بَيَانُ (مَعْنَى الشَّهَادَتَيْنِ)
(فَمَعْنَى شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِجْمَالًا) أَىْ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ (أَعْتَرِفُ بِلِسَانِى وَأَعْتَقِدُ وَأُذْعِنُ بِقَلْبِى أَنَّ الْمَعْبُودَ بِحَقٍّ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَطْ) فَلا يَسْتَحِقُّ الأُلُوهِيَّةَ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ أَىْ لا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ غَايَةَ الْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ إِلَّا هُوَ، وَالإِلَهُ فِى أَصْلِ اللُّغَةِ الْمَعْبُودُ بِحَقٍّ ثُمَّ اسْتَعْمَلَهُ الْمُشْرِكُونَ لِمَا يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ (وَمَعْنَى شَهَادَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَعْتَرِفُ بِلِسَانِى وَأُذْعِنُ) أَىْ أَعْتَقِدُ (بِقَلْبِى أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِلَى كَافَّةِ الْعَالَمِينَ مِنْ إِنْسٍ وَجِنٍّ) بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ مُرْسَلٌ إِلَى كَافَّةِ الإِنْسِ مِنْ عُرْبٍ وَعَجَمٍ وَإِلَى كَافَّةِ الْجِنِّ فَالْمَعْرِفَةُ إِذَا اقْتَرَنَ بِهَا الإِذْعَانُ أَىْ رِضَا النَّفْسِ بِالشَّىْءِ الَّذِى عَرَفَتْهُ هِىَ الإِيمَانُ الَّذِى هُوَ مَقْبُولٌ عِنْدَ اللَّهِ. وَأَمَّا الْمَعْرِفَةُ وَحْدَهَا فَلا تَكْفِى لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنِ الْيَهُودِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْرِفُونَ مُحَمَّدًا أَنَّهُ نَبِىٌّ فَقَالَ تَعَالَى ﴿يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾ لَكِنْ لَمْ تُذْعِنْ نُفُوسُهُمْ فَلِذَلِكَ كَانُوا يُكَذِّبُونَهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهُ نَبِىٌّ. وَيَجِبُ الإِيمَانُ بِأَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا (صَادِقٌ فِى كُلِّ مَا يُبَلِّغُهُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى) سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ عَنِ الأُمُورِ الَّتِى سَتَحْدُثُ فِى الْمُسْتَقْبَلِ كَأُمُورِ الآخِرَةِ أَوْ أُمُورِ الأُمَمِ السَّابِقَةِ أَوْ تَحْلِيلِ شَىْءٍ أَوْ تَحْريِمِهِ، أَرْسَلَهُ اللَّهُ (لِيُؤْمِنُوا بِشَرِيعَتِهِ وَيَتَّبِعُوهُ. وَالْمُرَادُ بِالشَّهَادَتَيْنِ نَفْىُ الأُلُوهِيَّةِ عَمَّا سِوَى اللَّهِ) أَىْ نَفْىُ أَنْ يَكُونَ شَىْءٌ سِوَى اللَّهِ يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ (وَإِثْبَاتُهَا لِلَّهِ تَعَالَى) وَحْدَهُ (مَعَ الإِقْرَارِ) أَىْ مَعَ الاِعْتِرَافِ وَالإِيمَانِ (بِرِسَالَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِأَنَّ الإِيمَانَ بِمُحِمَّدٍ لا بُدَّ مِنْهُ لِصِحَّةِ الإِيمَانِ أَىْ لِكَوْنِ الْعَبْدِ مُؤْمِنًا عِنْدَ اللَّهِ بِحَيْثُ إِنَّ مَنْ شَكَّ فِى ذَلِكَ أَوْ أَنْكَرَ فَهُوَ كَافِرٌ لِأَنَّهُ عَانَدَ الْقُرْءَانَ (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَمَنْ لَّمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا﴾) أَىْ هَيَّأْنَا لَهُمْ نَارَ جَهَنَّمَ لِكُفْرِهِمْ فَدَلَّتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ كَافِرٌ وَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الْمُنْتَسِبِينَ لِلتَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ لِأَنَّ الْقُرْءَانَ سَمَّاهُمْ أَهْلَ الْكِتَابِ وَسَمَّاهُمْ كَافِرِينَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِمُحَمَّدٍ. وَهَذِهِ الآيَةُ أَيْضًا تُعْطِى أَنَّ مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَعْمَلْ شَيْئًا مِنَ الْفَرَائِضِ لَيْسَ بِكَافِرٍ وَأَنَّهُ لَيْسَ خَالِدًا فِى النَّارِ (فَهَذِهِ الآيَةُ صَرِيحَةٌ فِى تَكْفِيرِ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ نَازَعَ) وَخَالَفَ (فِى هَذَا الْمَوْضُوعِ) فَأَنْكَرَ الإِيمَانَ بِمُحَمَّدٍ (يَكُونُ قَدْ عَانَدَ الْقُرْءَانَ وَمَنْ عَانَدَ الْقُرْءَانَ كَفَرَ) وَلَوِ اعْتَرَفَ بِوُجُودِ اللَّهِ وَلَمْ يَعْبُدْ غَيْرَهُ لِأَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ لِيُصَدَّقَ وَيُتَّبَعَ فَتَكْذِيبُهُ تَكْذِيبٌ لِلَّهِ. (وَأَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ الإِسْلامِيُّونَ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ دَانَ بِغَيْرِ الإِسْلامِ) مِنْ يَهُودِيَّةٍ أَوْ مَجُوسِيَّةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَمَنِ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ دِينًا غَيْرَ دِينِ الإِسْلامِ فَهُوَ كَافِرٌ ذَكَرَ ذَلِكَ القَاضِى عِيَاضٌ فِى كِتَابِ الشِّفَا بِتَعْرِيفِ حُقُوقِ الْمُصْطَفَى (وَ)أَجْمَعُوا (عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ لَمْ يُكَفِّرْهُ أَوْ شَكَّ) فِى كُفْرِهِ كَأَنْ يَقُولَ لَعَلَّهُ كَافِرٌ وَلَعَلَّهُ غَيْرُ كَافِرٍ (أَوْ تَوَقَّفَ كَأَنْ يَقُولَ أَنَا لا أَقُولُ إِنَّهُ كَافِرٌ أَوْ غَيْرُ كَافِرٍ. وَاعْلَمْ بِاسْتِيقَانٍ) أَىْ جَازِمًا بِلا شَكٍّ (أَنَّهُ لا يَصِحُّ الإِيمَانُ وَالإِسْلامُ وَلا تُقْبَلُ الأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ) مِنَ الْكَافِرِ (بِدُونِ) النُّطْقِ بـِ(الشَّهَادَتَيْنِ بِلَفْظِ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَوْ مَا فِى مَعْنَاهُمَا) فَلا يُشْتَرَطُ خُصُوصُ هَذَا اللَّفْظِ بَلْ يَكْفِى مَا يُعْطِى مَعْنَاهُمَا كَقَوْلِ لا رَبَّ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ نَبِىُّ اللَّهِ (وَ)كَذَلِكَ (لَوْ) نَطَقَ بِمَا يُعْطِى مَعْنَاهُمَا (بِغَيْرِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ. وَيَكْفِى لِصِحَّةِ الإِسْلامِ النُّطْقُ) بِالشَّهَادَتَيْنِ (مَرَّةً فِى الْعُمُرِ وَيَبْقَى وُجُوبُهَا) بَعْدَ تِلْكَ الْمَرَّةِ (فِى كُلِّ صَلاةٍ لِصِحَّةِ الصَّلاةِ هَذَا فِيمَنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ الإِسْلامِ ثُمَّ أَرَادَ الدُّخُولَ فِى الإِسْلامِ وَأَمَّا مَنْ نَشَأَ عَلَى الإِسْلامِ) بَيْنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ (وَكَانَ يَعْتَقِدُ) مَعْنَى (الشَّهَادَتَيْنِ فَلا يُشْتَرَطُ فِى حَقِّهِ النُّطْقُ بِهِمَا بَلْ هُوَ مُسْلِمٌ) مُؤْمِنٌ (لَوْ لَمْ يَنْطِقْ) بِهِمَا بِلِسَانِهِ حَتَّى مَاتَ لَكِنَّهُ يَكُونُ عَاصِيًا مُرْتَكِبًا لِلْكَبِيرَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْطِقْ بِهِمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ (وَ)قَدْ (قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ »قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِى بِشَىْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ« حَدِيثٌ قُدْسِىٌّ رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ) وَالْحَدِيثُ الْقُدْسِىُّ هُوَ الْحَدِيثُ الَّذِى صَدَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ بِقَالَ اللَّهُ أَوْ يَقُولُ اللَّهُ أَوْ بِمَا فِى مَعْنَى ذَلِكَ. وَفِى هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ أَنَّ أَعْظَمَ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ هُوَ أَدَاءُ فَرَائِضِ اللَّهِ (وَأَفْضَلُ وَأَوَّلُ فَرْضٍ هُوَ الإِيمَانُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ »أَفْضَلُ الأَعْمَالِ إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ« رَوَاهُ البُخَارِىُّ (وَاعْتِقَادُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَطْ لا يَكْفِى مَا لَمْ يُقْرَنْ بِاعْتِقَادِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ تَعَالَى ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ أَىْ لا يُحِبُّ اللَّهُ مَنْ تَوَلَّى) أَىْ أَعْرَضَ (عَنِ الإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالرَّسُولِ لِكُفْرِهِمْ) وَلَوْ أَحَبَّهُمْ لَرَزَقَهُمُ الإِيمَانَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ (وَالْمُرَادُ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَالرَّسُولِ فِى هَذِهِ الآيَةِ الإِيمَانُ بِهِمَا فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ كَافِرٌ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لا يُحِبُّهُ لِكُفْرِهِ فَمَنْ قَالَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ لِأَنَّهُ خَلَقَ الْجَمِيعَ فَقَدْ كَذَّبَ الْقُرْءَانَ فَيُقَالُ لَهُ اللَّهُ خَلَقَ الْجَمِيعَ) الْمُسْلِمِينَ وَالْكَافِرِينَ (لَكِنْ لا يُحِبُّ الْكُلَّ) أَىْ لا يُحِبُّ سِوَى الْمُسْلِمِينَ.