بَابُ الأَذَانِ
أَيِ الإِعْلامِ بِدُخُولِ وَقْتِ الصَّلاةِ الْمَفْرُوضَةِ لِيَجْتَمِعَ لَهَا النَّاسُ. (الأَذَانُ وَالإِقَامَةُ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (سُنَّةٌ) مُؤَكَّدَةٌ (فِي الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ) لِمُوَاظَبَةِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ عَلَيْهِمَا بِخِلافِ غَيْرِهِمَا مِنَ النَّوَافِلِ وَالْمَنْذُورَةِ وَالْجِنَازَةِ فَلا يُسَنُّ فِي شَىْءٍ مِنْهَا الأَذَانُ وَالإِقَامَةُ لِعَدَمِ وُرُودِهِمَا فِيهَا، نَعَمْ يُقَالُ فِيمَا شُرِعَتْ فِيهِ الْجَمَاعَةُ وَهُوَ الْعِيدُ، وَالْكُسُوفُ وَالاِسْتِسْقَاءُ وَالتَّرَاوِيحُ الصَّلاةُ جَامِعَةٌ. وَلا يُنْدَبُ ذَلِكَ فِي الْجِنَازَةِ عَلَى الأَصَحِّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ قَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: وَكَانَ سَبَبُهُ أَنَّ الْمُشَيِّعِينَ لِلْجِنَازَةِ حَاضِرُونَ (وَهُوَ) أَيِ الأَذَانُ (أَفْضَلُ مِنَ الإِمَامَةِ) كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالأَكْثَرُونَ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي جَمِيعِ كُتُبِهِ لأِنَّهُ أَكْبَرُ نَفْعًا مِنْهَا لإِعْلامِهِ بِالْوَقْتِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ لاسْتَهَمُوا عَلَيْهِ» أَيِ اقْتَرَعُوا وَقِيلَ الإِمَامَةُ أَفْضَلُ مِنْهُ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ لِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءِ عَلَيْهَا دُونَهُ وَلأِنَّهَا أَشَقُّ مِنْهُ لِلْقِيَامِ بِحُقُوقِهَا. وَقِيلَ هُمَا سَوَاءٌ فِي الْفَضِيلَةِ. (وَقِيلَ هُوَ) أَيِ الأَذَانُ (فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ) لأِنَّهُ مِنْ شَعَائِرِ الإِسْلامِ الظَّاهِرَةِ (فَإِنِ اتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهِ) مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ (قَاتَلَهُمُ الإِمَامُ) عَلَى هَذَا دُونَ الأَوَّلِ وَلا يَسْقُطُ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ إِلاَّ بِإِظْهَارِهِ فِي الْبَلَدِ وَالْقَرْيَةِ بِحَيْثُ يَعْلَمُ بِهِ جَمِيعُ أَهْلِهَا لَوْ أَصْغَوْا. فَيَكْفِي فِي الْقَرْيَةِ أَذَانٌ وَاحِدٌ، وَفِي الْبَلَدِ لا بُدَّ مِنْهُ فِي مَوَاضِعَ وَيَجِبُ لِكُلِّ صَلاةٍ، وَقِيلَ: يَكْفِي فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مَرَّةٌ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ كُلُّ مَا يَسْقُطُ بِهِ الْوُجُوبُ عَلَى هَذَا يُحَصِّلُ السُّنَّةَ عَلَى الأَوَّلِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ سُنَّةُ كِفَايَةٍ. وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي الْجُمُعَةِ دُونَ غَيْرِهَا لِوُجُوبِ الْجَمَاعَةِ فِيهَا فَيَكُونُ الدُّعَاءُ إِلَيْهَا كَذَلِكَ. وَالْوَجْهَانِ جَارِيَانِ فِي الإِقَامَةِ أَيْضًا.
(وَالأَذَانُ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً بِالتَّرْجِيعِ وَهِيَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ) يَخْفِضُ صَوْتَهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِخِلافِ التَّكْبِيرِ (ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَمُدُّ صَوْتَهُ) أَيْ يَرْفَعُهُ بِهِمَا (فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، حيَّ عَلَى الْفَلاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ) لِلاِتِّبَاعِ، رَوَى مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ الأَذَانَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ.. » فَذَكَرَهُ بِلَفْظِهِ، وَفِيهِ فِي التَّرْجِيعِ، ثُمَّ يَعُودُ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ.. إِلَى آخِرِهِ. وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِتَدَبُّرٍ وَإِخْلاصٍ. وَهَلِ التَّرْجِيعُ اسْمٌ لِلسِّرِّ أَوْ لِلْجَهْرِ لأِنَّهُ رَجَعَ إِلَى الرَّفْعِ بَعْدَ أَنْ تَرَكَهُ أَوْ إِلَى الشَّهَادَتَيْنِ بَعْدَ ذِكْرِهِمَا أَوْ إِلَى الْمَجْمُوعِ. جَزَمَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالتَّحْرِيرِ بِالأَوَّلِ، وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بِالثَّانِي وَفِي الرَّوْضَةِ كَالشَّرْحَيْنِ بِالثَّالِثِ. ثُمَّ قِيلَ هُوَ رُكْنٌ فِي الأَذَانِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ. وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ سُنَّةٌ لِسُقُوطِهِ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ زَيْدٍ الَّذِي هُوَ الأَصْلُ فِي الأَذَانِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمْ.
(فَإِنْ كَانَ فِي أَذَانِ الصُّبْحِ قَالَ بَعْدَ الْحَيْعَلَةِ) أَيْ بَعْدَ حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ الثَّانِيَةِ (الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ) نَدْبًا وَلِلإِمَامِ احْتِمَالٌ أَنَّهُ رُكْنٌ لأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَّنَ ذَلِكَ لأِبِي مَحْذُورَةَ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ حِبَّانَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَقُولَ الْمُؤَذِّنُ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ إِذَا قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ» وَيُسَمَّى ذَلِكَ بِالتَّثْوِيبِ لأِنَّهُ ثَابَ أَيْ رَجَعَ إِلَى الدُّعَاءِ بِهِ إِلَى الصَّلاةِ بَعْدَ الدُّعَاءِ إِلَيْهَا بِالْحَيْعَلَتَيْنِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ: وَيَقُولُ ذَلِكَ فِي الأَذَانِ الْمَأْتِيِّ بِهِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَبَعْدَهُ. وَقِيلَ إِنْ ثَوَّبَ فِي الأَوَّلِ لَمْ يُثَوِّبْ فِي الثَّانِي، وَلا يُسْتَحَبُّ فِي أَذَانِ مَا عَدَا الصُّبْحَ بَلْ يُكْرَهُ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ (وَالإِقَامَةُ إِحْدَى عَشْرَةَ كَلِمَةً) وَهِيَ: (اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حيَّ عَلَى الصَّلاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ، قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ). لِلاِتِّبَاعِ كَمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ زَيْدٍ السَّابِقِ الْمُوَافِقِ لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَنَسٍ «أُمِرَ بِلالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَيُوتِرَ الإِقَامَةَ إِلاَّ الإِقَامَةَ». وَلَفْظُ النَّسَائِيِّ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلالاً» وَمَعْنَى اللَّهُ أَكْبَرُ أَيْ مِنْ أَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِ مَا لا يَلِيقُ بِجَلالِهِ. وَقِيلَ أَكْبَرُ بِمَعْنَى كَبِيرٍ، وَأَشْهَدُ أَيْ أَعْلَمُ. وَحَيَّ عَلَى الصَّلاةِ. أَيِ أَقْبِلُوا إِلَيْهَا. وَالْفَلاحُ الْفَوْزُ وَالْبَقَاءُ أَيْ هَلُمُّوا إِلَى سَبَبِ ذَلِكَ. (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُرَتِّلَ الأَذَانَ وَيُدْرِجَ) الإِقَامَةَ – بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا وَضَمِّ الرَّاءِ – لِحَدِيثِ الْحَاكِمِ: «إِذَا أَذَّنْتَ فَترتلْ وَإِذَا أَقَمْتَ فَاحْدُرْ» وَالتَّرْتِيلُ التَّأَنِّي وَالْحَدْرُ وَالإِدْرَاجُ الإِسْرَاعُ. وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الأَذَانَ لإِعْلامِ الْغَائِبِينَ، فَالتَّرْتِيلُ فِيهِ أَبْلَغُ وَالإِقَامَةُ لاِسْتِنْهَاضِ الْحَاضِرِينَ فَالإِدْرَاجُ فِيهَا أَشْبَهُ. وَيُسْتَحَبُّ (أَنْ تَكُونَ الإِقَامَةُ أَخْفَضَ صَوْتًا مِنَ الأَذَانِ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ مِنْ إِعْلامِ الْحَاضِرِينَ وَيُبَالِغُ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ بِالأَذَانِ مَا أَمْكَنَهُ بِحَيْثُ لا يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ، فَإِنِ اقْتَصَرَ فِيهِمَا عَلَى إِسْمَاعِ نَفْسِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِمَا إِلاَّ الْمُؤَذِّنُ وَالْمُقِيمُ لِنَفْسِهِ. وَيُسْتَحَبُّ (أَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ عَلَى طَهَارَةٍ) أَيْ وُضُوءٍ، لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ: «لا يُؤَذِّنُ إِلاَّ مُتَوَضِّئٌ» وَالإِقَامَةُ أَوْلَى بِذَلِكَ لِقُرْبِهَا مِنَ الصَّلاةِ فَيُكْرَهَانِ لِلْمُحْدِثِ، وَلِلْجُنُبِ أَشَدُّ. وَيُسْتَحَبُّ (أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ) فِي أَذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ لأِنَّهُ الْمَنْقُولُ سَلَفًا وَخَلَفًا، وَلأِنَّهَا أَشْرَفُ الْجِهَاتِ. (فَإِذَا بَلَغَ الْحَيْعَلَةَ) أَيْ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ (الْتَفَتَ) فِي الأُولَى (يَمِينًا وَ) فِي الثَّانِيَةِ (شِمَالاً، وَلا يَسْتَدْبِرُ) الْقِبْلَةَ بَلْ يَلْوِي رَأْسَهُ وَعُنُقَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحَوِّلَ صَدْرَهُ وَقَدَمَيْهِ. رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي جُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ فَخَرَجَ بِلالٌ فَأَذَّنَ فَلَمَّا بَلَغَ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ الْتَفَتَ يَمِينًا وَشِمَالاً وَلَمْ يَسْتَدِرْ». وَالْمَعْنَى فِيهِ إِسْمَاعُ مَنْ فِي الْجِهَتَيْنِ وَلِهَذَا جَرَى وَجْهٌ بِعَدَمِ اسْتِحْبَابِهِ فِي الإِقَامَةِ لِفَقْدِ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فِيهَا، وَفِي وَجْهٍ ثَالِثٍ يُفَصَّلُ بَيْنَ الْمَسْجِدِ الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِ. وَيُسْتَحَبُّ (أَنْ يُؤَذِّنَ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ) مِنْ مَنَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لأِنَّهُ أَبْلَغُ فِي الإِعْلامِ بِخِلافِ الإِقَامَةِ لِحُضُورِ الْمَدْعُوِّ بِهَا. وَيُسْتَحَبُّ (أَنْ يَجْعَلَ إِصْبَعَيْهِ فِي صِمَاخَيْ أُذُنَيْهِ) فِي الأَذَانِ. رَوَى الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: «رَأَيْتُ بِلالاً يُؤَذِّنُ فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَهُنَا وَهَهُنَا وَإِصْبَعَاهُ فِي أُذُنَيْهِ». وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ أَجْمَعُ لِصَوْتِهِ وَبِهِ يَسْتَدِلُّ الأَصَمُّ وَالْبَعِيدُ عَلَى الأَذَانِ بِخِلافِ الإِقَامَةِ فَلا يُسْتَحَبُّ فِيهَا ذَلِكَ لِفَقْدِ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: فَإِنْ كَانَ فِي إِحْدَى يَدَيْهِ عِلَّةٌ تَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ جَعَلَ الإِصْبَعَ الأُخْرَى فِي صِمَاخِهِ. وَيُسْتَحَبُّ (أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ حَسَنَ الصَّوْتِ) لأِنَّهُ أَبْعَثُ عَلَى الإِجَابَةِ بِالْحُضُورِ. وَقَدْ رَوَى الدَّارِمِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ رَجُلاً فَأَذَّنُوا فَأَعْجَبَهُ صَوْتَ أَبِي مَحْذُورَةَ فَعَلَّمَهُ الأَذَانَ». وَيُسْتَحَبُّ (أَنْ لا يَقْطَعَ الأَذَانَ بِكَلامٍ وَلا غَيْرِهِ) كَنَوْمٍ وَسُكُوتٍ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ كُرِهَ لأِنَّهُ يُخِلُّ بِالإِعْلامِ فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ بَطَلَ. قَالَ الأَصْحَابُ وَلَوْ عَطَسَ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى فِي نَفْسِهِ وَلَوْ سُلِّمَ عَلَيْهِ أَوْ عُطِسَ عِنْدَهُ لَمْ يَرُدَّ وَلَمْ يُشَمِّتْ.
وَيُسْتَحَبُّ (أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ أَقْرِبَاءِ مُؤَذِّنِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَعِبَارَةُ الْمُهَذَّبِ: مِنْ وَلَدِ مَنْ جُعِلَ الأَذَانُ فِيهِمْ، ثُمَّ مِنَ الأَقْرَبِ فَالأَقْرَبِ إِلَيْهِمْ. قَالَ فِي شَرْحِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الأَصْحَابُ قَال: وَزَادَ الشَّافِعِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ مَنْ جَعَلَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ الأَذَانَ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمِنْ أَوْلادِ الصَّحَابَةِ. انْتَهَى. وَمُؤَذِّنُوهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةٌ بِلالٌ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَأَبُو مَحْذُورَةَ وَسَعِيدُ الْقَرَظِ. وَفِي التِّرْمِذِيِّ حَدِيثُ «الأَذَانُ فِي الْحَبَشَةِ». وَيُسْتَحَبُّ (أَنْ يَكُونَ) الْمُؤَذِّنُ (ثِقَةً) لأِنَّهُ يُخْبِرُنَا بِأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ حَدِيثَ: «لِيُؤَذِّنْ لَكُمْ خِيَارُكُمْ» فَإِنْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ صَبِيًّا أَجْزَأَ أَذَانُهُ فِي تَأْدِيَةِ الشِّعَارِ وَكُرِهَ. وَقِيلَ لا يُجْزِئُ لأِنَّ خَبَرَهُ لا يُقْبَلُ وَلِهَذَا لا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ هُنَا جَزْمًا. وَيُسْتَحَبُّ (أَنْ يَقُولَ) الْمُؤَذِّنُ (بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ) أَيْ مِنَ الأَذَانِ (اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاةِ الْقَائِمَةِ ءَاتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَالدَّرَجَةَ الرَّفِيعَةَ وَابْعَثْهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ الَّذِي وَعَدْتَهُ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ) لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ: «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الأَذَانَ ذَلِكَ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أَيْ حَصَلَتْ. وَالْمُؤَذِّنُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَلَيْسَ فِيهِ: «الدَّرَجَةَ الرَّفِيعَةَ» وَلا «يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ» وَفِيهِ مَقَامًا مَحْمُودًا بِالتَّنْكِيرِ، وَثَبَتَ بِالتَّعْرِيفِ فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيِّ وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ. وَاللَّهُمَّ بِمَعْنَى يَا اللَّهُ، وَالدَّعْوَةُ الأَذَانُ وَوُصِفَتْ بِالتَّامَّةِ لِكَمَالِهَا وَعِظَمِ قَدْرِهَا وَسَلامَتِهَا مِنْ نَقْصٍ يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا. وَالْقَائِمَةُ أَيِ الَّتِي سَتَقُومُ. وَالْوَسِيلَةُ مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ رَجَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَكُونَ لَهُ وَالْمَقَامُ الْمَذْكُورُ هُوَ الْمُرَادُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ وَهُوَ مَقَامُ الشَّفَاعَةِ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمَدُهُ فِيهِ الأَوَّلُونَ وَالآخِرُونَ. وَقَوْلُهُ: الَّذِي وَعَدْتَهُ بَدَلٌ مِمَّا قَبْلَهُ لا نَعْتٌ. (وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ كَمَا يَقُولُ) حَتَّى الدُّعَاءَ الَّذِي بَعْدَ الْفَرَاغِ لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ: «إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ» وَالإِقَامَةُ كَالأَذَانِ فِي ذَلِكَ. (إِلاَّ فِي الْحَيْعَلَةِ فَإِنَّهُ يَقُولُ) بَدَلَ كُلِّ كَلِمَةٍ مِنْهَا وَهِيَ أَرْبَعٌ (لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ) الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ لِوُرُودِ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ بِدُونِ «الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ». وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْحَيْعَلَةَ دُعَاءٌ إِلَى الصَّلاةِ وَلَيْسَتْ بِذِكْرٍ فَحَسُنَ لِسَامِعِهَا الإِتْيَانُ بِالْحَوْقَلَةِ عِوَضًا عَنْهَا لِمُنَاسَبَتِهَا. (وَيَقُولُ فِي كَلِمَةِ الإِقَامَةِ) أَيْ بَدَلَ كُلٍّ مِنْهُمَا (أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ) لِلاِتِّبَاعِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ بِدُونِ مَا دَامَتْ.. إِلَى آخِرِهِ وَلِهَذَا حَذَفَهُ فِي الْمُهَذَّبِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ التَّنْبِيهِ وَيَقُولُ أَيْضًا بَدَلَ التَّثْوِيبِ: صَدَقْتَ وَبَرِرْتَ وَقِيلَ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُجِيبَ فِي كُلِّ كَلِمَةٍ عَقِبَهَا وَأَنْ يَقْطَعَ الْقِرَاءَةَ وَالذِّكْرَ لِلإِجَابَةِ وَأَنْ يُجِيبَ فِي الطَّوَافِ وَأَنْ يُؤَخِّرَهَا الْمُصَلِّي وَالْمُجَامِعُ وَقَاضِي الْحَاجَةِ إِلَى الْفَرَاغِ فَإِنْ أَجَابَ فِي الصَّلاةِ كُرِهَ إِلاَّ فِي صَدَقْتَ وَبَرِرْتَ فَإِنَّهُ يُبْطِلُ. (وَلا يَجُوزُ الأَذَانُ إِلاَّ مُرَتَّبًا) لأِنَّ تَرْكَهُ يُخِلُّ بِالإِعْلامِ وَالإِقَامَةُ مِثْلُهُ. (وَلا يَجُوزُ) الأَذَانُ (قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ) لأِنَّهُ لِلإِعْلامِ بِهِ فَلا يَصِحُّ قَبْلَهُ وَيَجُوزُ مَا دَامَ الْوَقْتُ بَاقِيًا وَقَيَّدَهُ فِي الْكِفَايَةِ بِوَقْتِ الاِخْتِيَارِ، نَعَمْ تَسْقُطُ مَشْرُوعَيَّتُهُ بِفِعْلِ الصَّلاةِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِي (إِلاَّ الصُّبْحَ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ لَهَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ) لِحَدِيثِ «إِنَّ بِلالاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ وَقْتَهَا يَدْخُلُ عَلَى النَّاسِ وَفِيهِمُ الْجُنُبُ وَالنَّائِمُ فَاسْتُحِبَّ تَقْدِيْمُ أَذَانِهَا لِيَنْتَبِهُوا وَيَتَهَيَّؤُا وَيُدْرِكُوا فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ أَمَّا الإِقَامَةُ فَلا تُقَدَّمُ بِحَالٍ. وَيُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ لا يَطُولَ الْفَصْلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّلاةِ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. (وَتُقِيمُ الْمَرْأَةُ) لِنَفْسِهَا وَلِجَمَاعَةِ النِّسَاءِ (وَلا تُؤَذِّنُ) لأِنَّ فِي الأَذَانِ رَفْعَ الصَّوْتِ الَّذِي يُخَافُ مِنْهُ الْفِتْنَةُ بِخِلافِ الإِقَامَةِ فَلَوْ أَذَّنَتْ مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ لَمْ يُكْرَهْ وَلا تَصِحُّ إِقَامَتُهَا وَلا أَذَانُهَا لِلرِّجَالِ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالْخُنْثَى كَالأُنْثَى فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.
(وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ) وَأَرَادَ قَضَاءَهَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ (أَوْ جَمَعَ بَيْنَ صَلاتَيْنِ) فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ (أَذَّنَ وَأَقَامَ لِلأُولَى وَحْدَهَا وَأَقَامَ لِلَّتِي بَعْدَهَا) مِنْ غَيْرِ أَذَانٍ (فِي أَصَحِّ الأَقْوَالِ) وَهُوَ الْقَدِيْمُ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ بِسَنَدٍ مُنْقَطِعٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ الْمُشْرِكِينَ شَغَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ حَتَّى ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ فَأَمَرَ بِلالاً فَأَذَّنَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ» وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ» (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) وَهُوَ الْجَدِيدُ يَقْتَصِرُ عَلَى الإِقَامَةِ (وَلا يُؤَذِّنُ) لِلأُولَى أَيْضًا لِحَدِيثِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ «احْتُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى ذَهَبَ هُوِيٌّ مِنَ اللَّيْلِ فَدَعَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلالاً فَأَمَرَهُ فَأَقَامَ الظُّهْرَ فَصَلاَّهَا» الْحَدِيثَ، فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَذَانًا وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصَّلاتَيْنِ بِمُزْدَلِفَةَ بِإِقَامَةٍ» وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ زِيَادَةَ عِلْمِ الأَذَانِ وَأَيَّدَهُ فِي الثَّانِيَةِ حَدِيثُ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَامَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ عَنِ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَسَارُوا حَتَّى ارْتَفَعَتْ ثُمَّ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ أَذَّنَ بِلالٌ». (وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ) وَهُوَ نَصُّهُ فِي الإِمْلاءِ إِنْ رَجَا حُضُورَ جَمَاعَةٍ أَذَّنَ لِلأُولَى وَإِلاَّ فَلا فَالأَذَانُ عَلَى هَذَا حَقٌّ لِلْجَمَاعَةِ وَعَلَى الثَّانِي حَقُّ الْوَقْتِ وَعَلَى الأَوَّلِ حَقُّ الْمَكْتُوبَةِ. وَالإِقَامَةُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ سُنَّةٌ بِلا خِلافٍ وَالأَذَانُ لِمَا عَدَا الأُولَى غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِلا خِلافٍ فَإِنْ قَضَى الْفَوَائِتَ مُتَفَرِّقَاتٍ فَفِي الأَذَانِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ الْخِلافُ وَالأَقْوَالُ فِي الْمَجْمُوعَةِ هِيَ أَقْوَالُ الْفَائِتَةِ لأِنَّهَا فِي مَعْنَاهَا فَلَوْ جَمَعَ تَقْدِيْمًا أَذَّنَ لِلأُولَى بِلا خِلافٍ وَلَوْ جَمَعَ تَأْخِيرًا إِنْ بَدَأَ بِصَاحِبَةِ الْوَقْتِ أَذَّنَ لَهَا دُونَ الأُخْرَى بِلا خِلافٍ. (وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَتَطَوَّعُ بِالأَذَانِ رَزَقَ الإِمَامُ مَنْ يَقُومُ بِهِ) مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ خُمُسًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ لا مِنْ سَائِرِ الْفَىْءِ وَلا مِنَ الصَّدَقَاتِ بِخِلافِ مَا إِذَا وُجِدَ مُتَطَوِّعٌ بِهِ فَلا يَجُوزُ أَنْ يَرْزُقَ غَيْرَهُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. كَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الأَصْحَابُ. فَلَوْ وَجَدَ مُتَطَوِّعًا فَاسِقًا فَكَعَدَمِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَفِي وَجْهٍ مِنْ طَرِيقٍ يَمْتَنِعُ رَزْقُ عَدْلٍ غَيْرِهِ فَلَوْ وَجَدَ مُتَطَوِّعًا غَيْرَ حَسَنِ الصَّوْتِ فَقِيلَ يَمْتَنِعُ رَزْقُ حَسَنِ الصَّوْتِ وَالأَصَحُّ الْجَوَازُ إِنْ رَءَاهُ يَصْلُحُ وَحَيْثُ رُزِقَ فَيُقْتَصَرُ عَلَى قَدْرِ الْكِفَايَةِ لَهُ وَلِعِيَالِهِ وَيُنَادِي الشِّعَارَ وَلا يُعَطِّلُ مَسْجِدًا فَإِنْ ضَاقَ بَيْتُ الْمَالِ عَنِ الاِسْتِيعَابِ قُدِّمَ الأَهَمُ وَهُوَ رَزْقُ مُؤَذِّنِ الْجَامِعِ وَالْجُمُعَةِ. وَيَجُوزُ لِلإِمَامِ وَكَذَا لِغَيْرِهِ أَنْ يَرْزُقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، فَلا يَخْتَصُّ بِعَدَدٍ وَلا بِالْكِفَايَةِ وَلا نَفَقَةِ مُتَطَوِّعٍ. (فَإِنِ اسْتَأْجَرَ) الإِمَامُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الأَذَانِ (جَازَ) كَسَائِرِ الأَعْمَالِ الْمَعْلُومَةِ. (وَقِيلَ لا يَجُوزُ) لأِنَّهُ قُرْبَةٌ كَالإِمَامَةِ. وَيَجُوزُ الاِسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ لِغَيْرِ الإِمَامِ عَلَى الأَصَحِّ وَسَوَاءٌ اسْتِئْجَارُ الإِمَامِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ أَوْ بَيْتِ الْمَالِ فَبِشَرْطِهِ السَّابِقِ فَإِنِ اسْتَأْجَرَ مِنْهُ لَمْ يُشْتَرَطْ بَيَانُ الْمُدَّةِ بَلْ يَكْفِي اسْتَأْجَرْتُكَ لِتُؤَذِّنَ فِي أَوْقَاتِ الصَّلاةِ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا أَوْ مِنْ مَالِهِ أَوِ الرَّعِيَّةِ اشْتُرِطَ بَيَانُهَا فِي الأَصَحِّ وَتَدْخُلُ الإِقَامَةُ فِي الاِسْتِئْجَارِ لِلأَذَانِ وَلا يَجُوزُ الاِسْتِئْجَارُ لَهَا وَحْدَهَا وَلا كُلْفَةَ فِيهَا بِخِلافِهِ.
الإشعارات