بَابُ الآنِيَةِ
جَمْعُ إِنَاءٍ وَهُوَ الْوِعَاءُ.
(تَجُوزُ الطَّهَارَةُ مِنْ كُلِّ إِنَاءٍ طَاهِرٍ) إِجْمَاعًا بِخِلافِ النَّجِسِ كَالْمُتَّخَذِ مِنْ جِلْدِ الْمَيْتَةِ فَلا يَجُوزُ التَّطْهِيرُ مِنْهُ إِذَا كَانَ الْمَاءُ قَلِيلاً لِتَنَجُّسِهِ بِهِ، وَسَائِرُ الاِسْتِعْمَالاتِ كَالطَّهَارَةِ (إِلاَّ مَا اتُّخِذَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الطَّهَارَةِ وَغَيْرِهَا) عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «لا تَشْرَبُوا فِي ءَانِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهِمَا»، وَقِيسَ عَلَى الأَكْلِ وَالشُّرْبِ غَيْرُهُمَا (فَإِنْ تُطُهِّرَ مِنْهُ صَحَّتْ طَهَارَتُهُ) مَعَ الْحُرْمَةِ كَالصَّلاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْوُضُوءِ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ (وَهَلْ يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ فِيهِ وَجْهَانِ) أَحَدُهُمَا نَعَمْ، لأِنَّ النَّهْيَ وَرَدَ فِي الاِسْتِعْمَالِ دُونَ الاِتِّخَاذِ، وَأَصَّحُهُمَا: لا، لِئَلاَّ يَجُرَّ إِلَى اسْتِعْمَالِهِ (وَمَا اتُّخِذَ مِنْ) جَوْهَرٍ نَفِيسٍ نَحْوِ (بِلَوْرٍ أَوْ يَاقُوتٍ فَفِيهِ قَوْلانِ أَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ لا يَحْرُمُ) وَالثَّانِي يَحْرُمُ لِلْخُيَلاءِ وَكَسْرِ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ، وَأَجَابَ الأَوَّلُ بِأَنَّهُ لا يُدْرِكُهُ إِلاَّ الْخَوَاصُّ (وَمَا ضُبِّبَ) مِنْ إِنَاءٍ (بِالْفِضَّةِ إِنْ كَانَ) مَا ضُبِّبَ بِهِ (قَلِيلاً لِلْحَاجَةِ لَمْ يُكْرَهِ) اسْتِعْمَالُهُ (وَإِنْ كَانَ) قَلِيلاً (لِلزِّينَةِ كُرِهَ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لِلْحَاجَةِ كُرِهَ وَإِنْ كَانَ) كَثِيرًا (لِلزِّينَةِ حَرُمَ) وَأَصْلُ الضَّبَّةِ مَا يُصْلَحُ بِهِ خَلَلُ الإِنَاءِ مِنْ صَفِيحَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَإِطْلاقُهَا عَلَى مَا هُوَ لِلزِّينَةِ تَوَسُّعٌ وَمَرْجِعُ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ الْعُرْفُ عَلَى الأَرْجَحِ. وَالْمُرَادُ بِالْحَاجَةِ أَنْ تَكُونَ عَلَى قَدْرِ الشَّعْبِ لا الْعَجْزُ عَنْ غَيْرِهَا. وَخَرَجَ بِالْفِضَّةِ الْمُضَبَّبُ بِالذَّهَبِ فَهُوَ حَرَامٌ مُطْلَقًا عَلَى الْمَذْهَبِ لأِنَّ الْخُيَلاءَ فِيهِ أَشَدُ (وَقِيلَ إِنْ كَانَ) التَّضْبِيبُ (فِي مَوْضِعِ) الاِسْتِعْمَالِ نَحْوُ (الشُّرْبِ حَرُمَ) مُطْلَقًا لِمُبَاشَرَتِهَا بِالاِسْتِعْمَالِ (وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ لَمْ يَحْرُمْ) إِلاَّ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ (وَقِيلَ لا يَحْرُمُ بِحَالٍ) وَقِيلَ يَحْرُمُ بِكُلِّ حَالٍ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تُخَمَّرَ الآنِيَةُ) أَيْ تُغَطَّى لِلأَمْرِ بِهِ فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ (فَإِنْ وَقَعَ فِي بَعْضِهَا نَجَاسَةٌ وَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ تَحَرَّى) أَيِ اجْتَهَدَ فِيهَا بِأَنْ يَبْحَثَ عَمَّا يُبَيِّنُ النَّجِسَ كَرَشَاشٍ حَوْلَ إِنَائِهِ أَوْ زِيَادَتِهِ مَثَلاً (وَتَوَضَّأَ بِالطَّاهِرِ عَلَى الأَغْلَبِ عِنْدَهُ) أَيْ فِي ظَنِّهِ وَأَفْهَمَ أَنَّهُ لا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ نَعَمْ إِنْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ عَنْ عِلْمٍ عَمِلَ بِهِ (وَقِيلَ إِنْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ تَيَقَّنَ طَهَارَتَهُ) أَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ (لَمْ يَتَحَرَّ) كَمَنْ أَمْكَنَهُ عِلْمُ الْقِبْلَةِ وَفَرَقَ الأَصَحُّ بِتَعْيِنِ جَهَتِهَا فَالطَّلَبُ لَهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا عَبَثٌ بِخِلافِ الْمَاءِ (وَإِنِ اشْتَبَهَ ذَلِكَ عَلَى أَعْمَى فَفِيهِ قَوْلانِ أَحَدُهُمَا) وَهُوَ الأَظْهَرُ (يَتَحَرَّى) لأِنَّهُ يُدْرِكُ أَمَارَةَ النَّجِسِ بِاللَّمْسِ وَغَيْرِهِ (وَالثَّانِي لا يَتَحَرَّى) لِفَقْدِ الْبَصَرِ الَّذِي هُوَ عُمْدَةُ الاِجْتِهَادِ (وَمَنِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مَاءٌ وَبَوْلٌ) مُنْقَطِعُ الرَّائِحَةِ (أَرَاقَهُمَا) أَوْ خَلَطَهُمَا (وَتَيَمَّمَ) بَعْدَ ذَلِكَ وَصَلَّى بِلا إِعَادَةٍ وَلا يَجْتَهِدُ لأِنَّ الْبَوْلَ لا أَصْلَ لَهُ فِي التَّطْهِيرِ فَيُرْجَعَ إِلَيْهِ، فَإِنْ صَلَّى قَبْلَ الإِرَاقَةِ أَوْ نَحْوِهَا أَعَادَ لأِنَّ مَعَهُ مَاءً طَاهِرًا بِيَقِينٍ. وَكَذَا يَفْعَلُ إِذَا اجْتَهَدَ فِي الْمَائَيْنِ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ الطَّاهِرُ. وَلِلأَعْمَى حِينَئِذٍ التَّقْلِيدُ بِخِلافِ الْبَصِيرِ، فَإِنْ فَقَدَ مَنْ يُقَلِّدُهُ أَوْ وَجَدَهُ فَتَحَيَّرَ تَيَمَّمَ.