الثلاثاء أبريل 22, 2025

بَيَانُ أَقْسَامِ الْكُفْرِ

 

وَاعْلَمْ يَا أَخِي الْمُسْلِمَ أَنَّ هُنَاكَ اعْتِقَادَاتٍ وَأَفْعَالًا وَأَقْوَالًا تَنْقُضُ الشَّهَادَتَيْنِ وَتُوقِعُ فِي الْكُفْرِ لِأَنَّ الْكُفْرَ ثَلاثَةُ أَنْوَاعٍ: كُفْرٌ اعْتِقَادِيٌّ وَكُفْرٌ فِعْلِيٌّ وَكُفْرٌ لَفْظِيٌّ، وَذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْمَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ كَالنَّوَوِيِّ وَابْنِ الْمُقْرِي مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَابْنِ عَابِدِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْبُهُوتِيِّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ وَالشَّيْخِ مُحَمَّدِ عِلَّيْشٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ فَلْيَنْظُرْهَا مَنْ شَاءَ. وَكَذَلِكَ غَيْرُ عُلَمَاءِ الْمَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ الْمَاضِينَ كَالأَوْزَاعِيِّ فَإِنَّهُ كَانَ مُجْتَهِدًا لَهُ مَذْهَبٌ كَانَ يُعْمَلُ بِهِ ثُمَّ انْقَرَضَ أَتْبَاعُهُ.

الْكُفْرُ الِاعْتِقَادِيُّ: مَكَانُهُ الْقَلْبُ كَنَفْيِ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الْوَاجِبَةِ لَهُ إِجْمَاعًا كَوُجُودِهِ وَكَوْنِهِ قَادِرًا وَكَوْنِهِ سَمِيعًا بَصِيرًا أَوِ اعْتِقَادِ أَنَّهُ نُورٌ بِمَعْنَى الضَّوْءِ أَوْ أَنَّهُ رُوحٌ.

قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابُلُسِيُّ: مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ مَلَأَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَوْ أَنَّهُ جِسْمٌ قَاعِدٌ فَوْقَ الْعَرْشِ فَهُوَ كَافِرٌ وَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ.  

الْكُفْرُ الْفِعْلِيُّ: كَإِلْقَاءِ الْمُصْحَفِ فِي الْقَاذُورَاتِ قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَلَوْ لَمْ يَقْصِدِ الِاسْتِخْفَافَ، لِأَنَّ فِعْلَهُ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ. أَوْ أَوْرَاقِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، أَوْ أَيِّ وَرَقَةٍ عَلَيْهَا اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ الْعِلْمِ بِوُجُودِ الِاسْمِ فِيهَا، وَمَنْ عَلَّقَ شِعَارَ الْكُفْرِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَإِنْ كَانَ بِنِيَّةِ التَّبَرُّكِ أَوِ التَّعْظِيمِ أَوِ الِاسْتِحْلالِ كَانَ مُرْتَدًّا.

الْكُفْرُ الْقَوْلِيُّ: كَمَنْ يَشْتِمُ اللَّهَ بِقَوْلِهِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ مِنَ الْكُفْرِ: أُخْتَ رَبِّكَ، أَوِ ابْنَ اللَّهِ، يَقَعُ الْكُفْرُ هُنَا وَلَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ أَنَّ لِلَّهِ أُخْتًا أَوِ ابْنًا.

وَلَوْ نَادَى مُسْلِمٌ مُسْلِمًا ءَاخَرَ بِقَوْلِهِ: يَا كَافِرُ بِلا تَأْوِيلٍ كَفَرَ الْقَائِلُ لِأَنَّهُ سَمَّى الإِسْلامَ كُفْرًا، وَيَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ لِلْمُسْلِمِ يَا يَهُودِيُّ أَوْ أَمْثَالَهَا مِنَ الْعِبَارَاتِ بِنِيَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ إِلَّا إِذَا قَصَدَ أَنَّهُ يُشْبِهُ الْيَهُودَ فَلا يَكْفُرُ.

وَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ اللَّهِ) أَوْ (أَعْبُدُكِ) كَفَرَ إِنْ كَانَ يَفْهَمُ مِنْهَا الْعِبَادَةَ الَّتِي هِيَ خَاصَّةٌ لِلَّهِ تَعَالَى.

وَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ (اللَّهُ يَظْلِمُكَ كَمَا ظَلَمْتَنِي) كَفَرَ الْقَائِلُ لِأَنَّهُ نَسَبَ الظُّلْمَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، إِلَّا إِذَا كَانَ يَفْهَمُ أَنَّ مَعْنَى يَظْلِمُكَ يَنْتَقِمُ مِنْكَ فَلا نُكَفِّرُهُ بَلْ نَنْهَاهُ.

وَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لِشَخْصٍ ءَاخَرَ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ (يَلْعَنْ رَبَّكَ) كَفَرَ.

وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ لِلْمُسْلِمِ (يَلْعَنْ دِينَكَ) قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِنْ قَصَدَ سِيرَتَهُ فَلا يَكْفُرُ. قَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: يَكْفُرُ إِنْ أَطْلَقَ، أَيْ إِنْ لَمْ يَقْصِدْ سِيرَتَهُ وَلا قَصَدَ دِينَ الإِسْلامِ.

وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ (فُلانٌ زَاحَ رَبِّي) لِأَنَّ هَذَا فِيهِ نِسْبَةُ الْحَرَكَةِ وَالْمَكَانِ لِلَّهِ.

وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ (قَدَّ اللَّهِ) يَقْصِدُ الْمُمَاثَلَةَ.

وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ نَسَبَ إِلَى اللَّهِ جَارِحَةً مِنَ الْجَوَارِحِ كَقَوْلِ بَعْضِ السُّفَهَاءِ (يَا زُبَّ اللَّهِ) وَهُوَ لَفْظٌ صَرِيحٌ فِي الْكُفْرِ لا يُقْبَلُ فِيهِ التَّأْوِيلُ.

وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ (أَنَا رَبُّ مَنْ عَمِلَ كَذَا).  

وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ (خَوَتْ رَبِّي) [أَيْ جَنَّنَ].

أَوْ قَالَ لِلْكَافِرِ (اللَّهُ يُكْرِمُكَ) بِقَصْدِ أَنْ يُحِبَّهُ اللَّهُ كَفَرَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ [سُورَةَ ءَالِ عِمْرَان/32].

وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ لِلْكَافِرِ (اللَّهُ يَغْفِرُ لَكَ)، إِنْ قَصَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغْفِرُ لَهُ وَهُوَ عَلَى كُفْرِهِ إِلَى الْمَوْتِ.

وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ قَالَ لِمَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ (اللَّهُ يَرْحَمُهُ) بِقَصْدِ أَنْ يُريِحَهُ فِي قَبْرِهِ لا بِقَصْدِ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْهُ عَذَابَ الْقَبْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنَالَ رَاحَةً فَإِنَّهُ إِنْ قَالَ ذَلِكَ بِهَذَا الْقَصْدِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لا يَكْفُرُ.

وَيَكْفُرُ مَنْ يَسْتَعْمِلُ كَلِمَةَ الْخَلْقِ مُضَافَةً لِلنَّاسِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تَكُونُ فِيهِ بِمَعْنَى الإِبْرَازِ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ كَأَنْ يَقُولَ شَخْصٌ مَا: (أُخْلُقْ لِي كَذَا كَمَا خَلَقَكَ اللَّهُ).

وَيَكْفُرُ مَنْ يَشْتِمُ عَزْرَائِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ كَمَا قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ (فِي تَبْصِرَةِ الْحُكَّامِ)، أَوْ أَيَّ مَلَكٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ.

وَكَذَلِكَ مَنْ يَقُولُ (أَنَا عَايِف اللَّه)، أَيْ كَرِهْتُ اللَّهَ. وَيَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ: (اللَّهُ لا يَتَحَمَّلُ فُلانًا) إِذَا فَهِمَ الْعَجْزَ أَوْ أَنَّ اللَّهَ يَنْزَعِجُ مِنْهُ، أَمَّا إِذا َكَانَ يَفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ أَنَّ اللَّهَ يَكْرَهُهُ فَلا يَكْفُرُ.

وَيَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ: »يَلْعَنْ سَمَاءَ رَبِّكَ«، لِأَنَّهُ اسْتَخَفَّ بِاللَّهِ تَعَالَى.

وَكَذَلِكَ مَنْ يُسَمِّي الْمَعَابِدَ الدِّينِيَّةَ لِلْكُفَّارِ (بُيُوتَ اللَّهِ)، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ﴾ [سُورَةَ الْحَج/40] فَالْمُرَادُ بِهِ مَعَابِدُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لَمَّا كَانُوا عَلَى الإِسْلامِ لِأَنَّهَا كَمَسَاجِدِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ حَيْثُ إِنَّ الْكُلَّ بُنِيَ لِتَوْحِيدِ اللَّهِ وَتَمْجِيدِهِ لا لِعِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ سَمَّى اللَّهُ الْمَسْجِدَ الأَقْصَى مَسْجِدًا وَهُوَ لَيْسَ مِنْ بِنَاءِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ. فَلْيَتَّقِ اللَّهَ امْرُؤٌ وَلْيَحْذَرْ أَنْ يُسَمِّيَ مَا بُنِيَ لِلشِّرْكِ بُيُوتَ اللَّهِ وَمَنْ لَمْ يَتَّقِ اللَّهَ قَالَ مَا شَاءَ.

وَكَذَلِكَ مَنْ حَدَّثَ حَدِيثًا كَذِبًا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَذِبٌ فَقَالَ: اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا أَقُولُ بِقَصْدِ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ الأَمْرَ كَمَا قُلْتُ لِأَنَّهُ نَسَبَ الْجَهْلَ لِلَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ لَيْسَ صَادِقًا.

وَكَذَلِكَ لا يَجُوزُ الْقَوْلُ: (كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى دِينِهِ اللَّهُ يُعِينُهُ) بِقَصْدِ الدُّعَاءِ لِكُلٍّ.    

وَيَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ مُعَمِّمًا كَلامَهُ: (الْكَلْبُ أَحْسَنُ مِنْ بَنِي ءَادَمَ).

أَوْ مَنْ يَقُولُ »الْعَرَبُ جَرَبٌ«، أَمَّا إِذَا خَصَّصَ كَلامَهُ لَفْظًا أَوْ بِقَرِينَةِ الْحَالِ كَقَوْلِهِ الْيَوْمَ الْعَرَبُ فَسَدُوا ثُمَّ قَالَ الْعَرَبُ جَرَبٌ فَلا يَكْفُرُ.

وَيَكْفُرُ مَنْ يُسَمِّي الشَّيْطَانَ بِـ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ) لا إِنْ ذَكَرَ الْبَسْمَلَةَ بِنِيَّةِ التَّعَوُّذِ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهِ.

وَهُنَاكَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ وَالْكُتَّابِ يَكْتُبُ كَلِمَاتٍ كُفْرِيَّةً كَمَا كَتَبَ أَحَدُهُمْ (هَرَبَ اللَّهُ) فَهَذَا مِنْ سُوءِ الأَدَبِ مَعَ اللَّهِ الْمُوقِعِ فِي الْكُفْرِ وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي كِتَابِهِ الشِّفَا: »لا خِلافَ أَنَّ سَابَّ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَافِرٌ« اهـ.

وَيَكْفُرُ مَنْ يَسْتَحْسِنُ هَذِهِ الأَقْوَالَ وَالْعِبَارَاتِ وَمَا أَكْثَرَ انْتِشَارَهَا فِي مُؤَلَّفَاتٍ عَدِيدَةٍ.

وَسُوءُ الأَدَبِ مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالِاسْتِهْزَاءِ بِحَالٍ مِنْ أَحْوَالِهِ أَوْ بِعَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِهِ كُفْرٌ.

وَالِاسْتِهْزَاءُ بِمَا كُتِبَ فِيهِ شَىْءٌ مِنَ الْقُرْءَانِ الْكَرِيْمِ، أَوِ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، أَوِ بِشَعَائِرِ الإِسْلامِ أَوْ بِحُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى كُفْرٌ قَطْعًا.

وَكَذَلِكَ اسْتِحْسَانُ الْكُفْرِ مِنْ غَيْرِهِ كُفْرٌ لِأَنَّ الرِّضَى بِالْكُفْرِ كُفْرٌ.

وَلا يَكْفُرُ مَنْ نَقَلَ [كِتَابَةً أَوْ قَوْلًا] عَنْ غَيْرِهِ كُفْرِيَّةً حَصَلَتْ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْسَانٍ لَهَا بِقَوْلِهِ: قَالَ فُلانٌ كَذَا وَلَوْ أَخَّرَ صِيغَةَ قَالَ إِلَى ءَاخِرِ الْجُمْلَةِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي نِيَّتِهِ ذِكْرُ أَدَاةِ الْحِكَايَةِ مُؤَخَّرَةً عَنِ الِابْتِدَاءِ.