الخميس نوفمبر 21, 2024

بَابُ صَلاةِ الْجُمُعَةِ

 

   بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِهَا – وَهِيَ كَغَيْرِهَا مِنَ الْخَمْسِ فِي الأَرْكَانِ وَالشُّرُوطِ وَتَخْتَصُ بِاشْتِرَاطِ أُمُورِ فِي لِزُومِهَا وَفِي صِحَّتِهَا وَالْبَابُ مَعْقُودٌ لِذَلِكَ.

   (مَنْ لَزِمَهُ الظُّهْرُ وَهُوَ كُلُّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ إِلاَّ الْعَبْدَ) قِنًّا كَانَ أَوْ مدبرًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُبَعَّضًا (وَالْمَرْأَةُ) وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى (وَالْمُسَافِرُ) سَفَرًا مُبَاحًا وَإِنْ كَانَ قَصِيرًا (وَالْمُقِيمَ فِي مَوْضِعٍ لا يُسْمَعُ مِنْهُ النِّدَاءُ) أَيِ الأَذَانُ (مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي تَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ وَالْمَرِيضَ وَالْقَيِّمَ بِمَرِيضٍ يَخَافُ ضَيَاعَهُ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَرِيبًا (وَمَنْ لَهُ قَرِيبٌ يَخَافُ مَوْتَهُ) وَإِنْ لَمْ يَخَفْ ضَيَاعَهُ (وَمَنْ تَبْتَلُّ ثِيَابُهُ بِالْمَطَرِ فِي طَرِيقِهِ) وَكَذَا الثَّلْجُ إِنْ بَلَّ الثِّيَابَ، وَكَذَا الْوَحْلُ بِسُكُونِ الْحَاءِ عِنْدَ الْعِرَاقِيِينَ وَصَحَّحَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ إِذَا لَمْ يَجِدْ خُفًّا أَوْ صَيْدَلاً قَالَهُ الرَّافِعِيُّ. وَالصَّيْدَلُ- بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَالْيَاءِ الْمُثْنَاةِ تَحْتُ – هُوَ الشِّمْشِكُ قَالَهُ الْعَجْلِيُّ، وَالْتَبَسَ الأَمْرُ عَلَى الإِسْنَائِيِّ فَظَنَّ أَنَّهُ بِالنُّونِ وَفَسَّرَهُ بِالنَّعْلِ وَعَزَاهُ إِلَى صَحَاحِ الْجَوْهَرِيِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَصَحَّفَ عَلَيْهِ كَلامُ الْجَوْهَرِيِّ. وَقَدِ الْتَبَسَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ أَيْضًا عَلَى الإِمَامِ أَحْمَدَ بنِ عُجَيْلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ قَالَ صَاحِبُ الْوَسِيطِ لا يَجُوزُ السَّلَمَ فِي الصَّيَادِلِ فَفَسَّرَهُ الْفَقِيهُ أَحْمَدُ بِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنَ الْعَقَاقِيرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ الشِّمْشِكُ صَرَّحَ بِهِ الْعَجْلِيُّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (وَمَنْ يَخَافُ مِنْ ظَالِمٍ) عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ (فَلا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ) لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ وَالْحَاكِمِ: »الْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إِلاَّ أَرْبَعَةً عَبْدٌ مَمْلُوكٌ وَامْرَأَةٌ وَصَبِيٌّ وَمَرِيضٌ« وَحَدِيثِ الدَّارَ قُطْنِيِّ: »مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَعَلَيْهِ الْجُمُعَةُ إِلاَّ امْرَأَةً أَوْ مُسَافِرًا أَوْ عَبْدًا أَوْ مَرِيضًا« وَأُلْحِقَ بِالْمَرْأَةِ الْخُنْثَى لاِحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أُنْثَى وَبِالْمُسَافِرِ الْمُقِيمُ فِي مَوْضِعٍ لا تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ وَلا يَسْمَعُ النِّدَاءَ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ بِخِلافِ مَنْ يَسْمَعُهُ فِيهِ فَتَلْزَمُهُ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ »الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ يَسْمَعُ النِّدَاءَ« وَالْمُعْتَبَرُ نِدَاءُ رَجُلٍ عَالِي الصَّوْتِ يَقِفُ عَلَى طَرَفِ الْبَلَدِ مِنَ الْجَانِبِ الَّذِي يَلِيهِ وَهُوَ فِي طَرَفِ مَوْضِعِهِ وَيُؤَذِّنُ وَالأَصْوَاتُ هَادِئَةٌ وَالرِّيَاحُ سَاكِنَةٌ فَلَوْ سَمِعَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ مَنْ فِي طَرَفِ الْمَوْضِعِ دُونَ مَنْ فِي وَسَطِهِ لَزِمَ الْجَمِيعَ الْجُمُعَةُ لأِنَّ الْمَوْضِعَ الْوَاحِدَ لا يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ، وَلا عِبْرَةَ بِسَمَاعِ مَنْ جَاوَزَ الْعَادَةَ فِي حِدَّةِ السَّمَاعِ وَلا تَوَقُّفِ الْمُنَادِي عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ كَمَنَارَةٍ أَوْ سُورٍ وَلَوْ كَانَتْ قَرْيَةً بِتَلَّةِ جَبَلٍ يَسْمَعُ أَهْلُهَا النِّدَاءَ لِعُلُوِّهَا وَلَوْ كَانَتْ عَلَى اسْتِوَاءِ الأَرْضِ مَا سَمِعُوا، أَوْ فِي وِهْدَةٍ لا يَسْمَعُونَهُ لاِنْخِفَاضِهَا وَلَوْ كَانَتْ عَلَى اسْتِوَاءِ لَسَمِعُوا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا لا تَجِبُ فِي الأُولَى وَتَجِبُ فِي الثَّانِيَةِ اعْتِبَارًا بِتَقْدِيرِ الاِسْتِوَاءِ وَالثَّانِي وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عَكْسُ ذَلِكَ اعْتِبَارًا بِنَفْسِ السَّمَاعِ وَعَدَمِهِ.

   وَأُلْحِقَ بِالْمَرِيضِ مَنْ لَهُ عُذْرٌ مِنَ الأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا يُرَخِّصُ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ وَمِنْهُ الْهَرَمُ وَالزَّمَانَةُ إِنْ لَمْ يَجِدْ مَرْكُوبًا أَوْ شَقَّ عَلَيْهِ الرُّكُوبُ وَالأَعْمَى إِنْ لَمْ يَجِدْ قَائِدًا وَلَوْ بِأُجْرَةٍ وَإِلاَّ فَيَلْزَمُهُمَا. أَمَّا مَنْ لا يَلْزَمُهُمُ الظُّهْرُ وَهُمُ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْكَافِرُ الأَصْلِيُّ فَلا تَلْزَمُهُمُ الْجُمُعَةُ بِخِلافِ السَّكْرَانِ وَالْمُرْتَدِّ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُمَا قَضَاؤُهَا ظُهْرًا كَغَيْرِهَا.

   وَتُسْتَحَبُّ الْجُمُعَةُ لِلصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ بِإِذْنِ السَّيِّدِ وَلِلْمُسَافِرِ إِذَا أَمْكَنَهُ وَلِلْخُنْثَى وَلِلْعَجُوزِ وَيُكْرَهُ لِلشَّابَّةِ (وَإِنْ حَضَرُوا) أَيِ الْعَبْدُ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ الْجَامِعَ فَلا تَلْزَمُهُمُ الْجُمُعَةُ أَيْضًا وَلَهُمُ الاِنْصِرَافُ (إِلاَّ الْمَرِيضَ وَمَنْ فِي طَرِيقِهِ مَطَرٌ فَإِنَّهُمَا إِذَا حَضَرَا) الْجَامِعَ. (لَزِمَتْهُمَا الْجُمُعَةُ) وَحَرُمَ الاِنْصِرَافُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ قَبْلَ فِعْلِهَا لأِنَّ الْمَانِعَ فِيهِمَا مِنْ وُجُوبِهَا الْمَشَقَّةُ فِي الْحُضُورِ وَقَدْ حَضَرَا مُتَحَمِّلَيْنِ لَهَا بِخِلافِ الْبَاقِينَ وَالْمَانِعُ فِيهِمْ صِفَاتٌ لازِمَةٌ لَهُمْ لا تَزُولُ بِالْحُضُورِ وَمِثْلُ الْمَرِيضِ فِيمَا ذُكِرَ الأَعْمَى وَنَحْوُهُ مِنْ ذَوِي الأَعْذَارِ، وَلَوْ زَادَ ضَرَرُ الْمَرِيضِ بِانْتِظَارِهِ جَازَ لَهُ الاِنْصِرَافُ وَلَوْ أَحْرَمَ بِهَا الْمُسَافِرُ لَزِمَهُ إِتْمَامُهَا وَحَرُمَ الْقَطْعُ بِلا خِلافٍ كَالْمَرِيضِ أَوِ الْعَبْدُ أَوِ الْمَرْأَةُ فَفِيهِمَا وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا يَحْرُمُ الْقَطْعُ أَيْضًا لأِنَّهَا انْعَقَدَتْ عَنْ فَرْضِهِمَا فَتَعَيَّنَ إِتْمَامُهَا (وَمَنْ لا جُمُعَةَ عَلَيْهِ) كَالْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ (مُخَيَّرٌ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ) وَهِيَ أَفْضَلُ لِغَيْرِ الْمَرْأَةِ الشَّابَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَتُجْزِئُهُ عَنِ الظُّهْرِ وَإِذَا صَلَّى الظُّهْرَ اسْتُحِبَّ فِيهَا الْجَمَاعَةُ فِي الأَصَحِّ فَإِنْ خَفِيَ عُذْرُهُ اسْتُحِبَّ اخْفَاؤُهَا حَذَرًا مِنَ التُّهَمَةِ.

   (وَالأَفْضَلُ أَنْ لا يُصَلِيَّ الظُّهْرَ قَبْلَ فَرَاغِ الإِمَامِ مِنَ الْجُمُعَةِ) وَعِبَارَةُ الْمُهَذَّبِ: بَعْدَ فَوَاتِهَا قَالَ فِي شَرْحِهِ وَذَلِكَ بِرَفْعِ الإِمَامِ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ سَوَاءٌ أَمْكَنَ زَوَالُ عُذْرِهِ كَالْعَبْدِ يَرْجُو الْعَتْقَ وَالْمُسَافِرِ يَرْجُو الإِقَامَةَ وَالْمَرِيضِ يَرْجُو الشِّفَاءَ وَالْخُنْثَى يَرْجُو التَّبَيُّنَ أَمْ لا كَالْمَرْأَةِ وَالزَّمَنِ أَمَّا الأَوَّلُ فَلأِنَّهُ قَدْ يَزُولُ عُذْرُهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَيَأَتِي بِهَا كَامِلاً وَأَمَّا الثَّانِي فَلأِنَّهُ قَدْ يَنْشَطُ لَهَا وَلأِنَّهَا صَلاةُ الْكَامِلِينَ فَاسْتُحِبَّ كَوْنُهَا الْمُقَدَّمَةَ، هَذَا اخْتِيَارُ الْعِرَاقِيِّينَ وَاخْتَارَ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِي الثَّانِي اسْتِحْبَابَ تَعْجِيلِ الظُّهْرِ لِيَحُوزَ فَضِيلَةَ الْوَقْتِ وَصَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالاِحْتِيَاطُ التَّوَسُّطُ فَيُقَالُ إِنْ كَانَ هَذَا الشَّخْصُ جَازِمًا أَنْ لا يَحْضُرَ الْجُمُعَةَ وَإِنْ تَمَكَّنَ اسْتُحِبَّ التَّقْدِيْمُ وَإِلاَّ التَّأْخِيرُ فَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ زَالَ عُذْرُهُ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ لَمْ تَلْزَمْهُ بِالاِتِّفَاقِ إِلاَّ الْخُنْثَى. إِذَا زَالَ إِشْكَالُهُ فَتَجِبُ بِلا خِلافٍ لأِنَّا تَبَيَّنَا أَنَّهَا كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ وَلَوْ زَالَ فِي أَثْنَاءِ الظُّهْرِ أَتَمَّهَا وَأَجْزَأَتْهُ عَلَى الصَّحِيحِ.

   (وَمَنْ لَزِمَهُ فَرْضُ الْجُمُعَةِ لا يُصَلِّي الظُّهْرَ قَبْلَ فَرَاغِ الإِمَامِ مِنَ الْجُمُعَةِ) فَإِنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالسَّعْيِ إِلَيْهَا فَإِنَّ (صَلاَّهَا قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ) بِنَاءً عَلَى الْجَدِيدِ أَنَّ فَرْضَ الْيَوْمِ الأَصْلِيَّ هُوَ الْجُمُعَةُ وَالثَّانِي تَصِحُّ بِنَاءً عَلَى الْقَدِيْمِ أَنَّ فَرْضَ الْيَوْمِ الظُّهْرُ وَالْجُمُعَةُ بَدَلٌ عَنْهُ وَرُدَّ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَدَلاً لَجَازَ الإِعْرَاضُ عَنْهَا وَالاِقْتِصَارُ عَلَى الأَصْلِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ اتِّفَاقًا، وَالْفَوَاتُ هُنَا بِالسَّلامِ فَلَوْ أَرَادَ صَلاةَ الظُّهْرِ قَبْلَهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ الثَّانِيَةِ لَمْ تَصِحَّ عَلَى الأَصَحِّ لاِحْتِمَالِ أَنَّ الإِمَامَ تَرَكَ رُكْنًا مِنَ الأُولَى فَيَتَذَكَّرَهُ وَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ.

   (وَمَنْ لَزِمَهُ فَرْضُ الْجُمُعَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ سَفَرًا لا يُصَلِّي فِيهِ الْجُمُعَةَ بَعْدَ الزَّوَالِ) لِئَلاَّ يُعَرِّضَهَا لِلْفَوَاتِ بِخِلافِ مَا إِذَا تَمَكَّنَ مِنْهَا فِي مَقْصِدِهِ (وَهَلْ يَجُوزُ) السَّفَرُ (قَبْلَ الزَّوَالِ) بَعْدَ الْفَجْرِ (فِيهِ قَوْلانِ) أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْقَدِيْمُ نَعَمْ لِعَدَمِ دُخُولِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ وَالثَّانِي وَهُوَ الْجَدِيدُ الأَظْهَرُ لا لأِنَّهَا مُضَافَةٌ إِلَى الْيَوْمِ وَلِذَا يَجِبُ السَّعْيُ إِلَيْهَا قَبْلَ الزَّوَالِ عَلَى بَعِيدِ الدَّارِ. وَفِي حَدِيثٍ »مَنْ سَافَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ دَعَتْ عَلَيْهِ الْمَلائِكَةُ أَنْ لا يُصْحَبَ فِي سَفَرِهِ« رَوَاهُ الدَّارَ قُطْنِيُّ فِي الأَفْرَادِ وَسَوَاءٌ فِي الْحَالَيْنِ السَّفَرُ الْمُبَاحُ وَالطَّاعَةُ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا، نَعَمْ يُسْتَثْنَى مَا إِذَا تَضَرَّرَ بِتَخَلُّفِهِ عَنِ الرُّفْقَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ السَّفَرُ وَلَوْ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَيَجُوزُ السَّفَرُ قَبْلَ الْفَجْرِ بِكُلِّ حَالٍ بِلا خِلافٍ نَعَمْ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي الصيفِ كَرَاهِيَةَ السَّفَرِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَارْتَضَاهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ.

   (وَلا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ إِلاَّ بِشُرُوطٍ) سِتَّةٍ زِيَادَةً عَلَى شُرُوطٍ غَيْرِهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ. (أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ فِي أَبْنِيَةٍ مُجْتَمِعَةٍ) لأِنَّهَا لَمْ تُقَمْ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ إِلاَّ فِي ذَلِكَ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ وَسَوَاءٌ فِي الْمُقَامِ فِيهِ الْمَسْجِدُ وَالدَّارُ وَالْفَضَاءُ وَالْمَغَارَةُ وَالسَّرَبُ الْمُتَّخَذُ وَطَنًا وَفِي الْبِنَاءِ الْحَجَرُ وَالطِّينُ وَالْقَصَبُ وَالْخَشَبُ وَالسَّعَفُ بِخِلافِ الصَّحْرَاءِ وَالأَبْنِيَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ فَلا تَصِحُّ فِيهَا. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَيُرْجَعُ فِي الاِجْتِمَاعِ وَالتَّفَرُّقِ إِلَى الْعُرْفِ، نَعَمْ لَوِ انْهَدَمَتِ الأَبْنِيَةُ فَأَقَامَ أَهْلُهَا عَلَى عِمَارَتِهَا لَزِمَتْهُمُ الْجُمُعَةُ فِيهَا لأِنَّهَا وَطَنُهُمْ سَوَاءٌ كَانُوا فِي مَظَالَّ أَمْ لا بِخِلافِ مَا إِذَا أَقَامُوا لِعِمَارَةِ أَرْضٍ فتحًا نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالْفَرْقُ الاِسْتِصْحَابُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ.

   (وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ فِي جَمَاعَةٍ) لأِنَّهَا لَمْ تُفْعَلْ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلاَّ كَذَلِكَ.

   (وَالثَّالِثُ أَنْ تُقَامَ بِأَرْبَعِينَ رَجُلاً) رَوَى الدَّارَ قُطْنِيُّ عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ مَضَتِ السنةُ أَنَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ جُمُعَةً.

   وَشُرُوطُهُمْ أَنْ يَكُونُوا (أَحْرَارًا بَالِغِينَ عُقَلاءَ مُقِيمِينَ فِي الْمَوْضِعِ) الَّذِي تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ بِحَيْثُ (لا يَظْعَنُونَ عَنْهُ شِتَاءً وَلا صَيْفًا إِلاَّ ضَعْنَ حَاجَةٍ) فَلا تَنْعَقِدُ بِأَضْدَادِهِمْ لِعَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَيْهِمْ وَقَدْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ يَوْمَ عَرَفَةَ بِحَجَّةِ الْوَدَاعِ وَكَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ وَلَمْ يُجَمِّعْ مَعَ عَزْمِهِ عَلَى الإِقَامَةِ أَيَّامًا لِعَدَمِ الاِسْتِيطَانِ، نَعَمْ تَنْعَقِدُ بِأَرْبَعِينَ مَرْضَى عَلَى الصَّحِيحِ لِكَمَالِهِمْ وَعَدَمُ الْوُجُوبِ عَلَيْهِمْ تَخْفِيفٌ وَقِيلَ لا كَالْمُسَافِرِينَ وَالْمُرَادُ أَرْبَعُونَ مِنْهُمُ الإِمَامُ. وَيُشْتَرَطُ حُضُورُهُمْ (مِنْ أَوَّلِ الْخُطْبَةِ) الأُولَى (إِلَى أَنْ تُقَامَ الْجُمُعَةُ) أَيْ يُحْرِمَ بِهَا بِلا خِلافٍ، فَإِنْ حَصَلَ انْفِضَاضٌ فِي أَثْنَاءِ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ لَمْ يُحْسَبِ الْمَفْعُولُ مِنَ الأَرْكَانِ فِي غَيْبَتِهِمْ ثُمَّ إِنْ عَادُوا قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ بَنَى عَلَى مَا مَضَى وَإِلاَّ اسْتُؤْنِفَتِ الْخُطْبَةُ وَكَذَا لَوِ انْفَضُّوا بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلاةِ (فَإِنِ انْفَضُّوا) كُلُّهُمْ عَنْهُ بَعْدَ الإِحْرَامِ بِهَا (وَبَقِيَ الإِمَامُ وَحْدَهُ أَتَمَّهَا ظُهْرًا) لِزَوَالِ الْعَدَدِ الْمَشْرُوطِ فِي دَوَامِهَا كَالْوَقْتِ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفُ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ الْمِنْهَاجِ بَطَلَتْ لأِنَّهَا تُوهِمُ بُطْلانَ الصَّلاةِ رَأْسًا. (وَإِنْ نَقَصُوا عَنِ الأَرْبَعِينَ) بَعْدَ الإِحْرَامِ بِهَا بِأَنِ انْفَضَّ بَعْضٌ وَبَقِيَ بَعْضٌ (أَتَمَّهَا) الإِمَامُ وَمَنْ بَقِيَ مَعَهُ (ظُهْرًا) أَيْضًا (فِي أَصَحِّ الأَقْوَالِ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِمَا ذُكِرَ سَوَاءٌ بَقِيَ مَعَهُ وَاحِدٌ أَمْ اثْنَانِ أَمْ أَكْثَرُ (وَإِنْ بَقِيَ مَعَهُ اثْنَانِ أَتَمَّهَا جُمُعَةً) فِي الْقَوْلِ (الثَّانِي) اكْتِفَاءً بِبَقَاءِ مُسَمَّى الْجَمَاعَةِ مَعَ الإِمَامِ (وَإِنْ بَقِيَ مَعَهُ وَاحِدٌ أَتَمَّهَا جُمُعَةً فِي) الْقَوْلِ (الثَّالِثِ) اكْتِفَاءً بِبَقَاءِ مُسَمَّى الْجَمَاعَةِ بِالإِمَامِ وَفِي رَابِعٍ مُخَرَّجٍ يُتِمُّ الْجُمُعَةَ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ أَحَدٌ، وَفِي خَامِسٍ مُخَرَّجٍ إِنْ كَانَ الاِنْفِضَاضُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى بَطَلَتْ أَوِ الثَّانِيَةِ فَلا وَيُتِمُّهَا جُمُعَةً وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ. نَعَمْ لَوْ لَحِقَ أَرْبَعُونَ قَبْلَ انْفِضَاضِ الأَوَّلِينَ تَمَّتْ بِهِمُ الْجُمُعَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا سَمِعُوا الْخُطْبَةَ وَكَذَا لَوْ لَحِقُوهُ عَلَى الاِتِّصَالِ بِانْفِضَاضِ الأَوَّلِينَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونُوا سَمِعُوا الْخُطْبَةَ (وَالرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ وَقْتُ صَلاةِ الظُّهْرِ بَاقِيًا) فَلا تَصِحُّ قَبْلَ دُخُولِهِ وَلا بَعْدَ خُرُوجِهِ لأِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّهَا إِلاَّ فِيهِ. (فَإِنْ فَاتَهُمُ الْوَقْتُ) أَيْ خَرَجَ (وَهُمْ فِي الصَّلاةِ أَتَمُّوهَا ظُهْرًا) فَيُسِرُّ الإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ مِنْ حِينِ خُرُوجِهِ وَلَوْ شَكَّ وَهُمْ فِيهَا هَلْ خَرَجَ الْوَقْتُ أَتَمُّوهَا جُمُعَةً عَلَى الأَصَحِّ لأِنَّ الأَصْلَ بَقَاءُهُ (وَالْخَامِسُ أَنْ لا يَكُونَ قَبْلَهَا وَلا مَعَهَا جُمُعَةٌ أُخْرَى) فِي بَلْدَتِهَا لاِمْتِنَاعِ تَعَدُّدِهَا فِي الْبَلْدَةِ إِذْ لَمْ تُفْعَلْ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ إِلاَّ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنَ الْبَلْدَةِ (فَإِنْ كَانَ قَبْلَهَا جُمُعَةٌ) أُخْرَى (فَالْجُمُعَةُ هِيَ الأَوَّلَةُ وَالثَّانِيَةُ بَاطِلَةٌ) وَالأُولَى هِيَ الصَّحِيحَةُ. (وَإِنْ كَانَ مَعَهَا جُمُعَةٌ) أُخْرَى (أَوْ لَمْ يُعْلَمَ السَّابِقُ مِنْهُمَا) بِأَنْ عُلِمَ وُقُوعُهُمَا مَعًا أَوْ شُكَّ وَقَعَتَا مَعًا أَوْ مَرْتَبَتَيْنِ (وَلَمْ تَنْفَرِدْ إِحْدَاهُمَا عَنِ الأُخْرَى بِإِمَامٍ) أَيْ سُلْطَانٍ (فَهُمَا بَاطِلَتَانِ) فَيَسْتَأْنِفُونَ جُمُعَةً لِتَدَافُعِ الْجُمُعَتَيْنِ فِي صُورَةِ الْعِلْمِ بِالْمَعِيَّةِ وَلَيْسَتْ إِحْدَاهُمَا بِأَوْلَى مِنَ الأُخْرَى وَلأِنَّ الأَصْلَ فِي صُورَةِ الشَّكِّ عَدَمُ جُمُعَةٍ مُجْزِئَةٍ، فَلَوْ عُلِمَ سَبْقُ إِحْدَاهُمَا وَلَمْ تَتَعَيَّنْ أَوْ تَعَيَّنَتْ وَنُسِيَتْ لَمْ تَصِحَّ الْجُمُعَتَانِ أَيْضًا لَكِنْ يُصَلُّونَ ظُهْرًا لا جُمُعَةً لِلْقَطْعِ بِوُقُوعِ جُمُعَةٍ صَحِيحَةٍ لَكِنِ الْتَبَسَتْ بِالْفَاسِدَةِ (وَإِنْ كَانَ الإِمَامُ) الأَعْظَمُ (مَعَ) الْجُمُعَةِ (الثَّانِيَةِ فَفِيهِ قَوْلانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْجُمُعَةَ جُمُعَةُ الإِمَامِ) حَذَرًا مِنَ التَّقَدُّمِ عَلَيْهِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الأَظْهَرُ (أَنَّ الْجُمُعَةَ هِيَ السَّابِقَةُ) لِوُقُوعِهَا صَحِيحَةً إِذِ الإِمَامُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا فَلا تَنْقَلِبُ فَاسِدَةً. ثُمَّ الْعِبْرَةُ فِي السَّبْقِ بِآخِرِ التَّكْبِيرِ وَقِيلَ بِأَوَّلِهِ وَقِيلَ بِالسَّلامِ وَقِيلَ بِأَوَّلِ الْخُطْبَةِ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ فِي مَنْظُومَتِهِ وَتَوْشِيحِهِ أَنَّ مَحَلَّ الْقَوْلَيْنِ مَا إِذَا اسْتَوَى الْجَامِعَانِ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا أَقْدَمَ مِنَ الآخَرِ وَإِلاَّ فَالْجُمُعَةُ لِلْقَدِيْمِ جَزْمًا سَوَاءٌ تَقَدَّمَتْ أَمْ تَأَخَّرَتْ وَهَذَا غَرِيبٌ فِي مَذْهَبِنَا لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ.

   (تِتِمَّةٌ) صَحَّحَ الشَّيْخَانِ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنَ امْتِنَاعِ تَعَدُّدِ الْجُمُعَةِ مَا إِذَا كَبُرَتِ الْبَلْدَةُ وَعَسُرَ اجْتِمَاعُهُمْ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ. لَكِنَّ ظَاهِرَ نَصِّ الشَّافِعِيِّ الاِمْتِنَاعُ مُطْلَقًا وَقَالَ السُّبْكِيُّ إِنَّهُ الصَّحِيحُ مَذْهَبًا وَدَلِيلاً. وَعَلَى الأَوَّلِ إِنَّمَا يَجُوزُ بِقَدْرِ مَا يَنْدَفِعُ بِهِ الْحَاجَةُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ.

   (وَالسَّادِسُ أَنْ يَتَقَدَّمَهَا خُطْبَتَانِ) لِلاِتِّبَاعِ الْمَعْلُومِ مِنَ الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَلا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا بِالإِجْمَاعِ.

   (وَمِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهِمَا) أَيِ الْخُطْبَتَيْنِ (الطَّهَارَةُ) مِنَ الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ وَالْخَبَثِ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَالْمَكَانِ (وَالسِّتَارَةُ) لِلْعَوْرَةِ (فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ) وَهُوَ الأَظْهَرُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ وَالثَّانِي لا يُشْتَرَطَانِ قِيَاسًا عَلَى الأَذَانِ وَقِيلَ الْقَوْلانِ فِي الطَّهَارَةِ مِنَ الْحَدَثِ الأَصْغَرِ أَمَّا مِنَ الأَكْبَرِ فَيُشْتَرَطُ جَزْمًا لأِنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الْخُطْبَةِ وَاجِبَةٌ وَقِرَاءَةَ الْمُحْدِثِ غَيْرُ مَحْسُوبَةٍ (وَالْقِيَامُ وَالْقُعُودُ بَيْنَهُمَا) لِلاِتِّبَاعِ رَوَى الشَّيْخَانِ أَحَادِيثَ: »أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ قَائِمٌ خُطْبَتَيْنِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ« فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الْقِيَامِ جَازَ أَنْ يَخْطُبَ قَاعِدًا كَالصَّلاةِ وَالأَوْلَى أَنْ يَسْتَنِيبَ وَيَجُوزُ الاِقْتِدَاءُ بِهِ إِذَا قَالَ لا أَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ أَوْ سَكَتَ لأِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إِنَّمَا قَعَدَ لِعَجْزِهِ فَإِنْ بَانَ أَنَّهُ كَانَ قَادِرًا فَكَمَا لَوْ بَانَ الإِمَامُ جُنُبًا. وَتَجِبُ الطُّمَأْنِينَةُ فِي الْجُلُوسِ كَمَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَلَوْ خَطَبَ قَاعِدًا لِعَجْزِهِ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا بِالاِضْطِجَاعِ بَلْ بِسَكْتَةٍ وَهِيَ وَاجِبَةٌ فِي الأَصَحِّ (وَالْعَدَدُ الَّذِي يَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ) أَيْ سَمَاعُهُ أَرْكَانَهَا فَلَوْ لَمْ يَسْمَعْ كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ لِبُعْدٍ أَوْ إِسْرَارٍ لَمْ تَصِحَّ وَكَذَا الصَّمَمُ فِي الأَصَحِّ.

   تِتِمَّةٌ: بَقِيَ مِنْ شُرُوطِهَا كَوْنُهَا بِالْعَرَبِيَّةِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَالْمُوَالاةُ بَيْنَ الأُولَى وَالثَّانِيَةُ وَبَيْنَ الثَّانِيَةِ وَالصَّلاةِ.

   (وَفَرْضُهُمَا) أَيْ فُرُوضُهُمَا بِمَعْنَى أَرْكَانِهِمَا (أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى) فِيهِمَا لِلاِتِّبَاعِ الْمَعْلُومِ مِنَ الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَأَنْ (يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِيهِمَا لأِنَّ مَا يَفْتَقِرُ إِلَى ذِكْرِهِ تَعَالَى يَفْتَقِرُ إِلَى ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ أَيْ لا أُذْكَرُ إِلاَّ ذُكِرْتَ مَعِي.

   وَأَنْ (يُوصِيَ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى فِيهِمَا) لِلاِتِّبَاعِ. رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ: »أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوَاظِبُ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي خُطْبَتِهِ« ثُمَّ لَفْظُ الْحَمْدِ وَالصَّلاةِ مُتَعَيِّنٌ وَلا يَكْفِي الْحَمْدُ للرَّحْمٰنِ أَوِ الرَّحِيمِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنِ الْغَزَالِيِّ وَجَزَمَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلا الثَّنَاءُ لِلَّهِ وَالسَّلامُ عَلَى الرَّسُولِ وَنَحْوُهُمَا وَتَكْفِي الصَّلاةُ دُونَ لَفْظِ الرَّسُولِ فَيَكْفِي عَلَى النَّبِيِّ أَوْ مُحَمَّدٍ وَدُونَ الْمَصْدَرَيْنِ فَيَكْفِي أَحْمَدُ وَأُصَلِّي كَمَا جَزَمَ بِهِ الْجِيلِيُّ وَارْتَضَاهُ الإِسْنَوِيُّ وَدُونَ الْوَصِيَّةِ بِالتَّقْوَى فَيَكْفِي أَطِيعُوا اللَّهَ لِحُصُولِ الْغَرَضِ مِنَ الْوَعْظِ بِذَلِكَ وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ وُقُوفًا مَعَ الظَّاهِرِ.

   وَأَنْ (يَقْرَأَ فِي الأُولَى شَيْئًا مِنَ الْقُرْءَانِ) لِلاِتِّبَاعِ الْمَعْلُومِ مِنَ الأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْخُطْبَةِ (وَقِيلَ تَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْخُطْبَتَيْنِ وَالأَصَحُّ وَجْهٌ ثَالِثٌ وَهُوَ الْوُجُوبُ فِي إِحْدَاهُمَا لا بِعَيْنِهَا، وَالْوَاجِبُ ءَايَةٌ تَامَّةٌ سَوَاءٌ كَانَتْ وَعْدًا أَوْ وَعِيدًا أَوْ حُكْمًا أَوْ قِصَّةً قَالَ الإِمَامُ وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهَا مُفْهِمَةً فَلا يَكْفِي ﴿ثُمَّ نَظَرَ﴾ وَإِنْ عُدَّ ءَايَةً وَلا يَبْعُدُ الاِكْتِفَاءُ بِشَطْرِ ءَايَةٍ طَوِيلَةٍ.

   (وَسُنَّتُهُمَا أَنْ يَكُونَ) الإِمَامُ (عَلَى مِنْبَرٍ) لأِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ عَلَيْهِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا.

   (أَوْ) عَلَى (مَوْضِعٍ عَالٍ) إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْبَرٌ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ فِي بُلُوغِ صَوْتِ الْخَطِيبِ عَلَيْهِ لِلنَّاسِ، وَيُسَنُّ كَوْنُ الْمِنْبَرِ عَلَى يَمِينِ الْمِحْرَابِ لِلاِتِّبَاعِ (وَأَنْ يُسَلِّمَ عَلَى النَّاسِ إِذَا أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ) بَعْدَ صُعُودِهِ الْمِنْبَرَ وَقَبْلَهُ إِذَا انْتَهَى إِلَيْهِ، رَوَى الْمَقْدِسِيُّ فِي أَحْكَامِهِ حَدِيثَ: »أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا دَنَا مِنْ مِنْبَرِهِ سَلَّمَ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ فَإِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ ثُمَّ سَلَّمَ« قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَيَلْزَمُ السَّامِعِينَ فِي الْمَرَّتَيْنِ رَدُّ السَّلامِ كَمَا فِي غَيْرِهِمَا (وَأَنْ يَجْلِسَ عَلَى الْمِنْبَرِ إِلَى أَنْ يُؤَذِّنَ الْمُؤَذِّنُ) رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ السَّائِبِ بنِ يَزِيدَ »أَنَّ الأَذَانَ كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ حِينَ يَجْلِسُ الإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ«.

   (وَأَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى قَوْسٍ أَوْ سَيْفٍ أَوْ عَصًا) رَوَى أَبُو دَاوُدَ »أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ مُتَّكِئًا عَلَى عَصًا أَوْ قَوْسٍ« وَرَوَى: »أَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى سَيْفٍ« قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْقَوْسِ وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ الإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ هَذَا الدِّينَ قَامَ بِالسِّلاحِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهِ الْيُسْرَى كَعَادَةِ مَنْ يُرِيدُ الضَّرْبَ بِالسَّيْفِ وَالرَّمْيَ بِالْقَوْسِ وَيَشْغَلُ يَدَهُ الْيُمْنَى بِحَرْفِ الْمِنْبَرِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ جَعَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى أَوْ أَرْسَلَهُمَا وَلا يَعْبَثُ بِهِمَا (وَأَنْ يَقْصِدَ) فِي الْخُطْبَةِ (قَصْدَ وَجْهِهِ) فَلا يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَلا شِمَالاً فِي شَىْءٍ مِنْهَا. وَيُسْتَحَبُّ لِلْقَوْمِ الإِقْبَالُ بِوُجُوهِهِمْ عَلَيْهِ (وَأَنْ يَدْعُو لِلْمُسْلِمِينَ) وَالْمُسْلِمَاتِ لِجَرْيِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ عَلَيْهِ. هَذَا مَا رَجَّحَهُ الْعِرَاقِيُّونَ مِنَ اسْتِحْبَابِهِ وَرَجَّحَ الْخُرَاسَانِيُّونَ وُجُوبَهُ وَصَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ وَعَلَيْهِ فَمَحَلُّهُ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ. وَيَكْفِي مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الدُّعَاءِ قَالَ الإِمَامُ: وَأَرَى أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِأُمُورِ الآخِرَةِ وَأَنَّهُ لا بَأْسَ بِتَخْصِيصِهِ بِالسَّامِعِينَ بِأَنْ يَقُولَ رَحِمَكُمُ اللَّهُ، أَمَّا الدُّعَاءُ لِلسُّلْطَانِ بِعَيْنِهِ فَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: اتَّفَقَ اصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لا يَجِبُ وَلا يُسْتَحَبُّ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لا بَأْسَ بِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُجَازَفَةً فِي وَصْفِهِ. وَاسْتُحِبَّ بِالاِتِّفَاقِ الدُّعَاءُ لأِئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَوُلاةِ أُمُورِهِمْ بِالصَّلاحِ وَالإِعَانَةِ عَلَى الْحَقِّ وَالْقِيَامِ بِالْعَدْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلِجُيُوشِ الإِسْلامِ.

   (وَأَنْ يُقَصِّرَ الْخُطْبَةَ وَيُطِيلَ الصَّلاةَ) لأِنَّ الْخُطْبَةَ الطَّوِيلَةَ تُمَلُّ وَفِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ »أَطِيلُوا الصَّلاةَ وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ« وَعِبَارَةُ الْوَجِيزِ وَالْمُحَرَّرِ: وَأَنْ تَكُونَ مَائِلَةً إِلَى الْقِصَرِ أَيْ مُتَوَسِّطَةً كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَنْ لا يُطِيلَهَا وَلا يَمْحَقَهَا بَلْ تَكُونُ مُتَوَسِّطَةً. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ أَنَّهُ قَالَ: »كَانَتْ صَلاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصْدًا وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا« أَيْ مُتَوَسِّطَةً (وَالْجُمُعَةُ رَكْعَتَانِ) بِالإِجْمَاعِ (إِلاَّ أَنَّهُ يُسَنُّ أَنْ يَجْهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ) خِلافَ الْمَعْهُودِ فِي الصَّلاةِ النَّهَارِيَّةِ بِالإِجْمَاعِ أَيْضًا.

   وَيُسَنُّ (أَنْ يَقْرَأَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الأُولَى سُورَةَ الْجُمُعَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ سُورَةَ الْمُنَافِقِينَ) لِلاِتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَرَوَى أَيْضًا »أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِيهَا ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى﴾ وَ ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾« قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: كَانَ يَقْرَأُ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ فِي وَقْتٍ وَهَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ وَهُمَا سُنَّتَانِ. قَالَ: وَلَوْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ فِي الأُولَى قَرَأَهَا مَعَ الْمُنَافِقِينَ فِي الثَّانِيَةِ وَلَوْ قَرَأَ الْمُنَافِقِينَ فِي الأُولَى قَرَأَ الْجُمُعَةَ فِي الثَّانِيَةِ لِئَلاَّ تَخْلُوَ صَلاتُهُ عَنْ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ.