بَابُ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ
(وَيَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى الرَّجُلِ مِنْ شَيْئَيْنِ: مِنْ خُرُوجِ الْمَنِيِّ( لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ: «إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ» وَسَوَاءٌ أَخَرَجَ مِنْ مَحَلِّهِ الْمُعْتَادِ أَمْ مِنْ غَيْرِهِ بِأَنِ انْكَسَرَ صُلْبُهُ فَخَرَجَ مِنْهُ وَالأَصْلِيُّ مُنْسَدٌّ عَلَى مَا سَبَقَ نَظِيرُهُ فِي الْحَدَثِ )وَمِنْ إِيلاجِ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ( لِحَدِيثِ: «إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا. وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِتَغْيِّيبِ الْحَشَفَةِ، وَأُلْحِقَ بِهَا قَدْرُهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا لأِنَّهُ فِي مَعْنَاهَا وَلا فَرْقَ فِي الإِيلاجِ بَيْنَ النَّاسِي وَالْمُكْرَهِ وَغَيْرِهِمَا وَلا فِي الذَّكَرِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُنْتَشِرًا أَمْ لا، عَلَيْهِ خِرْقَةٌ أَمْ لا، وَلا فِي الْفَرْجِ بَيْنَ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ مِنْ ءَادَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ.
)وَيَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: مِنْ خُرُوجِ الْمَنِيِّ( لِمَا تَقَدَّمَ وَلِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟ قَالَ: «نَعَمْ إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ )وَمِنْ إِيلاجِ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ( لِمَا تَقَدَّمَ )وَمِنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ( لِمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِمَا. وَهَلِ الْمُوجِبُ خُرُوجُ الدَّمِ أَوِ انْقِطَاعُهُ أَوِ الْخُرُوجُ وَالْقِيَامُ إِلَى الصَّلاةِ مَعًا أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا فِي التَّحْقِيقِ الثَّالِثُ وَهُوَ مَعْنَى مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ: أَنَّ الْخُرُوجَ مُوجِبٌ عِنْدَ الاِنْقِطَاعِ كَمَا بَيَّنَهُ فِي حَوَاشِيهَا )وَقِيلَ يَجِبُ عَلَيْهَا أَيْضًا مِنْ خُرُوجِ الْوَلَدِ( بِلا بَلَلٍ لأِنَّهُ مَنِيٌّ مُنْعَقِدٌ )وَقِيلَ لا يَجِبُ( لأِنَّهُ لا يُسَمَّى مَنِيًّا وَالأَصَحُّ الأَوَّلُ، وَوُجِّهَ أَيْضًا بِأَنَّهُ لا يَخْلُو عَنْ بَلَلٍ وَإِنْ كُنَّا لا نُشَاهِدُهُ، وَبِأَنَّ الْوِلادَةَ مَظِنَّةُ خُرُوجِ الدَّمِ وَالْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى الْمَظَانِّ وَإِنْ لَمْ يُوجَدِ الْمَظْنُونُ كَمَا فِي الاِنْتِقَاضِ بِالنَّوْمِ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ خُرُوجُ الْخَارِجِ وَعَلَيْهِ يَصِحُّ الْغُسْلُ عَقِبَهُ، وَقِيلَ لا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ سَاعَةٍ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالْخِلافُ جَارٍ فِي الْقَاءِ الْعَلَقَةِ وَالْمُضْغَةِ بِلا بَلَلٍ.
تَنْبِيهٌ: لا يَرِدُ عَلَى حَصْرِ الْمُصَنِّفِ وُجُوبُ الْغُسْلِ بِالْمَوْتِ لأِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى غَيْرِ مَنْ قَامَ بِهِ السَّبَبُ وَهُمُ الْمُسْلِمُونَ )وَإِنْ شَكَّ هَلِ الْخَارِجُ مِنْ ذَكَرِهِ مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌّ فَقَدْ قِيلَ يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ( مُرَتَّبًا )دُونَ الْغُسْلِ( لأِنَّهُ الْمُسْتَيْقَنُ بِالْخَارِجِ وَالأَصْلُ عَدَمُ وُجُوبِ الْغُسْلِ وَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ غَسْلُ مَا أَصَابَهُ وَلَوِ اغْتَسَلَ كَانَ عَلَى الْخِلافِ فِي الْمُحْدِثِ يَغْتَسِلُ وَهَذَا مَا اقْتَضَى كَلامُ الْعِرَاقِيِينَ الْقَطْعَ بِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ )وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ( لأِنَّ الْخُرُوجَ أَوْجَبَ شَيْئًا مُحَقَّقًا فَلا تَحْصُلُ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ يَقِينًا إِلاَّ بِالْغُسْلِ لأِنَّهُ إِنْ كَانَ الْخَارِجُ مَنِيًّا فَهُوَ وَاجِبُهُ، أَوْ مَذْيًا فَهُوَ يُغْنِي عَنِ الْوُضُوءِ عَلَى الأَصَحِّ وَعَلَى هَذَا لا يُحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى وُضُوءٍ وَلا غَسْلِ مَا أَصَابَهُ، وَأَيَّدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُهَذَّبِ احْتِمَالاً ءَاخَرَ وَهُوَ وَجْهٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ كُلٌّ مِمَّا ذُكِرَ احْتِيَاطًا فَيَتَوَضَّأُ مُرَتِّبًا، وَيَغْسِلُ سَائِرَ بَدَنِهِ وَيَغْسِلُ مَا أَصَابَهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ رُجْحَانُهُ لأِنَّ ذِمَّتَهُ اشْتَغَلَتْ بِطَهَارَةٍ وَلا تَحْصُلُ الْبَرَاءُةُ مِنْهَا يَقِينًا إِلاَّ بِفِعْلِ مُقْتَضَاهُمَا إهـ، وَالأَصَحُّ يَحْصُلُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهٌ رَابِعٌ: أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْتِزَامِ حُكْمِ الْمَنِيِّ أَوِ الْمَذْيِ لأَنَّهُ إِذَا أَتَى بِمُقْتَضَى أَحَدِهِمَا بَرِئَ يَقِينًا وَالأَصْلُ بَرَاءَتُهُ مِنَ الآخَرِ وَهَذَا هُوَ الْمُصَحَّحُ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَغَيْرِهِمَا. وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَيْهِ.
)وَمَنْ أَجْنَبَ حَرُمَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالطَّوَافُ( لأِنَّهُمَا يَحْرُمَانِ بِالْحَدَثِ وَالْجَنَابَةُ أَغْلَظُ مِنْهُ )وَقِرَاءَةُ الْقُرْءَانِ( بِاللَّفْظِ وَلَوْ حَرْفًا لِحَدِيثِ: «لا يَقْرَأُ الْجُنُبُ وَلا الْحَائِضُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْءَانِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَفِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عَلِيٍّ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ ثُمَّ قَرَأَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْءَانِ ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا لِمَنْ لَيْسَ بِجُنُبٍ فَأَمَّا الْجُنُبُ فَلا وَلا ءَايَةً» وَلا يَحْرُمُ إِمْرَارُهُ عَلَى الْقَلْبِ نَعَمْ تَحْرُمُ إِشَارَةُ الأَخْرَسِ بِهِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي فَتَاوِيهِ )وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ( لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدَثِ )وَاللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ( لا عُبُورُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلا جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ﴾ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ حَدِيثَ: «إِنِّي لا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلا جُنُبٍ» وَالتَّرَدُّدُ كَاللُّبْثِ وَخَرَجَ بِالْمَسْجِدِ الرِّبَاطُ وَالْمَدْرَسَةُ وَمُصَلَّى الْعِيدِ وَنَحْوُهَا.