(وَاعْلَمْ يَا أَخِى الْمُسْلِمَ أَنَّ هُنَاكَ اعْتِقَادَاتٍ وَأَفْعَالًا وَأَقْوَالًا تَنْقُضُ الشَّهَادَتَيْنِ وَتُوقِعُ فِى الْكُفْرِ لِأَنَّ الْكُفْرَ ثَلاثَةُ أَنْوَاعٍ كُفْرٌ اعْتِقَادِىٌّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ لِأَنَّ الِارْتِيَابَ أَىِ الشَّكَّ يَكُونُ بِالْقَلْبِ (وَكُفْرٌ فِعْلِىٌّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ﴾ (وَكُفْرٌ لَفْظِىٌّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ﴾ وَهَذِهِ الْمَسْئَلَةُ إِجْمَاعِيَّةٌ (وَذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْمَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ كَالنَّوَوِىِّ وَابْنِ الْمُقْرِى مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَابْنِ عَابِدِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْبُهُوتِىِّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ وَالشَّيْخِ مُحَمَّدِ عِلَّيْشٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ فَلْيَنْظُرْهَا مَنْ شَاءَ. وَكَذَلِكَ غَيْرُ عُلَمَاءِ الْمَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ الْمَاضِينَ كَالأَوْزَاعِىِّ فَإِنَّهُ كَانَ مُجْتَهِدًا لَهُ مَذْهَبٌ كَانَ يُعْمَلُ بِهِ ثُمَّ انْقَرَضَ أَتْبَاعُهُ). وَكُلٌّ مِنَ الثَّلاثَةِ كُفْرٌ بِمُفْرَدِهِ فَالْكُفْرُ الْقَوْلِىُّ كُفْرٌ وَلَوْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ اعْتِقَادٌ وَلا فِعْلٌ، وَالْكُفْرُ الْفِعْلِىُّ كُفْرٌ وَلَوْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ اعْتِقَادٌ وَانْشِرَاحُ الصَّدْرِ بِهِ وَلا قَوْلٌ، وَالْكُفْرُ الِاعْتِقَادِىُّ كُفْرٌ وَلَوْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ قَوْلٌ وَلا فِعْلٌ. وَ(الْكُفْرُ الِاعْتِقَادِىُّ مَكَانُهُ الْقَلْبُ كَنَفْىِ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الْوَاجِبَةِ لَهُ إِجْمَاعًا كَوُجُودِهِ وَكَوْنِهِ قَادِرًا وَكَوْنِهِ سَمِيعًا بَصِيرًا) فَمَنْ نَفَى وُجُودَ اللَّهِ بِقَلْبِهِ فَهُوَ كَافِرٌ وَكَذَلِكَ مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ (أَوْ) شَكَّ فِى قُدْرَتِهِ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ. فَلا يُعْذَرُ أَحَدٌ فِى الْجَهْلِ بِقُدْرَةِ اللَّهِ وَنَحْوِهَا مِنْ صِفَاتِهِ مَهْمَا بَلَغَ الْجَهْلُ بِصَاحِبِهِ. وَمِنَ الْكُفْرِ أَيْضًا (اعْتِقَادُ أَنَّهُ) تَعَالَى (نُورٌ بِمَعْنَى الضَّوْءِ أَوْ أَنَّهُ رُوحٌ) أَمَّا إِذَا قَالَ قَائِلٌ اللَّهُ نُورٌ فَلا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ إِلَّا إِذَا كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ نُورٌ بِمَعْنَى الضَّوْءِ عِنْدَئِذٍ يَكْفُرُ أَمَّا إِذَا قَالَ اللَّهُ نُورٌ وَلَمْ يُفْهَمْ مَاذَا يَقْصِدُ فَلا يُكَفَّرُ وَلا يُقَالُ لَهُ حَرَامٌ أَنَّ تَقُولَ هَذَا لِأَنَّهُ وَرَدَ فِى تَعْدَادِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى عِنْدَ الْبَيْهَقِىِّ وَغَيْرِهِ (قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْغَنِىِّ النَّابُلُسِىُّ) فِى كِتَابِهِ الْفَتْحِ الرَّبَانِىِّ (مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ مَلَأَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَوْ أَنَّهُ جِسْمٌ قَاعِدٌ فَوْقَ الْعَرْشِ فَهُوَ كَافِرٌ وَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ) لِأَنَّهُ وَصَفَ اللَّهَ بِالْجِسْمِيَّةِ وَالْقُعُودِ وَلا يُوصَفُ بِهِمَا إِلَّا الْمَخْلُوقُ. وَ(الْكُفْرُ الْفِعْلِىُّ كَإِلْقَاءِ الْمُصْحَفِ فِى الْقَاذُورَاتِ) فَإِنَّ رَمْيَهُ فِى الْقَاذُورَاتِ كُفْرٌ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ (قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ) فِى رَدِّ الْمُحْتَارِ (وَلَوْ لَمْ يَقْصِدِ الاِسْتِخْفَافَ لِأَنَّ فِعْلَهُ يَدُلُّ عَلَى الاِسْتِخْفَافِ. أَوْ أَوْرَاقِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْ أَىِّ وَرَقَةٍ عَلَيْهَا اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ الْعِلْمِ بِوُجُودِ الِاسْمِ فِيهَا) قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِذَا رَمَى اسْمَ اللَّهِ فِى الْقَاذُورَاتِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِخْفَافِ كَفَرَ أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِخْفَافِ فَلا يَكُونُ رِدَّةً (وَمَنْ عَلَّقَ شِعَارَ الْكُفْرِ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ بِنِيَّةِ التَّبَرُّكِ أَوِ التَّعْظِيمِ أَوِ الاِسْتِحْلالِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ كَانَ مُرْتَدًّا) أَمَّا إِنْ عَلَّقَهُ لا بِنِيَّةِ إِحْدَى هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ فَلا يَكْفُرُ لَكِنَّهُ أَثِمَ إِثْمًا كَبِيرًا. وَ(الْكُفْرُ الْقَوْلِىُّ كَمَنْ يَشْتِمُ اللَّهَ تَعَالَى بِقَوْلِهِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ مِنَ الْكُفْرِ أُخْتَ رَبِّكَ أَوِ ابْنَ اللَّهِ يَقَعُ الْكُفْرُ هُنَا وَلَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ أَنَّ لِلَّهِ أُخْتًا أَوِ ابْنًا) وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ »قَالَ اللَّهُ تَعَالَى شَتَمَنِى ابْنُ ءَادَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ« وَفَسَّرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ »وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّاىَ فَقَوْلُهُ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا« رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ (وَلَوْ نَادَى مُسْلِمٌ مُسْلِمًا ءَاخَرَ بِقَوْلِهِ يَا كَافِرُ بِلا تَأْوِيلٍ كَفَرَ الْقَائِلُ لِأَنَّهُ سَمَّى الإِسْلامَ كُفْرًا) وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِى الصَّحِيحِ وَغَيْرُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ »إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا فَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ« فَقَدْ حَذَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ فِى هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَنْ نَقُولَ لِمُسْلِمٍ كَافِرٌ وَبَيَّنَ لَنَا أَنَّ مَنْ قَالَ ذَلِكَ لِمُسْلِمٍ يَعُودُ عَلَيْهِ وَبَالُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ فَإِنْ كَانَ قَالَ لَهُ ذَلِكَ مُتَأَوِّلًا بِنَوْعِ تَأْوِيلٍ فَلا يَكْفُرُ كَأَنِ اعْتَمَدَ عَلَى سَبَبٍ فِى ذَلِكَ الشَّخْصِ ظَنَّهُ مُخْرِجًا مِنَ الإِسْلامِ وَهُوَ فِى الْحَقِيقَةِ لَيْسَ مُخْرِجًا مِنَ الإِسْلامِ وَكَانَ لَهُ فِى ذَلِكَ نَوْعُ شُبْهَةٍ أَىِ الْتِبَاسٍ فَإِنَّ الْمُكَفِّرَ هُنَا لا يَكْفُرُ كَمَا أَنَّ الْمُكَفَّرَ لَمْ يَكْفُرْ ومِثَالُ ذَلِكَ رَجُلٌ بَلَغَهُ أَنَّ فُلانًا انْتَحَرَ فَقَالَ مَاتَ كَافِرًا وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ فَهَذَا الْمُكَفِّرُ إِنْ كَانَ جَاهِلًا يَظُنُّ أَنَّ الِانْتِحَارَ وَحْدَهُ كُفْرٌ وَلا يَعْرِفُ أَنَّ الِانْتِحَارَ بِمُجَرَّدِهِ لَيْسَ كُفْرًا لَمْ يَكْفُرْ لِأَنَّهُ لَهُ تَأْوِيلًا. (وَيَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ لِلْمُسْلِمِ يَا يَهُودِىُّ أَوْ أَمْثَالَهَا مِنَ الْعِبَارَاتِ بِنِيَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ) وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَقِدًا مَعَانِىَ تِلْكَ الأَلْفَاظِ (إِلَّا إِذَا) قَالَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلًا أَىْ (قَصَدَ أَنَّهُ يُشْبِهُ الْيَهُودَ) لِسُوءِ عَمَلِهِ (فَلا يَكْفُرُ) لَكِنَّ هَذَا حَرَامٌ يَفْسُقُ قَائِلُهُ (وَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لِزَوْجَتِهِ »أَنْتِ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنَ اللَّهِ«) كَفَرَ لِأَنَّ اللَّهَ يَجِبُ مَحَبَّتُهُ أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ فَمَنْ أَحَبَّ شَيْئًا أَكْثَرَ مِنَ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ (أَوْ) قَالَ لِزَوْجَتِهِ (أَعْبُدُكِ كَفَرَ إِنْ كَانَ يَفْهَمُ مِنْهَا الْعِبَادَةَ الَّتِى هِىَ خَاصَّةٌ لِلَّهِ تَعَالَى) وَأَمَّا مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَعْبُدُكِ وكَانَ يَفْهَمُ مِنْهَا أُحِبُّكِ مَحَبَّةً شَدِيدَةً فَهَذَا لا نُكَفِّرُهُ (وَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ »اللَّهُ يَظْلِمُكَ كَمَا ظَلَمْتَنِى« كَفَرَ الْقَائِلُ لِأَنَّهُ نَسَبَ الظُّلْمَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا إِذَا كَانَ يَفْهَمُ أَنَّ مَعْنَى يَظْلِمُكَ يَنْتَقِمُ مِنْكَ فَلا نُكَفِّرُهُ بَلْ نَنْهَاهُ) وَأَمَّا مَنْ يَقُولُ اللَّهُ يَظْلِمُكَ وَيَقِفُ عِنْدَهَا فَيَكْفُرُ وَلا تَأْوِيلَ لِكَلامِهِ وَمَنْ يَشُكُّ فِى ذَلِكَ يَكْفُرُ وَلَوْ نَوَى أَنَّهُ يَنْتَقِمُ مِنْكَ لِأَنَّ الظُّلْمَ مُسْتَحِيلٌ عَلَى اللَّهِ قَالَ تَعَالَى ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ وَالظُّلْمُ مَعْنَاهُ التَّصَرُّفُ فِى مِلْكِ الْغَيْرِ بِمَا لا يَرْضَى وَاللَّهُ يَتَصَرَّفُ بِمِلْكِهِ فَنَحْنُ وَمَا نَمْلِكُ مِلْكٌ لَهُ (وَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لِشَخْصٍ ءَاخَرَ [بِعَامِيَّةِ بَعْضِ الْبِلادِ] وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ »يِلْعَنْ رَبَّكَ« كَفَرَ) كُفْرًا صَرِيحًا لا تَأْوِيلَ لَهُ وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ تُسْتَعْمَلُ فِى بِلادِ الشَّامِ بِمَعْنَى أَلْعَنُ رَبَّكَ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ (وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ لِلْمُسْلِمِ [بِعَامِيَّةِ بَعْضِ الْبِلادِ] »يِلْعَنْ دِينَكَ« قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِنْ قَصَدَ سِيرَتَهُ) أَىْ عَادَتَهُ وَأَخْلاقَهُ (فَلا يَكْفُرُ. قَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ يَكْفُرُ إِنْ أَطْلَقَ أَىْ إِنْ لَمْ يَقْصِدْ سِيرَتَهُ وَلا قَصَدَ دِينَ الإِسْلامِ. وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ »فُلانٌ زَاحَ رَبِّى« لِأَنَّ هَذَا فِيهِ نِسْبَةُ الْحَرَكَةِ وَالْمَكَانِ لِلَّهِ) وَكَذَلِكَ يَفْهَمُونَ مِنْهَا نِسْبَةَ الِانْزِعَاجِ إِلَيْهِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ تَعَالَى. (وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ »قَدَّ اللَّهِ« يَقْصِدُ الْمُمَاثَلَةَ) أَىْ هَكَذَا يَفْهَمُ مِنْهَا الْعَوَامُّ عِنْدَ النُّطْقِ بِهَا. (وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ نَسَبَ إِلَى اللَّهِ جَارِحَةً مِنَ الْجَوَارِحِ كَقَوْلِ بَعْضِ السُّفَهَاءِ »يَا زُبَّ اللَّهِ« وَهُوَ لَفْظٌ صَرِيحٌ فِى الْكُفْرِ لا يُقْبَلُ فِيهِ التَّأْوِيلُ) وَالَّذِينَ يَتَلَفَّظُونَ بِهَذَا اللَّفْظِ يَفْهَمُونَ أَنَّ مَعْنَى الزُّبِّ الآلَةُ الَّتِى هِىَ الذَّكَرُ وَلا يُسْتَبْعَدُ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْجَهَلَةِ اعْتِقَادُ أَنَّ اللَّهَ لَهُ هَذِهِ الآلَةُ. وَلَقَدْ شَاعَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ فِى عِدَّةِ قُرًى فِى لُبْنَانَ وَفِى سُورِيَا فَلا يَجُوزُ السُّكُوتُ عَنِ النَّهْىِ عَنْهَا بَلِ النَّهْىُ عَنْهَا أَوْلَى مِنَ النَّهْىِ عَنِ الزِّنَى وَالسَّرِقَةِ (وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ »أَنَا رَبُّ مَنْ عَمِلَ كَذَا«) لِأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ رَبًّا لِلْعِبَادِ أَمَّا إِذَا كَانَ الشَّخْصُ بَارِعًا فِى النِّجَارَةِ فَقَالَ قَائِلٌ »فُلانٌ رَبُّ النِّجَارَةِ« فَلا يَكْفُرُ أَمَّا لَوْ قَالَ »فُلانٌ رَبُّ النَّجَّارِينَ« فَيَكْفُرُ لِأَنَّهُ لا مَعْنَى لَهُ إِلَّا أَنَّهُ خَالِقُهُمْ وَأَمَّا مَنْ قَالَ فُلانٌ رَبُّ الْعَائِلَةِ أَوْ قَالَ رَبُّ الأُسْرَةِ وَكَانَ يَفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ صَاحِبُهُمْ وَيَكْفِيهِمْ حَاجَاتِهِمْ فَلا يَكْفُرُ لَكِنْ لا يَصِحُّ لُغَةً وَصْفُ شَخْصٍ بِأَنَّهُ رَبُّ الأَشْخَاصِ الأَحْرَارِ أَمَّا الْعَبِيدُ الْمَمْلُوكُونَ وَالإِمَاءُ الْمَمْلُوكَاتُ فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فُلانٌ رَبُّ هَؤُلاءِ الْعَبِيدِ وَرَبُّ هَؤُلاءِ الإِمَاءِ بِمَعْنَى الْمُسْتَحِقِّ وَالْمُخْتَصِّ بِمِلْكِهِمْ. وَكَذَلِكَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ كَانَ يَمْلِكُ شَيْئًا كَدَابَّةٍ أَوْ بُسْتَانٍ »فُلانٌ رَبُّ هَذِهِ الدَّابَّةِ أَوْ رَبُّ هَذَا الْبُسْتَانِ« (وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ) بِعَامِيَّةِ بَعْضِ الْبِلادِ (وَاْلِعَياذُ باللَّهِ »خَوَتْ رَبِّى«) أَىْ جَنَّنَ (أَوْ قَالَ لِلْكَافِرِ »اللَّهُ يُكْرِمُكَ« بِقَصْدِ أَنْ يُحِبَّهُ اللَّهُ كَفَرَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾) أَىْ فَإِنْ أَعْرَضُوا عَنِ الإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالرَّسُولِ (﴿فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾). وَمَعْنَى أَكْرَمَهُ اللَّهُ فِى اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَسَّعَ عَلَيْهِ الرِّزْقَ فَمَنْ قَالَ هَذَا لِكَافِرٍ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فَلا يَكْفُرُ (وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ لِلْكَافِرِ »اللَّهُ يَغْفِرُ لَكَ« إِنْ قَصَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغْفِرُ لَهُ وَهُوَ عَلَى كُفْرِهِ إِلَى الْمَوْتِ) أَىْ مَنْ قَالَ ذَلِكَ لِلْكَافِرِ وَقَصَدَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُ وَهُوَ كَافِرٌ مَعَ مُوَاظَبَتِهِ عَلَى الْكُفْرِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى ذَلِكَ كَفَرَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِىِّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِى قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ وَأَمَّا إِنْ قَصَدَ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ بِالإِسْلامِ فَلا يَكْفُرُ (وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ قَالَ لِمَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ »اللَّهُ يَرْحَمُهُ« بِقَصْدِ أَنْ يُرِيحَهُ فِى قَبْرِهِ لا بِقَصْدِ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْهُ عَذَابَ الْقَبْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنَالَ رَاحَةً فَإِنَّهُ إِنْ قَالَ ذَلِكَ بِهَذَا الْقَصْدِ) أَىْ بِقَصْدِ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْهُ عَذَابَ الْقَبْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنَالَ رَاحَةً (فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لا يَكْفُرُ) أَىْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مَا بَلَغَهُ مِنْ أَحَدٍ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ قَرِيبَ عَهْدٍ بِإِسْلامٍ فَلا يَكْفُرُ وَأَمَّا التَّرَحُّمُ عَلَى الْكَافِرِ فِى حَالِ حَيَاتِهِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَهْتَدِىَ فَيُسْلِمَ فَيَمُوتَ عَلَى الإِسْلامِ أَمَّا إِذَا مَاتَ فَقَدْ فَاتَهُ الإِيمَانُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ أَىْ وَسِعَتْ رَحْمَةُ اللَّهِ فِى الدُّنْيَا كُلَّ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ أَمَّا فِى الآخِرَةِ فَقَدْ جَعَلَهَا اللَّهُ خَاصَّةً بِالْمُؤْمِنِينَ (وَيَكْفُرُ مَنْ يَسْتَعْمِلُ كَلِمَةَ الْخَلْقِ مُضَافَةً لِلنَّاسِ فِى الْمَوْضِعِ الَّذِى تَكُونُ فِيهِ بِمَعْنَى الإِبْرَازِ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ كَأَنْ يَقُولَ شَخْصٌ مَا »اخْلُقْ لِى كَذَا كَمَا خَلَقَكَ اللَّهُ«) فَالْخَلْقُ فِى لُغَةِ الْعَرَبِ لَهُ خَمْسَةُ مَعَانٍ أَحَدُهَا بِمَعْنَى الإِبْرَازِ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى لا تُسْتَعْمَلُ مُضَافَةً إِلَى غَيْرِ اللَّهِ أَمَّا عَلَى الْمَعَانِى الأُخْرَى فَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا مُضَافَةً لِغَيْرِ اللَّهِ (وَيَكْفُرُ مَنْ يَشْتِمُ) مَلَكَ الْمَوْتِ (عَزْرَائِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ كَمَا قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ) الْمَالِكِىُّ (فِى تَبْصِرَةِ الْحُكَّامِ أَوْ أَىَّ مَلَكٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ) كَجِبْرِيلَ وَإِسْرَافِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَغَيْرِهِمْ (وَكَذَلِكَ) يَكْفُرُ (مَنْ يَقُولُ »أَنَا عَايِفْ اللَّه« أَىْ كَرِهْتُ اللَّهَ. وَيَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ »اللَّهُ لا يَتَحَمَّلُ فُلانًا« إِذَا فَهِمَ) مِنْهَا (الْعَجْزَ) أَىْ نِسْبَةَ الْعَجْزِ إِلَى اللَّهِ (أَوْ أَنَّ اللَّهَ يَنْزَعِجُ مِنْهُ) وَيَحْصُلُ لَهُ انْفِعَالٌ (أَمَّا إِذا َكَانَ يَفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ أَنَّ اللَّهَ يَكْرَهُهُ) لِفِسْقِهِ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا (فَلا يَكْفُرُ) فَحُكْمُهُ عَلَى حَسَبِ فَهْمِهِ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ (وَيَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ »يِلْعَنْ سَمَاءَ رَبِّكَ« لِأَنَّهُ اسْتَخَفَّ بِاللَّهِ تَعَالَى) وَأَمَّا الَّذِي يَقُولُ »يِلْعَنْ سَمَاكَ« فَهَذَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ عَلَى حَسَبِ فَهْمِهِ فَإِنْ كَانَ يَفْهَمُ مِنْهَا السَّمَاءَ الَّتِى هِىَ مَسْكَنُ الْمَلائِكَةِ كَفَرَ لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهَا قِبْلَةَ الدُّعَاءِ وَمَهْبِطَ الرَّحَمَاتِ وَالْبَرَكَاتِ فَعَظَّمَ شَأْنَهَا، وَإِنْ كَانَ يَفْهَمُ مِنْهَا سَقْفَ الْبَيْتِ أَوْ هَذَا الْفَرَاغَ الَّذِي يَلِي مَوْضِعَ إِقَامَةِ هَذَا الشَّخْصِ فَلا يَكْفُرُ. (وَكَذَلِكَ) يَكْفُرُ (مَنْ يُسَمِّى الْمَعَابِدَ الدِّينِيَّةَ لِلْكُفَّارِ »بُيُوتَ اللَّهِ« وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ﴾) فَمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْحُكَّامَ يَدْفَعُونَ الأَذَى وَالضَّرَرَ فَأَقَامَهُمُ اللَّهُ لِذَلِكَ فَصَارَ بِهِمُ الأَمَانُ وَلَوْلا ذَلِكَ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ لِلنَّصَارَى الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى شَرِيعَةِ الْمَسِيحِ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ. وَالصَّوَامِعُ جَمْعُ صَوْمَعَةٍ وَهِىَ أَبْنِيَةٌ مُحَدَّبَةُ الرُّءُوسِ تُبْنَى عَلَى أَمَاكِنَ مُرْتَفِعَةٍ يَتَعَبَّدُ فِيهَا الرَّاهِبُ وَالْبِيَعُ جَمْعُ بِيعَةٍ وَهِىَ الأَمَاكِنُ الَّتِى كَانَ يَتَعَبَّدُ فِيهَا النَّصَارَى قَبْلَ أَنْ يَكْفُرُوا وَالصَّلَوَاتُ يُقَالُ لِلْوَاحِدَةِ مِنْهَا صَلُوتَا وَهِىَ الأَمَاكِنُ الَّتِى كَانَتِ الْيَهُودُ تَتَعَبَّدُ فِيهَا قَبْلَ أَنْ يَكْفُرُوا بِتَكْذِيبِهِمُ الْمَسِيحَ فَإِنَّهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ كَانُوا مُسْلِمِينَ عَلَى شَرِيعَةِ التَّوْرَاةِ الأَصْلِيَّةِ قَبْلَ التَّحْرِيفِ وَالْمَسَاجِدُ الْمُرَادُ بِهَا فِى الآيَةِ مَسَاجِدُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَالْمُرَادُ بِهِ) أَىْ بِقَوْلِهِ »صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ« (مَعَابِدُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لَمَّا كَانُوا عَلَى الإِسْلامِ لِأَنَّهَا كَمَسَاجِدِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ حَيْثُ إِنَّ الْكُلَّ بُنِىَ لِتَوْحِيدِ اللَّهِ وَتَمْجِيدِهِ لا لِعِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ سَمَّى اللَّهُ الْمَسْجِدَ الأَقْصَى مَسْجِدًا) قَالَ تَعَالَى ﴿سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى﴾ (وَهُوَ لَيْسَ مِنْ بِنَاءِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ) فَقَدْ بَنَاهُ سَيِّدُنَا ءَادَمُ ثُمَّ جُدِّدَ بِنَاؤُهُ عِدَّةَ مَرَّاتٍ (فَلْيَتَّقِ اللَّهَ امْرُؤٌ وَلْيَحْذَرْ أَنْ يُسَمِّىَ مَا بُنِىَ لِلشِّرْكِ بُيُوتَ اللَّهِ وَمَنْ لَمْ يَتَّقِ اللَّهَ قَالَ مَا شَاءَ. وَكَذَلِكَ) يَكْفُرُ (مَنْ حَدَّثَ حَدِيثًا كَذِبًا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَذِبٌ فَقَالَ »اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا أَقُولُ« بِقَصْدِ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ الأَمْرَ كَمَا قُلْتُ لِأَنَّهُ نَسَبَ الْجَهْلَ لِلَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ لَيْسَ صَادِقًا) وَأَمَّا إِنْ كَانَ نَاسِيًا أَنَّهُ عَمِلَ ذَلِكَ الشَّىْءَ فَقَالَ »اللَّهُ شَهِيدٌ أَنِّى مَا عَمِلْتُ ذَلِكَ الشَّىْءَ« فَلا يَكْفُرُ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْسُبِ الْجَهْلَ إِلَى اللَّهِ (وَكَذَلِكَ لا يَجُوزُ الْقَوْلُ »كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى دِينِهِ اللَّهُ يُعِينُهُ« بِقَصْدِ الدُّعَاءِ لِكُلٍّ) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ فَمَنْ قَالَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ بِقَصْدِ الدُّعَاءِ أَىِ الطَّلَبِ بِأَنْ يُعِينَ اللَّهُ الْكَافِرِينَ عَلَى الْكُفْرِ كَفَرَ لِأَنَّ فِيهِ الرِّضَا بِالْكُفْرِ لِلْغَيْرِ وَأَمَّا إِذَا أَرَادَ الإِخْبَارَ فَلا يَكْفُرُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الَّذِى أَعَانَ الْمُؤْمِنَ عَلَى إِيمَانِهِ وَالْكَافِرَ عَلَى كُفْرِهِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا التَّعْبِيرِ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِى كِتَابِهِ الإِرْشَادِ وَغَيْرُهُ، وَلْيُعْلَمْ أَنَّ الإِعَانَةَ مَعْنَاهَا التَّمْكِينُ وَالإِقْدَارُ وَلَيْسَ الرِّضَا كَمَا يَتَوَهَّمُ بَعْضُ النَّاسِ (وَيَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ مُعَمِّمًا كَلامَهُ »الْكَلْبُ أَحْسَنُ مِنْ بَنِى ءَادَمَ«) وَهَذَا اللَّفْظُ لَفْظٌ عَامٌّ يُؤَدِّى إِلَى تَكْذِيبِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءادَمَ﴾، وَأَمَّا إِنْ كَانَ هَذَا الشَّخْصُ فِى كَلامِهِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَحْسَنُ مِنَ الشَّخْصِ الْمُخَاطَبِ فِى بَعْضِ الْخِصَالِ كَالْوَفَاءِ لِصَاحِبِهِ الَّذِي يَرْعَاهُ فَلا يَكْفُرُ (أَوْ مَنْ يَقُولُ »الْعَرَبُ جَرَبٌ«) مَعَ التَّعْمِيمِ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ لِأَنَّ كَلامَهُ هَذَا شَمَلَ الأَنْبِيَاءَ وَغَيْرَهُمْ (أَمَّا إِذَا خَصَّصَ كَلامَهُ لَفْظًا أَوْ بِقَرِينَةِ الْحَالِ كَقَوْلِهِ الْيَوْمَ الْعَرَبُ فَسَدُوا ثُمَّ قَالَ الْعَرَبُ جَرَبٌ فَلا يَكْفُرُ) لَكِنَّهُ لا يَسْلَمُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ لِأَنَّ لَيْسَ كُلَّ الْعَرَبِ فَاسِدِينَ الْيَوْمَ (وَيَكْفُرُ مَنْ يُسَمِّى الشَّيْطَانَ بِـبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ) لِأَنَّهُ جَعَلَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ الشَّرِيفَةَ عِبَارَةً عَنِ الشَّيْطَانِ (لا إِنْ ذَكَرَ الْبَسْمَلَةَ) عِنْدَ إِرَادَةِ ذِكْرِ الشَّيْطَانِ (بِنِيَّةِ التَّعَوُّذِ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهِ) كَأَنَّهُ يُرِيدُ الشَّيْطَانُ يَحْفَظُنَا اللَّهُ مِنْ شَرِّهِ بِبَرَكَةِ الْبَسْمَلَةِ فَلا يَكْفُرُ (وَهُنَاكَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ وَالْكُتَّابِ يَكْتُبُ كَلِمَاتٍ كُفْرِيَّةً كَمَا كَتَبَ أَحَدُهُمْ »هَرَبَ اللَّهُ« فَهَذَا مِنْ سُوءِ الأَدَبِ مَعَ اللَّهِ الْمُوقِعِ فِى الْكُفْرِ) لِأَنَّهُ اسْتَخَفَّ بِاللَّهِ وَنَسَبَ إِلَيْهِ التَّحَيُّزَ فِى الْمَكَانِ وَالْحَرَكَةَ وَالْفِرَارَ (وَقَدْ قَالَ الْقَاضِى عِيَاضٌ فِى كِتَابِهِ الشِّفَا »لا خِلافَ أَنَّ سَابَّ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَافِرٌ« اهـ) وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى كُفْرِ مَنْ قَالَ مِثْلَ هَذِهِ الأَلْفَاظِ الشَّنِيعَةِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ (وَيَكْفُرُ مَنْ يَسْتَحْسِنُ هَذِهِ الأَقْوَالَ وَالْعِبَارَاتِ وَمَا أَكْثَرَ انْتِشَارَهَا فِى مُؤَلَّفَاتٍ عَدِيدَةٍ. وَسُوءُ الأَدَبِ مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالِاسْتِهْزَاءِ بِحَالٍ مِنْ أَحْوَالِهِ أَوْ بِعَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِهِ كُفْرٌ) كَالَّذِى يَسْتَهْزِئُ بِلُبْسِ الْعِمَامَةِ وَلُبْسِ الْقَمِيصِ أَىْ مَا يُعْرَفُ عِنْدَ النَّاسِ الْيَوْمَ بِالْجَلَّابِيَّةِ أَوِ الدِّشْدَاشَةِ أَوْ يَسْتَهْزِئُ بِاسْتِعْمَالِ السِّوَاكِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا وَرَدَ عَنِ النَّبِىِّ أَنَّهُ فَعَلَهُ وَمَدَحَهُ كَإِعْفَاءِ اللِّحْيَةِ وَكَذَلِكَ الْجِلْبَابُ الَّذِى تَلْبَسُهُ الْمَرْأَةُ فَوْقَ ثِيَابِهَا زِيَادَةً فِى السَّتْرِ فَيُغَطِّيهَا مِنْ أَعْلَى إِلَى أَسْفَلَ فَإِنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَثَّ عَلَيْهِ فَمَنْ عَلِمَ ذَلِكَ وَاسْتَهْزَأَ بِلُبْسِهِ كَفَرَ (وَالِاسْتِهْزَاءُ بِمَا كُتِبَ فِيهِ شَىْءٌ مِنَ الْقُرْءَانِ الْكَرِيمِ) وَلَوْ بِآيَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْهُ فَإِنَّهُ كُفْرٌ وَكَذَا لَوْ زَادَ حَرْفًا فِى الْقُرْءَانِ عِنَادًا أَوْ جَحَدَ حَرْفًا مِنْهُ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ مِنْهُ (أَوِ) اسْتَهْزَأَ بِنَبِىٍّ مِنَ (الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ) بِأَنْ نَسَبَ إِلَيْهِ الْقَبَائِحَ وَالرَّذَائِلَ كَالَّذِى يَقُولُ عَنْ سَيِّدِنَا ءَادَمَ يُشْبِهُ الْقُرُودَ أَوْ يَقُولُ عَنْ سَيِّدِنَا يُوسُفَ إِنَّهُ قَصَدَ الزِّنَى أَىْ نَوَى أَوْ يَقُولُ عَنْ سَيِّدِنَا مُوسَى إِنَّهُ عَصَبِىُّ الْمِزَاجِ بِمَعْنَى سَىِّءِ الْخُلُقِ أَوْ يَقُولُ عَنْ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ نِسْوَنْجِى أَىْ مُتَعَلِّقَ الْقَلْبِ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْمُومِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ (أَوِ) اسْتَهْزَأَ (بِشَعَائِرِ الإِسْلامِ) أَىْ مَا هُوَ مِنْ عَلامَاتِ الدِّينِ كَالصَّلاةِ وَالأَذَانِ (أَوْ بِحُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى) فَإِنَّهُ (كُفْرٌ قَطْعًا. وَكَذَلِكَ اسْتِحْسَانُ الْكُفْرِ مِنْ غَيْرِهِ كُفْرٌ لِأَنَّ) الشَّخْصَ عِنْدَمَا يَسْتَحْسِنُ كُفْرَ غَيْرِهِ رَضِىَ بِهِ وَ(الرِّضَى بِالْكُفْرِ كُفْرٌ) قَالَ تَعَالَى ﴿وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾ (وَلا يَكْفُرُ مَنْ نَقَلَ عَنْ غَيْرِهِ كُفْرِيَّةً حَصَلَتْ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْسَانٍ لَهَا) سَوَاءٌ كَانَ كِتَابَةً أَوْ قَوْلًا (بِقَوْلِهِ »قَالَ فُلانٌ كَذَا« وَلَوْ أَخَّرَ صِيغَةَ »قَالَ« إِلَى ءَاخِرِ الْجُمْلَةِ) كَأَنْ قَالَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ قَوْلُ النَّصَارَى (فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِى نِيَّتِهِ ذِكْرُ أَدَاةِ الْحِكَايَةِ مُؤَخَّرَةً عَنِ الِابْتِدَاءِ) أَىْ ءَاخِرَ الْجُمْلَةِ قَبْلَ الْبَدْءِ بِهَا فَإِنْ كَانَ فِى نِيَّتِهِ أَنْ يَذْكُرَ أَدَاةَ الْحِكَايَةِ مُؤَخَّرَةً ثُمَّ نَسِىَ فَلا يَكْفُرُ.