الإثنين ديسمبر 23, 2024

بيان من تأول من علماء أهل السنة الاستواء على العرش بالقهر والاستيلاء

من علمائنا المالكية من تأول الاستواء على العرش بالقهر والاستيلاء الشيخ برهان الدين إبراهيم اللقاني المالكي (ت 1041 هـ) في شرحه على منظومته جوهرة التوحيد والشيخ أحمد بن غنيم النفراوي الأزهري المالكي (ت 1126 هـ) في كتابه الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني قال ما نصه (استوى أي استولى بالقهر والغلبة استيلاء ملك قاهر وإله قادر، ويلزم من استيلائه تعالى على أعظم الأشياء وأعلاها استيلاؤه على ما دونه). اهـ
والشيخ محمد الطيب بن عبد المجيد المدعو ابن كيران المالكي (ت 1227 هـ) في شرحه على توحيد العالم الماهر سيّدي عبد الواحد بن عاشر مفسرًا الاستواء على العرش بالقهر والغلبة، كقوله (فلما علونا واستوينا عليهم *** جعلناهم مرعى لنسر وطائر) وقوله (قد استوى بشر على العراق *** من غير سيف ودم مــهــراق) وخص العرش لأنه أعظم المخلوقات، ومن استولى على أعظمها كان استيلاؤه على غيره أحرى). اهـ
والشيخ أبو الحسن علي بن محمد المنوفي المالكي المصري (ت 939 هـ) قال في كتابه كفاية الطالب ما نصه (فمعنى استوائه على عرشه أن الله تعالى استولى عليه استيلاء ملك قادر قاهر، ومن استولى على أعظم الأشياء كان ما دونه في ضمنه ومنطويًا تحته، وقيل الاستواء بمعنى العلو أي علو مرتبه ومكانة لا علو المكان). اهـ.
والشيخ إسماعيل بن موسى بن عثمان الحامدي المالكي (ت 1316 هـ) قال في شرحه على العقيدة الصغرى (وأما قوله تعالى في سورة طه (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) فمعناه والله أعلم أنه مستول بقهره وعظمته وسلطانه، وليس المعنى أنه جالس على العرش، لأن هذا من صفات الحوادث وهو محال في حقه تعالى، وبالجملة فكل ما خطر ببالك من صفات الحوادث فالله بخلاف ذلك). اهـ

والشيخ عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف أبو زيد الثعالبي المالكي (ت 875 هـ) قال في تفسيره الجواهر الحسان (والقاعدة في هذه الآية ونحوها منع النقلة وحلول الحوادث ويبقى استواء القدرة والسلطان). اهـ

والعالم النحوي الأصولي الفقيه المالكي أبو عمرو عثمان بن عمر ابن الحاجب (ت 646 هـ) قال في أماليه (فإنما أتى بـ (على) لـما في الاستواء من معنى الاستعلاء، ألا ترى إلى قوله تعالى (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)، وقوله للشاعر (قد استوى بشر على العراق) يريد بذلك علو القهر، بدليل قوله في عقيدته عن الله (وعدم حلوله في المتحيز، وعدم اتحاده بغيره، وعدم حلوله فيه، واستحالة كونه في جهة). اهـ
والمفسر أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي (ت 671 هـ) قال في تفسيره (وقيل علا دون تكييف ولا تحديد، واختاره الطبري ويذكر عن أبي العالية الرياحي في هذه الآية أنه يقال استوى بمعنى أنه ارتفع، قال البيهقي ومراده من ذلك – والله أعلم – ارتفاع أمره، وهو بخار الماء الذي وقع منه خلق السماء، وقيل إن المستوى الدخان، وقال ابن عطية وهذا يأباه وصف الكلام، وقيل المعنى استولى، كما قال الشاعر قد استوى بشر على العراق** من غير سيف ودم مهراق، قال ابن عطية وهذا إنما يجيء في قوله تعالى (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) قلت قد تقدم في قول الفراء عليّ وإليّ بمعنى، وسيأتي لهذا الباب مزيد بيان في سورة الأعراف إن شاء الله تعالى، والقاعدة في هذه الآية ونحوها منع الحركة والنقلة. اهـ
والشيخ الفقيه الأصولي المفسر شهاب الدين أحمد القَرافي المالكي (ت 684 هـ) قال في كتابه الذخيرة ما نصه (ومعنى قول مالك الاستواء غير مجهول، أن عقولنا دلتنا على الاستواء اللائق بالله وجلاله وعظمته، وهو الاستيلاء دون الجلوس ونحوه مما لا يكون إلا في الأجسام). اهـ
والقاضي الفقيه الإمام الشيخ أبو الوليد محمد بن أحمد المالكي قاضي الجماعة بقُرْطُبة المعروف بابن رشد الجد (ت 520 هــ) قال ما نصه (والاستواء في قوله تعالى (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) (سورة الأعراف) معناه استولى قاله الواحدي وقيل معناه القهر والغلبة. اهــ ذكره ابن الحاج المالكي في كتابه المدخل موافقًا له ومقــرًّا لكلامه.

والمفسر أبو محمد عبد الحق بن عطية الأندلسي (ت 541 هـ) قال في تفسيره وقيل المعنى استولى كما قال الشاعر قد استوى بشر على العراق *** من غير سيف ودم مهراق، وهذا إنما يجيء في قوله تعالى (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) والقاعدة في هذه الآية ونحوها منع النقلة وحلول الحوادث، ويبقى استواء القدرة والسلطان. اهـ وقال وقد تقدم القول في كلام الناس في الاستواء، واختصاره أن أبا المعالي رجّح أنه استوى بقهره وغلبته، وقال القاضي ابن الطيب وغيره (اسْتَوَى) في هذا الموضع استولى. اهـ

كذلك من غير المالكية:

1) اللغوي السلفي الأديب أبو عبد الرحمن عبد الله بن يحيى بن المبارك (ت 237 هـ) كان عارفا باللغة والنحو، قال في كتابه غريب القرءان وتفسيره ما نصه (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (سورة طه 5) استوى استولى. اهـ

2) الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ) ذكر في تفسيره جامع البيان أن الاستواء في كلام العرب منصرف على وجوه منها الاحتياز والاستيلاء، ثم أوّل قول الله تعالى (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء) (البقرة 29) فقال علا عليها علو ملك وسلطان لا علو انتقال وزوال، وهذا من الطبري تـنزيه لله عن الجهة والمكان وعن الاستقرار والجلوس والمحاذاة وما كان من صفة المخلوق، قال الطبري في مقدمة تاريخه عن الله تعالى (لا تحيط به الأوهام، ولا تحويه الأقطار، ولا تدركه الأبصار). اهـ

3) الإمام اللغوي أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج (ت 311 هـ) قال فيه الذهبي (ت 748هـ) نحوي زمانه قال في كتابه معاني القرءان وإعرابه ما نصه وقالوا معنى استوى استولى. اهـ

4) الإمام أبو منصور محمد بن محمد الماتريدي الحنفي (ت 333 هـ) إمام أهل السنة والجماعة، قال في كتابه المسمى تأويلات أهل السنة في تفسير قوله تعالى (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (سورة طه 5) ما نصه (أو الاستيلاء عليه وأن لا سلطان لغيره ولا تدبير لأحد فيه). اهـ

5) اللغوي أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي (ت 340 هـ) قال فيه الذهبي ما نصه شيخ العربية وتلميذ العلامة أبي إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج، وهو منسوب إليه، قال في كتابه اشتقاق أسماء الله ما نصه والعلي والعالي أيضا: القاهر الغالب للأشياء، فقول العرب علا فلان فلانًا أي غلبه وقهره كما قال الشاعر:

فلما عَلَونا واستوينا عليهم *** تركناهم صرعى لنسر وكاسرِ

يعني غلبناهم وقهرناهم واستولينا عليهم. اهـ

6) الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني(ت 360هـ) قال في التفسير الكبير (والاستواء الاستيلاء، ولم يـزل الله سبحانه مستوليا على الأشياء كلها، إلا أن تخصيص العرش لتعظيم شأنه). اهـ

7) الشيخ الإمام أبو بكر أحمد الرازي الـجصّاص الحنفي (ت 370 هـ) قال في كتابه أحكام القرءان قوله تعالى (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (سورة طه 5) قال الحسن استوى بلطفه وتدبيره، وقيل استولى. اهـ

8) أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي (ت 375 هـ) قال في تفسيره ويقال استوى استولى. اهـ

9) الإمام أبو بكر بن فورك الأصبهاني (ت 406 هـ) قال في كتابه مشكل الحديث لأن استواءه على العرش سبحانه ليس على معنى التمكن والاستقرار، بل هو على معنى العلو بالقهر والتدبير وارتفاع الدرجة بالصفة، على الوجه الذي يقتضي مباينة الخلق. اهـ

10) الإمام أبو منصور محمد بن الحسن بن أبي أيوب الأيوبي النيسابوري (ت 421 هـ) قال إن كثيرا من متأخري أصحابنا ذهبوا إلى أن الاستواء هو القهر والغلبة. اهـ

11) الإمام أبو محمد عبد الله بن يوسف الجويني والد إمام الحرمين (ت 438 هـ) قال في كفاية المعتقد أما ما ورد من ظاهر الكتاب والسنة ما يوهم بظاهرها تشبيها فللسلف فيه طريقان إحداهما الإعراض فيها عن الخوض فيها وتفويض علمها إلى الله تعالى، وهذه طريقة ابن عباس وعامة الصحابة وإليها ذهب كثير من السلف ثم قال والطريقة الثانية الكلام فيها وفي تفسيرها بأن يردها عن صفات الذات إلى صفات الفعل فيحمل النـزول على قرب الرحمة واليد على النعمة والاستواء على القهر والقدرة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كلتا يديه يمين) ومن تأمل هذا اللفظ انتفى عن قلبه ريبة التشبيه وقد قال تعالى (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (سورة طه 5)، وقال (مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ) (سورة المجادلة 7) فكيف يكون على العرش ساعة كونه سادسهم إلا أن يرد ذلك إلى معنى الإدراك والإحاطة لا إلى معنى المكان والاستقرار والجهة والتحديد. اهـ

12) المفسّر أبو الحسن علي بن محمد الماوردي (ت 450 هـ) قال في تفسيره النكت والعيون ما نصه (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) (سورة الأعراف 54) فيه قولان …والثاني استولى على العرش كما قال الشاعر:

قد استوى بِشْرٌ على العِراقِ *** من غير سَيفٍ ودمٍ مُهراقِ.

13) الحافظ أبو بكر البيهقي (ت 458 هــ) قال في كتابه الأسماء والصفات ما نصه وفيما كتب إلي الأستاذ أبو منصور ابن أبي أيوب أن كثيرا من متأخري أصحابنا ذهبوا إلى أن الاستواء هو القهر والغلبة، ومعناه أن الرحمن غلب العرش وقهره، وفائدته الإخبار عن قهره مملوكاته، وأنها لم تقهره، وإنما خص العرش بالذكر لأنه أعظم المملوكات، فنبه بالأعلى على الأدنى، قال والاستواء بمعنى القهر والغلبة شائع في اللغة، كما يقال استوى فلان على الناحية إذا غلب أهلها، وقال الشاعر في بشر بن مروان:

قد استوى بشر على العراق *** من غير سيف ودم مهراق

يريد أنه غلب أهله من غير محاربة. اهــ

14) أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري (ت 468 هـ) قال في تفسيره الوجيز (اسْتَوَى) أي استولى. اهـ

15) الإمام أبو إسحاق الشيرازي (ت 476 هـ) ذكر في كتابه الإشارة إلى مذهب أهل الحق ومنهم من قال الاستواء بمعنى الاستيلاء، استوى على العرش أي استولى عليه، يقال استوى فلان على الملك أي استولى عليه. اهـ

16.الشيخ المفسر الحسين بن محمد الدامغاني الحنفي [ت478هـ] قال في كتابه إصلاح الوجوه: الاستواء بمعنى القهر والقدرة، قوله تعالى في سورة طه (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) أي قدر وقهر. اهـ

17.إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني الشافعي [ت478هـ] قال في كتابه الإرشاد ما نصه:

فإن استدلوا بظاهر قوله تعالى (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [سورة طه5]، فالوجه معارضتهم بآي يساعدوننا على تأويلها، منها قوله تعالى (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ) [سورة الحديد 4] وقوله تعالى (أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ) [سورة الرعد 33] فنسائلهم عن معنى ذلك، فإن حملوه على كونه معنا بالإحاطة والعلم، لم يمتنع منا حمل الاستواء على القهر والغلبة، وذلك شائع في اللغة، إذ العرب تقول استوى فلان على الممالك إذا احتوى على مقاليد الملك واستعلى على الرقاب. وفائدة تخصيص العرش بالذكر أنه اعظم المخلوقات في ظن البرية، فنص عليه تنبيها بذكره على ما دونه. فإن قيل الاستواء بمعنى الغلبة ينبئ عن سبق مكافحة ومحاولة، قلنا هذا باطل، إذ لو أنبأ الاستواء عن ذلك لأنبأ عنه القهر. ثم الاستواء بمعنى الاستقرار بالذات ينبئ عن اضطراب واعوجاج سابق، والتزام ذلك كفر. اهــ

18.الإمام عبد الرحمن بن محمد الشافعي المعروف بالمتولي [ت478هــ] قال في كتابه الغنية في دفع شبهة من منع تفسير الاستواء بالقهر ما نصه: فإن قيل الاستواء إذا كان بمعنى القهر والغلبة فيقتضي منازعة سابقة وذلك محال في وصفه. قلنا والاستواء بمعنى الاستقرار يقتضي سبق الاضطراب والاعوجاج، وذلك محال في وصفه. اهــ

19.النحوي أبو الحسن علي بن فضّال المجاشعي [ت479هـ] في كتابه النكت في القرءان الكريم.

20.اللغوي أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصبهاني [ت502هـ] قال في كتابه المفردات ما نصه: ومتى عدّي (أي الاستواء) بـ (على) اقتضى معنى الاستيلاء كقوله: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [سورة طه]. اهــ

21.الشيخ الفقيه أبو حامد الغزالي الشافعي [ت505هــ] قال في كتابه إحياء علوم الدين عندما تكلم عن الاستواء ما نصه: وليس ذلك إلا بطريق القهر والاستيلاء. اهــ

22.المتكلم أبو المعين ميمون بن محمد النسفي الحنفي [ت508هــ] قال في كتابه تبصرة الأدلة بعد أن ذكر معاني الاستواء وأن منها الاستيلاء ما نصه:

فعلى هذا يحتمل أن يكون المراد منه استولى على العرش الذي هو أعظم المخلوقات وتخصيصه بالذكر كان تشريفا له، ثم قال وتزييف (بعض) الأشعرية هذا التأويل لمكان أن الاستيلاء يكون بعد الضعف. وهذا لا يتصور في الله تعالى، ونسبتهم هذا التأويل إلى المعتزلة ليس بشىء، لأن أصحابنا أولوا هذا التأويل ولم تختص به المعتزلة. وكون الاستيلاء إن كان في الشاهد عقيب الضعف ولكن لم يكن هذا عبارة عن استيلاء عن ضعف في اللغة، بل ذلك يثبت على وفاق العادة كما يقال علم فلان، وكان ذلك في المخلوقين بعد الجهل، ويقال قدر، وكان ذلك بعد العجز، وهذا الاطلاق جائز في الله تعالى على إرادة تحقق العلم والقدرة بدون سابقة الجهل والعجز، فكذا هذا. اهــ

23.الإمام أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الكريم بن هوازن القشيري [ت514هـ] الذي وصفه الحافظ عبد الرزاق الطبسي بإمام الأئمة قال في كتابه التذكرة الشرقية ما نصه:

فإن قيل أليس الله يقول (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [سورة طه] فيجب الأخذ بظاهره، قلنا: الله يقول أيضا (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ) [سورة الحديد]، ويقول تعالى (أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَىءٍ مُّحِيطٌ) [سورة فصلت54] فينبغي أيضا أن نأخذ بظاهر هذه الآيات حتى يكون على العرش وعندنا ومعنا ومحيطا بالعالم محدقا به بالذات في حالة واحدة. والواحد يستحيل أن يكون بذاته في حالة واحدة بكل مكان. قالوا قوله تعالى (وَهُوَ مَعَكُمْ) يعني بالعلم، و (بِكُلِّ شَىءٍ مُّحِيطٌ) إحاطة العلم، قلنا وقوله تعالى (عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) قهر وحفظ وأبقى. انتهى

يعني أنهم قد أولوا هذه الآيات ولم يحملوها على ظواهرها فكيف يعيبون على غيرهم تأويل ءاية الاستواء بالقهر، فما هذا التحكم؟!

ثم قال القشيري رحمه الله: ولو أشعر ما قلنا توهم غلبته لأشعر قوله (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ) [سورة الأنعام 18] بذلك أيضا حتى يقال كان مقهورا قبل خلق العباد هيهات إذ لم يكن للعباد وجود قبل خلقه إياهم بل لو كان الأمر على ما توهمه الجهلة من أنه استواء بالذات لأشعر ذلك بالتغيير واعوجاج سابق على وقت الاستواء فإن البارئ تعالى كان موجودا قبل العرش، ومن أنصف علم أن قول من يقول العرش بالرب استوى أمثل من قول من يقول الرب بالعرش استوى، فالرب إذا موصوف بالعلو وفوقية الرتبة والعظمة ومنزه عن الكون في المكان وعن المحاذاة. اهـ

24.القاضي الشيخ أبو الوليد محمد بن أحمد المالكي قاضي الجماعة بقُرْطُبة المعروف بابن رشد الجد [ت520هــ] قال ما نصه:

والاستواء في قوله تعالى (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) [سورة الأعراف] معناه استولى قاله الواحدي وقيل معناه القهر والغلبة. اهــ ذكره ابن الحاج المالكي في كتابه المدخل موافقًا له ومقــرًّا لكلامه.

25.العلامة الفقيه الأصولي أبو الثناء محمود بن زيد اللامشي الحنفي الماتريدي [ت522هـ] قال ما نصه:

ووجه ذلك أن الاستواء قد يُذكر ويراد به الاستقرار، وقد يذكر ويراد به الاستيلاء فيحمل على الاستيلاء دفعا للتناقض، وإنما خص العرش بالذكر تعظيما له كما خصه بالذكر في قوله تعالى (وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) [سورة التوبة:129] وإن كان هو رب كل شىء. اهـ

26.المفسر أبو محمد عبد الحق بن عطية الأندلسي [ت541هـ] قال في تفسيره:

وقيل المعنى استولى كما قال الشاعر:

قد استوى بشر على العراق *** من غير سيف ودم مهراق

وهذا إنما يجيء في قوله تعالى (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) والقاعدة في هذه الآية ونحوها منع النقلة وحلول الحوادث، ويبقى استواء القدرة والسلطان. اهـ وقال وقد تقدم القول في كلام الناس في الاستواء، واختصاره أن أبا المعالي رجّح أنه استوى بقهره وغلبته، وقال القاضي ابن الطيب وغيره (اسْتَوَى) في هذا الموضع استولى. اهـ

27.القاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي المالكي [ت544هـ] ذكر في كتابه مشارق الأنوار على صحاح الآثار عدة أقوال في تفسير ءاية الاستواء:

وقال بعضهم هو إظهار لآياته لا مكان لذاته……وقيل استوى بمعنى العلو بالعظمة…….وقيل استوى قهر. اهـ

28.الحافظ الكبير محدث الشام المؤرخ أبو القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله [ت571هــ] قال ما نصه:

خـلق الســماء كــمـا يشـا *** ء بــلا دعــائـم مســتـقـلـه
لا لــلتـحـيـز كـي تـكــو*** ن لـــذاتـه جــهـة مــقـلـه
رب عـلى الــعرش اسـتـوى *** قــهــرا ويــنزل لا بــنـقـلـه

29.الشيخ نور الدين أحمد بن محمود بن أبى بكر الصابونى [ت580هـ] في كتابه البداية من الكفاية.

30.الإمام المحدث الحافظ المفسر عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي [ت597هـ] في كتابه دفع شبه التشبيه.

31.المفسّر فخر الدين الرازي الشافعي [ت606هـ] قال في تفسيره ما نصه: فثبت أن المراد استواؤه على عالم الأجسام بالقهر والقدرة والتدبير والحفظ. اهــ

وقال في موضع ءاخر ما نصه: قال بعض العلماء: المراد من الاستواء الاستيلاء ثم قال في دفع شبهة من قال الاستيلاء معناه حصول الغلبة بعد العجز: إذا فسرنا الاستيلاء بالاقتدار زالت هذه المطاعن بالكلية. اهـ

وقال في كتابه أساس التقديس: وإذا ثبت هذا ظهر أنه ليس المراد من الاستواء الاستقرار، فوجب أن يكون المراد هو الاستيلاء والقهر ونفاذ القدر وجريان الأحكام الإلهية، وهذا مستقيم على قانون اللغة فقد قال الشاعر:

قد استوى بشر على العراق*** من غير سيف ودم مهراق

32.القاضي إسماعيل بن إبراهيم الشيباني [ت629هـ] قال في كتابه البيان اعتقاد أهل السنة والجماعة: ومن أوّل حمل الاستواء على الاستيلاء. اهـ

33.الشيخ المتكلم سيف الدين الآمدي الحنبلي ثم الشافعي [ت631هـ] ذكر في كتابه أبكار الأفكار أن تفسير الاستواء بالاستيلاء والقهر هو من أحسن التأويلات وأقربها.

34.العالم النحوي الفقيه المالكي أبو عمرو عثمان بن عمر ابن الحاجب [ت646هـ] قال في أماليه:

فإنما أتى ب (على) لـما في الاستواء من معنى الاستعلاء، ألا ترى إلى قوله تعالى (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)، وقوله[للشاعر] قد استوى بشر على العراق. اهـ يريد بذلك علو القهر، بدليل قوله في عقيدته عن الله وعدم حلوله في المتحيز، وعدم اتحاده بغيره، وعدم حلوله فيه، واستحالة كونه في جهة. اهـ

35.الشيخ عبد العزيز بن عبد السلام الشافعي [ت660هـ] قال في كتابه الإشارة إلى الإيجاز: استواؤه على العرش وهو مجاز عن استيلائه على ملكه وتدبيره إياه. اهـ

36.المفسر أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي [ت671هـ] قال في تفسيره:

وقيل علا دون تكييف ولا تحديد، واختاره الطبري. ويذكر عن أبي العالية الرياحي في هذه الآية أنه يقال استوى بمعنى أنه ارتفع. قال البيهقي: ومراده من ذلك (والله أعلم) ارتفاع أمره، وهو بخار الماء الذي وقع منه خلق السماء. وقيل إن المستوى الدخان. وقال ابن عطية: وهذا يأباه وصف الكلام. وقيل المعنى استولى، كما قال الشاعر:

قد استوى بشر على العراق *** من غير سيف ودم مهراق

قال ابن عطية: وهذا إنما يجيء في قوله تعالى (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) قلت: قد تقدم في قول الفراء عليّ وإليّ بمعنى. وسيأتي لهذا الباب مزيد بيان في سورة الأعراف إن شاء الله تعالى. والقاعدة في هذه الآية ونحوها منع الحركة والنقلة. اهـ

37.الشيخ الفقيه الأصولي المفسر شهاب الدين أحمد القَرافي المالكي [ت684هـ] قال في كتابه الذخيرة ما نصه:

ومعنى قول مالك الاستواء غير مجهول، أن عقولنا دلتنا على الاستواء اللائق بالله وجلاله وعظمته، وهو الاستيلاء دون الجلوس ونحوه مما لا يكون إلا في الأجسام. اهـ

38.المفسر القاضي أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد البيضاوي الشافعي [ت685هـ وقيل691هـ] قال في تفسيره أنوار التنزيل ما نصه (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) [سورة الأعراف]: استوى أمره أو استولى. اهـ

39.المفسر أبو البركات عبد الله بن أحمد النسفي [ت710هـ وقيل701هـ] قال في تفسيره مدارك التنزيل ما نصه: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [سورة طه] استولى، عن الزجاج. اهـ

40.اللغوي محمد بن مكَرّم الإفريقي المصري المعروف بابن منظور [ت711هـ] قال في كتابه لسان العرب من غير أن يتعرض لتفسير ءاية الاستواء ما نصه: استوى استولى وظهر. اهـ

41.المحدث الفقيه ابن المعلم القرشي [ت725هـ]: ذكر في كتابه نجم المهتدي معاني الاستواء وأن منها الاستيلاء المجرد عن معنى المغالبة، ولم يعترض على هذا التفسير، نقله الكوثري في تعليقه على الأسماء والصفات.

42.الشيخ أحمد بن يحيى بن إسماعيل بن جَهْبَل الحلبي الشافعي [ت733هـ] قال في رسالته التي ألفها في نفي الجهة عن الله ردا على ابن تيمية ما نصه: والاستواء بمعنى الاستيلاء. اهـ نقله التاج السبكي في طبقاته.

43.القاضي محمد بن إبراهيم الشافعي الشهير ببدر الدين بن جماعة [ت733هـ] قال في كتابه إيضاح الدليل ما نصه:

فقوله تعالى (اسْتَوَى) يتعين فيه معنى الاستيلاء والقهر لا القعود والاستقرار. اهـ

وقال أيضا: فإن قيل إنما يقال استولى لمن لم يكن مستوليا قبل أو لمن كان له منازع فيما استولى عليه أو عاجز ثم قدر ؟ قلنا: المراد بهذا الاستيلاء القدرة التامة الخالية من معارض، وليس لفظة (ثُمَّ) هنا لترتيب ذلك بل هي من باب ترتيب الأخبار، وعطف بعضها على بعض، فإن قيل فالاستيلاء حاصل بالنسبة إلى جميع المخلوقات، فما فائدة تخصيصه بالعرش؟ قلنا: خص بالذكر لأنه أعظم المخلوقات إجماعا، كما خصه بقوله (رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) وهو رب كل شيء، فإذا استولى على العرش المحيط بكل شيء استولى على الكل قطعا. اهـ

44.الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد العبدري المغربي المالكي المعروف بابن الحاج [ت737هـ] كان من أصحاب العلامة الولي العارف بالله الزاهد المقرئ ابن أبي جمرة رحمه الله تعالى ونفعنا به، ذكر في كتابه المدخل كلام ابن رشد الجد الذي ذكرناه ءانفا مؤيدا وموافقا له.

45.الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد المؤمن الشافعي المعروف بابن اللبان [ت749هـ] قال في كتابه إزالة الشبهات: وفسره بعضهم بالاستيلاء، وأنكره الأعرابي، وقال العرب لا يقولون استولى إلا لمن له مضاد، وفيما قاله نظر، لأن الاستيلاء من الولى وهو القرب أو من الولاية، وكلاهما لا يفتقر في إطلاقه لمضاد.اهـ

46.المفسر النحوي أبو حيان الأندلسي[ت754هـ] ذكر في تفسيره عدة أقوال في معنى الاستواء: الثاني علا وارتفع من غير تكييف ولا تحديد، قاله الربيع بن أنس، والتقدير علا أمره وسلطانه، واختاره الطبري. الثالث أن يكون إلى بمعنى على، أي استوى على السماء، أي تفرد بملكها ولم يجعلها كالأرض ملكا لخلقه، ومن هذا المعنى قول الشاعر:

فلما علونا واستوينا عليهم*** تركناهم صرعى لنسر وكاسر

ومعنى هذا الاستيلاء كما قال الشاعر:

قد استوى بشر على العراق*** من غير سيف ودم مهراق

47.القاضي عبد الرحمن بن أحمد الإيـجي [ت756هـ] قال في كتابه المواقف عن الاستواء: فقال الأكثرون هو الاستيلاء، ويعود إلى القدرة. اهـ

48.الإمام الفقيه تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي [ت756هـ] قال في كتابه السيف الصقيل ما نصه: فالمقدم على هذا التأويل (أي تأويل الاستواء بالاستيلاء) لم يرتكب محذورا ولا وصف الله تعالى بما لا يجوز عليه. اهـ.

49.اللغوي المفسر أحمد بن يوسف الشافعي المعروف بالسَّمين الحلبـي [ت756هـ] قال في كتابه عمدة الحفاظ ما نصه: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [سورة طه] أي استولى. اهـ

@

بيان أن الإمام أحمد على التنـزيه في مسئلة الاستواء

ورد قرءانًا وصف الله بأنه مستوٍ على العرش، فيجب الإيمان بذلك بلا كيف، فليس بمعنى الجلوس أو الاستقرار أو المحاذاة للعرش، لأن ذلك كَيْفٌ، والله منـزه عن الاستواء بالكيف، لأنه من صفات الأجسام، بل نقول استوى على العرش استواء يليق به هو أعلم بذلك الاستواء، وهذا موافق ومنسجم مع الآية المحكمة (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ).

وقد سئل الإمام أحمد رضي الله عنه عن الاستواء فقال (استوى كما أخبر لا كما يخطر للبشر) ذكره الإمام أحمد الرفاعي في البرهان المؤيد والعز بن عبد السلام في حل الرموز والشيخ الحصني في دفع شبه من شبه وتمرد ونسب ذلك إلى السيد الجليل أحمد، والشيخ علوان ابن السيد عطية الحسيني الحموي في كتابه بيان المعاني والرملي في فتاويه والنفراوي في الفواكه الدواني والشيخ محمد بن سليمان الحلبي في نخبة اللآلى وغيرهم.

فانظر رحمك الله بتوفيقه إلى هذه العبارة ما أتقنها، فهي اعتقاد قويم ومنهاج سليم، إذ فيها تنزيه استواء الله على العرش عما يخطر للبشر من جلوس واستقرار ومحاذاة ونحو ذلك، أما المجسمة المشبهة ففسروا الاستواء بما يخطر في أذهانهم من جلوس وقعود ونحو ذلك، فهذا فيه دليل على تبرئة الإمام أحمد رضي الله عنه من المنتسبين إليه زورا الذين يحرفون كلمة (استوى) فيقولون جلس، قعد، استقر، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا كالمجسم ابن تيمية حيث صرح في مجموع الفتاوى فقال (إن محمدا رسول الله يجلسه ربه على العرش معه) وقال فيما رءاه الإمام أبو حيان الأندلسي بخطه (إن الله يجلس على الكرسي وقد أخلى منه مكانا يقعد معه فيه رسول الله) كما في النهر الماد إلى غير ذلك من تخريفاته وتحريفاته.

والإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه من أبعد الناس عن نسبة الجسم والجهة والحد والحركة والسكون إلى الله تعالى، فقد نقل الإمام أبو الفضل عبد الواحد بن عبد العزيز بن الحارث التميميّ (410 هـ) رئيس الحنابلة ببغداد وابن رئيسها في كتابه اعتقاد الإمام أحمد عن الإمام أحمد أنه قال (وأنكر (يعني أحمد) على من يقول بالجسم، وقال إنَّ الأسماء مأخوذة من الشريعة واللغة، وأهل اللغة وضعوا هذا الاسم على ذي طول وعرض وسمك وتركيب وصورة وتأليف، والله تعالى خارج عن ذلك كله، فلم يجز أن يسمى جسما لخروجه عن معنى الجسمية ولم يجئ في الشريعة ذلك فبطل) ونقله الحافظ البيهقي عنه في مناقب أحمد وغيرُه.

ونقل أبو الفضل التميميّ في كتاب اعتقاد الإمام أحمد عن الإمام أنه قال (ولا يجوز أن يقال استوى بمماسة ولا بملاقاة، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، والله تعالى لم يلحقه تغير ولا تبدّل ولا تلحقه الحدود قبل خلق العرش ولا بعد خلق العرش، وكان يُنكر (الإمام أحمد) على من يقول إنّ الله في كل مكان بذاته، لأنّ الأمكنة كلها محدودة). اهـ

وبيـّن الإمام الحافظ ابن الجوزي الحنبلي في كتابه الباز الأشهب براءة أهل السنة عامة والإمام أحمد خاصة من مذهب المشبهة وقال (وكان أحمد لا يقول بالجهة للبارئ). انتهى بحروفه

وقال القاضي بدر الدين بن جماعة في كتابه إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل عن الإمام أحمد (كان لا يقول بالجهة للبارئ تعالى). اهـ

وقال الشيخ ابن حجر الهيتمي في فتاويه (عقيدة إمام السنة أحمد بن حنبل رضي الله عنه وأرضاه وجعل جنان المعارف متقلَّبه ومأواه وأفاض علينا وعليه من سوابغ إمتنانه وبوأه الفردوس الأعلى من جنانه، موافقة لعقيدة أهل السنة والجماعة من المبالغة التامة في تنزيه الله تعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوًا كبيرًا من الجهة والجسمية وغيرهما من سائر سمات النقص، بل وعن كل وَصْف ليس فيه كمال مطلق، وما اشتهر بين جهلة المنسوبين إلى هذا الإمام الأعظم المجتهد من أنه قائل بشيء من الجهة أو نحوها فكذب وبُهتان وافتراء عليه، فلعن الله من نسب ذلك إليه، أو رماه بشيء من هذه المثالب التي برَّأه الله منها، وقد بيّـن الحافظ الحجة القدوة الإمام أبو الفرج بن الجوزي من أئمة مذهبه المبرئّيـن من هذه الوصمة القبيحة الشنيعة، أنَّ كل ما نسب إليه من ذلك كذب عليه وافتراء وبهتان وأن نصوصه صريحة في بطلان ذلك، وتنزيه الله تعالى عنه فاعلم ذلك فإنه مهم. وإياك أنْ تصغى إلى ما في كتب ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية وغيرهما ممن اتخذ إلهه هواه، وأضله الله على علم، وختم على سمعه وقلبه، وجعل على بصره غشاوة، فمن يهديه من بعد الله، وكيف تجاوز هؤلاء الملحدون الحدود، وتعدوا الرسوم وخرقوا سياج الشريعة والحقيقة، فظنوا بذلك أنهم على هدى من ربهم وليسوا كذلك، بل هم على أسوأ الضلال وأقبح الخصال وأبلغ الـمَقتْ والخسران وأنهى الكذب والبهتان فخذل الله متَّبِعهم وطهر الأرض من أمثالهم). اهـ

وقال الشيخ محمد بن علاّن الصدّيقي (1057 هـ) في الفتوحات الربّانية على الأذكار النووية ما نصّه (وأنّه تعالى منزّه عن الجهة والمكان والجسم وسائر أوصاف الحدوث، وهذا معتقد أهل الحقّ ومنهم الإمام أحمد، وما نسبه إليه بعضهم من القول بالجهة أو نحوها كذب صراح عليه وعلى أصحابه المتقدمين كما أفاده ابن الجوزي من أكابر الحنابلة، وما وقع في كلام بعض المحدّثين والفقهاء ممّا يوهم الجهة أو التجسيم أوّله العلماء، وقالوا إنّ ظاهره غير مراد، فعليك بحفظ هذا الاعتقاد، واحذر زيغ المجسّمة والجهمية أرباب الفساد). اهـ

وقال الحافظ ابن عساكر في تبيين كذب المفتري فيما نُسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري (ابن شاهين يقول رجلان صالحان بُليا بأصحاب سوء، جعفر بن محمد، وأحمد بن حنبل). اهـ

وقال القاضي إسماعيل بن إبراهيم الشيباني (629 هـ) في كتابه البيان (وقالت الحنابلة (أي غلاتهم) إن الحروف المكتوبة والأصوات المنطوقة قديمة وهي كلام الله، وأحمد رضي الله عنه بريء من ذلك). اهـ

وقال ابن الحفيد التفتازاني (906 هـ) في الدرّ النّضيد (المفهوم مِنْ تاريخ الإمام اليافعي في ذكر مشايخ سنة ثمان وخمسين وخمسمائة أن الإمام الزاهد أحمد بن حنبل قُدّس سرّه، لم يقل بأنّ كلامه تعالى صوت وحرف، وأنه تعالى في جهة، فكأنّ الحنابلة القائلين بأنّ كلامه قديم مِنْ جنس الأصوات، قوم آخرون لا مُتّبعوه). اهـ

هذا وقد نقل الإمام الحافظ العراقي والإمام القرافي والشيخ ابن حجر الهيتمي وملا علي القاري ومحمد زاهد الكوثري وغيرهم عن الأئمة الأربعة هداة الأمة الشافعي ومالك وأحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهم القول بتكفير القائلين بالجهة والتجسيم، بل وقال الإمام بدر الدين الزركشي في تشنيف المسامع (ونقل صاحب الخصال من الحنابلة عن أحمد أنه قال من قال (جسم لا كالأجسام كفر) ونقل عن الأشعرية أنه يفسق، وهذا النقل عن الأشعرية ليس بصحيح). اهـ

وروى الحافظ البيهقي في مناقب أحمد عن الحاكم عن أبي عمرو بن السماك عن حنبل عن أحمد بن حنبل تأول قول الله (وَجَاء رَبُّكَ) (سورة الفجر) أنه جاء ثوابه، ثم قال البيهقي (وهذا إسناد لا غبار عليه) نقل ذلك ابن كثير في تاريخه وأقره.

وقال الحافظ البيهقيّ أيضا في مناقب أحمد (أنبأنا الحاكم قال حدثنا أبو عمرو بن السماك قال حدثنا حنبل بن إسحاق قال سمعت عمي أبا عبد الله (يعني أحمد) يقول (احتجوا علي يومئذ (يعني يوم نوظر في دار أمير المؤمنين) فقالوا تجيء سورة البقرة يوم القيامة وتجيء سورة تبارك، فقلت لهم إنما هو الثواب، قال الله تعالى (وَجَاء رَبُّكَ) (سورة الفجر) إنما يأتي قدرته، وإنما القرءان أمثال ومواعظ) قال الحافظ البيهقي (وفيه دليل على أنه كان لا يعتقد في المجيء الذي ورد به الكتاب والنزول الذي وردت به السنة انتقالا من مكان إلى مكان كمجيء ذوات الأجسام ونزولها وإنما هو عبارة عن ظهور ءايات قدرته، فإنهم لما زعموا أن القرءان لو كان كلام الله وصفة من صفات ذاته لم يجز عليه المجيء والإتيان، فأجابهم أبو عبد الله بأنه إنما يجيء ثواب قراءته التي يريد إظهارها يومئذ فعبر عن إظهاره إياه بمجيئه، وهذا الذي أجابهم به أبو عبد الله لا يهتدي إليه إلا الحذاق من أهل العلم المنزهون عن التشبيه). اهـ

وقال الإمام الحافظ المحدث الشيخ عبد الله الهرري في كتابه المقالات السنية (وهذا دليل على أن الإمام أحمد رضي الله عنه ما كان يحمل ءايات الصفات وأحاديث الصفات التي توهم أنَّ الله متحيّـز في مكان أو أنّ له حركةً وسكونًا وانتقالا من علو إلى سفل على ظواهرها كما يحملها ابن تيمية وأتباعه فيثبون اعتقادا التحيز لله في المكان والجسمية ويقولون لفظا ما يموهون به على الناس ليظن بهم أنـهم منزهون لله عن مشابهة المخلوق فتارة يقولون بلا كيف، كما قالت الأئمة، وتارة يقولون على ما يليق بالله، نقول: لو كان الإمام أحمد يعتقد في الله الحركة والسكون والانتقال لترك الآية على ظاهرها وحملها على المجيء بمعنى التنقل من علو وسفل كمجيء الملائكة، وما فاه بهذا التأويل). انتهى بحروفه

وقال الحافظ الكبير أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي في دفع شبه التشبيه: وكذلك قوله تعالى (وَجَاء رَبُّكَ)، ذكر القاضي أبو يعلى عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال في قوله تعالى (أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ) (سورة البقرة) قال المراد به قدرته وأمره، قال وقد بينه في قوله تعالى (أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ)، ومثل هذا في التوراة، (وَجَاء رَبُّكَ)، قال إنما هو قدرته. اهـ
وقال (والواجب على الخلق اعتقاد التنزيه وامتناع تجويز النقلة وأن النزول الذي هو انتقال من مكان إلى مكان يفتقر إلى ثلاثة أجسام: جسم عالي وهو مكان لساكنه، وجسم سافل، وجسم منتقل من علو إلى سفل وهذا لا يجوز على الله عز وجل. اهـ ثم قال: ومنهم من قال يتحرك إذا نزل، وما يدري أن الحركة لا تجوز على الله تعالى، وقد حكوا عن الإمام أحمد ذلك وهو كذب عليه). اهـ

وقال الشيخ تقي الدين الحصني في دفع شبه من شبه وتمرد (وحكوا هذه المقالة عن الإمام أحمد فجورا منهم بل هو كذب محض على هذا السيد الجليل السلفي المنـزه). اهـ

وقال الفخر الرازي في أساس التقديس (نقل الشيخ الغزالي رحمه الله عن أحمد بن حنبل رحمه الله أنّه أقرّ بالتأويل في ثلاثة أحاديث) ثم قال الرازي (رُوي عنه عليه السلام أنّه تأتي سورة البقرة وآل عمران كذا وكذا يوم القيامة كأنّهما غمامتان، فأجاب أحمد بن حنبل رحمه الله، وقال يعني ثواب قارئهما، وهذا تصريح منه بالتأويل).اهـ

وذكر الإمام بدر الدين محمّد بن عبد الله الزركشي في كتابه البرهان في علوم القرآن (وممّن نُقل عنه التأويل عليّ وابن مسعود وابن عباس وغيرهم).

وقال الغزالي في كتاب التفرقة بين الإسلام والزندقة (إنّ الإمام أحمد أوّل في ثلاثة مواضع، وأنكر ذلك عليه بعض المتأخرين، قلت وقد حكى ابن الجوزي عن القاضي أبي يعلى تأويل أحمد في قوله تعالى (أَوْ يَأْتِيَ رَبِّكَ)، قال وهل هو إلاّ أمره، بدليل قوله (أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ). اهـ