْهَا وَهُوَ عَادَةُ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ، كَانَ فِي هَرَرَ عَالِمٌ جَلِيلٌ اسْمُهُ الشَّيْخُ إِبْرَاهِيمُ بَدَّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَا فَاتَتْنِي صَلاةُ الْجَمَاعَةِ فِي كُلِّ عُمُرِي إِلَّا إِحْدَى عَشْرَةَ مَرَّةً، هَذَا كَانَ وَلِيًّا صَالِحًا كَانَ يَذْهَبُ إِلَى مَشْهِدِ وَلِيٍّ مَشْهُورٍ فِي هَرَرَ اسْمُهُ الشَّيْخُ أَبَادِر يَجْلِسُ وَيَتَحَدَّثُ مَعَهُ فِي قَبْرِهِ.
الإشعارات