بَابُ الاِسْتِطَابَةِ
أَيْ طَلَبِ الطِّيبِ بِإِزَالَةِ الأَذَى مِنَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ بِإِخْرَاجِهِمَا وَغَسْلِ مَحَلِّهِمَا.
(إِذَا أَرَادَ( الشَّخْصُ )قَضَاءَ الْحَاجَةِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ شَىْءٌ فِيهِ( مَكْتُوبٌ )ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى( مِنْ قُرْءَانٍ أَوْ غَيْرِهِ )نَحَّاهُ( أَيْ أَبْعَدَهُ وَلا يَحْمِلُهُ تَعْظِيمًا لَهُ فَإِنْ حَمَلَهُ كُرِهَ. )وَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فِي الدُّخُولِ( لِلْخَلاءِ )وَالْيُمْنَى فِي الْخُرُوجِ( مِنْهَا لِمُنَاسَبَةِ الْيُسْرَى لِلْمُسْتَقْذَرِ وَالْيُمْنَى لِغَيْرِهِ )وَيَقُولُ إِذَا دَخَلَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ( لِلاِتِّبَاعِ فِي ذَلِكَ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، زَادَ التِّرْمِذِيُّ فِي أَوَّلِهِ بِسْمِ اللَّهِ. وَالْخُبُثُ – بِضَمِّ الْخَاءِ وَالْبَاءِ – جَمْعُ خَبِيثٍ وَالْخَبَائِثُ جَمْعُ خَبِيثَةٍ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ ذُكُورُ الشَّيَاطِينِ وَإِنَاثُهُمْ )وَلا يَرْفَعُ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ( أَيْ يَقْرَبَ )مِنَ الأَرْضِ) الَّتِي يُرِيدُ قَضَاءَ الْحَاجَةِ فِيهَا أَدَبًا وَيُسْبِلُهُ إِذَا قَامَ قَبْلَ انْتِصَابِهِ )وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَيَعْتَمِدُ( أَيْ يَتَّكِئُ )عَلَى الْيُسْرَى( لأِنَّهُ أَسْهَلُ لِخُرُوجِ الْخَارِجِ، فَلَوْ بَالَ قَائِمًا فَرَّجَهُمَا وَاعْتَمَدَهُمَا )وَلا يَتَكَلَّمُ( فِي قَضَاءِ الْحَاجَةِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ حِبَّانَ فَإِنْ تَكَلَّمَ كُرِهَ إِلاَّ لِضَرُورَةٍ )فَإِذَا انْقَطَعَ الْبَوْلُ مَسَحَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى مِنْ مَجَامِعِ الْعُرُوقِ( أَيْ أَصْلِ الذَّكَرِ )إِلَى رَأْسِ الذَّكَرِ ثُمَّ يَنْتُرُ ذَكَرَهُ( ثَلاثًا لِيَسْتَبْرِئَ مِنْهُ وَيَتَنَحْنَحَ وَيَمْشِي إِنْ لَمْ يَحْصُلْ إِلاَّ بِهِ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لأِنَّ الظَّاهِرَ مِنَ انْقِطَاعِ الْبَوْلِ عَدَمُ عَوْدِهِ، وَقِيلَ وَاجِبٌ )وَيَقُولُ إِذَا فَرَغَ غُفْرَانَكَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّيَ الأَذَى وَعَافَانِي( لِلاِتِّبَاعِ، رَوَى صَدْرَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الأَرْبَعَةِ وَبَاقِيَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَجَمِيعُ مَا سَبَقَ يَسْتَوِي فِيهِ الصَّحْرَاءُ وَالْبُنْيَانُ )وَإِنْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ أَبْعَدَ( عَنِ النَّاسِ بِحَيْثُ لا يُسْمَعُ لِلْخَارِجِ مِنْهُ صَوْتٌ وَلا يُشَمُّ لَهُ رِيحٌ، لِلاِتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَلا يُبْعِدُ فِي الْبِنَاءِ الْمُتَّخَذِ لِذَلِكَ )وَاسْتَتَرَ عَنِ الْعُيُونِ( بِمُرْتَفِعٍ قَدْرَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ فَأَكْثَرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ثَلاثَةُ أَذْرُعٍ فَأَقَلُّ وَيَكْفِي بِإِرْخَاءِ ذَيْلِهِ [الذَّيْلُ هُوَ طَرَفُ الْقَمِيصِ أَوِ الإِزَارِ] )وَارْتَادَ( أَيْ طَلَبَ )مَوْضِعًا( لَيِّنًا )لِلْبَوْلِ( لِئَلاَّ يَعُودَ عَلَيْهِ رَشَاشُهُ بِخِلافِ الْغَائِطِ )وَلا يَبُولُ فِي ثُقْبٍ( بِالْمُثَلَّثَةِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ )وَلا فِي سَرَبٍ( بِفَتْحِ السِّينِ وَالرَّاءِ وَهُوَ الشَّقُّ قِيَاسًا عَلَى الثُّقْبِ لِمَا قِيلَ إِنَّ الْجِنَّ تَسْكُنُ ذَلِكَ فَقَدْ تُؤْذِي مَنْ يَبُولُ فِيهِ )وَلا تَحْتَ الأَشْجَارِ الْمُثْمِرَةِ( لِئَلاَّ تَقَعَ الثَّمَرَةُ فَتَتَلَوَّثَ فَتَعَافُهَا الأَنْفُسُ. وَالتَّغَوُّطُ فِي ذَلِكَ كَالْبَوْلِ فَيُكْرَهَانِ وَلا فَرْقَ بَيْنَ وَقْتِ الثَّمَرَةِ وَغَيْرِهَا. )وَلا فِي قَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَلا فِي ظِلٍّ( يَجْتَمِعُ فِيهِ النَّاسُ لِلتَّحَدُّثِ لِلنَّهْيِ عَنْهُمَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ، وَيُلْحَقُ بِالظِّلِّ مَوَاقِعُ اجْتِمَاعِهِمْ فِي الشَّمْسِ فِي الشِّتَاءِ. وَالتَّغَوُّطُ كَالْبَوْلِ فِي ذَلِكَ، فَلَوْ قَالَ: وَلا يَتَخَلَّى فِي مُتَحَدَّثٍ شَمَلَ الأَمْرَيْنِ )وَلا يَسْتَقْبِلُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ( أَدَبًا فِي الصَّحْرَاءِ وَغَيْرِهَا كَمَا قَالَ الْمَحَامِلِيُّ. قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ: وَرُوِيَ النَّهْيُ عَنْهُ وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: الْمُخْتَارُ الْمَنْعُ، فَقَدْ سَكَتَ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ وَكَثِيرُونَ. وَعَلَى الأَوَّلِ أَلْحَقَ بِهِ الصَّيْمَرِيُّ اسْتِدْبَارَهُمَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالصَّحِيحُ خِلافُهُ. (وَلا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَلا يَسْتَدْبِرُهَا( أَدَبًا فِي الْبُنْيَانِ وَوُجُوبًا فِي الصَّحْرَاءِ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ وَرَوَيَا: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى حَاجَتَهُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ فَجُمِعَ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ الأَوَّلِ الْمُفِيدِ لِلتَّحْريِمِ عَلَى الصَّحْرَاءِ لِسُهُولَةِ اجْتِنَابِ ذَلِكَ فِيهَا لِسَعَتِهَا، وَالثَّانِي الْمَفْعُولُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ عَلَى الْبُنْيَانِ إِذْ قَدْ يَشُقُّ فِيهِ ذَلِكَ. نَعَمْ لا يَحْرُمُ فِي الصَّحْرَاءِ إِنِ اسْتَتَرَ بِمَا تَقَدَّمَ )وَإِذَا أَرَادَ الاِسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ انْتَقَلَ( عَنْ مَوْضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ )إِلَى مَوْضِعٍ( ءَاخَرَ لِئَلاَّ يَحْصُلَ لَهُ رَشَاشٌ يُنَجِّسُهُ إِلاَّ فِي الأَخْلِيَةِ الْمُتَّخَذَةِ لِذَلِكَ فَلا يَنْتَقِلُ لِعَدَمِ الرَّشَاشِ، وَلا يَنْتَقِلُ الْمُسْتَنْجِي بِالْحَجَرِ لِمَا ذُكِرَ )وَالاِسْتِنْجَاءُ وَاجِبٌ مِنَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ( إِزَالَةً لِلنَّجَاسَةِ )وَالأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْوُضُوءِ( لِلاِتِّبَاعِ وَخُرُوجًا مِنْ خِلافِ مَنْ أَوْجَبَهُ، (فَإِنْ أَخَّرَهُ إِلَى مَا بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ وَإِنْ أَخَّرَهُ إِلَى مَا بَعْدَ التَّيَمُّمِ لَمْ يُجْزِئْهُ( لأِنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةٌ ضَعِيفَةٌ فَلَمْ يُغْتَفَرْ فِيهَا ذَلِكَ (وَقِيلَ يُجْزِئُهُ( كَالْوُضُوءِ )وَالأَفْضَلُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ( وَيُقَدِّمَ الْحَجَرَ )فَإِنْ أَرَادَ الاِقْتِصَارَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَالْمَاءُ( أَيِ الاِقْتِصَارُ عَلَيْهِ )أَفْضَلُ( مِنَ الاِقْتِصَارِ عَلَى الْحَجَرِ لأِنَّهُ يُزِيلُ الْعَيْنَ وَالأَثَرَ بِخِلافِ الْحَجَرِ )وَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى الْحَجَرِ( أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ كَالْخَزَفِ )أَجْزَأَهُ( لأِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَّزَهُ حَيْثُ فَعَلَهُ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَمَرَ بِهِ فِي حَدِيثِ: «وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلاثَةِ أَحْجَارٍ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ (وَإِنِ انْتَشَرَ الْخَارِجُ( أَيِ الْغَائِطُ )إِلَى بَاطِنِ الأَلْيَةِ فَفِيهِ قَوْلانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يُجْزِئُهُ الْحَجَرُ( لِتَكَرُّرِ وُقُوعِهِ وَالثَّانِي لا بَلْ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ فَإِنِ انْتَشَرَ إِلَى ظَاهِرِ الأَلْيَةِ تَعَيَّنَ الْمَاءُ جَزْمًا )وَإِنِ انْتَشَرَ الْبَوْلُ لَمْ يُجْزِئْهُ إِلاَّ الْمَاءُ( أَيْ بِلا خِلافٍ سَوَاءٌ جَاوَزَ الْحَشَفَةَ أَمْ لا وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَائِطِ أَنَّهُ يَخْرُجُ عَلَى سَبِيلِ التَّزْرِيقِ فَيَنْدُرُ فِيهِ الاِنْتِشَارُ )وَقِيلَ فِيهِ قَوْلانِ( وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ أَصَحُّ )أَحَدُهُمَا( وَهُوَ الأَظْهَرُ )يُجْزِئُهُ الْحَجَرُ مَا لَمْ يُجَاوِزْ مَوْضِعَ الْقَطْعِ( أَيِ الْحَشَفَةَ فَإِنْ جَاوَزَهُ تَعَيَّنَ الْمَاءُ )وَالثَّانِي لا يُجْزِئُهُ إِلاَّ الْمَاءُ( وَلَوْ لَمْ يُجَاوِزْ )وَإِنْ كَانَ الْخَارِجُ دَمًا أَوْ قَيْحًا( وَنَحْوَهُ مِمَّا يَنْدُرُ )فَفِيهِ قَوْلانِ أَحَدُهُمَا لا يُجْزِئُهُ إِلاَّ الْمَاءُ( لِنُدُورِهِ )وَالثَّانِي) وَهُوَ الأَظْهَرُ )يُجْزِئُهُ الْحَجَرُ( لِتَكَرُّرِ وُقُوعِهِ كَالْمُعْتَادِ )وَإِنْ كَانَ الْخَارِجُ حَصَاةً( أَوْ دُودَةً أَوْ بَعْرَةً )لا رُطُوبَةَ مَعَهَا لَمْ يَجِبِ الاِسْتِنْجَاءُ مِنْهُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ( وَهُوَ الأَظْهَرُ لِعَدَمِ الْمُقْتَضِى لَهُ وَهُوَ التَّلْوِيثُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ )وَيَجِبُ فِي( الْقَوْلِ )الآخَرِ( لأِنَّهُ لا يَخْلُو عَنْ رُطُوبَةٍ وَإِنْ خَفِيَتْ )وَإِذَا اسْتَنْجَى بِالْحَجَرِ لَزِمَهُ( شَيْئَانِ )إِزَالَةُ الْعَيْنِ وَاسْتِيفَاءُ ثَلاثِ مَسَحَاتٍ( بِفَتْحِ السِّينِ – )إِمَّا بِحَجَرٍ لَهُ ثَلاثَةُ أَحْرُفٍ أَوْ بِأَحْجَارٍ ثَلاثَةٍ( لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ: «نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الاِسْتِنْجَاءِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاثَةِ أَحْجَارٍ» وَفِي مَعْنَاهُ ثَلاثَةُ أَحْرُفِ حَجَرٍ لأِنَّ الْمَقْصُودَ عَدَدُ الْمَسَحَاتِ فَإِنْ زَالَتِ الْعَيْنُ بِدُونِهَا وَجَبَ اسْتِيفَاؤُهَا، وَإِنْ لَمْ تَزُلْ بِهَا وَجَبَتِ الزِّيَادَةُ إِلَى زَوَالِهَا )وَالْمُسْتَحَبُّ( فِي كَيْفِيَّةِ ذَلِكَ فِي الْغَائِطِ (أَنْ يُمِرَّ حَجَرًا مِنْ مُقَدَّمِ الصَّفْحَةِ الْيُمْنَى( وَيُدِيرَهُ قَلِيلاً قَلِيلاً )إِلَى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ ثُمَّ يُمِرَّ الثَّانِي مِنْ مُقَدَّمِ الصَّفْحَةِ الْيُسْرَى وَيُدِيرَهُ قَلِيلاً قَلِيلاً إِلَى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ ثُمَّ يُمِرَّ الثَّالِثَ عَلَى الصَّفْحَتَيْنِ( وَهُمَا جَانِبَا مَخْرَجِ الْغَائِطِ )وَالْمَسْرَُبَةِ [جَمِيعًا]) وَهِيَ كَمَا فِي التَّحْرِيرِ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا مَجْرَى الْغَائِطِ. وَقَالَ الإِمَامُ مُلْتَقَى الْحَجَرَيْنِ الأَوَّلَيْنِ وَاسْتَدَلَّ الْمَاوَرْدِيُّ لِذَلِكَ بِحَدِيثِ: «أَوَلا يَجِدُ أَحَدُكُمْ ثَلاثَةَ أَحْجَارٍ حَجَرَيْنِ لِلصَّفْحَتَيْنِ وَحَجَرٍ لِلْمَسْرُبَةِ» أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَحَسَّنَاهُ. قَالَ فِي التِّتِمَّةِ: وَلَوِ احْتَاجَ إِلَى أَزْيَدَ مِنْ ثَلاثِ مَسَحَاتٍ كَانَ مَا عَدَا الثَّالِثَةَ كَالثَّالِثَةِ. أَمَّا الْبَوْلُ فَالْمُسْتَحَبُّ فِيهِ أَنْ يَضَعَ الْحَجَرَ الأَوَّلَ عَلَى مَنْفَذِ الذَّكَرِ لِيَنْقُلَ الْبِلَّةَ وَلا يَمْسَحَ، وَيَمْسَحُ فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ جَازِمًا بِهِ. قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: وَلَوْ مَسَحَ بِذَكَرِهِ مِنْ أَعْلا الْحَائِطِ إِلَى أَسْفَلِهِ أَجْزَأَهُ، أَوْ مِنْ أَسْفَلَ إِلَى أَعْلَى فَلا. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَفِيهِ نَظَرٌ )وَلا يَسْتَنْجِي بِنَجِسٍ( لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «وَلا تَأْتِنِي بِعَظْمٍ وَلا رَوْثٍ» وَفِيهِ أَيْضًا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «أَنَّهُ أَحْضَرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَرَيْنِ وَرَوْثَةً فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ: هَذَا رِكْسٌ» أَيْ نَجَسٌ )وَلا بِمَطْعُومٍ كَالْعَظْمِ وَجِلْدِ الْمُذَكَّى قَبْلَ الدِّبَاغِ( رَوَى الشَّيْخَانِ: «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الاِسْتِنْجَاءِ بِالْعَظْمِ» زَادَ مُسْلِمٌ «فَإِنَّهُ طَعَامُ إِخْوَانِكُمْ» يَعْنِي مِنَ الْجِنِّ، فَمَطْعُومُ الإِنْسِ أَوْلَى أَمَّا مَطْعُومُ الْبَهَائِمِ فَيَجُوزُ الاِسْتِنْجَاءُ بِهِ. وَمَا يَأْكُلُهُ النَّاسُ وَالْبَهَائِمُ إِنْ كَانَ أَكْلُ النَّاسِ لَهُ أَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ أَوِ الْبَهَائِمِ جَازَ أَوِ اسْتَوَيَا فَوَجْهَانِ كَالرِّبَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنِ الْمَاوَرْدِيِّ وَاسْتَحْسَنَهُ. وَيَجُوزُ بِالْجِلْدِ بَعْدَ الدِّبَاغِ لأِنَّهُ انْتَقَلَ مِنْ طَبْعِ اللُّحُومِ إِلَى طَبْعِ الثِّيَابِ )وَلا بِمَا لَهُ حُرْمَةٌ( كَالْمَكْتُوبِ عَلَيْهِ شَىْءٌ مِنَ الْعِلْمِ أَوِ اسْمٍ مُعَظَّمٍ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ. وَكَجُزْءِ الْحَيَوانِ الْمُتَّصِلِ بِهِ كَيَدِهِ وَذَنَبِ الْحِمَارِ وَشَعَرٍ عَلَى ظَهْرِهِ وَكَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْمَطْبُوعَةِ )فَإِنِ اسْتَنْجَى بِشَىْءٍ مِنْ ذَلِكَ( الْمَذْكُورِ مِنَ النَّجَسِ وَمَا بَعْدَهُ )لَمْ يُجْزِئْهُ( لِلنَّجَاسَةِ فِي الأَوَّلِ وَالْعِصْيَانِ فِي الْبَاقِي. وَيَتَعَيَّنُ الْمَاءُ فِي النَّجَسِ عَلَى الأَصَحِّ لأِنَّ الْمَحَلَّ قَدْ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ بِاسْتِعْمَالِهِ حَتَّى لَوِ اسْتَنْجَى بِجِلْدِ كَلْبٍ وَجَبَ السَّبْعُ وَالتَّعْفِيرُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَمَا عَدَاهُ إِنِ انْبَسَطَتِ النَّجَاسَةُ أَوْ كَانَ مَا اسْتَنْجَى بِهِ رَطْبًا تَعَيَّنَ الْمَاءُ أَيْضًا وَإِلاَّ فَلا )وَلا يَسْتَنْجِي بِيَمِينِهِ( نَدْبًا لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ سَلْمَانَ: «نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ» )فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ( مَعَ الْكَرَاهَةِ.