الثلاثاء أكتوبر 22, 2024

(بَيَانُ أَقْسَامِ الْكُفْرِ)

 

   (وَاعْلَمْ يَا أَخِى الْمُسْلِمَ أَنَّ هُنَاكَ اعْتِقَادَاتٍ وَأَفْعَالًا وَأَقْوالًا تَنْقُضُ الشَّهَادَتَيْنِ) وَتُخْرِجُ مِنَ الإِسْلامِ (وَتُوقِعُ فِى الْكُفْرِ لِأَنَّ الْكُفْرَ ثَلاثَةُ أَنْوَاعٍ كُفْرٌ اعْتِقَادِىٌّ) كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْحُجُرَاتِ ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ أَىْ لَمْ يَشُكُّوا وَالشَّكُّ يَكُونُ بِالْقَلْبِ (وَكُفْرٌ فِعْلِىٌّ) كَمَا يُفْهَمْ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ فُصِّلَتْ ﴿لا تَسْجُدوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ﴾ (وَكُفْرٌ لَفْظِىٌّ) كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ التَّوْبَةِ ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ﴾ وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ الأَنْوَاعِ الثَّلاثَةِ يُوقِعُ فِى الرِّدَّةِ أَىِ الْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلامِ بِمُفْرَدِهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ أَنْ يَنْضَمَّ إِلَيْهِ نَوْعٌ ءَاخَرُ (وَذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْمَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ) وَغَيْرِهَا كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ اسْتِقْرَاءُ مَا قَالَهُ وَنَقَلَهُ الْعُلَمَاءُ فِى كُتُبِ الْعَقَائِدِ وَالْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالرِّجَالِ وَالتَّارِيخِ كَالإِمَامِ أَبِى حَنِيفَةَ فِى رَسَائِلِهِ الْخَمْسِ الَّتِى صَنَّفَهَا فِى أُصُولِ الدِّينِ فَقَدْ ذَكَرَ عَنْهُ الْقَاضِى كَمَالُ الدِّينِ أَحْمَدُ بنُ حَسَنٍ الْبَيَاضِىُّ صَاحِبُ الإِشَارَاتِ أَنَّهُ عَدَّ فِيهَا بِضْعَ عَشْرَةَ خَصْلَةً تُخْرِجُ مِنَ الإِسْلامِ وَ(كَالنَّوَوِىِّ) مُحْيِى الدِّينِ يَحْيَى بنِ شَرَفٍ فِى الْمِنْهَاجِ وَالرَّوْضَةِ وَغَيْرِهِمَا (وَ)أَبِى بَكْرِ (ابْنِ الْمُقْرِئِ) فِى تَمْشِيَتِهِ (مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَ)مُحَمَّدِ أَمِينِ بنِ عُمَرَ (ابْنِ عَابِدِينَ) فِى حَاشِيَتِهِ وَالْبَدْرِ الرَّشِيدِ فِى رِسَالَتِهِ فِى الْمُكَفِّرَاتِ (مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَ)مَنْصُورِ بنِ يُونُسَ (الْبُهُوتِىِّ) فِى الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ شَرْحِ زَادِ الْمُسْتَقْنِعِ (مِنَ الْحَنَابِلَةِ وَالشَّيْخِ مُحَمَّدِ عِلَّيْش) فِى شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ خَلِيلٍ (مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَ)عَلَى هَذَا (غَيْرُهُمْ) مِنَ فُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ (فَلْيَنْظُرْهَا مَنْ شَاءَ وَكَذَلِكَ غَيْرُ عُلَمَاءِ الْمَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ مِنَ) الْمُحَدِّثِينَ وَالْمُؤَرِّخِينَ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ تَشْهَدُ مُصَنَّفَاتُهُمْ كَالْكُتُبِ السِّتَّةِ وَتَارِيخِ الطَّبَرِىِّ وَعِلَلِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ أَحْمَدَ بِأَنَّ الْكُفْرَ الْمُخْرِجَ مِنَ الإِسْلامِ يَكُونُ تَارَةً اعْتِقَادًا وَتَارَةً قَوْلًا وَتَارَةً فِعْلًا وَهُوَ مَذْهَبُ (الْمُجْتَهِدِينَ الْمَاضِينَ) قَاطِبَةً (كَالأَوْزَاعِىِّ فَإِنَّهُ كَانَ مُجْتَهِدًا لَهُ مَذْهَبٌ كَانَ يُعْمَلُ بِهِ ثُمَّ انْقَرَضَ أَتْبَاعُهُ) وَقَدْ أَفْتَى هِشَامَ بنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بِقَتْلِ غَيْلانَ الدِّمَشْقِىِّ لِمَا أَظْهَرَهُ مِنْ عَقِيدَةِ الْقَدَرِيَّةِ وَكَانَ الْخَلِيفَةُ الرَّاشِدُ الْمُجْتَهِدُ عُمَرُ بنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَدْ أَرَادَ قَتْلَهُ قَبْلَ ذَلِكَ لِلسَّبَبِ عَيْنِهِ فَأَظْهَرَ الْبَرَاءَةَ مِنْ تِلْكَ الْعَقِيدَةِ فَتَرَكَهُ مِنَ الْقَتْلِ وَقَالَ لَهُ إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَأَذَاقَكَ اللَّهُ حَرَّ السَّيْفِ اﻫ فَتَنَفَّذَتْ فِيهِ دَعْوَةُ هَذَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَمِثْلُ هَذَا يُوجَدُ مُتَفَرِّقًا فِى كَلامِ مَالِكٍ فِى الْمُوَطَّإِ وَغَيْرِهِ وَفِى كَلامِ الشَّافِعِىِّ فِى الأُمِّ وَغَيْرِهِ وَفِى كَلامِ أَحْمَدَ فِى الْمُسْنَدِ وَغَيْرِهِ وَفِى كَلامِ مُحَمَّدِ بنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِىِّ فِى التَّفْسِيرِ وَغَيْرِهِ وَفِى كَلامِ ابْنِ الْمُنْذِرِ فِى الأَوْسَطِ وَغَيْرِهِ فَبَعْدَ هَذَا لا يُنْظَرُ إِلَى كَلامِ فَتْحِى يَكَنْ فِى كِتَابِهِ الْمُسَمَّى الْمَوْسُوعَةَ الْحَرَكِيَّةَ حَيْثُ أَنْكَرَ انْقِسَامَ الرِّدَّةِ إِلَى الأَقْسَامِ الثَّلاثَةِ وَزَعَمَ أَنَّهُ أَمْرٌ مُبْتَدَعٌ فِى هَذَا الزَّمَانِ لَمْ يَذْكُرْهُ أَهْلُ الْعِلْمِ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لا يُقَامُ لَهُ وَزْنٌ وَإِنَّمَا يُرْمَى بِهِ فِى كُلِّ سَهْلٍ وَحَزْنٍ.

   أَمَّا النَّوْعُ الأَوَّلُ مِنْ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ فَهُوَ (الْكُفْرُ الِاعْتِقَادِىُّ) وَ(مَكَانُهُ الْقَلْبُ كَنَفْىِ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الْوَاجِبَةِ لَهُ إِجْمَاعًا كَوُجُودِهِ وَكَوْنِهِ قَادِرًا وَكَوْنِهِ سَمِيعًا بَصِيرًا) فَإِنَّهُ لا عُذْرَ لِأَحَدٍ فِى نَفْىِ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ الَّتِى تَجِبُ مَعْرِفَتُهَا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَهِىَ ثَلاثَ عَشْرَةَ صِفَةً الْوُجُودُ وَالْقِدَمُ وَالْبَقَاءُ وَالْوَحْدَانِيَّةُ وَالْمُخَالَفَةُ لِلْحَوَادِثِ وَالْقِيَامُ بِالنَّفْسِ أَىْ عَدَمُ الْحَاجَةِ إِلَى غَيْرِهِ وَالْحَيَاةُ وَالْعِلْمُ وَالْمَشِيئَةُ وَالْقُدْرَةُ وَالْكَلامُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَقَدْ نَصَّ الإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الأَشْعَرِىُّ فِى مَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ فُورَك فِى مُجَرَّدِ مَقَالاتِهِ عَلَى كُفْرِ مَنْ أَنْكرَ هَذِهِ الصِّفَاتِ اﻫ وَإِلَى هَذَا يُشِيرُ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِى حَاتِمٍ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِىِّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِى يَسْتَقِلُّ الْعَقْلُ بِمَعْرِفَتِهَا لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ كَافِرٌ اﻫ وَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ صِفَةَ الْقُدْرَةِ لِلَّهِ تَعَالَى يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ مَهْمَا بَلَغَ الْجَهْلُ بِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَابْنُ تَيْمِيَةَ وَصَاحِبُ كِتَابِ دُعَاةٌ لا قُضَاةٌ وَبَعْضٌ ءَاخَرُونَ مِنْ أَهْلِ عَصْرِنَا مِمَّنْ يَنْسُبُ نَفْسَهُ إِلَى الْعِلْمِ مِنْ غَيْرِ حَقِيقَةٍ مِنْ أَنَّ الْجَاهِلَ إِذَا أَنْكَرَ قُدْرَةَ اللَّهِ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ لا يَكْفُرُ هُوَ خَرْقٌ لِلإِجْمَاعِ وَشُذُوذٌ عَنِ الدِّينِ وَعَنْ عَقِيدَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَإِنَّنَا الْمُسْلِمِينَ نَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِى هُوَ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ فَمَنْ عَبَدَ شَيْئًا لَيْسَ مُتَّصِفًا بِالْقُدْرَةِ التَّامَّةِ لا يَكُونُ عَابِدًا لِلَّهِ تَعَالَى وَلا عَارِفًا بِهِ وَلِذَلِكَ نَقَلَ ابْنُ الْجَوْزِىِّ فِى أَخْبَارِ الصِّفَاتِ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِهِ الإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ مُنْكِرَ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ شَىْءٍ كَافِرٌ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْحَافِظُ فِى الْفَتْحِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَقَرُّوهُ. هَذَا مَعَ أَنَّ لِابْنِ قُتَيْبَةَ سَقَطَاتٍ فِى أُصُولِ الْعَقِيدَةِ وَغَيْرِهَا وَابْنَ تَيْمِيَةَ قَدْ خَرَقَ الإِجْمَاعَ فِى مَا يَزِيدُ عَنْ سِتِّينَ مَسْئَلَةً مِنَ الأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَابْنَ الْهُضَيْبِىِّ الَّذِى نُسِبَ إِلَيْهِ كِتَابُ دُعَاةٌ لا قُضَاةٌ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بَلْ وَلا ادَّعَى لِنَفْسِهِ تِلْكَ الْمَرْتَبَةَ فَلا يَنْبَغِى أَنْ يُوَثَقَ بِكَلامِ أَىٍّ مِنْ هَؤُلاءِ فِى مَسَائِلِ الِاعْتِقَادِ وَلا أَنْ يُجْعَلُوا حُجَّةً فِى النَّقْلِ.

   وَكَذَا يُحْكَمُ بِالْكُفْرِ عَلَى الشَّخْصِ بِاعْتِقَادِهِ أَنَّ اللَّهَ حَالٌّ فِى الْعَالَمِ أَوْ فِى قِسْمٍ مِنْ أَفْرَادِهِ (أَوِ اعْتِقَادِ أَنَّهُ) سُبْحَانَهُ (نُورٌ بِمَعْنَى الضَّوْءِ أَوْ أَنَّهُ رُوحٌ. قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْغَنِىِّ النَّابُلُسِىُّ) الدِّمَشْقِىُّ فِى كِتَابِ الْفَتْحِ الرَّبَّانِىِّ إِنَّ (مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ مَلَأَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَوْ أَنَّهُ جِسْمٌ قَاعِدٌ فَوْقَ الْعَرْشِ فَهُوَ كَافِرٌ وَإِنْ) صَلَّى وَصَامَ وَ(زَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ) اﻫ أَمَّا إِذَا قَالَ قَائِلٌ اللَّهُ نُورٌ وَلَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ الضَّوْءَ فَلا حَرَجَ عَلَيْهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَمَّى نَفْسَهُ بِهَذَا الِاسْمِ كَمَا جَاءَ فِى سُورَةِ النُّورِ ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ وَكَمَا رَوَى التِّرْمِذِىُّ وَالْبَيْهَقِىُّ وَغَيْرُهُمَا فِى تَعْدَادِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى وَمَعْنَاهُ الْهَادِى أَوِ الْمُنِيرُ وَسَيَأْتِى إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى زِيَادَةُ بَيَانٍ لِهَذَا.

   وَالنَّوْعُ الثَّانِى مِنْ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ هُوَ (الْكُفْرُ الْفِعْلِىُّ) وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْجَوَارِحِ مِنْ يَدٍ وَرِجْلٍ وَنَحْوِهِمَا (كَإِلْقَاءِ الْمُصْحَفِ فِى الْقَاذُورَاتِ) وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ تَعَالَى (قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ) صَاحِبُ الْحَاشِيَةِ مِنْ مَشَاهِيرِ مُتَأَخِّرِى الْحَنَفِيَّةِ (وَلَوْ لَمْ يَقْصِدِ الِاسْتِخْفَافَ لِأَنَّ فِعْلَهُ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ) وَمِثْلُ الْمُصْحَفِ رَمْىُ كُتُبِ الْحَدِيثِ (أَوْ أَوْرَاقِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْ أَىِّ وَرَقَةٍ عَلَيْهَا اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى) أَوْ غَيْرِهَا مِنَ الأَسْمَاءِ الْمُعَظَّمَةِ كَأَسْمَاءِ الأَنْبِيَاءِ وَالْمَلائِكَةِ الَّتِى قُصِدُوا بِهَا (مَعَ الْعِلْمِ بِوُجُودِ الِاسْمِ فِيهَا) وَأَمَّا رَمْىُ الِاسْمِ الَّذِى يُطْلَقُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيُطْلَقُ عَلَى الْبَشَرِ أَيْضًا كَالرَّحِيمِ وَالرَّءُوفِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ قَدْ قُصِدَ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى فَلَيْسَ كُفْرًا وَكَذَا رَمْىُ اسْمِ مُحَمَّدٍ وَمُوسَى وَعِيسَى وَنَحْوِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقْصَدَ بِهِ نَبِىٌّ مِنْ هَؤُلاءِ الأَنْبِيَاءِ فَإِنَّهُ لا يَكُونُ كُفْرًا. وَفَصَّلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِى رَمْىِ الْوَرَقَةِ الَّتِى فِيهَا اسْمُ اللَّهِ فِى الْقَاذُورَاتِ فَقَالَ مَنْ رَمَاهَا اسْتِخْفَافًا بِاللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ كَافِرٌ وَمَنْ لَمْ يَقْصِدِ الِاسْتِخْفَافَ بِاسْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلا يَكْفُرُ وَلَكِنَّهُ يَأْثَمُ إِثْمًا كَبِيرًا اﻫ وَهَذَا الْخِلافُ إِنَّمَا هُوَ فِى رَمْىِ الْوَرَقَةِ الَّتِى فِيهَا الِاسْمُ الْمُعَظَّمُ وَأَمَّا رَمْىُ الْمُصْحَفِ أَوْ أَوْرَاقِهِ فِى الْقَاذُورَاتِ أَوْ فِى الْمَكَانِ الْمُسْتَقْذَرِ فَهُوَ كُفْرٌ جَزْمًا أَىْ قَوْلًا وَاحِدًا بِلا خِلافٍ (وَمَنْ عَلَّقَ شِعَارَ الْكُفْرِ عَلَى نَفْسِهِ) أَىْ عَلَّقَ شَيْئًا اتُّخِذَ عَلامَةً دِينِيَّةً خَاصَّةً بِالْكُفَّارِ كَالصَّلِيبِ أَوْ لُبْسِ زُنَّارِ النَّصَارَى أَوْ قَلَنْسُوَةِ الْمَجُوسِ (فَإِنْ كَانَ بِنِيَّةِ التَّبَرُّكِ) أَىْ لِاعْتِقَادِ وُجُودِ الْبَرَكَةِ فِى ذَلِكَ (أَوْ) بِنِيَّةِ (التَّعْظِيمِ) أَىِ اعْتِقَادِ أَنَّ لِهَذَا الشَّىْءِ مَنْزِلَةً عَالِيَةً عِنْدَ اللَّهِ (أَوْ) بِنِيَّةِ (الِاسْتِحْلالِ) أَىْ مَعَ اعْتِقَادِ جَوَازِ ذَلِكَ (مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ كَانَ مُرْتَدًّا) فَإِنْ عَلَّقَهُ مِنْ غَيْرِ تَعْظِيمٍ وَلا لِتَبَرُّكٍ وَلا مَعَ اسْتِحْلالٍ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَلا يَكْفُرُ وَلَكِنَّهُ ءَاثِمٌ إِثْمًا كَبِيرًا كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ، وَذَهَبَ أَغْلَبُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ كُفْرٌ[1]، وَاتَّفَقَ الْفَرِيقَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ عُلَمَاءِ الإِسْلامِ عَلَى أَنَّ مَنْ عَلَّقَ شِعَارَ الْكُفْرِ عَلَى نَفْسِهِ وَدَخَلَ مُخْتَلِطًا مَعَ الْكُفَّارِ مَعَابِدَهُمْ أَنَّهُ يَكْفُرُ إِذْ أَنَّهُ فِعْلٌ لا يَصْدُرُ إِلَّا مِنْ كَافِرٍ إِجْمَاعًا، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ لا يَصْدُرُ إِلَّا مِنْ كَافِرٍ فَفَاعِلُهُ كَافِرٌ كَالسُّجُودِ لِلصَّنَمِ أَوْ لِلشَّمْسِ أَوْ لِلنَّارِ أَوْ لِلشَّيْطَانِ وَسَوَاءٌ فِى ذَلِكَ نَوَى عِبَادَتَهَا أَمْ لَمْ يَنْوِ.

   وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ هُوَ (الْكُفْرُ الْقَوْلِىُّ) وَيَكُونُ بِاللِّسَانِ (كَمَنْ يَشْتِمُ اللَّهَ تَعَالَى بِقَوْلِهِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ مِنَ الْكُفْرِ أُخْتَ رَبِّكَ أَوِ ابْنَ اللَّهِ يَقَعُ الْكُفْرُ هُنَا وَلَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ أَنَّ لِلَّهِ أُخْتًا أَوِ ابْنًا) لِأَنَّهُ كَذَّبَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ الإِخْلاصِ ﴿لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ ولَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ وَكَذَا لَوْ زَعَمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ ابْنُ اللَّهِ الْمَحْبُوبَ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنَّ هَذَا لا يُنْجِيهِ مِنَ الْكُفْرِ وَهُوَ غَيْرُ سَائِغٍ شَرْعًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لا يُشَبَّهُ بِالأَبِ وَقَدْ شَهِدَتِ النُّصُوصُ بِبُطْلانِهِ كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْمَائِدَةِ ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ﴾ فَهَذِهِ الآيَةُ صَرِيحَةٌ فِى عَدَمِ قَبُولِ مِثْلِ هَذَا التَّأْوِيلِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ جُزَىٍّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِى الْحَدِيثِ الْقُدْسِىِّ أَنَّ نِسْبَةَ الْوَلَدِ إِلَى اللَّهِ شَتْمٌ لِلَّهِ فَكَيْفَ يَكُونُ بَعْدَ هَذَا سَائِغًا أَوْ مَقْبُولًا. وَأَمَّا حَدِيثُ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللَّهِ وَأَحَبُّهُمْ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ فَلَيْسَ صَحِيحًا بَلْ هُوَ حَدِيثٌ شَدِيدُ الضَّعْفِ قَالَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِى أَسَانِيدِهِ رَاوِيَانِ مَتْرُوكَانِ فَلا يَنْبَغِى أَنْ يُرْوَى اﻫ قَالَ الْحَافِظُ نُورُ الدِّينِ فِى مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ وَفِيهِ يُوسُفُ بنُ عَطِيَّةَ الصَّفَّارُ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِىُّ فِى الْكَبِيرِ وَالأَوْسَطِ وَفِيهِ مُوسَى بنُ عُمَيْرٍ وَهُوَ أَبُو هَارُونَ الْقُرَشِىُّ مَتْرُوكٌ اﻫ ثُمَّ الْعِيَالُ فِى اللُّغَةِ مَعْنَاهُ النَّاسُ الَّذِينَ يُنْفِقُ عَلَيْهِمُ الشَّخْصُ وَلَوْ كَانُوا أَعْمَامَهُ أَوْ أَخْوَالَهُ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ الأَوْلادَ فَلَوْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ لَكَانَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ فَقُرَاءُ اللَّهِ كَمَا ذَكَرَ الْمُنَاوِىُّ فِى شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْسُبَ الْوَلَدَ لِلْخَالِقِ عَزَّ وَجَلَّ.

   (وَلَوْ نَادَى مُسْلِمٌ مُسْلِمًا ءَاخَرَ بِقَوْلِهِ يَا كَافِرُ) فَفِى ذَلِكَ تَفْصِيلٌ إِنْ أَرَادَ تَكْفِيرَهُ (بِلا تَأْوِيلٍ) أَىْ قَصَدَ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ أَنَّهُ خَارِجٌ مِنَ الإِسْلامِ مَعَ مَعْرِفَتِهِ بِأَنَّهُ مُسْلِمٌ (كَفَرَ الْقَائِلُ) عِنْدَئِذٍ (لِأَنَّهُ سَمَّى الإِسْلامَ كُفْرًا وَ)بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ (يَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ لِلْمُسْلِمِ) أَىْ لِمَنْ يَعْلَمُهُ مُسْلِمًا (يَا يَهُودِىُّ أَوْ أَمْثَالَهَا مِنَ الْعِبَارَاتِ) مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ أَىْ إِذَا قَالَهَا (بِنِيَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ) فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ (إِلَّا) أَنَّهُ يُشْبِهُ الْكُفَّارَ أَىْ (إِذَا) قَالَ لِمُسْلِمٍ يُجَالِسُ الْكُفَّارَ مَثَلًا وَيُوَادُّهُمْ وَيُوَافِقُهُمْ فِى كَثِيرٍ مِنْ أُمُورِهِمْ أَنْتَ كَافِرٌ قَاصِدًا بِذَلِكَ أَنْتَ تُشْبِهُ الْكُفَّارَ أَوْ قَالَ لِمُسْلِمٍ يُعَامِلُ النَّاسَ بِالرِّبَا وَيَظْلِمُهُمْ بِلا شَفَقَةٍ أَنْتَ يَهُودِىٌّ وَ(قَصَدَ أَنَّهُ يُشْبِهُ الْيَهُودَ) فِى مُعَامَلاتِهِ (فَلا يَكْفُرُ) عِنْدَئِذٍ لِتَأَوُّلِهِ، وَكَذَا مَنْ رَأَى إِنْسَانًا كَثِيرَ الْمُخَالَطَةِ وَالْمَوَادَّةِ وَالْمُوَافَقَةِ لِلْكُفَّارِ فَظَنَّهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ كَافِرًا مِثْلَهُمْ أَىْ ظَنَّ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ اعْتِقَادَهُمْ فَقَالَ لَهُ يَا كَافِرُ فَإِنَّهُ لا يَكْفُرُ عِنْدَئِذٍ، وَمِثْلُهُ رَجُلٌ بَلَغَهُ أَنَّ إِنْسَانًا مُسْلِمًا انْتَحَرَ فَقَالَ مَاتَ كَافِرًا وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ لِأَنَّ الْقَائِلَ كَانَ جَاهِلًا يَظُنُّ أَنَّ الِانْتِحَارَ وَحْدَهُ كُفْرٌ فَإِنَّهُ فِى هَذِهِ الْحَالِ لا يَكْفُرُ لِأَنَّ لَهُ تَأْوِيلًا أَىِ اعْتَمَدَ عَلَى سَبَبٍ فِى ذَلِكَ الشَّخْصِ ظَنَّهُ مُخْرِجًا مِنَ الإِسْلامِ لِشُبْهَةٍ عَرَضَتْ لَهُ بَيْنَمَا هُوَ فِى الْحَقِيقَةِ لَيْسَ مُخْرِجًا مِنَ الإِسْلامِ.

   (وَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنَ اللَّهِ) كَفَرَ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ اسْتِخْفَافٌ بِاللَّهِ تَعَالَى (أَوْ) قَالَ لَهَا (أَعْبُدُكِ كَفَرَ) كَذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ إِشْرَاكًا بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَكِنْ (إِنْ كَانَ) الْقَائِلُ لا (يَفْهَمُ مِنْهَا) أَىْ مِنْ قَوْلِهِ أَعْبُدُكِ (الْعِبَادَةَ الَّتِى هِىَ خَاصَّةٌ لِلَّهِ تَعَالَى) بَلْ يَظُنُّ مِنْ شِدَّةِ الْجَهْلِ أَنَّ مَعْنَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ أُحِبُّكِ مَحَبَّةً شَدِيدَةً فَلا يُكَفَّرُ.

   (وَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ اللَّهُ يَظْلِمُكَ كَمَا ظَلَمْتَنِى كَفَرَ الْقَائِلُ لِأَنَّهُ نَسَبَ الظُّلْمَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى) وَالظُّلْمُ عُرِّفَ بِأَنَّهُ مُخَالَفَةُ أَمْرِ وَنَهْىِ مَنْ لَهُ الأَمْرُ وَالنَّهْىُ وَبِأَنَّهُ التَّصَرُّفُ فِى مِلْكِ الْغَيْرِ بِمَا لا يَرْضَى فَمَنْ قَالَ لِآخَرَ اللَّهُ يَظْلِمُكَ كَفَرَ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لا ءَامِرَ لَهُ وَلا نَاهٍ وَكُلُّ شَىْءٍ فِى الْعَالَمِ مُلْكُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَالْعِبَادُ يُسْأَلُونَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِى سُورَةِ فُصِّلَتْ ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ فَمَنْ زَعَمَ خِلافَ ذَلِكَ فَقَدْ كَذَّبَ الْقُرْءَانَ وَنَقَضَ التَّوْحِيدَ (إِلَّا إِذَا) قَالَ اللَّهُ يَظْلِمُكَ كَمَا ظَلَمْتَنِى وَ(كَانَ يَفْهَمُ أَنَّ مَعْنَى يَظْلِمُكَ يَنْتَقِمُ مِنْكَ فَلا نُكَفِّرُهُ بَلْ نَنْهَاهُ) وَلا يَخْفَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِنَا يَفْهَمُ إِلَى ءَاخِرِهِ أَىْ يَعْتَقِدُ أَنَّ هَذَا هُوَ مَعْنَى الْكَلامِ فِى اللُّغَةِ لا مُجَرَّدَ أَنَّهُ يَقْصِدُ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادِ أَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ لُغَةً فَإِنَّ مَنْ تَلَفَّظَ بِالصَّرِيحِ مِنَ الْكُفْرِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لا يَحْتَمِلُ فِى اللُّغَةِ إِلَّا مَعْنًى هُوَ كُفْرٌ أَوْ مَعَانِىَ كُلُّهَا كُفْرِيَّةٌ وَزَعَمَ أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ مَعْنًى ءَاخَرَ لَمْ يَنْفَعْهُ زَعْمُهُ هَذَا لِلنَّجَاةِ مِنَ الْكُفْرِ بَلْ يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ مَهْمَا ادَّعَى أَنَّهُ قَصَدَ أَوْ أَرَادَ.

   (وَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لِشَخْصٍ ءَاخَرَ [بِعَامِيَّةِ بَعْضِ الْبِلادِ] وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ يِلْعَنْ رَبَّكَ) وَهُمْ يَفْهَمُونَ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ لَعْنَ اللَّهِ تَعَالَى (كَفَرَ) الْقَائِلُ بِلا شَكٍّ (وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ لِلْمُسْلِمِ [بِعَامِيَّةِ بَعْضِ الْبِلادِ]) أَيْضًا كَبِلادِ الشَّامِ (يِلْعَنْ دِينَكَ) وَهُوَ لا يَفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا لَعْنَ دِينِ الْمُسْلِمِ وَ(قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِنْ قَصَدَ) بِالدِّينِ فِى هَذَا اللَّفْظِ الأَخِيرِ (سِيرَتَهُ) أَىْ قَصَدَ لَعْنَ عَادَاتِهِ وَأَخْلاقِهِ الْخَبِيثَةِ (فَلا يَكْفُرُ، قَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ يَكْفُرُ إِنْ أَطْلَقَ أَىْ إِنْ لَمْ يَقْصِدْ سِيرَتَهُ وَلا قَصَدَ دِينَ الإِسْلامِ) أَىْ لِأَنَّ إِطْلاقَ مِثْلِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ يُحْمَلُ عِنْدَ فَقْدِ الْقَرِينَةِ[2] عَلَى الْمَعْنَى الظَّاهِرِ وَهُوَ الِاعْتِقَادُ كَمَا يُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ كَلامُ ابْنِ عَابِدِينَ فِى الْحَاشِيَةِ.

   (وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ فُلانٌ زَاحَ رَبِّى لِأَنَّ هَذَا فِيهِ نِسْبَةُ الْحَرَكَةِ وَالْمَكَانِ للَّهِ) فَإِنَّ مَنْ يَقُولُ هَذِهِ الْكَلِمَةَ يَفْهَمُ مِنْهَا نِسْبَةَ الْحَرَكَةِ وَالِانْتِقَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوِ الإِحْسَاسِ بِالضِّيقِ وَهُمَا مَعْنَيَانِ يَسْتَحِيلانِ فِى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى.

   (وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ) بِعَامِيَّةِ بَعْضِ الْبِلادِ (وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ قَدَّ اللَّهِ) وَهِىَ كَلِمَةٌ يَسْتَعْمِلُهَا بَعْضُ السُّفَهَاءِ فِى بِلادِ الشَّامِ وَ(يَقْصِدُ) أَحَدُهُمْ بِنَاءً عَلَى فَهْمِهِمُ (الْمُمَاثَلَةَ) فِى الْحَجْمِ وَالْمِقْدَارِ (وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ نَسَبَ إِلَى اللَّهِ جَارِحَةً مِنَ الْجَوَارِحِ) كَالرَّأْسِ أَوِ الأُذُنِ أَوِ اللِّسَانِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَعْضَاءِ وَالأَجْزَاءِ (كَقَوْلِ بَعْضِ السُّفَهَاءِ يَا زُبَّ اللَّهِ وَهُوَ لَفْظٌ صَرِيحٌ فِى الْكُفْرِ لا يُقْبَلُ فِيهِ التَّأْوِيلُ) وَقَدْ ذَكَرَ الزَّبِيدِىُّ فِى تَاجِ الْعَرُوسِ أَنَّ الزُّبَّ هُوَ ذَكَرُ الصَّبِىِّ وَأَنَّهُ يُطْلَقُ كَذَلِكَ عَلَى اللِّحْيَةِ أَوْ مُقَدَّمِهَا وَعَلَى الأَنْفِ فِى لُغَةِ الْيَمَنِ اﻫ وَلا يُسْتَبْعَدُ أَنْ يَعْتَقِدَ بَعْضُ الْجَهَلَةِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَهُ ءَالَةُ الذُّكُورِيَّةِ بَلْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ إِثْبَاتُ ذَلِكَ لَهُ سُبْحَانَهُ حَتَّى قَالَ أَحَدُهُمْ لَمَّا أُخْبِرَ بِأَنَّ اللَّهَ لا يَتَّصِفُ بِذَلِكَ إِذًا مِنْ أَيْنَ يَأْتِى الْمَطَرُ وَهَؤُلاءِ فَاقُوا فِى الْجَهْلِ قُدَمَاءَ الْمُشَبِّهَةِ حَيْثُ قَالَ أَحَدُ رُؤُوسِهِمْ أَلْزِمُونِى مَا شِئْتُمْ أَىْ صِفُوا اللَّهَ تَعَالَى بِأَىِّ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الإِنْسَانِ أُوَافِقْكُمْ فِى ذَلِكَ إِلَّا اللِّحْيَةَ وَالْعَوْرَةَ اﻫ وَهَذَا الْمُشَبِّهُ الْقَدِيمُ كَانَ يَنْسُبُ نَفْسَهُ إِلَى الْمَذْهَبِ الْحَنْبَلِىِّ فَقَالَ فِيهِ ابْنُ عَقِيلٍ وَهُوَ مِنْ أَسَاطِينِ مَذْهَبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ مَقَالَةَ ذَمٍّ شَدِيدَةً أَرَادَ بِهَا أَنَّهُ أَلْزَقَ بِمَذْهَبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ عَيْبًا وَرِجْسًا لا يَكْفِى الْمَاءُ لِتَنْظِيفِ مَحَلِّهِ وَتَطْهِيرِهِ بِحَيْثُ صَارَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لا يَقُولُونَ حَنْبَلِىٌّ إِلَّا وَمُرَادُهُمْ مُجَسِّمٌ.

   (وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ أَنَا رَبُّ مَنْ عَمِلَ كَذَا) لِأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ رَبًّا لِلْعِبَادِ وَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ قَالَ أَنَا رَبُّ النَّجَّارِينَ أَوْ أَنَا رَبُّ التُّجَّارِ أَوْ أَنَا رَبُّ النُّحَاةِ بِخِلافِ مَنْ قَالَ أَنَا رَبُّ هَذِهِ الدَّابَّةِ لِدَابَّةٍ يَمْلِكُهَا أَوْ أَنَا رَبُّ هَذَا الْبَيْتِ لِبَيْتٍ يَمْلِكُهُ أَوْ أَنَا رَبُّ النَّحْوِ أَىْ أُتْقِنُهُ فَإِنَّهُ لا يَكْفُرُ فِى هَذِهِ الأَحْوَالِ قَالَ صَاحِبُ الْقَامُوسِ رَبُّ كُلِّ شَىْءٍ مُسْتَحِقُّهُ اﻫ وَأَمَّا مَا شَاعَ فِى بَعْضِ الْبِلادِ مِنْ قَوْلِهِمْ عَنِ الأَبِ رَبُّ الْعَائِلَةِ فَهُوَ قَبِيحٌ لا يَسُوغُ لِأَنَّهُ لا يَصِحُّ لُغَةً وَصْفُ الشَّخْصِ بِأَنَّهُ رَبُّ الأَشْخَاصِ الأَحْرَارِ الَّذِينَ يَعُولُهُمْ أَمَّا إِنْ كَانَ يَمْلِكُ عَبْدًا فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ هُوَ رَبُّهُ أَىْ مَالِكُهُ، عَلَى أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الَّذِينَ يَلْهَجُونَ بِلَفْظِ رَبِّ الْعَائِلَةِ أَوْ رَبِّ الأُسْرَةِ لا يَفْهَمُونَ الْمَعْنَى اللُّغَوِىَّ لِلْعِبَارَةِ وَإِنَّمَا يَظُنُّونَ أَنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى مَنْ يَكْفِى عِيَالَهُ حَاجَاتِهِمْ فَلا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِمْ عِنْدَئِذٍ. 

   (وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ خَوَتْ رَبِّى) وَهِىَ لَفْظَةٌ عَامِيَّةٌ مَعْنَاهَا جَعَلَهُ مَجْنُونًا أَوْ كَالْمَجْنُونِ أَوْ سَبَّبَ لَهُ ذَلِكَ (أَوْ قَالَ لِلْكَافِرِ اللَّهُ يُكْرِمُكَ بِقَصْدِ أَنْ يُحِبَّهُ اللَّهُ كَفَرَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى) فِى سُورَةِ ءَالِ عِمْرَانَ (﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾) أَىْ فَإِنْ أَعْرَضُوا عَنِ الإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (﴿فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾) أَىْ فَهُمْ كُفَّارٌ لا يُحِبُّهُمُ اللَّهُ لِكُفْرِهِمْ وَأَمَّا مَنْ قَالَ لِكَافِرٍ أَكْرَمَكَ اللَّهُ وَلا يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّهُ يُحِبُّهُ أَوْ أَنَّهُ مَقْبُولٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ أَرَادَ الدُّعَاءَ لَهُ بِالتَّوْسِعَةِ فِى الرِّزْقِ فَلا يَكْفُرُ لِأَنَّ هَذَا مَعْنًى تَحْتَمِلُهُ هَذِهِ الْكَلِمَةُ فِى اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ فَيُقَالُ فُلانٌ أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِمَالٍ كَثِيرٍ مَثَلًا.

   (وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ لِلْكَافِرِ) الْحَىِّ (اللَّهُ يَغْفِرُ لَكَ إِنْ قَصَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغْفِرُ لَهُ) ذُنُوبَهُ (وَهُوَ) بَاقٍ (عَلَى كُفْرِهِ إِلَى الْموْتِ) لِأَنَّ هَذَا تَكْذِيبٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِى سُورَةِ النِّسَاءِ ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ (وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ قَالَ لِمَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ اللَّهُ يَرْحَمُهُ) لِأَنَّ طَلَبَ الرَّحْمَةِ لِلْكَافِرِ بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى الْكُفْرِ مُعَانَدَةٌ لِلشَّرْعِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ الْكَافِرَ لا يُرْحَمُ فِى الآخِرَةِ فَمَنْ طَلَبَ لَهُ الرَّحْمَةَ مَعَ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ فَكَأنَّهُ يَقُولُ يَا رَبِّ كَذِّبْ نَفْسَكَ أَوْ كَذِّبْ شَرْعَكَ. هَذَا أَىِ الْحُكْمُ بِكُفْرِهِ هُوَ مَا إِذَا قَالَ ذَلِكَ (بِقَصْدِ أَنْ يُرِيحَهُ) اللَّهُ (فِى قَبْرِهِ لا بِقَصْدِ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُ عَذَابُ الْقَبْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنَالَ رَاحَةً فَإِنَّهُ إِنْ قَالَ ذَلِكَ بِهَذَا الْقَصْدِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لا يَكْفُرُ) أَىْ فَإِنَّهُ إِذَا جَهِلَ أَنَّ الْكَافِرَ لا يُخَفَّفُ عَنْهُ الْعَذَابُ فِى الْقَبْرِ فَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ لَمْ نَحْكُمْ بِكُفْرِهِ عِنْدَئِذٍ.

   (وَيَكْفُرُ مَنْ يَسْتَعْمِلُ كَلِمَةَ الْخَلْقِ مُضَافَةً لِلنَّاسِ فِى الْمَوْضِعِ الَّذِى تَكُونُ فِيهِ بِمَعْنَى الإِبْرَازِ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ كَأَنْ يَقُولَ لِشَخْصٍ مَا اخْلُقْ لِى كَذَا كَمَا خَلَقَكَ اللَّهُ) لِأَنَّ كَلِمَةَ الْخَلْقِ لَهَا فِى لُغَةِ الْعَرَبِ خَمْسَةُ مَعَانٍ أَحَدُهَا مَعْنَى الإِبْرَازِ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى لا تُسْتَعْمَلُ مُضَافَةً إِلَى غَيْرِ اللَّهِ لِأَنَّهُ لا مُبْرِزَ لِشَىْءٍ مِنَ الأَشْيَاءِ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ إِلَّا اللَّهُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ الزُّمَرِ ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ﴾ هَذَا مَعَ إِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى عَدَمِ إِطْلاقِ لَفَظِ الْخَالِقِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ.

   (وَيَكْفُرُ مَنْ يَشْتُمُ) مَلَكَ الْمَوْتِ (عَزْرَائِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ كَمَا قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِى تَبْصِرَةِ الْحُكَّامِ أَوْ) يَشْتُمُ (أَىَّ مَلَكٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ) وَاسْمُ مَلَكِ الْمَوْتِ هُوَ عَزْرَائِيلُ كَمَا وَرَدَ فِى بَعْضِ الآثَارِ وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِى عِيَاضٌ فِى الشِّفَا.

   (وَكَذَلِكَ) يَكْفُرُ (مَنْ يَقُولُ أَنَا عَايِفُ اللَّهِ أَىْ كَرِهْتُ اللَّهَ) لِأَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ اسْتِهْزَاءٌ صَرِيحٌ بِهِ تَعَالَى (وَ)كَذَا (يَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ اللَّهُ لا يَتَحَمَّلُ فُلانًا إِذَا فَهِمَ الْعَجْزَ أَوْ أَنَّ اللَّهَ يَنْزَعِجُ مِنْهُ أَمَّا إِذَا كَانَ يَفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ أَنَّ اللَّهَ يَكْرَهُهُ) لِفِسْقِهِ (فَلا يَكْفُرُ).

   (وَيَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ) بِعَامِيَّةِ بَعْضِ الْبِلادِ كَبِلادِ الشَّامِ (يِلْعَنْ سَمَاءَ رَبِّكَ لِأَنَّهُ اسْتَخَفَّ بِاللَّهِ تَعَالَى) إِذْ فَهْمُهُمْ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ أَنَّهَا شَتْمٌ لِلْخَالِقِ عَزَّ وَجَلَّ وَحَتَّى لَوْ قَصَدَ قَائِلُهَا سَبَّ السَّمَاءِ الَّتِى هِىَ مَسْكَنُ الْمَلائِكَةِ وَأَضَافَهَا إِلَى اللَّهِ لِشَرَفِهَا عِنْدَهُ وَلَمْ يَقْصِدْ لَعْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ كَذَّبَ الْخَالِقَ سُبْحَانَهُ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ وَحَقَّرَ مَا عَظَّمَهُ ورَدَّ شَرْعَهُ. هَذَا بِخِلافِ الَّذِى يَقُولُ يِلْعَنْ سَمَاكَ فَإِنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ بِعَامِيَّتِهِمْ تَحْتَمِلُ أَنْ يَعْنِىَ بِهَا السَّمَاءَ الَّتِى هِىَ مَسْكَنُ الْمَلائِكَةِ وَهِىَ كُفْرٌ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى كَمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ اللَّهَ عَظَّمَ شَأْنَها وَجَعَلَهَا قِبْلَةَ الدُّعَاءِ وَمَهْبِطَ الرَّحَمَاتِ وَالْبَرَكَاتِ وَتَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا سَبُّ سَقْفِ الْبَيْتِ الَّذِى هُوَ فِيهِ أَوِ الْفَرَاغِ الَّذِى يَلِى مَوْضِعَ إِقَامَتِهِ أَوْ يَعْلُو رَأْسَهُ فَلا يَكْفُرُ، عَلَى أَنَّ سَقْفَ الْبَيْتِ وَالْفَضَاءَ الَّذِى يَعْلُو رَأْسَ الإِنْسَانِ مِمَّا هُوَ دُونَ السَّمَاءِ الأُولَى يُسَمَّى سَمَاءً أَيْضًا فِى لُغَةِ الْعَرَبِ.

   (وَكَذَلِكَ) يَكْفُرُ (مَنْ يُسَمِّى الْمَعَابِدَ الدِّينِيَّةَ لِلْكُفَّارِ بُيُوتَ اللَّهِ) كَمَا يَفْعَلُ مُدَاهَنَةً وَجَهْلًا كَثِيرٌ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الإِسْلامِ فِى هَذِهِ الأَيَّامِ فَإِنَّهَا بُيُوتٌ رُفِعَتْ لِتَنْقِيصِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَتَكْذِيبِ نَبِيِّهِ وَبُنِيَتْ لِيُسْرَدَ فِيهَا الْكُفْرُ الَّذِى يُنَاقِضُ الْعَقِيدَةَ الْحَقَّةَ فَمِنْ أَيْنَ تَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ بُيُوتًا مُعَظَّمَةً عِنْدَ اللَّهِ. نَعَمْ لَوْ بُنِىَ مَسْجِدٌ لِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الْكُفَّارُ فَنَقَضُوهُ أَوْ حَوَّلُوهُ مَكَانًا يُسْتَعْمَلُ لِلْكُفْرِ أَوْ لِجَمْعِ الْقَاذُورَاتِ أَوْ مَتْحَفًا كَمَا فُعِلَ فِى الأَنْدَلُسِ وَبِلادِ الِاتِّحَادِ السُّوفْيِيتِىِّ الْمُنْحَلِّ وَفِلَسْطِينَ وَتُرْكِيَةَ وَغَيْرِهَا لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ حُكْمِ الْمَسْجِدِيَّةِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الأَمَاكِنُ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ بِالْمَعَابِدِ الَّتِى ذَكَرَهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كَلامِهِ (وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى) فِى سُورَةِ الْحَجِّ (﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ﴾ فَالْمُرَادُ بِهِ مَعَابِدُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لَمَّا كَانُوا عَلَى الإِسْلامِ) فَالصَّوَامِعُ جَمْعُ صَوْمَعَةٍ وَهِىَ بِنَاءٌ مُحَدَّبُ الرَّأْسِ كَانَ يُبْنَى عَادَةً عَلَى مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ لِيَتَعَبَّدَ فِيهِ الرَّاهِبُ الْمُسْلِمُ، وَالْبِيَعُ جَمْعُ بِيعَةٍ وَهِىَ الْمَكَانُ الَّذِى كَانَ يَتَعَبَّدُ فِيهِ النَّصَارَى قَبْلَ أَنْ يَتْرُكُوا الإِسْلامَ وَيَقُولُوا بِالتَّثْلِيثِ، وَالصَّلَوَاتُ جَمْعُ صَلُوتَا وَهِىَ لُغَةٌ عِبْرِيَّةٌ وَتُطْلَقُ عَلَى الْمَكَانِ الَّذِى كَانَ الْيَهُودُ الْمُسْلِمُونَ يَتَعَبَّدُونَ فِيهِ أَىْ قَبْلَ أَنْ يُكَذِّبُوا سَيِّدَنَا عِيسَى ثُمَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ. وَمَعْنَى الآيَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَقَامَ الْحُكَّامَ لِدَفْعِ الأَذَى وَالضَّرَرِ وَلِيَسْتَقِرَّ بِهِمْ أَمَانٌ بَيْنَ الْبَشَرِ وَلَوْلاهُمْ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ لِلْمُسْلِمِينَ مِنَ الأُمَمِ السَّابِقَةِ وَمَسَاجِدُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنَ الأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ وَذَلِكَ (لِأَنَّهَا) أَىِ الصَّوَامِعَ وَالْبِيَعَ وَالصَّلَوَاتِ (كَمَسَاجِدِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ (حَيْثُ إِنَّ الْكُلَّ بُنِىَ لِتَوْحِيدِ اللَّهِ وَتَمْجِيدِهِ لا لِعِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ) وَلِذَا (فَقَدْ سَمَّى اللَّهُ الْمَسْجِدَ الأَقْصَى مَسْجِدًا وَهُوَ لَيْسَ مِنْ بِنَاءِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلْيَتَّقِ اللَّهَ امْرُؤٌ وَلْيَحْذَرْ أَنْ يُسَمِّىَ مَا بُنِىَ لِلشِّرْكِ بُيُوتَ اللَّهِ وَمَنْ لَمْ يَتَّقِ اللَّهَ قَالَ مَا شَاءَ) ثُمَّ وَجَدَ إِنْ لَمْ يَتُبْ عَاقِبَةَ قَوْلِهِ فِى الآخِرَةِ حَيْثُ يَوَدُّ الْكَافِرُ لَوْ يَفْتَدِى مِنْ عَذَابِ النَّارِ بِأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِى تُؤْوِيهِ، قَالَ رَبُّنا تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِى سُورَةِ الْكَهْفِ ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالَمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾[3].

   (وَكَذَلِكَ مَنْ حَدَّثَ حَدِيثًا كَذِبًا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَذِبٌ فَقَالَ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا أَقُولُ بِقَصْدِ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ الأَمْرَ كَمَا قُلْتُ) كَفَرَ (لِأَنَّهُ نَسَبَ الْجَهْلَ لِلَّهِ تَعَالَى) فَإِنَّ مَعْنَى كَلامِهِ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ الأَمْرَ عَلَى خِلافِ الْوَاقِعِ وَالشَّىْءَ عَلَى غَيْرِ مَا هُوَ عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الْجَهْلُ فَكَلامُهُ فَاسِدٌ بِلا شَكٍّ (لِأَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ) مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَمَا لا يَكُونُ أَنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ يَكُونُ فَهُوَ سُبْحَانَهُ يَعْلَمُ (أَنَّهُ كَاذِبٌ لَيْسَ صَادِقًا. وَكَذَلِكَ لا يَجُوزُ الْقَوْلُ) الْمُنْتَشِرُ عَلَى أَلْسِنَةِ كَثِيرٍ مِنَ الْعَوَامِّ فِى بِلادِ الشَّامِ (كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى دِينِهِ اللَّهُ يُعِينُهُ) فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَهُ (بِقَصْدِ الدُّعَاءِ لِكُلٍّ) مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ مُتَضِّمِنًا مَعْنَى الرِّضَا بِكُفْرِ الْكُفَّارِ فَيَكُونُ كُفْرًا لِأَنَّ الرِّضَا بِالْكُفْرِ كُفْرٌ وَأَمَّا مَنْ قَالَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ بِقَصْدِ الإِخْبَارِ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِى يُقْدِرُ الْكَافِرَ عَلَى الْكُفْرِ وَيُمَكِّنُهُ مِنْهُ فَلا يَكْفُرُ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الِاعْتِقَادُ الصَّحِيحُ فَإِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَنْ يَشَاءُ وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَالإِعَانَةُ هُنَا مَعْنَاهَا التَّمْكِينُ وَالإِقْدَارُ لا الرِّضَا وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ يُونُسَ إِخْبَارًا عَنْ سَيِّدِنَا مُوسَى أَنَّهُ قَالَ ﴿رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ﴾ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا وَسَلَّمَ رِضًى بِالْكُفْرِ لَهُمْ وَإِنَّمَا بِإِرَادَةِ وَقَصْدِ تَشْدِيدِ الْعَذَابِ عَلَيْهِمْ.

   (وَيَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ مُعَمِّمًا كَلامَهُ) عِبَارَةً يُكَذِّبُ التَّعْمِيمُ فِيهَا مَا عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ مِنَ الدِّينِ كَمَنْ يَقُولُ (الْكَلْبُ أَحْسَنُ مِنْ بَنِى ءَادَمَ) لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَفْظٌ عَامٌّ يَرُدُّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ الإِسْرَاءِ ﴿ولَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءَادَمَ﴾ كَمَا يَرُدُّ غَيْرَهُ مِنَ النُّصُوصِ (أَوْ مَنْ يَقُولُ الْعَرَبُ جَرَبٌ) لِأَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ تَشْمَلُ ذَمَّ الْعَرَبِ جَمِيعًا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ نَبِيًّا أَوْ وَلِيًّا صَالِحًا وَمَنْ لَمْ يَكُنْ (أَمَّا إِذَا خَصَّصَ كَلامَهُ لَفْظًا أَوْ بِقَرِينَةِ الْحَالِ) أَىْ إِنْ أَتَى بِمَا يَدُلُّ عَلَى التَّخْصِيصِ سَوَاءٌ كَانَ قَالًا أَمْ حَالًا أَىْ أَتَى بِمَا يُخْرِجُ الْكَلامَ عَنْ أَنْ يُعْنَى بِهِ كُلُّ أَفْرَادِ الْجِنْسِ فَلا يَكْفُرُ (كَقَوْلِهِ) الْكَلْبُ أَحْسَنُ مِنْ بَنِى ءَادَمَ الْكُفَّارِ أَوْ قَوْلِهِ (الْيَوْمَ الْعَرَبُ فَسَدُوا ثُمَّ قَالَ الْعَرَبُ جَرَبٌ) مُرِيدًا هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَعْتَقِدُهُمْ فَاسِدِينَ (فَلا يَكْفُرُ. وَيَكْفُرُ مَنْ يُسَمِّى الشَّيْطَانَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ) لِأَنَّهُ جَعَلَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ اسْمًا لِلشَّيْطَانِ الْمَلْعُونِ (لا إِنْ ذَكَرَ الْبَسْمَلَةَ) بِغَيْرِ نِيَّةِ تَسْمِيَةِ الشَّيْطَانِ بِهَا بَلْ (بِنِيَّةِ التَّعَوُّذِ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهِ) كَأَنَّهُ يَقُولُ اللَّهُمَّ بِبَرَكَةِ الْبَسْمَلَةِ احْفَظْنَا مِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ لا يَكْفُرُ.

   (وَهُنَاكَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ وَالْكُتَّابِ) مِمَّنْ لا يُبَالِى بِالدِّينِ وَلا يَلْتَزِمُ بِالشَّرْعِ (يَكْتُبُ كَلِمَاتٍ كُفْرِيَّةً) يُضَمِّنُهَا أَشْعَارَهُ وَتَصَانِيفَهُ (كَمَا كَتَبَ أَحَدُهُمْ هَرَبَ اللَّهُ) وَكَمَا كَتَبَ الآخَرُ أَنْبِيَاءُ مُسُوخٌ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ تَعَالَى (فَهَذَا مِنْ سُوءِ الأَدَبِ مَعَ اللَّهِ) وَمَعَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ (الْمُوقِعِ فِى الْكُفْرِ. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِى عِيَاضٌ فِى كِتَابِهِ الشِّفَا لا خِلافَ أَنَّ سَابَّ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَافِرٌ اﻫ) وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى تَكْفِيرِ سَابِّ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُنْتَقِصِهِ اﻫ

   (وَ)كَمَا (يَكْفُرُ مَنْ) يَقُولُ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ يَكْفُرُ مَنْ (يَسْتَحْسِنُ هَذِهِ الأَقْوَالَ وَالْعِبَارَاتِ وَمَا أَكْثَرَ انْتِشَارَهَا فِى مُؤَلَّفَاتٍ عَدِيدَةٍ) فِى هَذَا الزَّمَنِ.

   (وَسُوءُ الأَدَبِ مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالِاسْتِهْزَاءِ بِحَالٍ مِنْ أَحْوَالِهِ أَوْ بِعَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِهِ) أَوْ بِأَمْرٍ مِنْ أَوَامِرِهِ (كُفْرٌ) وَذَلِكَ كَالَّذِى يَسْتَهْزِئُ بِلُبْسِ الْعِمَامَةِ وَلُبْسِ الْقَمِيصِ الَّذِى يُعْرَفُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ الْيَوْمَ بِالْجَلَّابِيَّةِ أَوِ الدَّشْدَاشَةِ وَكَذَا الَّذِى يَسْتَهْزِئُ بِالأَكْلِ بِالأَصَابِعِ الثَّلاثَةِ الإِبْهَامِ وَالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى[4] وَبِاسْتِعْمَالِ السِّوَاكِ وَإِعْفَاءِ اللِّحْيَةِ وَنَتْفِ الإِبْطِ وَالِاسْتِحْدَادِ[5] وَنَحْوِ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ أَوْ مَدَحَهُ.

   (وَالِاسْتِهْزَاءُ) بِالْقُرْءَانِ الْكَرِيمِ أَوْ (بِمَا كُتِبَ فِيهِ شَىْءٌ مِنَ الْقُرْءَانِ الْكَرِيمِ أَوِ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ) كَالْقَوْلِ إِنَّ سَيِّدَنَا ءَادَمَ يُشْبِهُ الْقِرْدَ أَوِ الْقَوْلِ إِنَّ سَيِّدَنَا يُوسُفَ نَوَى وَصَمَّمَ عَلَى الزِّنَى أَوِ الْقَوْلِ إِنَّ سَيِّدَنَا مُوسَى كَانَ سَيِّئَ الْخُلُقِ أَوِ الْقَوْلِ إِنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُتَعَلِّقَ الْقَلْبِ بِالنِّسَاءِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ (أَوْ بِشَعَائِرِ الإِسْلامِ) جَمْعُ شَعِيرَةٍ وَهِىَ الْمَعْلَمُ أَىِ الْعَلامَةُ الظَّاهِرَةُ مِنْ عَلامَاتِ الدِّينِ كَالأَذَانِ وَرَمْىِ الْجِمَارِ (أَوْ بِحُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى) كَحِلِّ النِّكَاحِ وَالطَّلاقِ وَالذَّبِيحَةِ وَحُرْمَةِ الْكَذِبِ وَالزِّنَى وَالْخِيَانَةِ وَوُجُوبِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَاسْتِحْبَابِ سَتْرِ الْمَرْأَةِ لِوَجْهِهَا (كُفْرٌ قَطْعًا[6]. وَكَذَلِكَ اسْتِحْسَانُ الْكُفْرِ مِنْ غَيْرِهِ كُفْرٌ) إِجْمَاعًا (لِأَنَّ) اسْتِحْسَانَ الْكُفْرِ رِضًى بِهِ وَ(الرِّضَى بِالْكُفْرِ كُفْرٌ) إِجْمَاعًا وَذَلِكَ كَأَنْ يَكْفُرَ خَطِيبٌ فَيُصَفِّقَ لَهُ مُسْتَمِعٌ كَمَا يَفْعَلُ الْفِرَنْجَةُ عَلَى مَعْنَى الِاسْتِحْسَانِ وَالْمُوَافَقَةِ لِمَا قَالَ أَوْ يَقُولَ سَفِيهٌ كَلِمَةً كُفْرِيَّةً فَيَضْحَكُ مُسْتَمِعٌ رِضًى بِقَوْلِهِ وَمُوَافَقَةً لَهُ لا مَغْلُوبًا بِالضَّحِكِ أَوْ مُسْتَخِفًّا بِالْقَائِلِ فَإِنَّهُ لا يَكْفُرُ عِنْدَئِذٍ.

   (وَلا يَكْفُرُ مَنْ نَقَلَ عَنْ غَيْرِهِ) قَوْلًا أَوْ كِتَابَةً (كُفْرِيَّةً حَصَلَتْ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْسَانٍ لَهَا بِقَوْلِهِ قَالَ فُلانٌ كَذَا) فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِى سُورَةِ الْمَائِدَةِ ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ﴾ (وَلَوْ أَخَّرَ صِيغَةَ قَالَ) أَىْ وَمَا شَابَهَهَا مِنْ صِيَغِ الْحِكَايَةِ (إِلَى ءَاخِرِ الْجُمْلَةِ) الَّتِى تَتَضَمَّنُ قَوْلًا كُفْرِيًّا أَىْ إِلَى مَا بَعْدَ انْتِهَائِهَا (فَيُشْتَرَط ُأَنْ يَكُونَ فِى نِيَّتِهِ) مِنْ أَوَّلِ ابْتِدَائِهِ بِهَا (ذِكْرُ أَدَاةِ الْحِكَايَةِ مُؤَخَّرَةً عَنِ الِابْتِدَاءِ) فَإِنْ أَنْهَى الْجُمْلَةَ ثُمَّ نَسِىَ أَنْ يَأْتِىَ بِأَدَاةِ الْحِكَايَةِ أَىْ لِظَنِّهِ أَنَّهُ قَالَهَا فَلا يَكْفُرُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.

(18) أَىْ أَغْلَبُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّ مَنْ عَلَّقَ شِعَارَ الْكُفْرِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ كَفَرَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ.

(19) أَىْ عِنْدَ فَقْدِ الْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ لِلَّفْظٍ عَنِ الْمَعْنَى الظَّاهِرِ أَىِ الْمُتَبَادِرِ مِنْهُ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ وَهُوَ هُنَا الِاعْتِقَادُ.

(20) أَىْ أَنَّ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ »وَمَنْ لَمْ يَتَّقِ اللَّهَ قَالَ مَا شَاءَ« لَيْسَ أَمْرًا بِقَوْلِ الإِنْسَانِ مَا يَشَاءُ وَلَوْ خَالَفَ الشَّرِيعَةَ وَكَذَّبَ الدِّينَ إِنَّمَا هُوَ تَهْدِيدٌ كَمَا فِى الآيَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ سُورَةِ الْكَهْفِ.

(21) رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ بِثَلاثِ أَصَابِعَ

     وَيَلْعَقُ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَهَا اهـ

(22) أَىْ حَلْقِ الْعَانَةِ.

(23) أَىْ بِلا خِلافٍ.