بسم الله الرحمن الرحيم
درسٌ ألقاه المحدث الشيخ عبد الله بن محمّد العبدري الحبشي رحمه الله تعالى وهو في بيان معنى قوله تعالى: ﴿ولَذِكْرُ اللهِ أكبَرُ﴾. قال رحمه الله رحمةً واسعةً:
الحمدُ لله والصلاة والسلامُ على رسول الله.
أما بعد فيقول الله تعالى: ﴿إنَّ الصلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحشاءِ والـمُنكرِ ولَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ﴾([i]) معنى وَلَذِكْرُ اللهِ أكبرُ ذِكرُ الله عبدَهُ أكبرُ مِنْ ذِكرِ العبدِ ربَّهُ.
ويجوزُ أن يُفسَّرَ بأنَّ ذِكْرَ اللهِ الذي في الصلاة أفضلُ من سائرِ أعمالها لأنَّ الصلاةَ مؤلَّفةٌ من أمرَينِ ذِكرٌ باللسانِ وعَمَلٌ بالبدن فأمر الصلاةِ الذي هو ذكرٌ باللسان أفضلُ مما سواه من أعمالها. من جُملة الذِّكرِ الذي في الصلاة الشهادتان وهما في التحياتِ أليس يُقالُ ءاخِرَ التحيات أشهدُ أن لا إله إلا الله وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، فهذه الأذكارُ التي في الصلاة بما فيها هاتان الشهادتان أكبرُ من سائر أعمالها التي هيَ القيامُ والركوعُ والسجودُ لكون الأذكارِ أذكارِ الصلاةِ تشتملُ على الشهادَتين اللتَين هما أفضلُ الأعمال وعلى غيرهما. الشهادتان لهما فضلٌ كبيرٌ فَضْلُهُما يزيدُ على فضل سائر الأعمال لأنَّ الشهادتين بهما يدخُلُ الإنسانُ بالإسلام فلو سجد الإنسانُ بنية الدخول في الإسلام لا ينفعُهُ هذا السجودُ، ولو ركعَ ركوعًا بنية الدخول في الإسلام لا يدخُلُ في الإسلام بالركوع، ولو قام ووضعَ إحدَى الكَفَّينِ على الأخرى لا يدخُلُ في الإسلام، إنّما يدخُلُ في الإسلام بالشهادتين أشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وأشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ الله، وكذلكَ مَن كانَ مسلمًا ثم كفر خرجَ بالكُفرِ فطريقُ العودة إلى الإسلام الشهادتان، من غيرِ الشهادَتَين لو تصدَّقَ أعظمَ صدقةٍ لا يدخُلُ في الإسلام ولو تَخَلَّى عن جميع مالهِ. الإنسانُ إذا كفرَ سبَّ اللهَ أو سبَّ رسولَهُ أو سبَّ القرءانَ أو سبَّ الملائكةَ أو الأنبياءَ وأرادَ الرجوعَ إلى الإسلام لا يرجِعُ إلا بالشهادة أشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ من غيرِ ذلك لا يعودُ إلى الإسلام، فلذلكَ الذِّكرُ الذي في الصلاةِ أفضلُ من سائرِ أعمالِ الصلاةِ. هذا التفسيرُ الثاني لقول الله تعالى: ﴿ولَذِكرُ اللهِ أكبَرُ﴾.
ليسَ معنى الآية أنَّ الذي يقعُدُ فيقولُ الله الله خمسةَ ءالافِ مرةٍ عشرةَ ءالافِ مرةٍ أو يمدَحُ الرسولَ أو يُنشِدُ القصائدَ في مَدْحِهِ أنَّ ذلكَ أفضلُ من الصلواتِ الخمس التي تبتدئُ بالتكبيرِ وتختم بالتسليم بل الصلواتُ الخمسُ أفضلُ الأعمالِ بعدَ الإيمان بالله ورسوله.
جاءَ رجُلٌ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم قال يا رسولَ الله ما أفضلُ الأعمالِ قال: الصلاةُ ثم قال الرجلُ ثمَّ ماذا قال: الصلاةُ ثم ماذا قال: الصلاةُ ثم قال الرجل المرة الرابعة ثم ماذا قال: الجهادُ في سبيل الله([ii]) اهـ أما قولُ الله الله الله الله بالقلب مع أطباق اللسان على الحنك أو يقول نُطقًا الله الله فهذا ليس أفضلَ الأعمال لأنه لم يُرْوَ أنَّ الرسولَ كان يقول الله الله الله لكنه في حَدِّ ذاتِهِ فيه ثوابٌ. إذا إنسانٌ قال الله الله الله في قلبه له ثوابٌ وبلسانه أيضًا إذا قال له ثوابٌ لكنْ لا يُقال عنه أفضلُ الأعمال.
هيَ الصلواتُ الخمسُ سُمّيَتْ ذِكرًا في القرءان، قال الله تعالى: ﴿يآأيُّها الذينَ ءامَنُوا إذا نُودِيَ للصَّلاةِ من يومِ الجُمُعةِ فاسْعَوا إلى ذِكرِ اللهِ﴾([iii]) ذكرُ اللهِ هُنا هي الصلاةُ أي مع ما يتقدَّمُها منَ الخُطبَتَينِ لأن الخطبتين فرضٌ الخطبتان اللتان قبل الصلاة يومَ الجمعة فرضٌ الخطبتان ذِكْرُ الله والصلاةُ ذكر الله، اللهُ تباركَ وتعالى قال: ﴿فاسْعَوا إلى ذِكرِ اللهِ﴾ هذا دليلٌ على أنَّ الصلاةَ تُسَمَّى ذِكرًا.
بعضُ الناس يُمَوِّهُونَ فيقولون الذّكرُ وردَ في القرءان بثلاثمائةٍ وزيادةٍ من المواضع وأما الصلاةُ فقد ذُكِرَتْ أقلَّ من هذا العدد فالذكر أفضلُ من الصلاة، هؤلاء دجَّالونَ قد خرجوا من دين الله. هؤلاء كذَّبوا شريعةَ الله. الذي يقول إنَّ الذي يذكرونَهُ هم أفضلُ من الصلوات الخمس فقد كذَّبَ اللهَ ورسولَهُ. هؤلاء يجبُ عليهم أن يرجِعُوا عن الكفرِ الذي كَفَروهُ إلى الإسلامِ وإلا فإنهم يموتون كافرين. مشايخُ الطريقةِ لا يقولونَ هذا. مشايخُ الطريق الـمُعتَمدُون الذي عليهم الـمُعَوَّلُ لا يقولون هذا إنما بعضُ مَن ينتسبُ إلى الطريقةِ ويُدَجِّلُ تَدجيلًا هُمُ الذينَ يقولونَ هذا القولَ لهوًى في أنفسهم. الذين يقولون هذا تَعَوَّدُوا أن يأخذوا الهدايا من مُريدِيهم فلم يجِدُوا وسيلةً يَجْلِبُونَ بها الناسَ إلى أخذِ طريقتِهم إلا أن يدْعُوهم باسمِ الذّكْرِ ويفْتَروا على الله بإيرادِ هذه الآيةِ في غير موضعها ليقول من يسمعهم مِن الناس الشديدي الجهلِ إذا كان وِرْدُنا هذا وهو أنْ نذكرَ اللهَ خمسةَ ءالافِ مرةٍ بقلوبنا نقولُ الله الله أفضلَ من الصلواتِ الخمس وإذا حافظنا على ذلك وتَصَوَّرْنا صورةَ الشيخِ نكونُ أخَذْنا النورَ من قلبِ الرسولِ نكونُ صِرنا أفضلَ خَلْقِ الله صِرنا أولياءَ الله اهـ هكذا يوهمونهم وليس قصْدُهُمْ من هذا إلا أن يَظَلُّوا خاضعين لهم أن يَظَلُّوا كثيرين عددًا حتى تكثُرَ الهدايا. ليس هَمُّهم في الحقيقة تقريبَ الناس إلى الله تعالى. لو كان هَمُّهم تقريبَ الناسِ إلى الله كانوا علَّمُوهُم الأمورَ على حسب ما جاء من الرسول.
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قال الذي ذكرتُ لكم ءانِفًا لما سُئِلَ عن أفضل الأعمال قال الصلاةُ ثلاثَ مراتٍ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا جاءه إنسانٌ دخلَ في الإسلام أول ما يدخل في الإسلام يُعلِّمُهُ الصلاةَ، يُعلِّمُهُ الصلاةَ قبلَ أنْ يُعلِّمَهُ الزكاةَ قبل أن يُعلّمَهُ الصيامَ قبل أن يُعلّمَهُ الحجَّ، قبل أن يُعلِّمَهُ سائرَ الأشياءِ يُعلِّمُهُ الصلواتِ الخمسَ وهذا دليل أيضًا على أنَّ الصلاةَ أمرُها عظيم عند الله، دليلٌ على أنَّ موقعَ الصلاة من الدين عظيم. فالحذرَ الحذرَ من هؤلاء المشايخ الذين يُعَلّمونَ مُريديهم هذا الكلامَ الفاسدَ أنّ الذكر الذي هم تَعَوَّدُوهُ أفضلُ من الصلوات الخمس، هذا تَدجيلٌ وكُفرٌ والعياذ بالله تعالى.
وليس هذا من أصول الطريقةِ. أصولُ الطريقةِ ليس فيها هذا الشيءُ إنما بعضُ المشايخ الـمُدَّعِينَ الكذَّابينَ الذين هَمُّهُمُ المالُ هم الذين يُعلّمون هذا الكلامَ الفاسدَ لمريديهم لكون هؤلاء المريدين لم يتعلَّموا عِلْمَ الدين فيَسْتَجْلِبُونَ منهم الأموالَ بهذه الطريقة ثم يتبينُ لهم يومَ القيامةِ أنهم ليسوا على شيءٍ. هؤلاء من الذين قال الله فيهم ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بالأخْسَرِينَ أعمَالًا* الَّذِينَ ضلَّ سَعْيُهُم في الحياةِ الدُّنيا وهُمْ يَحْسَبُونَ أنَّهُم يُحسِنُونَ صُنعًا﴾([iv]) هذه الآيةُ تشملُ هؤلاء الرُّهبانَ والراهباتِ وتشمل حاخامات اليهود وتشمل هؤلاء البوذيين وهؤلاء الذين يقولون وِرْدُ الطريقة الذي هو أن يُطبِقُوا ألسنتهم على الحنك ثم يقولوا في قلوبهم الله الله خمسةَ ءالافِ مرةٍ مع إطراق الرأسِ وتَغميضِ العيونِ أفضلُ من الصلاة، هؤلاء وأولئك الآخرون الرُّهبان والراهبات الذين يريدون أن يتقَرَّبُوا إلى الله بغير ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم كلُّ هؤلاءِ من الذين تَخيبُ أعمالُهم يوم القيامة. كانوا يظنُّونَ في الدنيا أنَّهُم جَمَعُوا لآخرتهم ذُخرًا كبيرًا وليس لهم عند الله تعالى شيءٌ من الثواب. هناك يتبين لهم أنهم خاسرون أنهم ليس لهم شيءٌ من الثواب. هناك يعرِفُونَ أنهم حُرِمُوا من الثواب. وفي ذلكَ الوقتِ أي في الآخرةِ لا ينفَعُهُمُ الندمُ. كلُّ مَنْ يُحاوِلُ التقربَ إلى الله على خلاف ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد خاب عملُهُ وليس له في الآخرة إلا الندمُ وذلك لأنَّ النفوسَ خبيثةٌ إلا مَن طهَّرَ اللهُ تعالى نفوسَهُم. كثيرٌ من الناس الذين يدَّعون الولايةَ كذَبُوا على الرسول صلى الله عليه وسلم للتوصل إلى أغراضهم الدنيويةِ، حتى إنّ منهم مَن كذبَ على الرسول صلى الله عليه وسلم فقال لبعض الناس رأيتُ الرسولَ صلى الله عليه وسلم في المنام فأمرك أن تزوجني بنتك، مِن أجل الوصول إلى غرض الزواج كذبوا على الرسول افتَروا على الرسول صلى الله عليه وسلم وهم يدَّعُونَ الطريقةَ والمشيخة والولاية، يقولون نحن أهل الطريقة نحن صوفيةٌ لكن نفوسُهم خبيثة يُظهِرونَ للناس بألسنتهم وأزيائِهم أيْ من حيثُ اللباسُ أنهم من أهل الله وهم من أعداء الله، هنا كان رجلٌ مُتَوَفَّى منذ سنينَ أعرِفُهُ كذبَ على شخص من الطيبين من أهل الله افترَى قال هذا رقيقُ القلب إذا قلتُ له الرسولُ يأمرُكَ بأن تُزَوِّجَني بنتك يُزَوِّجُني لا يُخالف فافترى على الرسول صلى الله عليه وسلم فزوَّجَهُ، هنا كان في بيروت ذلك الرجلُ أنا أعرفه، وفي دمشق أيضًا حصل وفي غيرهما أي غير بيروت ودمشق أيضًا حصل فإنَّا لله وإنّا إليه راجعون.
أما أهل الطريقة الصادقون فإنهم بعيدون من هذا الافتراء. كلُّ طرق أهل الله دخل فيها أناسٌ كذّابون أما الذين أسَّسوا هذه الطرق فكلُّهم أولياءُ الله كلُّهم أهل الصدق والنصيحة والإخلاص، إن كانت الطريقةَ الرفاعية وإن كانت النقشبندية أو كانت القادرية وإن كانت غير ذلك من طرق أهل الله كلُّها أسّست على تقوَى الله لكنَّ المنتسبين إليها قسمان قسمٌ صادقون وقسمٌ كاذبون والصنفُ الكاذبون هم الذين يفترون هذه الافتراءات من أجل مطامعَ نفسيةٍ، لأغراضٍ نفسيةٍ يكذبونَ على الله وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. بعضُ هؤلاء الكذابين الذي يدَّعُون الطريقةَ وليسوا من أهل الطريقة قال هذا الذِّكرُ الذي نحن عليه أفضل من الصلوات الخمس حتى يزدادَ المريدون تعلُّقًا بهم وحتى يُصْغُوا لهم ويبذلوا لهم الأموالَ. وعندهم أيضًا من الاحتيال لأخذ أموال المريدين أشياءُ أخرى من جملتها يقول أحدهم للمريد المحبةُ بلا إنفاقٍ نِفاقٌ معناه إذا لم تَبذلوا لنا من أموالكم لا تَرتَفِعُ درجاتُكم هذا يجعلونه حديثًا والعياذُ بالله تعالى. هذا هم افتَرَوهُ من أجل أن يستلموا أموال الناس كذبوا على الله وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم.
[i])) سورة العنكبوت/الآية 45.
[ii])) رواه ابن حبان في صحيحه في باب ذكر الخبر الدال على أن الصلاة فريضة.
[iii])) سورة الجمعة/الآية 9.
[iv])) سورة الكهف/الآية 103-104.