الخميس نوفمبر 21, 2024

بَابُ هَيْئَةِ الْجُمُعَةِ

 

   (وَالسُّنَّةُ لِمَنْ أَرَادَ الْجُمُعَةَ) أَيْ حُضُورَهَا وَإِنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ (أَنْ يَغْتَسِلَ لَهَا) لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ: »مَنْ جَاءَ مِنْكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ« وَحَدِيثِهِمَا: »غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ« أَيْ مُتَأَكَّدٌ بِدَلِيلِ حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ: »مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنعمتْ، وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ« وَدَلِيلُ نَدْبِهِ لِمَنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ وَعَدَمِهِ لِمَنْ لَمْ يَحْضُرْ حَدِيثُ ابْنِ حِبَّانَ وَأَبِي عَوَانَةَ وَالْبَيْهَقِيِّ: »مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ لَمْ يَأْتِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ غُسْلٌ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ« قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ فَإِنْ تَعَذَّرَ الْغُسْلُ اسْتُحِبَّ لَهُ التَّيَمُّمُ فِي الأَصَحِّ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْغُسْلُ (عِنْدَ الرَّوَاحِ) أَيِ الذَّهَابِ (إِلَيْهَا) لأِنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الْغَرَضِ مِنْهُ وَهُوَ دَفْعُ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ حَالَةَ الاِجْتِمَاعِ (فَإِنِ اغْتَسَلَ لَهَا بَعْدَ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُ) لِتَعَلُّقِهِ بِالْيَوْمِ فِي حَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ: »مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ.. «إِلَى ءَاخِرِهِ.

(وَ) السُّنَّةُ لِمَنْ أَرَادَ الْجُمُعَةَ (أَنْ يَتَنَظَّفَ لَهَا بِسِوَاكٍ وَأَخْذِ ظُفْرٍ وَشَعْرٍ وَقَطْعِ رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ وَأَنْ يَتَطَيَّبَ وَيَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ وَأَفْضَلُهَا الْبَيَاضُ) رَوَى الشَّيْخَانِ حَدِيثَ: »الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَأَنْ يَسْتَنَّ وَأَنْ يَمَسَّ طِيبًا إِنْ وَجَدَ« وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ حَدِيثَ: »مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاسْتَنَّ وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَسْجِدَ وَلَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ ثُمَّ رَكَعَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْكَعَ وَأَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ الإِمَامُ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا« وَرَوَى الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الأَوْسَطِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: »أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ وَيَقُصُّ شَارِبَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الصَّلاةِ« وَرَوَى الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ حَدِيثَ: »الْبَسُوا الثِّيَابَ الْبِيضَ فَإِنَّهَا أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ« (وَيَزِيدُ الإِمَامُ عَلَى سَائِرِ النَّاسِ فِي الزِّينَةِ) لأِنَّهُ يُقْتَدَى بِهِ وَيُبَكِّرُ إِلَيْهَا أَيْ مَنْ يُرِيدُ حُضُورَ الْجُمُعَةِ، رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: »كُنَّا نُبَكِّرُ بِالْجُمُعَةِ وَنَقِيلُ بَعْدَ الْجُمُعَةِ« وَرَوَى الأَرْبَعَةُ وَالْحَاكِمُ حَدِيثَ: »مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ وَدَنَا مِنَ الإِمَامِ وَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ أَجْرُ عَمَلِ سُنَّةٍ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا« أَمَّا الإِمَامُ فَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ يُخْتَارُ لَهُ أَنْ يَتَأَخَّرَ إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ اتِّبَاعًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَّلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَائِهِ.

   وَوَقْتُ التَّبْكِيرِ (بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) هَذَا وَجْهٌ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ حَتَّى عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُهَذَّبِ، وَالأَصَحُّ فِيهِ وَعَلَيْهِ الأَكْثَرُونَ وَالشَّيْخَانِ أَنَّهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَفِي ثَالِثٍ اخْتَارَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ أَنَّهُ مِنَ الزَّوَالِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثُ: »مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً« وَلِلنَّسَائِيِّ »فِي الْخَامِسَةِ عُصْفُورًا وَفِي السَّادِسَةِ بَيْضَةً«.

   (وَيَمْشِي إِلَيْهَا وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ وَلا يَرْكَبُ) لِحَدِيثِ الأَرْبَعَةِ السَّابِقِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثُ: »إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلاةَ فَلا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ، وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ« قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا إِذَا لَمْ يَضِقِ الْوَقْتُ وَيُسْتَحَبُّ الْمَشْيُ فِي الْعَوْدِ كَمَا فِي الذَّهَابِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الأَحَادِيثُ إِلاَّ أَنَّ الرَّافِعِيَّ وَغَيْرَهُ صَرَّحُوا بِخِلافِهِ (وَيَدْنُو مِنَ الإِمَامِ) لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ (وَيَشْتَغِلُ) فِي حُضُورِهِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ بِعِبَادَةٍ إِمَّا بِصَلاةٍ أَوْ (بِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالتِّلاوَةِ) لِلْقُرْءَانِ وَالصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَّلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ: »ثُمَّ رَكَعَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْكَعَ« وَرَوَى سَعِيدُ بنُ مَنْصُورٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ بنِ أَبِي مَالِكٍ قَالَ: »كُنَّا عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ نُصَلِّي فَإِذَا خَرَجَ عُمَرُ يُحَدِّثُ فَإِذَا تَكَلَّمَ سَكَتْنَا« وَيُقَاسُ بِالصَّلاةِ الذِّكْرُ وَنَحْوُهُ. (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) وَلَيْلَتَهَا أَيْضًا وَرَوَى الْحَاكِمُ حَدِيثَ: »مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ« وَرَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوِيهِ بِلَفْظِ: »سَطَعَ لَهُ نُورٌ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْهِ إِلَى عِنَانِ السَّمَاءِ يُضِىءُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَغُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ« وَرَوَى الدَّارِمِيُّ حَدِيثَ: »مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ« (وَأَنْ يُكْثِرَ مِنَ الصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا) لِحَدِيثِ: »أَكْثِرُوا مِنَ الصَّلاةِ عَلَيَّ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ فَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشَرًا« رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَرَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ ءَاخَرَ بِلَفْظِ: »فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كُنْتُ لَهُ شَهِيدًا أَوْ شَافِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ«.

   (وَيُكْثِرَ فِي يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا مِنَ الدُّعَاءِ رَجَاءَ أَنْ يُصَادِفَ سَاعَةَ الإِجَابَةِ) فَفِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ بَعْدَ ذِكْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ: »فِيهَا سَاعَةٌ لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا« وَفِي تَعْيِينِهَا أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ بَيَّنْتُهَا فِي الْجُزْءِ الَّذِي أَلَّفْتُهُ فِي خَصَائِصِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَبَيَّنْتُ فِيهِ تَرْجِيحَ أَنَّهَا عِنْدَ الإِقَامَةِ. (وَإِنْ حَضَرَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ لَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ) لِقَوْلِهِ صَّلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ السَّابِقِ: »وَلَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ« وَرَوَى الْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ: »أَنَّهُ صَّلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلاً يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ فَقَالَ لَهُ اجْلِسْ فَقَدْ ءَاذَيْتَ« وَكَذَا إِذَا حَضَرَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ لِوُجُودِ الْمَعْنَى مِنَ الإِيذَاءِ ثُمَّ الْمَشْهُورُ كَرَاهَةُ التَّخَطِّي وَاخْتَارَ فِي الشَّهَادَاتِ مِنَ الرَّوْضَةِ تَحْرِيْمَهُ وَاسْتَثْنَى فِيهَا كَأَصْلِهَا الإِمَامُ وَمَنْ بَيْنَ يَدَيْهِ فُرْجَةٌ لا يَصِلُهَا بِغَيْرِ تَخَطٍّ.

   قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَلا يُكْرَهُ لَهُمَا التَّخَطِّي أَمَّا الإِمَامُ وَفَرْضُهُ فِيمَنْ لَمْ يَجِدْ طَرِيقًا إِلاَّ بِهِ فَلِلضَّرُورَةِ وَأَمَّا الآخَرُ فَلِتَفْرِيطِ الْجَالِسِينَ وَرَاءَ الْفُرْجَةِ بِتَرْكِهَا سَوَاءٌ وَجَدَ غَيْرَهَا أَمْ لا وَسَوَاءٌ كَانَتْ قَرِيبَةً أَوْ بَعِيدَةً. وَيُسْتَحَبُّ إِنْ وَجَدَ مَوْضِعًا غَيْرَهَا أَنْ لا يَتَخَطَّى وَإِنْ لَمْ يَجِدْ وَكَانَتْ قَرِيبَةً بِحَيْثُ لا يَتَخَطَّى أَكْثَرَ مِنْ رَجُلَيْنِ وَنَحْوِهِمَا دَخَلَهَا أَوْ بَعِيدَةً وَرَجَا أَنْ يَتَقَدَّمُوا إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ اسْتُحِبَّ أَنْ يَقْعُدَ مَوْضِعَهُ وَإِلاَّ فَلْيَتَخَطَّ. (وَلا يَزِيدَ) مَنْ حَضَرَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ (عَلَى تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ رَكْعَتَيْنِ يَتَجَوَّزُ فِيهِمَا) رَوَى سَعِيدُ بنُ مَنْصُورٍ عَنْ سَعِيدِ بنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: خُرُوجُ الإِمَامِ يَقْطَعُ الصَّلاةَ وَكَلامُهُ يَقْطَعُ الْكَلامَ«.

   قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: فَيَحْرُمُ ابْتِدَاءُ النَّافِلَةِ عَلَى مَنْ فِي الْمَسْجِدِ بِمُجَرَّدِ جُلُوسِ الإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ بِاْلإِجْمَاعِ، وَسَوَاءٌ سُنَّةُ الْجُمُعَةِ وَغَيْرُهَا أَوْجَبْنَا الإِنْصَاتَ أَمْ لا قَرُبَ مِنَ الإِمَامِ أَمْ لا.

   وَدَلِيلُ اسْتِحْبَابِ التَّحِيَّةِ لِلدَّاخِلِ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ: »إِنَّ سُلَيْكًا دَخَلَ وَالنَّبِيُّ صَّلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَّلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَصَلَّيْتَ؟ قَالَ: لا، قَالَ: قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ« فَإِنْ زَادَ فِي التَّحِيَّةِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ أَوْ طَوَّلَهُمَا لَمْ يَجُزْ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلامُ الْمُصَنِّفِ وَصَرَّحَ بِهِ الإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: فَإِنْ دَخَلَ فِي ءَاخِرِ الْخُطْبَةِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إِنْ صَلَّى التَّحِيَّةَ فَاتَتْهُ تَكْبِيرَةُ الإِحْرَامِ مَعَ الإِمَامِ لَمْ يُصَلِّهَا بَلْ يَقِفُ حَتَّى تُقَامَ الصَّلاةُ وَلا يَقْعُدُ لِئَلاَّ يَكُونَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ التَّحِيَّةِ.

   وَيُسْتَحَبُّ لِلإِمَامِ أَنْ يَزِيدَ فِي الْخُطْبَةِ قَدْرًا يُمْكِنُ الإِتْيَانُ بِرَكْعَتَيْنِ فِيهِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الأُمِّ.

   (وَيَسْتَمِعُ الْخُطْبَةَ إِنْ كَانَ يَسْمَعُهَا) لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ »وَاسْتَمِعْ« فَيُكْرَهُ لَهُ الذِّكْرُ وَالدُّعَاءُ. (وَيَشْتَغِلُ بِذِكْرِ اللَّهِ وَالتِّلاوَةِ إِنْ كَانَ لا يَسْمَعُهَا) لِبُعْدٍ أَوْ صَمَمٍ (وَلا يَتَكَلَّمُ) حَالَ الْخُطْبَةِ بِغَيْرِ الذِّكْرِ وَنَحْوِهِ قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا (فَإِنْ تَكَلَّمَ لَمْ يَأْثَمْ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ) وَهُوَ الْجَدِيدُ بِنَاءً عَلَى كَرَاهَةِ الْكَلامِ وَنَدْبِ الإِنْصَاتِ وَالثَّانِي وَهُوَ الْقَدِيْمُ يَأْثَمُ بِنَاءً عَلَى التَّحْرِيْمِ وَوُجُوبِ الإِنْصَاتِ لِلأَمْرِ بِهِ وَذَمِّ الْكَلامِ فِي الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ. مِنْهَا حَدِيثُ الشَّيْخَيْنِ: »إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ أَنْصِتْ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ«. وَالَّذِي تَحَرَّرَ لِي فِي الْجَوَابِ عَنْهَا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خُصُوصِيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأِثَرٍ وَرَدَ بِإِبْطَالِ جُمُعَةِ مَنْ تَكَلَّمَ وَالنَّبِيُّ صَّلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي كِتَابِ الْمُعْجِزَاتِ وَالْخَصَائِصِ، وَلا يَحْرُمُ الْكَلامُ عَلَى الْخَطِيبِ وَلا بَعْدَ جُلُوسِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْخُطْبَةِ وَلا عَلَى الدَّاخِلِ فِي أَثْنَائِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ لِنَفْسِهِ مَكَانًا وَلا إِذَا تَعَلَّقَ بِهِ غَرَضٌ مُهِمٌّ كَإِنْذَارِ أَعْمَى وَنَحْوِهِ وَإِنْكَارِ مُنْكَرٍ وَتَعْلِيمِ خَيْرٍ بِالاِتِّفَاقِ فِي الْمَسَائِلِ الأَرْبَعِ وَعَلَى الْجَدِيدِ يُكْرَهُ السَّلامُ وَيَجِبُ رَدُّهُ وَيُسْتَحَبُّ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ فِي الأَصَحِّ فِيهِمَا كَمَا صَرَّحَ بِذِكْرِهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. وَعَلَى الْقَدِيْمِ لَوْ تَكَلَّمَ لَمْ تَبْطُلْ بِهِ الْجُمُعَةُ قَطْعًا.

(وَإِنْ أَدْرَكَ الإِمَامَ رَاكِعًا فِي الثَّانِيَةِ أَتَمَّ الْجُمُعَةَ) بِأَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ أُخْرَى لِحَدِيثِ الْحَاكِمِ »مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً فَلْيَصَلْ إِلَيْهَا أُخْرَى« وَفِي لَفْظٍ ءَاخَرَ »فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ« وَيَجْهَرُ فِيهَا كَمَا نُصَّ عَلَيْهِ. وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَسْتَمِرَّ مَعَ الإِمَامِ إِلَى أَنْ يُسَلِّمَ أَوْ يَجُوزُ مُفَارَقَتُهُ بَعْدَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ؟ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذِكْرِهِ الشَّيْخَانِ وَقَدْ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ بِالأَوَّلِ وَوَجَدْتُ فِي تَهْذِيبِ الْبَغَوِيِّ مَا يُؤَيِّدُ الثَّانِي. (فَإِنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ) فِي الثَّانِيَةِ (أَتَمَّ ظُهْرًا) أَرْبَعًا وَفَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ لِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ. وَرَوَى الدَّارَ قُطْنِيُّ حَدِيثَ »مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الرُّكُوعِ مِنَ الرَّكْعَةِ الأَخِيرَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلْيُضِفْ إِلَيْهَا أُخْرَى، وَمَنْ لَمْ يُدْرِكِ الرُّكُوعَ مِنَ الرَّكْعَةِ الأَخِيرَةِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا« ثُمَّ الأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْوِي الْجُمُعَةَ مُوَافَقَةً لِلإِمَامِ وَقِيلَ يَنْوِي الظُّهْرَ لأِنَّهَا الَّتِي يَفْعَلُهَا.

   (وَإِنْ زُوحِمَ عَنِ السُّجُودِ) عَلَى الأَرْضِ مَعَ الإِمَامِ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى مِنَ الْجُمُعَةِ (وَأَمْكَنَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى ظَهْرِ إِنْسَانٍ) أَوْ رِجْلِهِ أَوْ بَهِيمَةٍ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مَعَ رِعَايَةِ هَيْئَةِ السَّاجِدِ (فَعَلَ) ذَلِكَ لُزُومًا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ سُجُودٍ يُجْزِئُهُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ قَالَ »إِذَا اشْتَدَّ الزِّحَامُ فَلْيَسْجُدْ أَحَدُكُمْ عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ« (وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ) السُّجُودُ عَلَى شَىْءٍ مَعَ الإِمَامِ (انْتَظَرَ حَتَّى يَزُولَ الزِّحَامُ ثُمَّ يَسْجُدُ) وَلا يُومِئُ بِهِ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ (فَإِنْ أَدْرَكَ الإِمَامَ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ السُّجُودِ (قَبْلَ السَّلامِ أَتَمَّ الْجُمُعَةَ) لأِنَّهُ أَدْرَكَ مَعَ الإِمَامِ رَكْعَة (وَإِنْ لَمْ يُدْرِكِ السَّلامَ) بِأَنْ سَلَّمَ الإِمَامُ قَبْلَ فَرَاغِهِ هُوَ مِنَ السُّجُودِ (أَتَمَّ الظُّهْرَ) لأِنَّهُ لَمْ يَتِمَّ لَهُ رَكْعَةٌ قَبْلَ سَلامِ الإِمَامِ (وَإِنْ لَمْ يَزُلِ الزِّحَامُ حَتَّى رَكَعَ الإِمَامُ فِي الثَّانِيَةِ فَفِيهِ قَوْلانِ أَحَدُهُمَا يَقْضِي مَا عَلَيْهِ) مِنَ السُّجُودِ مُرَاعِيًا نَظْمَ صَلاةِ نَفْسِهِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الأَظْهَرُ أَنَّهُ (يَتْبَعُ الإِمَامَ) فَيَرْكَعُ مَعَهُ وَيَسْجُدُ وَيَحْصُلُ لَهُ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ مِنْ رُكُوعِ الأُولَى وَسُجُودِ الثَّانِيَةِ وَيُدْرِكُ بِهَا الْجُمُعَةَ فِي الأَصَحِّ وَقِيلَ مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ وَسُجُودِهَا وَيُلْغِى الرُّكُوعَ الأَوَّلَ لِطُولِ الْمُدَّةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّجُودِ، وَعَلَى هَذَا يُدْرِكُ الْجُمُعَةَ بِهَذِهِ الرَّكْعَةِ جَزْمًا، وَعَلَى الأَظْهَرِ لَوْ سَجَدَ عَلَى تَرْتِيبِ نَفْسِهِ عَالِمًا أَنَّ وَاجِبَهُ الْمُتَابَعَةُ بَطَلَتْ صَلاتُهُ أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلاً فَلا وَلَكِنْ لا يُحْسَبُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمِنْهَاجِ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ كَلامِ الأَكْثَرِينَ أَنَّهُ لا يُعْتَدُّ لَهُ بِشَىْءٍ مِمَّا يَأْتِي بِهِ عَلَى غَيْرِ الْمُتَابَعَةِ فَإِذَا سَلَّمَ الإِمَامُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ لِتَمَامِ الرَّكْعَةِ وَلا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ وَسَكَتَ عَلَى ذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ وَصَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. وَلَوْ سَجَدَ الْمَزْحُومُ قَبْلَ رُكُوعِ الإِمَامِ فِي الثَّانِيَةِ وَرَفَعَ فَوَجَدَهُ رَاكِعًا رَكَعَ مَعَهُ كَالْمَسْبُوقِ عَلَى الأَصَحِّ أَوْ فَرَغَ مِنَ الرُّكُوعِ وَافَقَهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَةً بَعْدَهُ أَمَّا الْمَزْحُومُ فِي الثَّانِيَةِ وَهُوَ غَيْرُ مَسْبُوقٍ فَيَسْجُدُ مَتَى تَمَكَّنَ قَبْلَ سَلامِ الإِمَامِ أَوْ بَعْدَهُ وَيَجْرِي حُكْمُ الزِّحَامِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَإِنَّمَا ذُكِرَ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ لأِنَّهُ فِيهَا أَكْثَرُ.