بَابُ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ
أَيْ يَنْتَهِي بِهِ حُكْمُهُ )وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: أَحَدُهَا الْخَارِجُ مِنْ( أَحَدِ )السَّبِيلَيْنِ( أَيِ الطَّرِيقَيْنِ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ، عَيْنًا كَانَ كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ أَوْ ريِحًا )مُعْتَادًا كَانَ أَوْ نَادِرًا( كَالدَّمِ، نَجِسًا كَانَ أَوْ طَاهِرًا كَالدُّودِ. وَسَوَاءٌ فِي قُبُلِ الْمَرْأَةِ مَخْرَجُ الْبَوْلِ وَمَدْخَلُ الذَّكَرِ )فَإِنِ انْسَدَّ الْمَخْرَجُ الْمُعْتَادُ( انْسِدَادًا عَارِضًا )وَانْفَتَحَ مَخْرَجٌ دُونَ الْمَعِدَةِ( أَيْ تَحْتَهَا وَهِيَ مِنَ السُّرَّةِ إِلَى الْمُنْخَسِفِ تَحْتَ الصَّدْرِ )انْتَقَضَ الْوُضُوءُ بِالْخَارِجِ مِنْهُ( مُعْتَادًا كَانَ أَوْ نَادِرًا لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُنْسَدِّ ضَرُورَةً )وَإِنِ انْفَتَحَ مَخْرَجٌ فَوْقَ الْمَعِدَةِ( بِأَنِ انْفَتَحَ فِي السُّرَّةِ وَمَا فَوْقَهَا وَمَا يُحَاذِيهَا وَالْمُعْتَادُ مُنْسَدٌ )فَفِيهِ قَوْلانِ( أَظْهَرُهُمَا لا يَنْقُضُ الْخَارِجُ مِنْهُ لأِنَّهُ بِالْقَيْءِ أَشْبَهُ إِذْ مَا تُحِيلُهُ الطَّبِيعَةُ تَدْفَعُهُ إِلَى أَسْفَلَ، وَالثَّانِي يَنْقُضُ لِضَرُورَةِ الْخُرُوجِ مِنْهُ )وَإِنْ لَمْ يَنْسَدَّ الْمَخْرَجُ الْمُعْتَادُ لَمْ يَنْتَقِضِ الْوُضُوءُ بِالْخَارِجِ مِنْ( مُنْفَتِحٍ )فَوْقَ الْمَعِدَةِ( لِمَا ذُكِرَ )وَفِيمَا تَحْتَهَا( هَلْ يَنْقُضُ الْخَارِجُ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ )قَوْلانِ( أَظْهَرُهُمَا لا، إِذْ لا ضَرُورَةَ إِلَيْهِ مَعَ انْفِتَاحِ الأَصْلِيِّ، وَالثَّانِي نعم، لِمَا تَقَدَّمَ وَلَوْ خُلِقَ مَسْدُودَ الأَصْلِيِّ انْتَقَضَ بِالْخَارِجِ مِنَ الْمُنْفَتِحِ فَوْقَ الْمَعِدَةِ كَانَ أَوْ تَحْتَهَا. وَحَيْثُ قُلْنَا بِالنَّقْضِ فَالأَصَحُّ أَنَّهُ لا يُعْطَى حُكْمُ الأَصْلِيِّ مِنْ إِجْزَاءِ الْحَجَرِ فِيهِ، وَوُجُوبِ الْوُضُوءِ بِمَسِّهِ وَغَيْرِهِمَا.
(وَالثَّانِي زَوَالُ الْعَقْلِ( أَيِ التَّمْيِيزِ بِجُنُونٍ أَوْ إِغْمَاءٍ أَوْ سُكْرٍ أَوْ نَوْمٍ )إِلاَّ النَّوْمَ قَاعِدًا مُفْضِيًا بِمَحَلِّ الْحَدَثِ( أَيْ بِأَلْيَيْهِ )إِلَى الأَرْضِ( بِحَيْثُ يُؤْمَنُ خُرُوجُ شَىْءٍ مِنْهُ فَلا يَنْتَقِضُ بِخِلافِ النَّوْمِ عَلَى الْقَفَا مُلْصِقًا لِلْمَحَلِّ بِالْمَقَرِّ أَوْ قَاعِدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَقَرِّ تَجَافٍ كَهُزَالٍ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ.
(وَالثَّالِثُ أَنْ يَقَعَ شَىْءٌ مِنْ بَشَرَتِهِ عَلَى بَشَرَةِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ( لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ وَفِي قِرَاءَةٍ: لَمَسْتُمْ. وَاللَّمْسُ فَسَّرَهُ ابْنُ عُمَرَ بِالْجَسِّ بِالْيَدِ وَأُلْحِقَ بِهِ بَاقِي الْبَشَرَةِ أَوْ بِجَامِعِ الالْتِذَاذِ وَخَرَجَ بِهَا وَهِيَ ظَاهِرُ الْجِلْدِ الشَّعَرُ وَالسِّنُّ وَالظُّفْرُ فَلا نَقْضَ بِلَمْسِهَا فِي الأَصَحِّ )فَإِنْ وَقَعَ شَىْءٌ مِنْ بَشَرَتِهِ عَلَى بَشَرَةِ( امْرَأَةٍ )ذَاتِ رَحِمٍ( أَيْ قَرَابَةٍ )مَحْرَمٍ( وَهِيَ الَّتِي يَحْرُمُ نِكَاحُهَا بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ كَالأُمِّ وَالْبِنْتِ وَالأُخْتِ وَبِنْتِ الأَخِ وَالأُخْتِ وَالْخَالَةِ وَالْعَمَّةِ )فَفِيهِ قَوْلانِ( أَظْهَرُهُمَا لا يَنْتَقِضُ لأِنَّهَا لَيْسَتْ مَحَلاَّ لِلشَّهْوَةِ وَالثَّانِي يَنْقُضُ لِعُمُومِ الآيَةِ، وَالأَوَّلُ اسْتَنْبَطَ مِنْهَا مَعْنًى خَصَّصَهَا بِخِلافِ مَنْ لا يَحْرُمُ نِكَاحُهَا كَبَنَاتِ الْعُمُومَةِ وَالْخُؤُولَةِ أَمَّا الْمَحْرَمُ غَيْرُ ذَاتِ الرَّحِمِ وَهِيَ الْمَحْرَمَةُ بِرَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ فَفِيهَا طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا الْقَطْعُ بِالاِنْتِقَاضِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَالأَظْهَرُ عَدَمُهُ )وَفِي الْمَلْمُوسِ( وَهُوَ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ اللَّمْسُ رَجُلاً كَانَ أَوِ امْرَأَةً )قَوْلانِ( أَظَهَرُهُمَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ لاِشْتِرَاكِهِمَا فِي لَذَّةِ اللَّمْسِ وَالثَّانِي لا لاِقْتِصَارِ الآيَةِ عَلَى اللاَّمِسِ. وَلا نَقْضَ بِلَمْسِ بَشَرَةِ صَغِيرَةٍ لا تُشْتَهَى وَلا بِلَمْسِ الْمَرْأَةِ صَغِيرًا لا يُشْتَهَى وَلا بِالْتِقَاءِ بَشَرَتَيِ الرَّجُلَيْنِ وَالْمَرْأَتَيْنِ وَالْخُنْثَيَيْنِ وَالْخُنْثَى وَالرَّجُلِ أَوْ وَالْمَرْأَةِ.
(وَالرَّابِعُ مَسُّ فَرْجِ الآدَمِيِّ( قُبُلاً أَوْ دُبُرًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ )بِبَاطِنِ الْكَفِّ( لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ: «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ وَفِي رِوَايَةٍ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» وَالْمُرَادُ اللَّمْسُ بِبَاطِنِ الْكَفِّ لِحَدِيثِ ابْنِ حِبَّانَ «إِذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إِلَى فَرْجِهِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سِتْرٌ وَلا حِجَابٌ فَلْيَتَوَضَّأْ» وَالإِفْضَاءُ لُغَةً الْمَسُّ بِبَاطِنِ الْكَفِّ، وَمَسُّهُ مِنْ غَيْرِهِ أَفْحَشُ مِنْ مَسِّهِ مِنْ نَفْسِهِ. وَقِيسَ عَلَى الْقُبُلِ الدُّبُرُ بِجَامِعِ النَّقْضِ بِالْخَارِجِ مِنْهُمَا وَالْمُرَادُ بِهِ مُلْتَقَى الْمَنْفَذِ دُونَ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ بَاطِنِ الأَلْيَيْنِ، وَكَذَا قُبُلُ الْمَرْأَةِ الْمُرَادُ بِهِ مُلْتَقَى شُفْرَيْهَا دُونَ مَا وَرَاءَهُ فَلا يَنْقُضُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. وَخَرَجَ بِبَاطِنِ الْكَفِّ ظَاهِرُهُ وَالْمُرَادُ بِهَا الرَّاحَةُ وَالأَصَابِعُ ظَاهِرُهَا وَحَرْفُهَا وَرُؤُسُ الأَصَابِعِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلا نَقْضَ بِالْمَسِّ فِي الأَصَحِّ، وَبِالآدَمِيِّ الْبَهِيمَةُ فَلا نَقْضَ بِمَسِّهَا فِي الأَظْهَرِ وَسَوَاءٌ فِي الذَّكَرِ الصَّحِيحُ وَالأَشَلُّ الْمُتَّصِلُ وَالْمُبَانُ وَفِي الْيَدِ الصَّحِيحَةِ وَالشَّلاَّءُ )وَإِنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ( هَلْ طَرَأَ عَلَيْهِ )بَنَى عَلَى يَقِينِ الطَّهَارَةِ( اسْتِصْحَابًا لَهُ، وَرَوَى مُسْلِمٌ حَدِيثَ: «إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخَرَجَ مِنْهُ شَىْءٌ أَمْ لا فَلا يَخْرُجَنَّ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ ريِحًا» قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْمُرَادُ بِالشَّكِّ التَّرَدُّدُ بِاسْتِوَاءٍ أَوْ رُجْحَانٍ )وَإِنْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ بَنَى عَلَى يَقِينِ الْحَدَثِ( لِمَا ذُكِرَ )وَإِنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَالْحَدَثَ جَمِيعًا( بِأَنْ وُجِدَا مِنْهُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مَثَلاً )وَشَكَّ فِي السَّابِقِ مِنْهُمَا نَظَرَ فِيمَا كَانَ قَبْلَهُمَا فَإِنْ كَانَ حَدَثًا فَهُوَ( الآنَ )مُتَطَهِرٌ( لأِنَّهُ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي تَأَخُّرِ الْحَدَثِ عَنْهَا وَالأَصْلُ عَدَمُ تَأَخُّرِهِ )وَإِنْ كَانَ طَهَارَةً فَهُوَ( الآنَ )مُحْدِثٌ( لأِنَّهُ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي تَأَخُّرِ الطَّهَارَةِ عَنْهُ وَالأَصْلُ عَدَمُ تَأَخُّرِهَا إِنْ كَانَ يَعْتَادُ تَجْدِيدَهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالظَّاهِرُ تَأَخُّرُهَا عَنِ الْحَدَثِ فَيَكُونُ الآنَ مُتَطَهِّرًا، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَا قَبْلَهُمَا لَزِمَهُ الْوُضُوءُ )وَمَنْ أَحْدَثَ حَرُمَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ( قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَمِنْهَا صَلاةُ الْجِنَازَةِ وَفِي مَعْنَاهَا سَجْدَةُ التِّلاوَةِ وَالشُّكْرِ )وَالطَّوَافُ( لِحَدِيثِ: «الطَّوَافُ بِمَنْزِلَةِ الصَّلاةِ إِلاَّ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَلَّ فِيهِ الْمَنْطِقَ» صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ )وَمَسُّ الْمُصْحَفِ( أَيْ وَرَقِهِ وَكَذَا جِلْدُهُ عَلَى الصَّحِيحِ )وَحَمْلُهُ( قَالَ تَعَالَى ﴿لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ﴾ هُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ، وَالْحَمْلُ أَبْلَغُ مِنَ الْمَسِّ وَالْمُطَهَّرُ بِمَعْنَى الْمُتَطَهِّرِ وَمِثْلُهُ مَا كُتِبَ لِلدِّرَاسَةِ كَلَوْحٍ فِي الأَصَحِّ، وَيُسْتَثْنَى الصَّبِيُّ فَلا يُمْنَعُ مِنْهُ لِحَاجَةِ تَعَلُّمِهِ وَمَشَقَّةِ اسْتِمْرَارِهِ عَلَى الطَّهَارَةِ.