بَابُ الْكَفَنِ
(وَتَكْفِينُ الْمَيِّتِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ) بِالإِجْمَاعِ فِي الْمُسْلِمِ. أَمَّا الْكَافِرُ فَإِنْ كَانَ مُرْتَدًّا أَوْ حَرْبِيًّا لَمْ يَجِبْ تَكْفِينُهُ قَطْعًا أَوْ ذِمِيًّا وَجَبَ فِي الأَصَحِّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ. (وَيَجِبُ ذَلِكَ فِي مَالِهِ) أَيِ الْمَيِّتِ بِالإِجْمَاعِ أَيْضًا (مُقَدَّمًا عَلَى الدَّيْنِ) الْمُسْتَغْرِقِ كَمَا تُقَدَّمُ كِسْوَةُ الْمُفْلِسِ عَلَى دُيُونِ غُرَمَائِهِ وَعَلَى (الْوَصِيَّةِ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي النُّكَتِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالْوَصِيَّةُ زِيَادَةٌ لا فَائِدَةَ فِيهَا فَإِنَّهُ إِذَا قَالَ مُقَدَّمًا عَلَى الدَّيْنِ عُلِمَ قَطْعًا أَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى.
(فَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً لَهَا زَوْجٌ فَعَلَى زَوْجِهَا) لِوُجُوبِ نَفَقَتِهَا عَلَيْهِ فِي الْحَيَاةِ وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فَعَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَجَبَ مِنْ مَالِهَا (وَقِيلَ فِي مَالِهَا) لأِنَّهَا صَارَتْ بِالْمَوْتِ أَجْنَبِيَّةً وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمِنْهَاجِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ.
(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ) مِنْ قَرِيبٍ أَوْ سَيِّدٍ لِعَجْزِهِ بِالْمَوْتِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) لَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ (فَفِي بَيْتِ الْمَالِ) كَنَفَقَتِهِ فِي الْحَيَاةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْتُ مَالٍ فَعَلَى عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَفَّنَ الرَّجُلُ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ إِزَارٍ وَلِفَافَتَيْنِ بِيضٍ) رَوَى الشَّيْخَانِ: «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ يَمَانِيَّةٍ بِيضٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلا عِمَامَةٌ» وَالصَّبِيُّ كَالْبَالِغِ فِي ذَلِكَ.
وَأَنْ تُكَفَّنَ (الْمَرْأَةُ فِي خَمْسَةٍ أَثْوَابٍ إِزَارٍ وَخِمَارٍ وَدِرْعٍ وَلِفَافَتَيْنِ بِيضٍ). رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ لَيْلَى بِنْتِ قَانِفٍ أَنَّهَا قَالَتْ كُنْتُ فِيمَنْ غَسَلَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ بِالْبَابِ فَأَعْطَانَا الْحِقَاءَ ثُمَّ الدِّرْعَ ثُمَّ الْخِمَارَ ثُمَّ الْمِلْحَفَةَ ثُمَّ أُدْرِجَتْ بَعْدُ فِي الثَّوْبِ وَالْحِقَاءُ بِكَسْرِ الْحَاءِ الإِزَارُ وَهُوَ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَالدِّرْعُ بِمُهْمَلاتٍ الْقَمِيصُ وَالْخِمَارُ هُوَ الَّذِي يُغَطَّى بِهِ الرَّأْسُ.
وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا زِيدَتْ عَلَى الرَّجُلِ رِعَايَةً لِزِيَادَةِ السَّتْرِ وَلَوْ كُفِّنَ هُوَ بِخَمْسَةٍ أَيْضًا جَازَ بِلا كَرَاهَةٍ وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْخَمْسَةِ فِيهِمَا. وَالأَصْلُ فِي اسْتِحْبَابِ الْبِيضِ حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ: «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا خَيْرُ ثِيَابِكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ» وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ ثَلاثَةً لِلرَّجُلِ إِزَارًا وَلِفَافَتَيْنِ نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَالأَصْحَابِ مِنْ غَيْرِ اسْتِدْرَاكٍ وَالْمُصَحَّحُ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهَا لَفَائِفُ عَامَّةٌ لِجَمِيعِ الْبَدَنِ فَيُبْسَطُ أَحْسَنُهَا وَأَوْسَعُهَا وَالثَّانِيَةُ فَوْقَهَا ثُمَّ الثَّالِثَةُ وَيُوضَعُ الْمَيِّتُ فَوْقَهَا مُسْتَلْقِيًا عَلَى ظَهْرِهِ. وَيُثْنَى كُلٌّ مِنَ اللَّفَائِفِ شِقُّهُ الأَيْسَرُ عَلَى الأَيْمَنِ ثُمَّ طَرَفُ شِقِّهِ الأَيْمَنِ عَلَى الأَيْسَرِ كَمَا يَفْعَلُهُ الْحَيُّ بِالْقَبَاءِ وَيُجْعَلُ الْفَاضِلُ عِنْدَ رَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ (وَيُجْعَلُ مَا عِنْدَ رَأْسِهِ) مِنْ فَاضِلِ اللَّفَائِفِ (أَكْثَرَ مِمَّا عِنْدَ رِجْلَيْهِ مِنْهُ وَيُرَدُّ مَا عِنْدَ الرَّأْسِ عَلَى وَجْهِهِ وَصَدْرِهِ وَمَا عِنْدَ الرِّجْلَيْنِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ وَالسَّاقَيْنِ فَإِنْ خِيفَ انْتِشَارُ الأَكْفَانِ عِنْدَ الْحَمْلِ شُدَّتْ بِشَدَادٍ يُعْقَدُ عَلَيْهَا فَإِذَا دَخَلَ الْقَبْرَ حُلَّ وَالْوَاجِبُ) مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ (ثَوْبٌ وَاحِدٌ) وَهُوَ مَا سَتَرَ الْعَوْرَةَ أَوْ جَمِيعَ الْبَدَنِ إِلاَّ رَأْسَ الْمُحْرِمِ وَوَجْهَ الْمُحْرِمَةِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ الأَوَّلُ فَيَخْتَلِفُ قَدْرُهُ بِالذُّكُورَةِ وَالأُنُوثَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ لا بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ كَمَا رَجَّحَهُ فِي الْكِفَايَةِ لأِنَّ الرِّقَّ يَزُولُ بِالْمَوْتِ وَلَوْ أَوْصَى بِإِسْقَاطِ الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَمْ تُنَفَّذْ وَصِيَّتُهُ لأِنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلافِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَلَوْ أَوْصَى بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ فَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنِ الإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِمَا لَمْ تَصِحَّ وَصِيَّتُهُ وَيَجِبُ تَكْفِينُهُ بِسَاتِرٍ لِجَمِيعِ بَدَنِهِ وَهَذَا بِنَاءٌ مِنْهُمَا عَلَى مَا رَجَّحَاهُ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ سَتْرُ جَمِيعِ الْبَدَنِ نَبَّهَ عَلَيْهِ الإِسْنَوِيُّ. وَلَوْ لَمْ يُوصِ فَقَالَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ يُكَفَّنُ بِثَوْبٍ يَسْتُرُ جَمِيعَ الْبَدَنِ أَوْ ثَلاثَةٍ وَبَعْضُهُمْ بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ فَقَطْ وَقُلْنَا بِجَوَازِهِ كُفِّنَ بِثَوْبٍ أَوْ ثَلاثَةٍ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. وَلَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ يُكَفَّنُ بِثَوْبٍ وَبَعْضُهُمْ بِثَلاثَةٍ كُفِّنَ بِهَا وَقِيلَ بِثَوْبٍ وَلَوِ اتَّفَقُوا عَلَى ثَوْبٍ فَفِي التَّهْذِيبِ يَجُوزُ وَفِي التِّتِمَّةِ أَنَّهُ عَلَى الْخِلافِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ أَقْيَسُ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَقَالَ الْغُرَمَاءُ ثَوْبٌ وَالْوَرَثَةُ ثَلاثَةٌ أُجِيبَ الْغُرَمَاءُ فِي الأَصَحِّ لأِنَّهُ إِلَى بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ أَحْوَجُ مِنْهُ إِلَى زِيَادَةِ السَّتْرِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلَوْ قَالَ الْغُرَمَاءُ يُكَفَّنُ بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ وَالْوَرَثَةُ بِسَاتِرِ جَمِيعِ الْبَدَنِ نَقَلَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ الاِتِّفَاقَ عَلَى سَاتِرِ جَمِيعِ الْبَدَنِ. وَلَوِ اتَّفَقَتِ الْوَرَثَةُ وَالْغُرَمَاءُ عَلَى ثَلاثَةٍ جَازَ بِلا خِلافٍ
ثُمَّ جِنْسُ الْكَفَنِ مَا جَازَ لَهُ لُبْسُهُ حَيًّا فَيَحْرُمُ تَكْفِينُ الرَّجُلِ بِالْحَرِيرِ وَيَجُوزُ تَكْفِينُ الْمَرْأَةِ بِهِ لَكِنْ يُكْرَهُ لِلسَّرَفِ وَيُعْتَبَرُ فِيهِ حَالُ الْمَيِّتِ فَلِلْمُوسِرِ مِنْ جَيِّدِ الثِّيَابِ وَلِلْمُتَوَسِّطِ مِنْ وَسَطِهَا وَلِلْمُقِلِّ مِنْ خَشِنِهَا.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَذُرَّ الْحَنُوطَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ (وَالْكَافُورَ فِي الأَكْفَانِ) أَيْ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ اللَّفَائِفِ قَبْلَ وَضْعِ الأُخْرَى وَأَنْ يُبَخَّرَ الثَّلاثَ بِالْعُودِ (وَيُجْعَلَ الْكَافُورُ وَالْحَنُوطُ فِي قُطْنٍ) مَنْزُوعِ الْحَبِّ (وَيُتْرَكَ عَلَى مَنَافِذِ الْوَجْهِ) وَهِيَ الْعَيْنُ وَالأَنْفُ وَالْفَمُ (وَعَلَى الأُذُنَيْنِ) زَادَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالنَّهْدِ وَالْجِرَاحَاتِ النَّافِذَةِ وَعَلَى الدُّبُرِ. زَادَ الإِسْنَوِيُّ وَالْقُبُلِ دَفْعًا لِلْهَوَامِّ (وَعَلَى مَوَاضِعِ السُّجُودِ) وَهِيَ الْجَبْهَةُ وَالأَنْفُ وَالرُّكْبَتَانِ وَبَاطِنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ إِكْرَامًا لَهَا. قَالَ الأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُحَنَّطَ رَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ بِالْكَافُورِ كَمَا يَفْعَلُ الْحَيُّ إِذَا تَطَيَّبَ (وَلَوْ طُيِّبَ جَمِيعُ بَدَنِهِ بِالْكَافُورِ فَهُوَ حَسَنٌ) لأِنَّهُ يَشَدُّهُ (وَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا لَمْ يُقْرَبِ الطِّيبَ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (وَلا يُلْبَسُ) الذَّكَرُ (الْمَخِيطَ وَلا يُخَمَّرُ رَأْسُهُ) وَلا وَجْهُ الأُنْثَى إِبْقَاءً لأِثَرِ الإِحْرَامِ. قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي مَاتَ وَهُوَ وَاقِفٌ مَعَهُ بِعَرَفَةَ: «لا تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. فَإِنْ فُعِلَ شَىْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَصَى الْفَاعِلُ وَلا فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَلَوْ مَاتَتْ مُحِدَّةٌ فَقِيلَ يَحْرُمُ تَطْيِبُهَا كَالْمُحْرِمِ وَالأَصَحُّ لا، لِزَوَالِ التَّفَجُّعِ عَلَى الزَّوْجِ وَالتَّحَرُّزِ عَنِ الرِّجَالِ بِالْمَوْتِ.