الخميس نوفمبر 21, 2024

بَابُ مَوْقِفِ الإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ

 

   (السُّنَّةُ) إِذَا أَرَادَ الصَّلاةَ (أَنْ يَقِفَ الرَّجُلُ الْوَاحِدُ عَنْ يَمِينِ الإِمَامِ) وَمِثْلُهُ الصَّبِيُّ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: »بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَنِي بِرَأْسِي فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ«. قَالَ الأَصْحَابُ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْ مُسَاوَاةِ الإِمَامِ قَلِيلاً فَإِنْ خَالَفَ وَوَقَفَ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ خَلْفَهُ كُرِهَ وَصَحَّتْ. وَأَنْ يَقِفَ الاثْنَانِ ابْتِدَاءً خَلْفَهُ (وَالْخُنْثَى خَلْفَهُمَا، وَالْمَرْأَةُ خَلْفَ الْخُنْثَى، وَإِنْ حَضَرَ رَجُلانِ أَوْ رَجُلٌ وَصَبِيٌّ اصْطَفَّا خَلْفَهُ، وَإِنْ كَانُوا عُرَاةً) وَفِيهِمْ بُصَرَاءُ فِي ضَوْءٍ (وَقَفَ الإِمَامُ وَسَطَهُمْ) لأِنَّهُ اسْتَرُ بِخِلافِ مَا إِذَا كَانُوا عُمْيًا أَوْ فِي ظُلْمَةٍ فَإِنَّ الإِمَامَ يَتَقَدَّمُ. (وَإِنْ حَضَرَ رِجَالٌ وَصِبْيَانٌ وَخُنَاثَى وَنِسَاءٌ تَقَدَّمَ الرِّجَالُ ثُمَّ الصِّبْيَانُ ثُمَّ الْخُنَاثَى ثُمَّ النِّسَاءُ) قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُوا الأَحْلامِ وَالنهى- ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ« رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: »صَلَّى بِنَا رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا«. وَتَأْخِيرُ الْخُنْثَى عَنِ الصَّبِيِّ لاِحْتِمَالِ كَوْنِهِ أُنْثَى، وَتَقْدِيْمُهُ عَلَى الأُنْثَى لاِحْتِمَالِ كَوْنِهِ ذَكَرًا. وَظَاهِرُ كَلامِ الْمُصَنَّفِ كَغَيْرِهِ أَنَّ الْخُنَاثَى يَقِفُونَ صَفًّا وَاحِدًا وَهُوَ كَذَلِكَ. قَالَ الإِسْنَوِيُّ وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَظَرٌ. وَجَمِيعُ مَا ذُكِرَ مُسْتَحَبٌّ فَإِنْ خُولِفَ كُرِهَتْ وَصَحَّتْ. (وَمَنْ حَضَرَ) وَالإِمَامُ فِي الصَّلاةِ (وَلَمْ يَجِدْ فِي الصَّفِّ فُرْجَةً جَذَبَ مِنَ الصَّفِّ وَاحِدًا) بَعْدَ أَنْ يُحْرِمَ (وَاصْطَفَّ مَعَهُ) وَيَنْدُبُ لِلْمَجْرُورِ مُسَاعَدَتُهُ إِعَانَةً لَهُ عَلَى الْخَيْرِ، رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي مَرَاسِيلِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُقَاتِلِ بنِ حَيَّانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: »إِنْ جَاءَ وَلَمْ يَجِدْ فُرْجَةً فَلْيَخْتَلِجْ إِلَيْهِ رَجُلاً مِنَ الصَّفِّ وَلْيَقُمْ مَعَهُ فَمَا أَعْظَمَ أَمْرَ الْمُخْتَلَجِ«. قَالَ الأَصْحَابُ وَلا يَجْذُبُهُ قَبْلَ إِحْرَامِهِ لِئَلاَّ يُخْرِجُهُ عَنِ الصَّفِّ لا إِلَى صَفٍّ (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَصَلَّى) خَلْفَ الصَّفِّ (وَحْدَهُ كُرِهَ ذَلِكَ وَاجْزَأَتْهُ صَلاتُهُ) لِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ بِسَنَدٍ حَسَنٍ: »أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلاً يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ فَوَقَفَ حَتَّى انْصَرَفَ فَقَالَ لَهُ: »لا صَلاةَ لِمَنْ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ« أَيْ كَامِلَةٌ.

   (وَإِنْ حَضَرَ وَمَعَ الإِمَامِ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِهِ أَحْرَمَ عَنْ يَسَارِهِ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ الإِمَامُ أَوْ يَتَأَخَّرُ الْمَأْمُومَانِ) وَهُوَ أَفْضَلُ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَ بِيَدِي حَتَّى أَدَارَنِي عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ جَاءَ جَابِرُ بنُ صَخْرٍ فَقَامَ عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَ بِأَيْدِينَا جَمِيعًا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ«. فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إِلاَّ التَّقَدُّمُ أَوِ التَّأَخُّرُ لِضِيقِ الْمَكَانِ فُعِلَ الْمُمْكِنُ، وَلَوْ حَضَرَ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ كَالسُّجُودِ أَوِ التَّشَهُّدِ فَلا يُقَدِّمُ وَلا يُؤَخِّرُ حَتَّى يَقُومَ.

   (وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لا يَكُونَ مَوْضِعُ الإِمَامِ أَعْلَى مِنْ مَوْضِعِ الْمَأْمُومِينَ) لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ (إِلاَّ أَنْ يُرِيدَ تَعْلِيمَهُمْ أَفْعَالَ الصَّلاةِ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ الإِمَامُ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) حَيْثُ صَلَّى بِالنَّاسِ فَقَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ ثُمَّ قَالَ حِينَ فَرَغَ: »وَإِنَّمَا فَعَلْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِيَ وَلتَعْلَمُوا صَلاتِي« رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ. وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا أَنْ لا يَكُونَ مَوْضِعُ الْمَأْمُومِينَ أَعْلا مِنْ مَوْضِعِ الإِمَامِ إِلاَّ أَنْ يُرِيدَ الْمُؤَذِّنُ التَّبْلِيغَ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ.

   (وَإِنْ تَقَدَّمَ الْمَأْمُومُ عَلَى الإِمَامِ) فِي الْمَوْقِفِ (لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ) قِيَاسًا عَلَى الْمُخَالَفَةِ فِي الأَفْعَالِ بَلْ أَوْلَى وَلأِنَّ الْمُقْتَدِينَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ذَلِكَ، وَالثَّانِي وَهُوَ الْقَدِيْمُ تَصِحُّ لأِنَّهَا مُخَالَفَةٌ فِي الْمَوْقِفِ فَلَمْ تُؤَثِّرْ كَالْوُقُوفِ عَلَى الْيَسَارِ. وَعَلَى الأَوَّلِ لَوْ شَكَّ فِي التَّقَدُّمِ صَحَّتْ صَلاتُهُ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُحَقِّقُونَ الْعِرَاقِيُّونَ لأِنَّ الأَصْلَ عَدَمُ الْمُفْسِدِ. كَذَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. وَقِيلَ إِنْ جَاءَ مِنْ خَلْفِ الإِمَامِ صَحَّتْ صَلاتُهُ لأِنَّ الأَصْلَ عَدَمُ تَقَدُّمِهِ أَوْ مِنْ أَمَامِهِ فَلا لأِنَّ الأَصْلَ بَقَاءُ تَقَدُّمِهِ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَهَذَا أَوْجَهُ. فَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ وَلَكِنْ سَاوَاهُ لَمْ تَبْطُلْ جَزْمًا وَلَكِنْ يُكْرَهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. وَالاِعْتِبَارُ فِي التَّقْدِيْمِ وَالْمُسَاوَاةِ بِالْعَقِبِ عَلَى الصَّحِيحِ، كَذَا أَطْلَقَ الشَّيْخَانِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِحَالِ الْقِيَامِ فَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا فَالاِعْتِبَارُ بِالأَلْيَةِ أَوْ مُضْطَجِعًا فَبِالْجُنُبِ. ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ.

   (وَإِنْ صَلَّتِ الْمَرْأَةُ بِنِسْوَةٍ قَامَتْ وَسْطَ الصَّفِّ) بِسُكُونِ السِّينِ – رَوَى الْبَيْهَقِيُّ: »أَنَّ عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ أَمَّتَا نِسَاءً فَقَامَتَا وَسْطَهُنَّ«. وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ.

   (وَمَنْ صَلَّى مَعَ الإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ جَازَتْ صَلاتُهُ) وَإِنْ بَعُدَتِ الْمَسَافَةُ وَحَالَتِ الأَبْنِيَةُ (إِذَا عَلِمَ) الْمَأْمُومُ (بِصَلاتِهِ) أَيِ الإِمَامِ بِرُؤْيَتِهِ أَوْ رُؤْيَةِ بَعْضِ الصَّفِّ أَوْ سَمَاعِهِ أَوْ سَمَاعِ مُبَلِّغٍ بِخِلافِ مَا إِذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهَا فَلا تَصِحُّ لِرَبْطِهَا بِمَنْ لا يُمْكِنُ مُتَابَعَتُهُ.

   (وَإِنْ صَلَّى خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَاتَّصَلَتْ بِهِ الصُّفُوفُ جَازَتْ صَلاتُهُ وَإِنِ انْقَطَعَتِ الصُّفُوفُ وَلَمْ يَكُنْ دُونَهُ حَائِلٌ جَازَتْ صَلاتُهُ إِذَا لَمْ يَزِدْ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ءَاخِرِ صَفٍّ عَلَى ثَلاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ) وَإِنْ زَادَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الإِمَامِ عَلَيْهَا لِحُصُولِ الاِتِّصَالِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ عُرْفًا بِخِلافِ مَا إِذَا زَادَ. وَهَذَا الْقَدْرُ تَقْرِيبٌ عَلَى الصَّحِيحِ فَلا تَضُرُّ زِيَادَةُ ذِرَاعَيْنِ وَثَلاثَةٍ، (وَإِنْ حَالَ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْمَأْمُومِ وَءَاخِرِ الصَّفِّ (حَائِلٌ يَمْنَعُ الاِسْتِطْرَاقَ وَالْمُشَاهَدَةَ) كَالْجِدَارِ وَالْبَابِ الْمُغْلَقِ (لَمْ تَجُزْ صَلاتُهُ وَإِنْ مَنَعَ) الْحَائِلُ (الاِسْتِطْرَاقَ دُونَ الْمُشَاهَدَةِ بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا شُبَّاكٌ) أَوِ الْمُشَاهَدَةَ دُونَ الاِسْتِطْرَاقِ بِأَنْ كَانَ بَابٌ مَرْدُودٌ (فَقَدْ قِيلَ) فِي الصُّورَتَيْنِ (يَجُوزُ) الاِقْتِدَاءُ لِحُصُولِ الاِتِّصَالِ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ الْمُشَاهَدَةُ فِي الصُّورَةِ الأُولَى وَالاِسْتِطْرَاقُ فِي الثَّانِيَةِ (وَقِيلَ لا يَجُوزُ) لِحُصُولِ الْحَائِلِ مِنْ وَجْهٍ، وَهَذَا أَصَحُّ. أَمَّا الْحَائِلُ غَيْرُ مَا ذُكِرَ كَجِدَارٍ فِيهِ بَابٌ نَافِذٌ فَلا يَضُرُّ جَزْمًا وَكَذَا الشَّارِعُ الْمَطْرُوقُ وَالنَّهْرُ الْمُحْوِجُ إِلَى سِبَاحَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ.