الخميس نوفمبر 21, 2024

بَابُ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ

   (وَالنَّجَاسَةُ هِيَ الْبَوْلُ) لِلأَمْرِ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ أَوَّلَ الطَّهَارَةِ (وَالْغَائِطُ) مِنَ الآدَمِيِّ وَفِي مَعْنَاهُ الْخَارِجُ مِنْ غَيْرِهِ الْمُسَمَّى رَوْثًا لِحَدِيثِ «هَذَا رِكْسٌ» أَيْ نَجِسٌ السَّابِقِ فِي الاِسْتِنْجَاءِ (وَالْمَذْيُ) بِسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ لِلأَمْرِ بِغَسْلِ الذَّكَرِ مِنْهُ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ فِي قِصَّةِ عَلِيٍّ. وَهُوَ مَاءٌ أَصْفَرُ رَقِيقٌ يَخْرُجُ عِنْدَ ثَوَرَانِ الشَّهْوَةِ (وَالْوَدْيُ) بِسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ بِالإِجْمَاعِ. وَهُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ ثَخِينٌ يَخْرُجُ عَقِبَ الْبَوْلِ أَوْ عِنْدَ حَمْلِ شَىْءٍ ثَقِيلٍ. (وَقِيلَ وَمَنِيُّ غَيْرِ الآدَمِيِّ) لاِسْتِحَالَتِهِ فِي الْبَاطِنِ كَالدَّمِ بِخِلافِ الآدَمِيِّ تَكْرِيْمًا لَهُ. (وَقِيلَ وَمَنِيُّ مَا لا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ غَيْرَ الآدَمِيِّ) بِخِلافِ مَا يُؤْكَلُ وَالأَصَحُّ طَهَارَةُ مَنِيِّ النَّوْعَيْنِ غَيْرَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَفَرْعِ أَحَدِهِمَا لأِنَّهُ أَصْلُ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ وَيَدُلُّ لِطَهَارَتِهِ مِنَ الآدَمِيِّ حَدِيثُ الشَّيْخَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَحُكُّ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ وَيُسَنُّ غَسْلُهُ رَطْبًا وَفَرْكُهُ يَابِسًا ذَكَرَهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ. (وَالدَّمُ) لِتَحْرِيْمِهِ فِي الآيَةِ الآتِيَةِ وَلِلأَمْرِ بِغَسْلِهِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ أَوَّلَ الطَّهَارَةِ. (وَالْقَيْحُ) لأِنَّهُ دَمٌ مُسْتَحِيلٌ. (وَالْقَىْءُ) لاِسْتِحَالَتِهِ كَالْغَائِطِ. (وَالْخَمْرُ) وَهُوَ الْمُتَّخَذُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ بِالإِجْمَاعِ نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. (وَالنَّبِيذُ) وَهُوَ الْمُتَّخَذُ مِنَ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَالْعَسَلِ وَالْحُبُوبِ قِيَاسًا عَلَى الْخَمْرِ بِخِلافِ الْبَنْجِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْحَشِيشِ الْمُسْكِرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ مَعَ تَحْرِيْمِهِ. (وَالْكَلْبُ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يُغْسَلَ سَبْعَ مَرَّاتٍ» أَيْ مُطَهِّرُهُ فَالتَّطَهُّرُ إِمَّا عَنْ حَدَثٍ أَوْ نَجِسٍ وَلا حَدَثَ عَلَى الإِنَاءِ فَتَعَيَّنَ النَّجِسُ (وَالْخِنْزِيرُ) قِيَاسًا عَلَى الْكَلْبِ بَلْ هُوَ أَسْوَأُ حَالاً مِنْهُ لأِنَّهُ لا يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ بِحَالٍ بِخِلافِهِ. (وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا) مَعَ غَيْرِهِ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الطَّاهِرَةِ تَغْلِيبًا لِلنَّجَاسَةِ. (وَالْمَيْتَةُ) لِحُرْمَةِ تَنَاوِلِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ﴾ (إِلاَّ السَّمَكَ وَالْجَرَادَ) أَيْ مَيْتَتَهُمَا فَإِنَّهَا طَاهِرَةٌ بِالإِجْمَاعِ لِحِلِّ تَنَاوِلِهَا. رَوَى الْحَاكِمُ حَدِيثَ «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ» (وَالآدَمِيَّ) أَيْ مَيْتَتَهُ فَإِنَّهَا طَاهِرَةٌ (فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ﴾ وَقَضِيَّةُ التَّكْرِيْمِ أَنْ لا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِمْ بَعْدَ الْمَوْتِ وَسَوَاءٌ الْكُفَّارُ وَالْمُسْلِمُونَ. وَرَوَى الْحَاكِمُ حَدِيثَ «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لا يَنْجُسُ حَيًّا وَلا مَيِّتًا» وَالثَّانِي أَنَّهُ نَجِسٌ كَسَائِرِ الْمَيْتَاتِ (وَمَا لا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إِذَا ذُبِحَ) لأِنَّهُ مَيْتَةٌ شَرْعًا (وَشَعَرَ الْمَيْتَةِ) لأِنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا وَفِي مَعْنَاهُ صُوفُهَا وَوَبَرُهَا وَرِيشُهَا (وَشَعَرُ مَا لا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إِذَا انْفَصَلَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ) لِحَدِيثِ «مَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ» صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ بِخِلافِ شَعَرِ الْمَأْكُولِ إِذَا انْفَصَلَ لا مَعَ الْعُضْوِ وَفِي مَعْنَاهُ الصُّوفُ وَالْوَبَرُ وَالرِّيشُ لِلاِمْتِنَانِ بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ﴾ وَلَوْ قُطِعَ مِنْهُ عُضْوٌ عَلَيْهِ شَعَرٌ فَإِنَّهُ نَجِسٌ فِي الأَصَحِّ تَبَعًا لَهُ. (وَلَبَنُ مَا لا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ غَيْرَ الآدَمِيِّ) كَلَبَنِ الأَتَانِ لاِسْتِحَالَتِهِ فِي الْبَاطِنِ كَالدَّمِ بِخِلافِ لَبَنِ الْمَأْكُولِ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ﴾ وَكَذَا لَبَنُ الآدَمِيِّ فَإِنَّهُ لا يَلِيقُ بِكَرَامَتِهِ أَنْ يَكُونَ مَنْشَأَهُ نَجِسًا وَقِيلَ وَمِنْ ذَلِكَ يُؤْخَذُ أَنَّ الْكَلامَ فِي لَبَنِ الأُنْثَى الْكَبِيرَةِ فَيَكُونَ لَبَنُ الذَّكَرِ وَالصَّغِيرَةِ نَجِسًا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِيهِ وَالْعِمْرَانِيُّ فِيهَا وَتَبِعَهُ ابْنُ يُونُسَ وَصَرَّحَ بِخِلافِهِ الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ الاِسْتِقْصَاءِ. (وَالْعَلَقَةُ) وَالْمُضْغَةُ مِنَ الْحَيَوَانِ الطَّاهِرِ (فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) إِلْحَاقًا لَهُمَا بِالدَّمِ إِذِ الأُولَى دَمٌ غَلِيظٌ وَالثَّانِيَةُ عَلَقَةٌ جَمُدَتْ فَصَارَتْ كَقِطْعَةِ لَحْمٍ قَدْرَ مَا يُمْضَغُ وَالأَصَحُّ طَهَارَتُهُمَا لأِنَّهُمَا أَصْلُ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ. (وَرُطُوبَةُ فَرْجِ الْمَرْأَةِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) لأِنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ وَالثَّانِي وَصَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ كَالْعَرَقِ وَالْمُرَادُ بِهَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مَاءٌ أَبْيَضُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْمَذْيِ وَالْعَرَقِ قَالَ أَمَّا الرُّطُوبَةُ الْخَارِجَةُ مِنَ الْبَاطِنِ فَنَجِسَةٌ قَطْعًا وَالْخِلافُ جَارٍ بِتَصْحِيحِهِ فِيهَا مِنَ الْبَهَائِمِ وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ نَجَاسَةُ الْبَيْضِ (وَمَا يَنْجُسُ بِذَلِكَ) مِمَّا لا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ كَالْمَائِعِ (وَلا يَطْهُرُ شَىْءٌ مِنَ النَّجَاسَاتِ بِالاِسْتِحَالَةِ إِلاَّ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا الْخَمْرُ فَإِنَّهَا إِذَا انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا خَلاًّ طَهُرَتْ) مُحْتَرَمَةً كَانَتْ أَمْ لا لِزَوَالِ الإِسْكَارِ الْمُوجِبِ لِلتَّحْرِيْمِ وَالنَّجَاسَةِ (وَإِنْ خُلِّلَتْ لَمْ تَطْهُرْ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ. وَالْمَعْنَى نَجَاسَةُ الْمَطْرُوحِ بِهَا بِطَرْحِ شَىْءٍ فِيهَا فَيُنَجِّسُهَا بَعْدَ انْقِلابِهَا خَلاًّ وَقِيلَ الْمُعَاقَبَةُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ لاِسْتِعْجَالِهِ وَيَنْبَنِي عَلَى الْعِلَّتَيْنِ مَا لَوْ وَقَعَ فِيهَا الْمُخَلِّلُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَيَطْهُرُ عَلَى الثَّانِي دُونَ الأَوَّلِ وَكَمَا لَوْ نُقِلَتْ مِنْ شَمْسٍ إِلَى ظِلٍّ أَوْ عَكْسُهُ أَوْ فُتِحَ رَأْسُهُ لِلْهَوَاءِ فَيَطْهُرُ عَلَى الأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي. أَمَّا النَّبِيذُ فَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بِأَنَّهُ لا يَطْهُرُ بِالتَّخَلُّلِ لِتَنْجِيسِ الْمَاءِ بِهِ حَالَةَ الاِشْتِدَادِ فَيُنَجِّسُهُ بَعْدَ الاِنْقِلابِ وَأَقَرَّهُ فِي الْمَطْلَبِ. وَقَالَ الْبَغَوِيُّ يَطْهُرُ لأِنَّ الْمَاءَ مِنْ ضَرُورَتِهِ كَالدُّودِ وَرَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ. وَالثَّانِي (جِلْدُ الْمَيْتَةِ سِوَى) جِلْدِ (الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ) وَفَرْعِهِمَا (إِذَا دُبِغَ فَإِنَّهُ يَطْهُرُ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «إِذَا دُبِغَ الإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ» وَيَحْصُلُ بِنَزْعِ فُضُولِهِ بِحِرِّيفٍ كَالْقَرَظِ وَالشَّبِّ وَالْعَفْصِ بِحَيْثُ لَوْ نُقِعَ فِي الْمَاءِ لَمْ يَعُدْ إِلَيْهِ النُّتْنُ وَالْفَسَادُ بِخِلافِ تَجْفِيفِهِ بِالشَّمْسِ. وَخَرَجَ بِالْجِلْدِ الشَّعَرُ وَنَحْوُهُ فَلا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ فِي الأَظْهَرِ وَالثَّانِي يَطْهُرُ تَبَعًا لَهُ. (وَيَحِلُّ بَيْعُهُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ) وَهُوَ الأَظْهَرُ بِنَاءً عَلَى طَهَارَةِ بَاطِنَهِ وَظَاهِرِهِ وَالثَّانِي لا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لا يَطْهُرُ لأِنَّ ءَالَةَ الدَّبْغِ وَنَحْوِهِ لا تَصِلُ إِلَيْهِ وَدُفِعَ بِأَنَّهَا تَصِلُ إِلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْمَاءِ وَرُطُوبَةِ الْجِلْدِ. فَعَلَى الأَوَّلِ يُصَلَّى فِيهِ وَيُسْتَعْمَلُ فِي الأَشْيَاءِ الرَّطْبَةِ وَعَلَى الثَّانِي لا. وَأَمَّا جِلْدُ الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ فَلا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ لأِنَّ الْحَيَاةَ فِي إِفَادَةِ الطَّهَارَةِ أَبْلَغُ مِنْهُ وَهِيَ لا تُفِيدُهُ فِيهِ فَكَذَلِكَ دَبْغُهُ.

   (وَإِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ أَوِ الْخِنْزِيرُ أَوْ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُمَا) أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا (فِي إِنَاءٍ لَمْ يَطْهُرْ حَتَّى يُغْسَلَ سَبْعَ مَرَّاتٍ إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) «إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَاغْسِلُوُه سَبْعَ مَرَّاتٍ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، زَادَ مُسْلِمٌ «أُولاهُنَّ بِالتُّرَابِ» وَلأَبِي دَاوُدَ «السَّابِعَةَ بِالتُّرَابِ» وَهُمَا مُتَعَارِضَانِ فِي مَحَلِّ التُّرَابِ فَتَسَاقَطَا فِي تَعْيِينِهِ وَاكْتُفِيَ بِوُجُودِهِ فِي وَاحِدَةٍ مِنَ السَّبْعِ كَمَا فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ «إِحْدَاهُنَّ بِالْبَطْحَاءِ» وَقِيسَ بِالْكَلْبِ الْخِنْزِيرُ لأِنَّهُ أَسْوَأُ حَالاً مِنْهُ. وَغَيْرُ الْوُلُوغِ كَالْبَوْلِ وَالْعَرَقِ مِثْلُهُ بِالأَوْلَى. وَلا يُغْنِي عَنِ السَّبْعِ وَضْعُهُ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ فِي الأَصَحِّ مَكَثَ أَمْ لا. نَعَمْ إِنْ حَرَّكَهُ سَبْعًا أَوْ كَانَ جَارِيًا كَفَى سَبْعُ جِرْيَاتٍ وَكُدْرَتُهُ عَنِ التَّعْفِيرِ وَكَذَا الأَرْضُ التُّرَابِيَّةُ عَلَى الأَصَحِّ إِذْ لا مَعْنَى لِتَعْفِيرِ التُّرَابِ فَلَوْ كَانَ فِي الإِنَاءِ مَاءٌ قَلِيلٌ فَكُوثِرَ حَتَّى بَلَغَ قُلَّتَيْنِ طَهُرَ الْمَاءُ قَطْعًا وَتُوقَفُ طَهَارَةِ الإِنَاءِ عَلَى السَّبْعِ عَلَى الأَصَحِّ كَمَا شَمِلَتْهُ الْعِبَارَةُ. وَالْوَاجِبُ فِي التُّرَابِ مَا يُكَدِّرُ الْمَاءَ وَيَصِلُ بِوَاسِطَتِهِ إِلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْمَحَلِّ وَقِيلَ يَكْفِي مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الاِسْمُ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ طَهُورًا فَلا يَكْفِي نَجِسٌ عَلَى الأَصَحِّ وَلا مُسْتَعْمَلٌ كَالتَّيَمُّمِ. وَصَرَّحَ بِهِ الْكَمَالُ سَلاَّر. وَأَنْ يُمْزَجَ بِالْمَاءِ فَلا يَكْفِي ذَرُّهُ عَلَى الْمَحَلِّ وَلا مَزْجُهُ بِمَائِعٍ عَلَى الأَصَحِّ سَوَاءٌ غَسَلَهُ بِالْمَاءِ سِتًّا أَمْ سَبْعًا كَمَا صَحَّحَهُ مَعَ حِكَايَةِ الْخِلافِ فِي الْحَالَتَيْنِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ.

   (فَإِنْ غُسِلَ بَدَلَ التُّرَابِ بِالْجِصِّ وَالأُشْنَانِ) وَالصَّابُونِ وَكَذَا النُّخَالَةُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ (فَفِيهِ قَوْلانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يَطْهُرُ) لأِنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ التُّرَابِ فِي الاِسْتِطْهَارِ كَمَا قَامَ غَيْرُ الشَّبِّ وَالْقَرْظِ مَقَامَهُمَا فِي الدِّبَاغِ مَعَ وُرُودِ النَّصِّ بِهِمَا وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي رُؤُوسِ الْمَسَائِلِ. وَالثَّانِي لا وَيَتَعَيَّنُ لِلتَّعَبُّدِ بِهِ أَوْ لِلْجَمْعِ بَيْنَ نَوْعَيِ الطَّهُورِ وَهُوَ الأَصَحُّ فِي كُتُبِ الرَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ كُتُبِ النَّوَوِيِّ وَفِي ثَالِثٍ يُفَصَّلُ بَيْنَ وُجُودِ التُّرَابِ وَعَدَمِهِ وَءَاخَرَ بَيْنَ مَا يُفْسِدُهُ التُّرَابُ كَالثِّيَابِ وَغَيْرِهِ كَالأَوَانِي (وَإِنْ غُسِلَ بِالْمَاءِ وَحْدَهُ) أَيْ ثَامِنَةً (فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا [أَنَّهُ] يَطْهُرُ) إِقَامَةً لِلْغَسْلَةِ الثَّامِنَةِ مُقَامَ التَّتْرِيبِ الْقَائِمِ مَقَامَهَا مَعَ أَنَّ الْمَاءَ ءَاكَدُ فِي التَّطْهِيرِ مِنْهُ (وَالثَّانِي لا يَطْهُرُ) وَهُوَ الأَصَحُّ لِلنَّصِّ عَلَيْهِ (وَيُجْزِئُ فِي بَوْلِ الْغُلامِ) الَّذِي (لَمْ يَطْعَمِ) الطَّعَامَ بِفَتْحِ الْيَاءِ أَيْ يَأْكُلْ مَا يَسْتَقِلُّ بِهِ غَيْرَ اللَّبَنِ (النَّضْحُ) بِالْمَاءِ بِأَنْ يُرَشَّ عَلَيْهِ مَا يَغْمُرُهُ وَيَغْلُبَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ سَيَلانٍ بِخِلافِ بَوْلِ الأُنْثَى وَمِثْلِهَا الْخُنْثَى فَلا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْغَسْلِ عَلَى الأَصَحِّ. رَوَى الشَّيْخَانِ عَنِ أُمِّ قَيْسٍ أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجْلَسَهُ فِي حِجْرِهِ فَبَالَ عَلَيْهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ إهـ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ حَدِيثَ «يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلامِ» وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الاِبْتِلاءَ بِحَمْلِ الصَّبِيِّ أَكْثَرُ فَخُفِّفَ فِي بَوْلِهِ وَبِأَنَّهُ أَرَقُّ مِنْ بَوْلِهَا فَلا يَلْصُقُ بِالْمَحَلِّ لُصُوقَ بَوْلِهَا بِهِ. وَلَوْ تَنَاوَلَ غَيْرَ اللَّبَنِ لِلتَّغَذِّي لَمْ يَكْفِ فِيهِ إِلاَّ الْغَسْلُ بِخِلافِ مَا كَانَ لِلصَّلاحِ كَالسَّفُوفِ وَنَحْوِهِ وَتَحْنِيكِهِ أَوَّلَ وِلادَتِهِ بِتَمْرٍ. وَعَنِ النَّصِّ أَنَّ الرَّضَاعَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إهـ قَالَ الإِسْنَوِيُّ وَهُوَ الْمُتَّجِهُ وَلِهَذَا يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الأَعْرَابِ الَّذِينَ لا يَتَنَاوَلُونَ إِلاَّ اللَّبَنَ إهـ

   (وَيُجْزِئُ فِي غَسْلِ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ) أَيْ بَاقِيهَا (كَالْبَوْلِ وَالْخَمْرِ وَغَيْرِهِمَا الْمُكَاثَرَةُ بِالْمَاءِ إِلَى أَنْ يَذْهَبَ أَثَرُهُ) الطَّعْمُ وَاللَّوْنُ وَالرِّيحُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ فِي بَوْلِ الأَعْرَابِيِّ «صُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ» وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «كَانَتِ الصَّلاةُ خَمْسِينَ وَالْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ وَالْبَوْلِ سَبْعَ مَرَّاتٍ فَلَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُ حَتَّى جَعَلَ الصَّلاةَ خَمْسًا وَالْغُسْلَ مِنَ الْجَنَابَةِ مَرَّةً وَغَسْلَ الثَّوْبِ مِنَ الْبَوْلِ مَرَّةً».

   (وَالأَفْضَلُ أَنْ يَغْسِلَ ثَلاثًا) مِنْهَا الْغَسْلَةُ الْمُزِيلَةُ لِلأَثَرِ لاِسْتِحْبَابِ ذَلِكَ عِنْدَ الشَّكِّ فِي النَّجَاسَةِ فِي حَدِيثِ الْمُسْتَيْقِظِ السَّابِقِ فِي الْوُضُوءِ فَعِنْدَ تَحَقُّقِهَا أَوْلَى (وَمَا لا يَزُولُ أَثَرُهُ بِالْغَسْلِ) لِعُسْرِهِ (كَالدَّمِ وَغَيْرِهِ إِذَا غُسِلَ وَبَقِيَ أَثَرُهُ لَمْ يَضُرَّهُ) لِلْمَشَقَّةِ. وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ خَوْلَةَ بِنْتَ يَسَارٍ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي إِلاَّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ وَأَنَا أَحِيضُ فَكَيْفَ أَصْنَعُ؟ فَقَالَ «إِذَا طَهُرْتِ فَاغْسِلِيهِ ثُمَّ صَلِّي» قَالَتْ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ أَصْلُ الدَّمِ؟ قَالَ «يَكْفِيكِ الْمَاءُ وَلا يَضُرُّكِ أَثَرُهُ» وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِتَمْثِيلِهِ بِالدَّمِ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالأَثَرِ اللَّوْنُ وَمِثْلُهُ الرِّيحُ عَلَى الْمَشْهُورِ أَمَّا الطَّعْمُ فَيَضُرُّ بَقَاؤُهُ لأِنَّهُ سَهْلُ الإِزَالَةِ وَأَدَلُّ عَلَى بَقَاءِ عَيْنِ النَّجَاسَةِ إِذْ لا يُوجَدُ إِلاَّ مِنْ جِرْمِهَا. وَكَذَا لَوْ بَقِيَ اللَّوْنُ وَالرِّيحُ مَعًا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ عَلَى الصَّحِيحِ. وَحَيْثُ قُلْنَا لا يَضُرُّ فَهَلْ يَجِبُ الاِسْتِعَانَةُ فِي زَوَالِهِ بِغَيْرِ الْمَاءِ مِنْ أُشْنَانٍ وَنَحْوِهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا فِي التَّحْقِيقِ وَالتَّنْقِيحِ نَعَمْ قَالَ الإِسْنَوِيُّ وَهُوَ الصَّوَابُ (وَمَا غُسِلَ بِهِ) مِنَ (النَّجَاسَةِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ فَهُوَ طَاهِرٌ) كَمَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْغَسْلِ سَوَاءٌ طَهُرَ الْمَحَلُّ أَمْ لا لأِنَّ الْمَاءَ الْوَارِدَ لِقُوَّتِهِ لا يَنْجُسُ بِمُلاقَاةِ النَّجَاسَةِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ وَقِيلَ هُوَ نَجِسٌ تَغَيَّرَ أَمْ لا طَهُرَ الْمَحَلُّ أَمْ لا لاِنْتِقَالِ الْمَنْعِ إِلَيْهِ كَمَا فِي الْمُسْتَعْمَلِ فِي الْحَدَثِ وَمِنْهُ خُرِّجَ وَلِمُلاقَاتِهِ النَّجَاسَةَ مَعَ قِلَّتِهِ (وَقِيلَ إِنِ انْفَصَلَ وَقَدْ طَهُرَ الْمَحَلُّ) وَلَمْ يَتَغَيَّرْ (فَهُوَ طَاهِرٌ وَإِنِ انْفَصَلَ وَلَمْ يَطْهُرِ الْمَحَلُّ فَهُوَ نَجِسٌ) لأِنَّ الْمُنْفَصِلَ بَعْضُ مَا كَانَ مُتَّصِلاً بِهِ فَيُعْطَى حُكْمَهُ طَهَارَةً وَغَيْرَهَا وَهَذَا هُوَ الأَصَحُّ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَجُمْهُورِ الأَصْحَابِ وَقَالَ الإِمَامُ إِنَّهُ الْمَنْصُوصُ وَالرَّافِعِيُّ إِنَّهُ الْجَدِيدُ وَالأَوَّلَ قَدِيْمٌ وَيُشْتَرَطُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنْ لا يَزِيدَ وَزْنُهُ فَإِنْ زَادَ فَنَجِسٌ فِي الأَصَحِّ، وَقَالَ الْقُونَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَلا بُدَّ مِنَ اعْتِبَارِ مَا يَشْرَبُهُ الثَّوْبُ مَثَلاً. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ هُوَ غَيْرُ مُطَهِّرٍ لاِسْتِعْمَالِهِ وَعَلَى الأَوَّلِ طَهُورٌ أَمَّا الْمُتَغَيِّرُ فَنَجِسٌ بِالإِجْمَاعِ. وَالْمُسْتَعْمَلُ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ طَاهِرٌ بِالإِجْمَاعِ وَطَهُورٌ أَيْضًا عَلَى الأَصَحِّ. وَهَلْ نَحْكُمُ بِنَجَاسَةِ الْمَحَلِّ فِيمَا إِذَا انْفَصَلَ مُتَغَيِّرًا أَوْ زَائِدَ الْوَزْنِ وَلا أَثَرَ بِهِ يُدْرَكُ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا فِي التِّتِمَّةِ نَعَمْ. وَأَقَرَّهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ.