الأربعاء ديسمبر 11, 2024

بيان كيفية استقبال القبلة في الصلاة

ليعلم أن استقبال القبلة من شروط الصلاة، إما يقينًا لمن أمكنه علم القبلة بأن كان بحضرة البيت أو بمكّة ولا حائل بينه وبين الكعبة مثلًا، وإلا أخذ بقول ثقة يخبر عن علمٍ أي مشاهدة، فإن فقد ذلك اجتهد بدليل من أدلة القبلة وهي كثيرة، ومنها القطب وهو نجم من بناتِ نعش الصغرى بين الفَرْقَدَيْن والجَدْي، ويختلف باختلاف الأقاليم، ففي العراق يجعله المصلّي خلف أُذنه اليمنى، وفي مصر خلف اليسرى، وفي الشام وراءه وقيل ينحرف بدمشق وما قاربها إلى الشرق قليلًا، فمن كان جنوب الكعبة جعله بين عينيه ومن كان في شمالها جعله خلف ظهره، ومَن كان شرقي الكعبة فقبلته إلى الغرب، ومَن كان غربيها فقبلته إلى الشرق. ولا يلتفت إلى ما يخالف هذا، فإن بعض الباحثين عن اتجاه القبلة تركوا هذا الأمر المقرر في كتب العلماء وتبعوا أهواءهم وادعوا أن أهل أمريكا الشمالية يتجهون إلى الشمال الشرقي، وهؤلاء موجودون في كندا والولايات المتحدة الأميركية فإن مكة تقع منهم بين الجنوب والشرق.

ويدل على أن قبلتهم إلى الجنوب الشرقي إجماع أهل الإسلام على أن أهل المغرب يتوجهون إلى المشرق وأهل المشرق يتوجهون إلى المغرب، وأهل الشمال يتوجهون إلى الجنوب، وأهل الجنوب يتوجهون إلى الشمال. وقد نقل ذلك الرافعي عن أبي حنيفة وغيرُه.

وفي كتاب ابن عابدين الحنفي: “ثم اعلم أنه ذكر في المعراج عن شيخه أن جهة الكعبة هي الجانب الذي إذا توجه إليه الإنسان يكون مسامتًا للكعبة، أو هوائها تحقيقًا أو تقريبًا، ومعنى التحقيق: أنه لو فرض خط من تلقاء وجهه على زاوية قائمة إلى الأفق يكون مارًّا على الكعبة أو هوائها، ومعنى التقريب: أن يكون منحرفًا عنها أو عن هوائها بما لا تزول به المقابلة بالكلية بأن يبقى شىء من سطح الوجه مسامتًا لها أو لهوائها. وبيانه أن المقابلة في مسافة قريبة تزول بانتقال قليل من اليمين أو الشمال مناسب لها، وفي البعيدة لا تزول إلا بانتقال كثير مناسب لها، فإنه لو قابل إنسان ءاخر في مسافة ذراع مثلًا تزول تلك المقابلة بانتقال أحدهما يمينًا بذراع، وإذا وقعت بقدر ميل أو فرسخ لا تزول إلا بمائة ذراع أو نحوها، ولما بعدت مكة عن ديارنا بُعدًا مفرطًا تتحقق المقابلة إليها في مواضع كثيرة في مسافة بعيدة، فلو فرضنا خطًّا من تلقاء وجه مستقبِل الكعبة على التحقيق في هذه البلاد ثم فرضنا خطًّا ءاخر يقطعه على زاويتين قائمتين من جانب يمين المستقبل وشماله، لا تزول تلك المقابلة والتوجّه بالانتقال إلى اليمين والشمال على ذلك الخط بفراسخ كثيرة، فلذا وضع العلماء القبلة في بلاد قريبة على سِمْت واحد. اهــ

ونقله في الفتح والبحر وغيرهما، وشروح المُنْيَة وغيرها، وذكره ابن الهمام في زاد الفقير وعبارة الدرر هكذا: وجهتها أن يصل الخط الخارج من جبين المصلّي إلى الخط المارّ بالكعبة على استقامة بحيث يحصل قائمتان، أو نقول هو أن تقع الكعبة فيما بين خطّين يلتقيان في الدماغ فيخرجان إلى العينين كساقَي مثلث، كذا قال النحرير التفتازاني في شرح الكشاف. فيعلم منه أنه لو انحرف عن العين انحرافًا لا تزول منه المقابلة بالكلية جاز، ويؤيده ما قال في الظهيرية: إذا تيامن أو تياسر تجوز، لأن وجه الإِنسان مقوس، لأن عند التيامن أو التياسر يكون أحد جوانبه إلى القبلة”. انتهى كلام ابن عابدين.

وقوله في الدرر: على استقامة متعلق بقوله يصل، لأنه لو وصل إليه معوجًّا لم تحصل قائمتان بل تكون إحداهما حادّة والأخرى منفرجة كما بيّنّا. ثم إن الطريقة التي في المعراج هي الطريقة الأولى التي في الدرر، إلا أنه في المعراج جعل الخط الثاني مارًّا على المصلي على ما هو المتبادرُ من عبارته، وفي الدرر جعله مارًّا على الكعبة”. اهــ وهذا لا يتم لأهل كندا والولايات المتحدة إلا إذا اتجهوا إلى الجنوب الشرقي.

وعلى هذا شيخ الأزهر بمصر فقد ورد إليه السؤال عن اتجاه القبلة في كندا من بعض ساكنيها المسلمين فقال ما نصّه: “وبإعادة النظر فيما كتب في موضوع اتجاه القبلة في كندا، تقضي القواعد الشرعية بأن الاتجاه الصحيح للقبلة في هذا الموضوع هو اتجاه الجنوب الشرقي، فإنه الامتداد الصحيح لخط القبلة من الموقع الذي فيه المسجد، فأما قصر خط الشمال الشرقي فذلك يستخدم في السير إليها لا في اتخاذه قبلة”. انتهى نص فتوى شيخ الازهر.

ومَن كان مستطيعًا للاجتهاد لا يقلّد، ومن عجز عن الاجتهاد فإنه يُقلّد ثقة عارفًا.

قال النووي في كتابه منهاج الطالبين في بحث القبلة: “ومَن أمكنه علم القبلة حَرُمَ عليه التقليد والاجتهاد، وإلا أخذ بقول ثقةٍ يخبرُ عن علم، فإن فقد وأمكن الاجتهاد حرُم التقليد”.

ثم قال: “وَمَن عجز عن الاجتهاد وتعلُّم الأدلّة كأعمى قلّد ثقة عارفًا” اهــ

فليتعلّم الشخص أدلّة القبلة ثم يطبّق ما سبق ذكره من كلام النووي. وأمّا الأدوات المستحدثة للاستدلال بها على جهة القبلة، فإنها إن كانت مبنية على ما سبق وذكرنا، فإنه يجوز الاعتماد عليها وإلا فلا.

ثم إن المسلمين منذ قدموا إلى بلاد أمريكا الشمالية من نحو مائة سنة تقريبًا قاموا بأداء صلواتهم متوجهين إلى جهة الجنوب الشرقي وذلك أن كندا والولايات المتحدة الأمريكية تقعان إلى شمال غرب مكة المكرمة كما لا يختلف في ذلك اثنان فوجب بناءً على ذلك أن يتوجه المصلي فيهما إلى الجنوب الشرقي، ولذلك بُنِيَت المساجد ومحاريبُها إلى الجنوب الشرقي ودُفن موتى المسلمين في تلك البلاد مُوَجَّهين إلى تلك الجهة وما زالت مقابر المسلمين القديمة وبعض مساجدها القديمة في تلك السواحل الشرقية والغربية شاهدة على ذلك، لكن منذ نحو ثلاثين سنة نشر رجل باكستاني يقال له عبد الله الأبدالي كتابًا ادعى فيه أن القبلة لمسلمي أمريكا الشمالية هي الشمال الشرقي ولم يعتمد في هذا على علم شرعيّ أو نقلٍ عن الفقهاء بل هو باعترافه خالٍ عن المعرفة بعلوم الدين وعارٍ عنها فتلقف دعواه أناس من حزب الإخوان ثم تبعهم الوهابية وسعوا في نشرها وبنوا محاريب المساجد والمصليات الجديدة على ما يوافقها حتى أفسدوا صلوات كثيرٍ من الناس ودفنوا أكثر الموتى إلى غير القبلة.

وإذا قيل لهم: قد نصَّ الفقهاء ومنهم الإمام أبو حنيفة رحمه الله على أن أهل المشرق قبلتهم المغرب وأهل الشمال قبلتهم الجنوب فمن كان في الشمال الغربيّ فقبلتهم إلى الجنوب الشرقيّ قالوا: الفقهاء الماضون لم يكن عندهم من المعرفة بأمور الفلك ما عندنا ولا كان عندهم من الآلات كما نملك فلا يلزمنا اتباعهم، بل قال بعضهم: لئن كان الصحابة والتابعون ومن جاء بعدهم قد أخطئوا في هذا الأمر فلا يلزمنا اتباع خطئهم، فأبئس به من رجل ومن قول فقد ضلل الأمة جمعاء بمن فيهم صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام وادعى أنه عرف ما جهلوه وأصاب فيما أخطئوا فيه جميعًا وكفى بهذا ضلالا.

وعمدة هؤلاء في قولهم هذا أن الرجل إذا انطلق من أمريكا الشمالية في اتجاه الشمال الشرقي ثم بعد مدة حوّل اتجاهه إلى الشرق ثم بعد ذلك حوله إلى الجنوب الشرقي إلى مكة تكون طريقه هذه أقصر والمسافة التي يقطعها من أمريكا الشمالية إلى مكة أقل مما يحتاجه الذي يسلك اتجاه الجنوب الشرقي طول الوقت هكذا قالوا، ولم يسبقهم إلى جعل قصر المسافة هو العمدة في تحديد القبلة فقيه معتبر ولا وافقهم على هذه القاعدة المبتدعة فقيه معاصر، كيف وقد قال ربنا تبارك وتعالى وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ {150} [سورة البقرة]  وفسَّر الشافعيّ رحمه الله تعالى الشطر بالجهة وبذلك فسره مَن قبله من العلماء ومن بعده بل لا يفهم من هذه الكلمة إلا هذا المعنى، وهذا المعنى هو الذي ذكره علماء اللغة كالزجاج وغيره. وقد انعقد الإجماع المبنيّ على النصوص القولية والأفعال النبوية على أن العبرة بالجهة لا بقصر المسافة وطولها كيف والمسلمون من أيام رسول الله عليه الصلاة والسلام وبناء على القواعد التي علَّمهم إياها كانوا ينظرون لتحديد القبلة في صلواتهم ومحاريبهم إلى موقعهم من الكعبة فإن كانوا شمالها اتجهوا جنوبًا أو جنوبها اتجهوا شمالا أو شرقها اتجهوا غربًا أو غربها اتجهوا شرقًا أو إلى الشمال الغربي منها اتجهوا إلى الجنوب الشرقي وهكذا، وكثير من المساجد القديمة ما زال قائمًا في البلاد القريبة من مكة والبعيدة منها كبلاد المغرب العربي والأندلس وبلاد العجم يشهد فضلًا عن نصوص الشرع وأقوال أهل العلم على ذلك ولم يقل فقيه متقدم قط تعالوا نُقيس المسافة من بلدنا إلى مكة ونعتبر ذلك في الطرق المتعددة ثم نعتمد أقصرها لتحديد القبلة ا-ه، فلا يجوز لنا أن نتخلى عن القاعدة التي أسسها نبيّ الله عليه الصلاة والسلام وتناقلها الصحابة والتابعون وأئمة المسلمين لنتبع قاعدة مبتدعة ما أنزل الله بها من سلطان وإنما ابتدعها من لم يمارس الفقه في الدين لا أصولا ولا فروعًا ولذلك لما سئل شيخ الأزهر السابق جاد الحق عليّ جاد الحق في هذا الأمر أجاب بأنه لا عبرة بقصر المسافة وطولها وإنما العبرة بالجهة ولذلك فالقبلة في شمال أمريكا هي إلى الجنوب الشرقيّ، وقد اشتهر جوابه هذا وطُبع وانتشر.

والعجيب كيف استجاز هؤلاء الأغمار الادّعاء بأن قبلة أهل شمال أمريكا هي إلى الشمال الشرقي مع إقرارهم بأن أمريكا الشمالية هي كما يدل اسمها إلى شمال الكعبة وعلى هذا كل الجغرافيين المُحْدَثين أيضًا ولم يخالف في ذلك واحد منهم وكل الخرائط التي رسموها للأرض سواء كانت مسقطة على مسطح أو كرة أو مخروط تبين ذلك لا تشذ منها واحدة، فهؤلاء الجهلة جعلوا القبلة في أمريكا الشمالية كالقبلة في البرازيل والأرجنتين وغيرها من بلاد أمريكا الجنوبية الواقعة إلى جنوب الكعبة فإنا لله وإنا إليه راجعون.

فالواجب مكافحة هذا المنكر وتعليم أهل تلك البلاد الاعتماد على القواعد الشرعية دون أقوال الجهلة بعلم الدين وأنّ أهلَ الربع الشمالي الغربي ومنهم أهل كندا والولايات المتحدة الأمريكية قبلتهم إلى الجنوب الشرقي على ما نص عليه أهل الفقه، وقد بيّن النوويّ رحمه الله على أنه لا يجوز استفتاء الجاهل بعلم الدين ولا الفاسق ولو كان عالمًا ا-ه ونص الوانشريسيّ  المالكي رحمه الله على أن أمر القبلة شأن فقهيّ دينيّ يُرجع فيه إلى قواعد الشريعة ولا تجعل الآلات حاكمة فيه على تلك القواعد، ومثله قال خير الدين الرملي الشافعي وغيره، ولا شك في صواب كلامه رحمه الله إذ لا يرضى موحّد أن يجعل القاعدة المبتدعة المستنبطة من مقاييس ءالةٍ أو ءالاتٍ مقدَّمةً في الاعتبار على القواعد الشرعية والتعاليم النبوية بل من هداه الله يستعمل الآلات الصحيحة والمقاييس الصائبة لنصرة الشرع وعلى وفق ما أمر به لا لمعارضته، والله تعالى أعلم وهو الموفق للصواب.

تتمة: تَبَيَّنَ مما تقدم أنّ من حرَّف اتجاه القبلة إلى الشمال الشرقي قد خالفوا نص القرءان وخالفوا إجماع علماء الإسلام ولا يستغرب هذا منهم إذ هم اتبعوا سيد قطب في تكفير البشرية جمعاء فإنهم كفَّروا الحاكم إذا حكم بحكم واحد بالقانون على خلاف القرءان ولو كان يُقِرُّ أن حكم الشرع هو الصحيح، وكفَّروا الرعية حتى المؤذنين والفلاحين ورعاة الغنم لأنهم لم يثوروا على الحكام فلم يبق بزعمهم مسلم إلا هم فتبعوا الخوارج البيهسية في اعتقادهم ثم زادوا عليهم بمخالفة الإجماع في مسئلة القبلة أيضًا فالخوارج القدماء لم يخالفوا فيها وأما خوارج سيد قطب فخالفوا في مسئلة القبلة حتى إخوانهم الخوارج السابقين.

والعجيب أن بعضهم يصلّون في بيوتهم إلى الاتجاه الصحيح للقبلة أي إلى الجنوب الشرقي وأما في مراكزهم التي يقصدونها للصلاة والتي بعضها مساجد فيصلون إلى الشمال الشرقي فإذا قيل لهم في ذلك قالوا: نريد موافقة الجماعة وهل معنى الجماعة التي وردت في الحديث لزومهم ما ذهب إليه هؤلاء من الفهم المخطئ إنما الجماعة الذين ذُكروا في حديث: “ثلاث لا يَغِلُّ بهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة أولي الأمر، ولزوم الجماعة فإن دعوتهم تحيط مَن وراءهم” هم إجماع علماء الإسلام. والحديث صحيح رواه ابن حبان.

ويؤيد هذا المعنى ما ثبت عن أبي مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنّ الله أجار أمة محمد صلى الله عليه وسلم من أن يجتمعوا على ضلالة.

فائدة مهمة:

قال الحافظ اللغوي محمد مرتضى الزبيدي في شرح إحياء علوم الدين ما نصه: “(ما يتجدد من الوظيفة بسبب السفر وهو علم القبلة والأوقات) وقد صنف العلماء في كل منهما كتبًا مختصة بمعرفتهما (وذلك أيضًا واجب في الحضر) لأن معرفة الأوقات أكيدة لتصحيح العبادات واستقبال القبلة شرط لصحة الفريضة إلا في شدة الخوف وشرط لصحة النافلة أيضًا إلا في شدة الخوف والسفر المباح كما تقدم، والعاجز كالمريض لا يجد من يوجهه والمربوط على خشبة يصلي حيث توجه (ولكن في الحضر) يجد (من يكفيه من محراب) من محاريب المساجد المشهورة (متفق عليه) وأصل المحراب صدر المجلس والغرفة والمراد هنا محراب المسجد وهو الموضع الذي يقف فيه الإمام للصلاة (يغنيه عن طلب القبلة و) عن (مؤذن) عارف (يراعي الوقت) ويحافظ عليه (فيغنيه عن طلب علم الوقت و) أما (المسافر) فإنه (قد تشتبه عليه القبلة) لعدم محراب (وقد يلتبس عليه الوقت) لعدم مؤذن (فلا بد له من علم أدلة القبلة والمواقيت) قدر ما يعرف به القبلة ومواقيت الصلاة، قال الرافعي: وأما التمكن من أدلة القبلة فينبني على أن تعلمها فرض كفاية أم عين والأصح فرض عين، قال النووي: المختار ما قاله غيره انه إن أراد سفرًا ففرض عين لعموم حاجة المسافر إليها وكثرة الاشتباه عليه وإلا ففرض كفاية إذ لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم ثم السلف ألزموا ءاحاد الناس بذلك بخلاف أركان الصلاة وشروطها والله أعلم.

قال الرافعي: فإن قلنا ليس بفرض عين صلى بالتقليد ولا يقضي كالأعمى، وإن قلنا: فرض عين لم يجز التقليد فإن قلد قضى لتقصيره وإن ضاق الوقت عن التعلم فهو كالعالم إذا تحير وفيه خلاف.

(أما أدلة القبلة فهي ثلاثة أقسام أرضية كالاستدلال بالجبال والقرى والأنهار، أو هوائية كالاستدلال بالرياح) الأربع (شمالها وجنوبها وصباها ودبورها) فالشمال تأتي من ناحية الشام وهي حارة في الصيف بارح والجنوب تقابلها وهي الريح اليمانية والصبا تأتي من مشرق الشمس وهي القبول أيضًا والدبور تأتي من ناحية المغرب وهو أضعفها لاختلافها كما قاله النووي (أو سماوية وهي النجوم) وهي أقواها (فأما الأرضية والهوائية فتختلف باختلاف البلاد) والأقطار (فرب طريق فيه جبل مرتفع) أو أكمة عالية (يعلم أنه على يمين المستقبل أو شماله أو ورائه أو قدامه فليعلم ذلك وليفهمه. وكذلك الرياح قد تدل في بعض البلاد) دون بعضها (فليتفهم ذلك ولسنا نقدر على استقصاء ذلك إذ لكل بلد وإقليم حكم ءاخر) فالضبط فيه لا يخلو من العسر (أما السماوية فأدلتها تنقسم إلى نهارية وإلى ليلية أما النهارية فكالشمس فلا بد أن يراعي قبل الخروج من البلد أن الشمس عند الزوال أين تقع منه أهي بين الحاجبين أو على العين اليمنى أو) العين (اليسرى أو تميل إلى الجنبين ميلًا أكثر من ذلك فإن الشمس لا تعدو في البلاد الشمالية) وهي ناحية الشام (هذه المواقع فإذا حفظ ذلك فمهما عرف الزوال بدليله الذي سنذكره عرف القبلة به) لا محالة.

(وكذلك يراعي مواقع الشمس منه وقت العصر فإنه في هذين الوقتين يحتاج إلى القبلة بالضرورة وهذا أيضًا لما كان يختلف في البلاد فليس يمكن استقصاؤه) وفي نسخة استيفاؤه.

(وأما القبلة وقت المغرب فإنها تدرك بموضع الغروب وذلك أن تحفظ أن الشمس تغرب عن يمين المستقبل أو هي مائلة إلى وجهه أو قفاه وبالشفق أيضًا تعرف القبلة للعشاء الأخيرة وبمشرق الشمس تعرف القبلة لصلاة الصبح فكأن الشمس تدل على القبلة في الصلوات الخمس ولكن يختلف ذلك باختلاف الشتاء والصيف فإن المشارق والمغارب كثيرة) كما يرشد إليه قوله تعالى: بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ {40} [سورة المعارج] (وإن كانت محصورة في جهتين) كما يرشده إليه قوله تعالى: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ {17} [سورة الرحمن] فلا بد من تعلم ذلك أيضًا (ولكن قد يصلي المغرب والعشاء بعد غيبوبة الشفق فلا يمكنه أن يستدل على القبلة به فعليه أن يراعي موضع القطب) بالضم (وهو الكوكب) الصغير (الذي يقال له الجدي) وفي تعبيره هذا مسامحة فإن الذي عرفه غيره من علماء هذا الفن أنه نجم صغير في بنات نعش الصغرى بين الفرقدين والجدي وهو (كالثابت لا تظهر حركته عن موضعه) ولذلك سُمي قطبًا تشبيهًا له بقطب الرحى (وذلك إما أن يكون على قفا المستقبل أو على منكبه الأيسر) أو خلف أذنه اليمنى (في البلاد الشمالية من مكة) كالكوفة وبغداد وهمدان وقزوين وطبرستان وجرجان وما والاها (وفي البلاد الجنوبية كاليمن وما وراءها فيقع في مقابلة المستقبل فليعلم ذلك وما عرفه) حالة كونه (في بلده فليعمل عليه في الطريق كله) إذا سافر (إلا إذا طال السفر) وامتد بأن يكون المقصد بعيدًا كان يتوجه الشامي إلى اليمن مثلًا أو بالعكس (فالمسافة إن بعدت اختلف موقع الشمس) في وسط النهار (و) كذا اختلف (موضع القطب وموضع المشارق والمغارب إلا أنه ينتهي في أثناء سفره إلى بلاد فينبغي أن يسأل أهل المصر) وفي نسخة أهل البصيرة (أو يراقب هذه الكواكب وهو مستقبل محراب جامع البلد حتى يتضح له ذلك)” اهــ

ثم قال ما نصه: “(فإذا فهم معنى العين والجهة فأقول: الذي يصح عندنا في الفتوى أن المطلوب) بالاجتهاد (العين إن كانت الكعبة مما يكن رؤيتها) وهو أظهر القولين واتفق العراقيون على تصحيحه كما تقدم (وإن كان يحتاج إلى الاستدلال عليها) بالأدلة (لتعذر رؤيتها) بأن حال بينه وبينها حائل أصلي كالجبل أو طارئ كالبناء (فيكفي استقبال الجهة)” اهــ