الخميس نوفمبر 21, 2024

بَابُ مَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ

كَرَاهَةَ تَحْرِيْمٍ وَمَا لا يُكْرَهُ

 

   (يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ اسْتِعْمَالُ ثِيَابِ الإِبْرَيْسِمْ) بِلُبْسٍ أَوْ غَيْرِهِ كَفَرْشٍ وَتَدَثُّرٍ وَاتِّخَاذِ سِتْرٍ وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا مَعَ فَتْحِ الرَّاءِ فِيهِمَا وَبِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ – الْحَرِيرُ. رَوَى الشَّيْخَانِ حَدِيثَ »لا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَلا الدِّيبَاجَ« وَرَوَى الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ »نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَأَنْ يُجْلَسَ عَلَيْهِ«. أَمَّا الْمَرْأَةُ فَيَحِلُّ لَهَا اسْتِعْمَالُهُ لُبْسًا وَغَيْرَهُ لِحَدِيثِ: »أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لإِنَاثِ أُمَّتِي وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا«، صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْخُنْثَى كَالرَّجُلِ وَالصَّبِيُّ كَالْمَرْأَةِ (وَمَا أَكْثَرُهُ إِبْرَيْسَمٌ) مِنَ الْمُرَكَّبِ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ بِخِلافِ مَا هُوَ أَقَلُّهُ فَلا يَحْرُمُ وَكَذَا مَا تَسَاوَيَا فِي الأَصَحِّ وَيُعْتَبَرُ بِالْوَزْنِ (وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ) أَيِ الرَّجُلِ بِخِلافِ الْمَرْأَةِ (الْمَنْسُوجُ بِالذَّهَبِ) لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ (وَالْمُمَوَّهُ بِهِ) كَخَاتَمِ فِضَّةٍ طُلِيَ بِهِ وَإِنْ كَانَ يَحْصُلُ مِنْهُ شَىْءٌ لَوْ عُرِضَ عَلَى النَّارِ فَبِالاِتِّفَاقِ وَإِلاَّ فَطَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ يَحْرُمُ لِلْحَدِيثِ. وَالثَّانِي يَحْكِي وَجْهَيْنِ ثَانِيهُمَا الْحِلُّ لأِنَّهُ كَالْعَدَمِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ هُنَا (إِلاَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ صَدِئَ) بِالْهَمْزَةِ أَوْ تَغَيَّرَ بِحَيْثُ لا يَبِينُ فَإِنَّهُ لا يَحْرُمُ إِذْ لَيْسَ فِيهِ سَرَفٌ ظَاهِرٌ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّ الذَّهَبَ لا يَصْدَأُ فَلا تُتَصَوَّرُ الْمَسْأَلَةُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مِنْهُ مَا يَصْدَأُ وَيُقَالُ إِنَّ مَا خَالَطَهُ غَيْرُهُ يَصْدَأُ بِخِلافِ الْخَالِصِ.

قَوْلُ الشَّيْخِ: (إِلاَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ صَدِئَ) هَذَا الاِسْتِثْنَاءُ يَجُوزُ عَوْدُهُ إِلَى الْمُمَوَّهِ وَالْمَنْسُوجِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ حَكَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ.

   قُلْتُ: وَالْمَدَارُ عَلَى أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ عِنْدَنَا عَوْدُهُ إِلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ وَهُوَ الْمُمَوَّهُ، لَكِنَّ الصَّوَابَ الأَوَّلُ إِذِ الْمُصَنِّفُ سَلَكَ فِي الْكِتَابِ طَرِيقَةَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ بَلِ التَّنْبِيهُ مُخْتَصَرُ تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ، صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَفِي كِتَابِ الصُّلحِ فِي كِتَابِهِ الْكِفَايَةِ قُلْتُ: وَلَعَلَّهُ مُخْتَصَرُ التَّعْلِيقِ الصَّغِيرِ وَهُوَ قَدْرُ سِتَّةَ عَشَرَ مُجَلَّدًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

   (وَيَجُوزُ لِلْمُحَارِبِ لُبْسُ الدِّيبَاجِ الثَّخِينِ الَّذِي لا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِي دَفْعِ السِّلاحِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِلا خِلافٍ لِلضَّرُورَةِ وَلا يُقَالُ إِنَّهُ مَكْرُوهٌ. فَلَوْ وَجَدَ غَيْرَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ لَمْ يَجُزْ فِي الأَصَحِّ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ. وَيَجُوزُ لَهُ أَيْضًا (لُبْسُ الْمَنْسُوجِ بِالذَّهَبِ إِذَا فَاجَأَتْهُ الْحَرْبُ) أَيْ بِعَيْنِهِ (وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ) لِلضَّرُورَةِ وَالْحَرِيرُ كَذَلِكَ بِخِلافِ مَا إِذَا وَجَدَ غَيْرَهُ. وَقَوْلُ الشَّيْخِ: إِذَا فَاجَأَتْهُ الْحَرْبُ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إِلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ لأِنَّ الشَّرْطَ إِذَا تَعَقَّبَ جُمَلاً عَادَ إِلَى جَمِيعِهَا وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ وَجَرَى عَلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَلَفْظُ الْوَسِيطِ يُفْهِمُهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْخُ أَرَادَ عَوْدَهُ إِلَى الْمَسْأَلَةِ الأَخِيرَةِ خَاصَّةً كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ عَنِ ابْنِ كَجٍّ.

   (وَيَجُوزُ شَدُّ السِّنِّ) عِنْدَ تَحَرُّكِهَا (بِالذَّهَبِ لِلضَّرُورَةِ) وَكَذَا اتِّخَاذُهَا مِنْهُ إِذَا قُلِعَتْ لِحَدِيثِ أَنَّ عَرْفَجَةَ قُطِعَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلابِ بِضَمِّ الْكَافِ وَالتَّخْفِيفِ مَاءٌ مِنْ مِيَاهِ الْعَرَبِ كَانَ عِنْدَهُ وَقْعَةٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ وَرِقٍ فَأَنْتَنَ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَّخِذَهَا مِنْ ذَهَبٍ. حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ فَقِيسَ بِالأَنْفِ السِّنُّ وَالأَنْمُلَةُ بِخِلافِ الإِصْبَعِ. وَالْفِضَّةُ كَالذَّهَبِ.

   قَالَ: وَيَجُوزُ شَدُّ السِّنِّ- إِلَى ءَاخِرِهِ، هُوَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ، فَعَلَى الْمُعْجَمَةِ رَبْطُهَا بِخَيْطٍ، وَعَلَى الْمُهْمَلَةِ يَجُوزُ اتِّخَاذُ سِنٍّ مِنْ ذَهَبٍ كَمَا يَجُوزُ اتِّخَاذُ الأَنْفِ وَاتِّخَاذِ الأَنْمُلَةِ. وَلا يَجُوزُ اتِّخَاذُ الإِصْبَعِ مِنْهُ عَلَى مَا رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ، وَبِهِ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ.

   (وَيَجُوزُ) لِلرَّجُلِ (لُبْسُ الْحَرِيرِ لِلْحِكَّةِ) رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِعَبْدِ الرَّحْمٰنِ بنِ عَوْفٍ وَزُبَيْرِ بنِ الْعَوَّامِ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ لِحِكَّةٍ كَانَتْ بِهِمَا. (وَقِيلَ لا يَجُوزُ وَهَذَا) الْوَجْهُ لا يُعْرَفُ إِلاَّ فِي التَّنْبِيهِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلَيْسَ بِشَىْءٍ.

   (وَيَجُوزُ أَنْ يُلْبِسَ دَابَّتَهُ الْجِلْدَ النَّجِسَ) كَجِلْدِ الْمَيْتَةِ بِخِلافِهِ هُوَ فَلا يَجُوزُ أَنْ يَلْبَسَهُ إِلاَّ لِضَرُورَةٍ (سِوَى جِلْدِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ) فَإِنَّهُ لا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُلْبِسُهُ لِدَابَّةٍ وغَيْرِهَا فَلِنَفْسِهِ أَوْلَى، أَمَّا الثَّوْبُ النَّجِسُ فَيَجُوزُ لَهُ إِلاَّ فِي عِبَادَةٍ يُشْتَرَطُ لَهَا طَهَارَةُ الثَّوْبِ.