بَابُ صَلاةِ الْجَمَاعَةِ
(وَالْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ) مُؤَكَّدَةٌ (فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ) غَيْرِ الْجُمُعَةِ لِمُوَاظَبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثُ »صَلاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً«. (وَقِيلَ هِيَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ) وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ لِحَدِيثِ »مَا مِنْ ثَلاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ أَوْ بَدْوٍ لا تُقَامُ فِيهِمُ الْجَمَاعَةُ إِلاَّ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ« أَيْ غَلَبَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ. وَعَلَى هَذَا (فَإِنِ اتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهَا) مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ (قُوتِلُوا) أَيْ قَاتَلَهُمُ الإِمَامُ. وَلا يُقَاتَلُونَ عَلَى الأَوَّلِ، وَعَلَى الثَّانِي لا بُدَّ مِنْ إِقَامَتِهَا بِحَيْثُ يَظْهَرُ الشِّعَارُ فَيَكْفِي فِي الصَّغِيرَةِ فِي مَوْضِعٍ وَفِي الْكَبِيرَةِ فِي مَحَالَّ وَلا تَسْقُطُ بِإِقَامَتِهَا فِي الْبُيُوتِ وَلا تَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ جَزْمًا، وَالْخُنْثَى كَالأُنْثَى وَلا عَلَى الْعَبْدِ كَمَا اقْتَضَى كَلامُ الْكِفَايَةِ وَغَيْرِهَا الْجَزْمَ بِهِ وَلا الْمُسَافِرِينَ كَمَا جَزَمَ بِهِ الإِمَامُ. وَوَافَقَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَاخْتَارَ وُجُوبَهَا عَلَى أَهْلِ الْبَوَادِي كَالْقُرَى لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَلا تُشْرَعُ الْجَمَاعَةُ فِي الْمَنْذُورَةِ كَمَا أَخْرَجَهُ فِي التَّقْيِيدِ بِالْخَمْسِ، وَتُشْرَعُ فِي الْفَائِتَةِ وَلا تَجِبُ قَطْعًا.
وَتُشْتَرَطُ فِي الْجُمُعَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهَا وَتَقَدَّمَ مَا يُسَنُّ فِيهِ مِنَ النَّفْلِ فِي بَابِهِ.
(وَأَقَلُّ الْجَمَاعَةِ اثْنَانِ) إِمَامٌ وَمَأْمُومٌ بِالإِجْمَاعِ. رَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ حَدِيثَ »اثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ«. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ مَالِكِ بنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي فَلَمَّا أَرَدْنَا الإِقْفَالَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ لَنَا »إِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ فَأَذِّنَا ثُمَّ أَقِيمَا وَلْيَؤُمَّكُمُا أَكْبَرُكُمَا«.
(وَلا تَصِحُّ الْجَمَاعَةُ) فِي جُمُعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (حَتَّى يَنْوِيَ الْمَأْمُومُ الاِئْتِمَامَ) أَوِ الاِقْتِدَاءَ أَوِ الْجَمَاعَةَ وَإِلاَّ فَلا صَلاةَ لَهُ جَمَاعَةً وَتَبْطُلُ إِنْ تَابَعَهُ فِي الأَفْعَالِ وَلا تَصِحُّ جُمُعَتُهُ وَلا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهَا نِيَّةُ الإِمَامِ الْجَمَاعَةَ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَيُشْتَرَطُ فِيهَا لِلصِّحَّةِ وَفِي غَيْرِهَا لِحُصُولِ ثَوَابِ الْجَمَاعَةِ لَهُ وَوَقْتُ نِيَّةِ الْمَأْمُومِ عِنْدَ الإِحْرَامِ وَيَجُوزُ بَعْدُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي. وَيَنْوِي الإِمَامُ عِنْدَ الإِحْرَامِ كَمَا قَالَ الْجُوَيْنِيُّ وَيَجُوزُ بَعْدَهُ كَمَا فِي الْبَيَانِ فِي صِفَةِ الصَّلاةِ وَقَالَ هُنَا لا تَصِحُّ عِنْدَهُ لأِنَّهُ لَيْسَ بِإِمَامٍ الآنَ وَهُوَ مَرْدُودٌ.
(وَفِعْلُهَا فِيمَا كَثُرَ فِيهِ الْجَمْعُ مِنَ الْمَسَاجِدِ أَفْضَلُ) مِمَّا قَلَّ فِيهِ الْجَمْعُ مِنْهَا وَمِنْ فِعْلِهَا فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ كَالْبَيْتِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »صَلاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ وَمَا كَانَ أَكْثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى« رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَرَوَى الشَّيْخَانِ حَدِيثَ »أَفْضَلُ صَلاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ الْمَكْتُوبَةَ فَهِيَ فِي الْمَسَاجِدِ أَفْضَلُ إِلاَّ النِّسَاءَ«. فَهِيَ لَهُنَّ فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلُ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ وَالْحَاكِمِ »لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ«.
(فَإِنْ كَانَ فِي جِوَارِهِ مَسْجِدٌ لَيْسَ فِيهِ جَمَاعَةٌ) وَلَوْ صَلَّى فِيهِ حَصَلَتِ الْجَمَاعَةُ (كَانَ فِعْلُهَا فِي مَسْجِدِ الْجِوَارِ أَفْضَلَ) مِنْ غَيْرِهِ لِتَكْثِيرِ الْجَمْعِ [الْجَمْعُ مَعْنَاهُ الْجَمَاعَةُ مِنَ التَّسْمِيَةِ بِالْمَصْدَرِ وَالْمُرَادُ مَوَاضِعُ الْجَمَاعَاتِ] فَلَوْ لَمْ يَحْضُرْ بِحُضُورِهِ فِيهِ جَمَاعَةٌ فَالذَّهَابُ إِلَى غَيْرِهِ أَفْضَلُ اتِّفَاقًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. (وَإِنْ كَانَ لِلْمَسْجِدِ إِمَامٌ رَاتِبٌ كُرِهَ لِغَيْرِهِ إِقَامَةُ الْجَمَاعَةِ فِيهِ) لِمَا فِيهِ مِنَ الإِيذَاءِ أَوْ خَشْيَةِ الْفِتْنَةِ ثُمَّ إِنْ كَانَ قَرِيبًا بُعِثَ إِلَيْهِ لِيَحْضُرَ، أَوْ بَعِيدًا أَوْ لَمْ يُوجَدْ وَأَمِنَ تَأَذِّيَهُ وَفِتْنَتَهُ اسْتُحِبَّ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَحَدُهُمْ وَيُصَلِّيَ لِحِفْظِ أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَالأَوْلَى أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْلاهُمْ بِالإِمَامَةِ وَأَحَبُّهُمْ إِلَيْهِ. وَإِنْ خِيفَ أَذَاهُ وَفِتْنَتُهُ انْتُظِرَ مَا لَمْ يُخَفْ فَوَاتُ كُلِّهِ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنِ الأَصْحَابِ.
(وَمَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً يُصَلُّونَ) تِلْكَ الصَّلاةَ فِي الْوَقْتِ (اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَهُمْ) لِحَدِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصُّبْحَ فَلَمَّا انْفَتَلَ مِنْ صَلاتِهِ رَأَى فِي ءَاخِرِ الْقَوْمِ رَجُلَيْنِ لَمْ يُصَلِّيَا فَقَالَ »مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟« فَقَالا قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا. فَقَالَ »إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ فَإِنَّهُ لَكُمَا نَافِلَةٌ« رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَالْمُصَلِّي جَمَاعَةً كَالْمُنْفَرِدِ فِي ذَلِكَ عَلَى الأَصَحِّ سَوَاءٌ سَاوَتِ الْجَمَاعَةُ الثَّانِيَةُ الأُولَى أَمْ زَادَتْ بِفَضِيلَةٍ لِكَوْنِ الإِمَامِ أَعْلَمَ أَوْ أَوْرَعَ وَالْجَمْعِ أَكْثَرَ وَالْمَكَانِ أَشْرَفَ أَمْ نَقَصَتْ بِشَىْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَكَذَا لَوْ رَأَى مَنْ يُصَلِّي تِلْكَ الصَّلاةَ وَحْدَهُ اسْتُحِبَّ أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَهُ لِتَحْصُلَ لَهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ. وَفِيهِ حَدِيثُ: أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى الْمَسْجِدِ بَعْدَ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ »مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ« فَصَلَّى مَعَهُ رَجُلٌ. حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ.
ثُمَّ الْفَرْضُ فِي الصُورَةِ الأُولَى وَالْمُعَادَةُ نَفْلٌ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، قَالَ الأَكْثَرُونَ: وَيَنْوِي بِهَا الْفَرْضَ. وَاخْتَارَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ يَنْوِي الظُّهْرَ مَثَلاً وَلا يَتَعَرَّضُ لِلْفَرْضِ وَرَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَقَالَ السُّبْكِيُّ يَنْوِي إِعَادَةَ الصَّلاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَإِنَّهُ مُرَادُ الأَكْثَرِينَ. (وَيُعْذَرُ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ الْمَرِيضُ) الَّذِي يَلْحَقُهُ بِالْمَشْيِ مَشَقَّةٌ كَمَشَقَّةِ الْمَاشِي فِي الْمَطَرِ، بِخِلافِ غَيْرِهِ كَحُمَّى خَفِيفَةٍ وَصُدَاعٍ يَسِيرٍ. وَلا يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى إِبَاحَةِ الْقُعُودِ. رَوَى أَبُو دَاوُدَ حَدِيثَ: »مَنْ سَمِعَ الْمُنَادِيَ فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنِ اتِّبَاعِهِ عُذْرٌ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ الصَّلاةُ الَّتِي صَلَّى« قَالُوا وَمَا الْعُذْرُ؟ قَالَ »خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ« (وَمَنْ يَتَأَذَّى) فِي طَرِيقِهِ (بِالْمَطَرِ وَالْوَحَلِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ – لَيْلاً كَانَ أَوْ نَهَارًا لِلْحَدِيثِ: »إِذَا كَانَ يَوْمُ مَطَرٍ وَابِلٍ فَلْيُصَلِّ أَحَدُكُمْ فِي رَحْلِهِ« رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ، وَقِيسَ بِهِ الْوَحَلُ لأِنَّهُ أَشَقُّ مِنْهُ وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ بِهِمَا أَذًى مِنَ الْبَلَلِ وَالتَّلْوِيثِ لِخِفَّتِهِمَا لَمْ يُعْذَرْ (وَالرِّيحِ الْبَارِدَةِ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ) لِعِظَمِ مَشَقَّتِهَا فِي اللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ، وَعَبَّرَ فِي الْمُهَذَّبِ بَدَلَ الْبَارِدَةِ بِالْعَاصِفَةِ أَيِ الشَّدِيدَةِ احْتِرَازًا عَنِ الْخَفِيفَةِ فَلا يُعْذَرُ بِهَا لِلاِتِّفَاقِ [لَعَلَّهَا بِالإِتِّفَاقِ]، وَلَيْسَتِ الْمُظْلِمَةُ قَيْدًا فَلا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُضِيئَةِ، نَعَمِ الْمُظْلِمَةُ وَحْدَهَا عُذْرٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رِيحٌ كَمَا قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَكَذَا الْبَرْدُ وَحْدَهُ (وَمَنْ لَهُ مَرِيضٌ يَخَافُ ضَيَاعَهُ) قَرِيبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ لأِنَّ حِفْظَهُ بِالتَّعَهُّدِ أَفْضَلُ مِنْ حِفْظِ الْجَمَاعَةِ (أَوْ قَرِيبٌ يَخَافُ مَوْتَهُ) بِأَنْ كَانَ مُحْتَضَرًا سَوَاءٌ كَانَ لَهُ مُتَعَهِّدٌ أَمْ لا يَأْنَسُ بِهِ أَمْ لا لِتَأَلُّمِهِ بِغَيْبَتِهِ عَنْهُ وَشُغْلِ الْقَلْبِ السَّالِبِ لِلْخُشُوعِ. وَفِي الصَّحِيحِ »أَنَّ ابْنَ عُمَرَ تَرَكَ الْجُمُعَةَ وَحَضَرَ عِنْدَ قَرِيبِهِ سَعِيدِ بنِ زَيْدٍ أَحَدِ الْعَشَرَةِ لَمَّا أُخْبِرَ أَنَّ الْمَوْتَ قَدْ نَزَلَ بِهِ«. وَالزَّوْجَةُ وَالْمَمْلُوكُ وَالصِّهْرُ وَالصَّدِيقُ كَالْقَرِيبِ فِي ذَلِكَ بِخِلافِ الأَجْنَبِيِّ وَلَوْ لَمْ يَخَفْ مَوْتَ الْقَرِيبِ بَلْ كَانَ يَأْنَسُ بِهِ عُذِرَ أَيْضًا (وَمَنْ حَضَرَهُ الطَّعَامُ وَنَفْسُهُ تَتُوقُ إِلَيْهِ أَوْ يُدَافِعُ الأَخْبَثَيْنِ) لِكَرَاهَةِ الصَّلاةِ حِينَئِذٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي ءَاخِرِ بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلاةَ مَعَ الْمُلْحَقِ بِهِ (أَوْ يَخَافُ ضَرَرًا فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ) لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَمِنْهُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ أَنْ يَكُونَ خُبْزُهُ فِي التَّنُّورِ أَوْ قِدْرُهُ عَلَى النَّارِ وَلا مُتَعَهِّدَ لَهَا.
(وَمَنْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا ثُمَّ نَوَى) فِي أَثْنَاءِ الصَّلاةِ (مُتَابَعَةَ الإِمَامَ جَازَ) ذَلِكَ (فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ) وَهُوَ الأَظْهَرُ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتَدِيَ جَمْعٌ بِمُنْفَرِدٍ فَيَصِيرُ إِمَامًا بَعْدَمَا كَانَ مُنْفَرِدًا، وَالثَّانِي لا يَجُوزُ لأِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى تَحَرُّمِ الْمَأْمُومِ قَبْلَ الإِمَامِ وَعَلَى هَذَا تَبْطُلُ صَلاتُهُ بِذَلِكَ وَعَلَى الأَوَّلِ يُكْرَهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَأَخَذَ مِنْهُ بَعْضُهُمْ عَدَمَ حُصُولِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ ثُمَّ إِذَا اقْتَدَى بِهِ تَابَعَهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ فَإِنْ فَرَغَ الإِمَامُ أَوَّلاً فَهُوَ كَالْمَسْبُوقِ إِنْ شَاءَ نَوَى الْمُفَارَقَةَ وَسَلَّمَ وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَهُ لِيُسَلِّمَ. (وَمَنْ أَحْرَمَ مَعَ الإِمَامِ ثُمَّ أَخْرَجَ نَفْسَهُ مِنَ الْجَمَاعَةِ) بِأَنْ نَوَى الْمُفَارَقَةَ فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ مِنَ الأَعْذَارِ السَّابِقَةِ وَغَيْرِهَا كَتَطْوِيلِ الإِمَامِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، أَوْ خَلْفَهُ شُغْلٌ، وَتَرْكِ سُنَّةٍ مَقْصُودَةٍ كَتَشَهُّدٍ وَقُنُوتٍ فَفَارَقَهُ لِيَأْتِيَ بِهَا (وَأَتَّمَ مُنْفَرِدًا جَازَ) قَطْعًا (وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَفِيهِ قَوْلانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يَجُوزُ) سَوَاءٌ قُلْنَا الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ أَوْ فَرْضُ كِفَايَةٍ لأِنَّ السُّنَّةَ لا يَلْزَمُ إِتْمَامُهَا إِلاَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ يَلْزَمُهُ إِتْمَامُ تَطَوُّعِهِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الإِرْشَادِ وَكَذَا فَرْضُ الْكِفَايَةِ إِلاَّ فِي صَلاةِ الْجِنَازَةِ وَالْجِهَادِ. وَالثَّانِي لا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ وَعَلَى هَذَا فَتَبْطُلُ صَلاتُهُ وَعَلَى الأَوَّلِ يُكْرَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. وَتَسْقُطُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ لإِعْرَاضِهِ عَنْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي تَذْكِرَةِ الْخِلافِ.
(وَإِنْ أَحْدَثَ الإِمَامُ) فِي الصَّلاةِ أَوْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ أَوْ رَعَفَ (فَاسْتَخْلَفَ) بَعْدَ خُرُوجِهِ (مَأْمُومًا) بِهِ فَأَتَمَّ الْقَوْمُ الصَّلاةَ مُقْتَدِينَ بِالْخَلِيفَةِ (جَازَ) ذَلِكَ (فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ) سَوَاءٌ كَانَ فِي جُمُعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا حَضَرَ الْمُسْتَخْلَفُ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الأُولَى فِي الْجُمُعَةِ أَمْ لا. وَالثَّانِي لا يَجُوزُ وَهُوَ الْجَدِيدُ الأَظْهَرُ فِي الرَّوْضَةِ بَلْ يُتِمُّونَهَا وِحْدَانًا فَإِنْ كَانَ فِي الأُولَى مِنَ الْجُمُعَةِ أَتَمُّوهَا ظُهْرًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ فِي غَيْرِهَا غَيْرَ مُقْتَدٍ بِهِ.
(إِلاَّ أَنَّهُ لا يَسْتَخْلِفُ إِلاَّ مَنْ لا يُخَالِفُهُ فِي تَرْتِيبِ الصَّلاةِ) بِأَنْ يَكُونَ فِي الأُولَى أَوِ الثَّالِثَةِ مِنَ الرُّبَاعِيَّةِ بِخِلافِ الثَّانِيَةِ وَالأَخِيرَةِ لاِحْتِيَاجِهِ بَعْدَهُمَا إِلَى الْقِيَامِ وَهُمْ مُحْتَاجُونَ إِلَى الْقُعُودِ وَهَذَا الاِسْتِثْنَاءُ خَاصٌّ بِغَيْرِ الْمَأْمُومِ كَمَا قَرَّرْتُهُ لِجَوَازِ اسْتِخْلافِ الْمَأْمُومِ الْمُقْتَدِي بِهِ فِي غَيْرِ الأُولَى كَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الاِتِّفَاقُ عَلَيْهِ ثُمَّ يُرَاعِي نَظْمَ صَلاةِ إِمَامِهِ فَلَوْ كَانَ فِي ثَانِيَةِ الصُّبْحِ قَنَتَ فِيهَا وَتَشَهَّدَ ثُمَّ يَأْتِي بِذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَعِنْدَ قِيَامِهِ إِلَيْهَا يُفَارِقُونَهُ بِالنِّيَّةِ وَيُسَلِّمُونَ أَوْ يَنْتَظِرُونَ سَلامَهُ بِهِمْ وَهُوَ الأَفْضَلُ. وَحَمَلَ فِي الْكِفَايَةِ الاِسْتِثْنَاءَ عَلَى الْمَأْمُومِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ وَفَسَّرَهُ بِمَعْرِفَةِ نَظْمِ صَلاةِ الإِمَامِ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ لَمْ يَجُزِ اسْتِخْلافُهُ كَمَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إِنَّهُ الأَرْجَحُ دَلِيلاً وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إِنَّهُ الأَقْيَسُ وَصَحَّحَ فِي التَّحْقِيقِ خِلافَهُ وَيُرَاقِبُ الْمَأْمُومِينَ إِذَا أَتَمَّ الرَّكْعَةَ وَإِنْ هَمُّوا بِالْقِيَامِ قَامَ وَإِلاَّ قَعَدَ (وَقِيلَ لا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ فِي صَلاةِ الْجُمُعَةِ إِلاَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى) وَإِنْ لَمْ يَحْضُرِ الْخُطْبَةَ لأِنَّ مَنْ لَمْ يُدْرِكْهَا مَعَهُ لا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ فَلا يَكُونُ إِمَامًا فِيهَا (وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَجُوزُ) اسْتِخْلافُ مَنْ لَمْ يُدْرِكْهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِهَا خَلْفَ الظُّهْرِ، نَعَمْ لا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ فِيهَا غَيْرَ مُقْتَدٍ بِهِ لأِنَّ الاِسْتِخْلافَ ابْتِدَاءُ جُمُعَةٍ بَعْدَ انْعِقَادِ جُمُعَةٍ وَذَلِكَ لا يَجُوزُ، وَحَيْثُ جَازَ الاِسْتِخْلافُ قَالَ الإِمَامُ: يُشْتَرَطُ حُصُولُهُ عَنْ قُرْبٍ، فَلَوْ فَعَلُوا عَلَى الاِنْفِرَادِ رُكْنًا امْتَنَعَ الاِسْتِخْلافُ بَعْدَهُ. وَهَلْ يَلْزَمُهُمْ نِيَّةُ الاِقْتِدَاءِ بِالْخَلِيفَةِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لا.
(وَيُسْتَحَبُّ لِلإِمَامِ أَنْ يُخَفِّفَ فِي الأَذْكَارِ) زَادَ فِي الْمُهَذَّبِ: وَالْقِرَاءَةِ. قَالَ فِي شَرْحِهِ وَلا يَقْتَصِرُ عَلَى الأَقَلِّ وَلا يَسْتَوْفِي الأَكْمَلَ فَإِنْ طَوَّلَ كُرِهَ لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ »إِذَا أَمَّ أَحَدُكُمُ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمُ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَالضَّعِيفَ وَالْمَرِيضَ وَذَا الْحَاجَةِ«.
(إِلاَّ أَنْ يَعْلَمَ مِنْ حَالِ الْمَأْمُومِينَ) كُلِّهِمْ (أَنَّهُمْ يُؤْثِرُونَ التَّطْوِيلَ) وَهُمْ مَحْصُورُونَ فَلا بَأْسَ بِهِ بَلْ يُسْتَحَبُّ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. (وَإِذَا أَحَسَّ الإِمَامُ بِدَاخِلٍ) يَقْتَدِي بِهِ (وَهُوَ رَاكِعٌ اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَنْتَظِرَهُ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَيُكْرَهُ) انْتِظَارُهُ (فِي) الْقَوْلِ (الآخَرِ). وَجْهُ الأَوَّلِ الإِعَانَةُ عَلَى إِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ. وَوَجْهُ الثَّانِي مَا فِيهِ مِنَ التَّطْوِيلِ الْمُخَالِفِ لِلأَمْرِ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْرِيكِ فِي الْعِبَادَةِ بِالتَّقْرِيبِ إِلَى خَاطِرِ الْمُنْتَظَرِ وَدُفِعَ ذَلِكَ بِمَا اشْتَرَطَهُ الأَوَّلُ مِنْ عَدَمِ الْمُبَالَغَةِ فِي الاِنْتِظَارِ، وَعَدَمِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ دَاخِلٍ وَدَاخِلٍ وَقَصْدِ التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ دُونَ التَّوَدُّدِ إِلَيْهِ فَإِنْ فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ كُرِهَ جَزْمًا وَبَطَلَتْ صَلاتُهُ فِي الأَخِيرَةِ كَمَا نَقَلَ فِي الْكِفَايَةِ الاِتِّفَاقَ عَلَيْهِ لِلتَّشْرِيكِ. وَيَجْرِي الْقَوْلانِ فِيمَا لَوْ أَحَسَّ بِهِ فِي التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ وَيُسْتَحَبُّ انْتِظَارُهُ عَلَى الرَّاجِحِ إِعَانَةً لَهُ عَلَى إِدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْمَنْعِ فِيهِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ إِدْرَاكِهَا بِهِ. (وَمَنْ أَدْرَكَ الإِمَامَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ) التَّسْلِيمَةَ الأُولَى وَإِنْ لَمْ يَجْلِسْ مَعَهُ بِأَنْ سَلَّمَ عَقِبَ تَحَرُّمِهِ (فَقَدْ أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ) لإِدْرَاكِهِ مَعَهُ مَا يُحْسَبُ لَهُ وَهُوَ النِّيَّةُ وَالتَّكْبِيرَةُ فَتَحْصُلُ لَهُ فَضِيلَتُهُمَا. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: لَكِنْ دُونَ فَضِيلَةِ مَنْ أَدْرَكَهَا مِنْ أَوَّلِهَا. وَعَبَّرَ الرَّافِعِيُّ عَنْ هَذَا بِتَرْكِ الْجَمَاعَةِ أَيْ بَعْضِ دَرَجَاتِ الْخَمْسِ وَالسَّبْعِ وَالْعِشْرِينَ. (وَإِنْ أَدْرَكَهُ) أَيِ الإِمَامَ (رَاكِعًا) فِي الثَّانِيَةِ وَاطْمَأَنَّ قَبْلَ (رَفْعِهِ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ) لِحَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَغَيْرِهِ: »مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاةِ قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ الإِمَامُ صُلْبَهُ فَقَدْ أَدْرَكَهَا« وَيُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ أَنْ لا يَكُونَ الإِمَامُ مُحْدِثًا، وَلا فِي رَكْعَةٍ زَائِدَةٍ سَهْوًا وَلَوْ شَكَّ هَلِ اطْمَأَنَّ قَبْلَ رَفْعِهِ أَوْ لا لَمْ تُحْسَبْ لَهُ الرَّكْعَةُ فِي الأَظْهَرِ. (وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي الرَّكْعَةِ الأَخِيرَةِ فَهِيَ أَوَّلُ صَلاتِهِ وَمَا يَقْضِيهِ) أَيْ يَأْتِي بِهِ بَعْدَهُ (فَهُوَ ءَاخِرُ صَلاتِهِ) وَعَلَى هَذَا (يُعِيدُ فِيهَا الْقُنُوتَ) فِي الصُّبْحِ لأِنَّهَا مَحَلُّهُ وَقُنُوتُهُ مَعَ الإِمَامِ لِلْمُتَابَعَةِ، وَيُعِيدُ التَّشَهُّدَ فِي ثَانِيَةِ الْمَغْرِبِ وَيُسِرُّ بِالْقِرَاءَةِ فِي الثَّالِثَةِ مِنْهَا، وَفِي الأَخِيرَتَيْنِ مِنَ الْعِشَاءِ، نَعَمْ يَقْرَأُ فِيهِمَا السُّورَتَيْنِ لِئَلاَّ تَخْلُوَ صَلاتُهُ عَنْهُمَا (وَمَنْ أَدْرَكَهُ قَائِمًا فَقَرَأَ بَعْضَ الْفَاتِحَةِ ثُمَّ رَكَعَ الإِمَامُ فَقَدْ قِيلَ يَقْرَأُ ثُمَّ يَرْكَعُ) قَبْلَ أَنْ يُتِمَّهَا وَقَدْ قِيلَ يَقْرَأُ إِتْمَامَهَا ثُمَّ يَرْكَعُ لأِنَّهُ أَدْرَكَ الْقِيَامَ الَّذِي هُوَ مَحَلُّهَا فَلَزِمَتْهُ بِخِلافِ مَا إِذَا أَدْرَكَهُ رَاكِعًا (وَقِيلَ يَرْكَعُ وَلا يَقْرَأُ) لِلْمُتَابَعَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ »وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا« وَسَقَطَ عَنْهُ مَا بَقِيَ مِنْهَا. وَالأَصَحُّ وَجْهٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِسُنَّةٍ مِنْ دُعَاءِ الاِفْتِتَاحِ، وَالتَّعَوُّذِ وَتَرَكَ الْقِرَاءَةَ وَرَكَعَ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ لأِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ إِلاَّ مَا قَرَأَهُ فَلا يَلْزَمُهُ زِيَادَةٌ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ وَإِنِ اشْتَغَلَ بِهَا لَزِمَهُ أَنْ يَقْرَأَ بِقَدْرِ ذَلِكَ لأِنَّهُ أَدْرَكَهُ وَقَصَّرَ بِتَفْوِيتِهِ بِالاِشْتِغَالِ بِمَا لا يُؤْمَرُ بِهِ إِذِ الْمَسْبُوقُ مَأْمُورٌ أَنْ لا يَشْتَغِلَ بِسُنَّةٍ بَعْدَ التَّحَرُّمِ حِرْصًا عَلَى إِدْرَاكِ الْفَاتِحَةِ وَعَلَى هَذَا لَوْ رَكَعَ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلاتُهُ أَوْ تَخَلَّفَ لِيَقْرَأَ مَا فَاتَهُ فَقَالَ الْبَغَوِيُّ هُوَ مَعْذُورٌ لإِلْزَامِهِ بِالْقِرَاءَةِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي: غَيْرُ مَعْذُورٍ لاِشْتِغَالِهِ بِالسُّنَّةِ عَنِ الْفَرْضِ أَيْ فَإِنْ لَمْ يُدْرِكِ الإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ. وَلَوْ تَخَلَّفَ لِلْقِرَاءَةِ فِي الْقِسْمِ الأَوَّلِ فَغَيْرُ مَعْذُورٍ جَزْمًا فَتَفُوتُهُ الرَّكْعَةُ بِرَفْعِ الإِمَامِ وَإِنْ أَتَمَّ الْفَاتِحَةَ لأِنَّهُ لَمْ يُتَابِعْهُ فِي مُعْظَمِهَا. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ صَرَّحَ بِهِ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالأَصْحَابُ وَلا تَبْطُلُ صَلاتُهُ إِنْ قُلْنَا التَّخَلُّفُ بِرُكْنٍ لا يُبْطِلُهَا، وَقِيلَ تَبْطُلُ لأِنَّهُ تَرَكَ مُتَابَعَةَ الإِمَامِ فِيمَا فَاتَتْ بِهِ الرَّكْعَةُ وَلَوْ لَمْ يَقْرَأْ شَيْئًا مِنَ الْفَاتِحَةِ بِأَنْ رَكَعَ الإِمَامُ عَقِبَ تَكْبِيرِهِ رَكَعَ مَعَهُ وَسَقَطَتِ الْقِرَاءَةُ.
(وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْبِقَ الإِمَامَ بِرُكْنٍ) فَإِنْ سَبَقَهُ بِرُكْنٍ عَادَ إِلَى مُتَابَعَتِهِ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ »لا تُبَادِرُوا الإِمَامَ إِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا« وَحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ »أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ« وَلا تَبْطُلُ الصَّلاةُ بِهِ لأِنَّ الْمُخَالَفَةَ فِيهِ يَسِيرَةٌ مَا لَمْ تَكُنْ فِي تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ وَالسَّلامِ. وَيُسَنُّ لَهُ الْعَوْدُ لِيَفْعَلَهُ مَعَهُ. وَقِيلَ يَجِبُ. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُهَذَّبِ. وَقِيلَ لا يَجُوزُ.
وَلا يَجُوزُ أَنْ يَسْبِقَهُ بِرُكْنَيْنِ (فَإِنْ سَبَقَهُ بِرُكْنَيْنِ بِأَنْ رَكَعَ قَبْلَهُ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ سَجَدَ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ) عَامِدًا (مَعَ الْعِلْمِ بِتَحْرِيْمِهِ بَطَلَتْ صَلاتُهُ) لِفُحْشِ الْمُخَالَفَةِ (وَإِنْ فَعَلَ) ذَلِكَ (مَعَ الْجَهْلِ) بِالسَّهْوِ (لَمْ تَبْطُلْ صَلاتُهُ وَلَمْ يُعْتَدَّ لَهُ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ) لأِنَّهُ لَمْ يُتَابِعِ الإِمَامَ فِي مُعْظَمِهَا فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلامِهِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَالْعِرَاقِيِّينَ فِي تَمْثِيلِ صُورَةِ التَّقَدُّمِ بِرُكْنَيْنِ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الأَصْحَابُ فِي التَّأَخُّرِ بِهِمَا حَيْثُ صَوَّرَهُ بِأَنْ يَفْرَغَ الإِمَامُ مِنْهُمَا وَالْمَأْمُومُ فِيمَا قَبْلَهُمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ فَيَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ مِثْلُهُ هُنَا وَيَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ ذَلِكَ بِالتَّقَدُّمِ لأِنَّ الْمُخَالَفَةَ فِيهِ أَفْحَشُ.
(وَمَنْ حَضَرَ وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ لَمْ يَشْتَغِلْ عَنْهَا بِنَافِلَةٍ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ »إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَلا صَلاةَ إِلاَّ الْمَكْتُوبَةُ« (فَإِنْ أُقِيمَتْ وَهُوَ فِي النَّافِلَةِ وَلَمْ يَخْشَ فَوَاتَ الْجَمَاعَةِ أَتَمَّهَا) فَإِنْ خَشِيَهُ بِسَلامِ الإِمَامِ قَطَعَهَا وَدَخَلَ فِي الْجَمَاعَةِ لأِنَّهَا أَوْلَى لِفَرِيضَتِهَا وَتَأَكُّدِهَا.
الإشعارات