بَابُ مَا يَقُولُ عِنْدَ اسْتِفْتَاحِ الصَّلاةِ
رَوَى مُسْلِمٌ فِى صَحِيحِهِ وَأَبُو دَاوُدَ فِى سُنَنِهِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ عَلِىِّ بنِ أَبِى طَالِبٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلاةَ قَالَ «وَجَّهْتُ وَجْهِىَ لِلَّذِى فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ صَلاتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَنْتَ رَبِّى وَأَنَا عَبْدُكَ ظَلَمْتُ نَفْسِى وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِى فَاغْفِرْ لِى ذُنُوبِىَ جَمِيعًا إِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ وَاهْدِنِى لِأَحْسَنِ الأَخْلاقِ لا يَهْدِى لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنِّى سَيِّئَهَا لا يَصْرِفُ عَنِّى سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِى يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ». لِيُعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَقِّ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ جَمِيعَ الْكَائِنَاتِ خَيْرِهَا وَشَرِّهَا نَفْعِهَا وَضُرِّهَا كُلَّهَا مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَبِإِرَادَتِهِ وَتَقْدِيرِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ﴾ وَقَالَ تَعَالَى ﴿مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ﴾. وَمَعْنَى قَوْلِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ» أَىْ أَنَّ الشَّرَّ لا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَيْكَ. فَاللَّهُ لا يُحِبُّ الشَّرَّ مَعَ أَنَّهُ شَاءَ وَقَدَّرَ حُصُولَهُ وَدَخَلَ فِى الْوُجُودِ بِخَلْقِ اللَّهِ. وَجَّهْتُ وَجْهِىَ لِلَّذِى فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مَعْنَاهُ قَصَدْتُ بِعِبَادَتِى الْخَالِقَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، حَنِيفًا أَىْ مَائِلًا عَنِ الْبَاطِلِ إِلَى الدِّينِ الْحَقِّ الَّذِى هُوَ الإِسْلامُ، النُّسُكُ هُوَ عَمَلُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَمَا يُذْبَحُ تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ مِنَ الذَّبِيحَةِ كَالأُضْحِيَّةِ، وَمَحْيَاىَ أَىْ حَيَاتِى، لِلَّهِ أَىْ مِلْكٌ لِلَّهِ وَخَلْقٌ لَهُ، لَبَّيْكَ أَىْ لَكَ الطَّاعَةُ أُطِيعُكَ طَاعَةً بَعْدَ طَاعَةٍ، وَسَعْدَيْكَ أَىْ أُقِيمُ عَلَى طَاعَتِكَ. أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ أَىْ وُجُودِى بِكَ وَنِهَايَتِى إِلَى لِقَاءِكَ.
وَرَوَى الْبُخَارِىُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَبَّرَ فِى الصَّلاةِ سَكَتَ هُنَيْهَةً قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى أَرَأَيْتَ سُكُوتَكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ قَالَ «أَقُولُ اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِى وَبَيْنَ خَطَايَاىَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ اللَّهُمَّ نَقِّنِى مِنْ خَطَايَاىَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ اللَّهُمَّ اغْسِلْنِى مِنْ خَطَايَاىَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ». يُقَالُ مَكَثَ هُنَيْهَةً أَىْ سَاعَةً لَطِيفَةً، وَلُغَةً يُقَالُ نَقِىٌّ أَىْ نَظِيفٌ وَهُنَا أَىْ نَظِّفْنِى، الدَّنَسُ بِفَتْحَتَيْنِ الْوَسَخُ وَهَذَا تَعْبِيرٌ عَنِ الذُّنُوبِ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلاةَ قَالَ «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ تَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلا إِلَهَ غَيْرُكَ». مَعْنَى جَدُّكَ أَىْ عَظَمَتُكَ. تَبَارَكَ اسْمُكَ أَىْ تَعَالَى أَوْ كَثُرَ خَيْرُكَ وَإِحْسَانُكَ.