الخميس نوفمبر 21, 2024

الدرس الثالث والثلاثون

بسم الله الرحمن الرحيم

بيان أن الله تعالى موجود بلا مكان

وبيان فضل أبي بكر وعمر وعائشة رضي الله عنهم

درس ألقاهُ المتكلمُ الفقيهُ المحدث الشيخ عبد الله بن محمّد العبدري الحبشي رحمه الله تعالى في بيته وهو في بيان أن الله موجود بلا مكان. قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:

الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على سيدنا محمّد أشرف المرسلين وسلم.

أما بعد فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمَا يَخْشَى الذي يرفَعُ بَصَرَهُ إلى السماءِ في الصلاةِ ألَّا يعُودَ إليهِ بصرُهُ([i]) اهـ معنى الحديث أنَّ رفعَ البصرِ إلى السماء أي النظرَ إلى السماء في حال الصلاةِ أمرٌ عظيمٌ يستحقُّ هذا الإنسانُ بسببه ألا يعودَ إليه بصرُهُ المعنَى أنَّ اللهَ تعالى لو طمَسَ له بصرَهُ جزاءً له على رَفْعِهِ بصرَهُ في الصلاة إلى السماء كان مُستحقًّا لذلك فمِن هنا ظهر أنّ رفع البصر إلى السماء في الصلاة مما يَكْرَهُهُ اللهُ تعالى ولو طُمِسَ هذا الإنسانُ بصرُهُ أي ذهبَ أي لو ذهب هذا الإنسانُ بصرُهُ وعَمِيَ جزاءً على ما فعله لكان هذا الإنسانُ مُستحقًّا لذلك.

وروينا في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما يخشَى الذي يرفَعُ رأسَهُ قبلَ الإمامِ في السجودِ أن يحَوّلَ اللهُ رأسَهُ رأسَ حِمارٍ([ii]) اهـ هذا الحديثُ الذي رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه أنَّ الذي يرفع رأسه قبل الإمام من السجود يستحقُّ أن يُحوِّلَ اللهُ رأسَهُ رأسَ حمارٍ، المعنى أنَّ رفْعَ الرأسِ من السجودِ قبل الإمام ذنبٌ حرامٌ([iii]) من جُملةِ ما حرَّمَ اللهُ تعالى على عبادهِ فلْيَحذَرِ الـمُصَلُّونَ ذلك فمَنْ تعمَّدَ رفع رأسه من السجود قبل الإمام فليسَ له من صلاتِهِ ثوابٌ لأنه ارتكبَ ذنبًا حرَّمَهُ اللهُ تعالى فلو مُسِخَ رأسُهُ رأسَ حمارٍ حقيقةً أي لو حُوِّلَتْ صورةُ وجْهِهِ إلى صورةِ حمارٍ لكانَ جديرًا بذلك لِعِظَمِ ذنبِهِ. هذا العبدُ تعرَّضَ لِسَخَطِ اللهِ بحيث إنه يستحقُّ أن يُحوّلَ اللهُ وجهَهُ وجهَ حمارٍ يعني في الدنيا ليس معناه أن الله يحول وجهه وجهَ حمارٍ في الآخرةِ لا بل المعنى أنه الآن في الدنيا يستحق ذلك يستحقُّ أن تتحولَ صورةُ وجههِ صورةَ حمارٍ من عظم ذنبه ولم يذكر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رفعَ الرأس قبل الإمام في الركوع لكنه أيضًا مُحرَّمٌ رَفْعُ الرأس من حال الركوع قبل أن يرفع الإمامُ عمدًا حرامٌ، مَن رفَعَ رأسَه من الركوع قبل أن يرفع الإمامُ رأسَهُ عمدًا حرامٌ لكنْ رَفْعُ الرأس من السجود قبل الإمام عمدًا أشدُّ معصيةً، لذلك الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر رفعَ الرأس من السجود قبل الإمامِ لكونه أشدَّ ذنبًا وكِلا الأمرين حرامٌ رَفْعُ الرأس من السجود قبل الإمام عمدًا حرام وهو أحرَمُ لأنَّ السجودَ هو أقرب ما يكون العبد من ربه، حالةَ السجودِ هو أقرب ما يكون من ربه كما صح في الحديث. وهذا دليل على أن الله تبارك وتعالى موجودٌ بلا مكان لأنه لو كان موجودًا بالمكان لكان الراكع أقربَ إلى الله لو كان الله تعالى متحيزًا في سماء من السموات السبع أو متحيزًا على سطح العرش أو في مُقَعَّر العرش لو كان الله تعالى كذلك كما يتوهم البِدْعِيُّونَ لم يكن العبدُ أقربَ إلى ربه في حال السجود من سائر الأحوال لكنه بما أن الله موجود بلا مكان فالأماكن كلُّها أي العرش والفَرشُ بالنسبة إلى ذات الله على حدٍّ سواء، كلُّ الأماكن بالنسبة له على حدٍّ سواء، فلذلكَ كان أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد.

بعض أساطين العلماء هو الإمامُ الملقّب بإمام الحَرَمَينِ عبدُ الملك بنُ عبدِ الله بنِ يوسفَ الجوينيُّ قال في هذا الحديث: لا تُخَيِّروني على يونُسَ بنِ مَتَّى([iv]) اهـ قال فيه إيذانٌ وإعلامٌ لنا أنَّ الله تبارك وتعالى موجودٌ بلا مكان لذلك الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن أن يُفَضَّلَ على يونُسَ بنِ مُتَّى الذي كان في بطن الحوت بُرهةً من الزمن ابتلَعُهُ الحوتُ وكان بطنُ الحوتِ مُستَقرَّهُ والرسول صلى الله عليه وسلم صعد إلى السموات السبع بل إلى ما فوقها كما أخبر عن نفسه في صفة عُرُوجِهِ أنه رُفِعَ إلى مستوًى يسمَعُ فيه صريف الأقلام، معنى الحديث أن يونسَ بنَ متّى الذي كان في قعر البحر في بطن الحوت وأنا الذي وصلت إلى ذلك المستوى الذي هو فوق السبع سموات وفوقَ سِدرةِ الـمُنتهى على حد سواء بالنسبة إلى ذات الله فلا أنا أقربُ منه بالنسبة إلى ذات الله الـمُنزَّهِ عن المكان ولا هو أقربُ مني إليه فكلانا بالنسبة إلى ذات الله على حدٍّ سواء، أي لستُ أنا قريبًا من ذات الله قُربًا يجعلُ يونسَ بنَ متّى في حال كونِهِ في قعرِ البحرِ في بطنِ الحوتِ بعيدًا من ذات الله تعالى، المعنَى أن الله بما أن القربَ منه لا يكون بالمسافة لكونه منزهًا عن المكان لا يكون أحدٌ أقربَ إلى ذات الله من أحدٍ أي فكلُّ العبادِ وكلُّ الأماكنِ بالنسبة إلى ذاتِ الله على حد سواء لأن الله تعالى موجود بلا مكان وهذا هو المعنى الذي يعتقده أهل السنة المنزّهون لله تعالى عن مشابهة المخلوقين.

اللهُ تبارك وتعالى ذكرَ في بعضِ الآياتِ ما ظاهرهُ يُوهِمُ أنَّ الله تباركَ وتعالى فوقَ العرشِ بذاته وفي بعض الآيات ذكرَ ما ظاهرُه يقتضي أنَّ الله تعالى في هذه الأرض. أما ما يُوهِمُ ظاهرُهُ أنَّ الله تعالى مستقرٌّ فوق العرش فليس هو المرادَ لله تعالى من معاني تلك الآيات القرءانية كقوله تعالى: ﴿وَهُوَ القاهِرُ فوقَ عِبادِهِ([v]) وقوله: ﴿الرَّحمَنُ على العرشِ استَوَى([vi]) فهاتان الآيتان من نظرَ إلى الظاهر يتخيَّلُ أنَّ اللهَ تعالى مستقرٌّ بذاتِهِ فوقَ السماء السابعة بل فوقَ العرش وليس ذلك مرادَ الله تعالى ليس ذلك معنى الآيتين إنما ذلك أمرٌ تتوهمه أذهانُ بعضِ الناس، وأما الآياتُ التي ظاهرُها يُوهمُ أنَّ الله تعالى في الأرض كقوله تعالى مخبرًا عن بعض أنبيائه: ﴿وقالَ إني ذاهبٌ إلى ربي سَيَهْدِينِ([vii]) هذه الآية ظاهرُها أنَّ الله تعالى ذاتٌ مُتَحَيِّزٌ في الأرض وأنَّ ذلك النبيَّ قصدَ ذلك المكان، لكون ذلك شيئًا يسبقُ إلى الوهم ليس معنى الآية، لأنه لم يُرِدِ اللهُ بقوله: ﴿الرَّحمنُ على العرشِ اسْتَوَى أنَّ الله بذاته مستقر متحيز على سطح العرش أو في ما يوازيه من جهة فوق كذلك ليس مراد الله تعالى بهذه الآية: ﴿وقالَ إنِّي ذاهِبٌ إلى ربي سَيَهْدِينِ أنه متحيّزٌ في هذه الأرض بل معنى كلٍّ من الآياتِ الثلاثِ غيرُ ظاهرِها كلٌّ من الآياتِ الثلاث معانيها غيرُ ظاهرها فإذًا قوله تعالى: ﴿الرَّحمنُ على العرشِ استَوَى لا يجوزُ أن نفهمَ منه أنَّ الله بذاتهِ مستقرٌ على العرش وكذلك لا يجوز أن نفهمَ من قوله: ﴿وقال إنِّي ذاهِبٌ إلى ربي سَيَهْدينِ أنه مستقرٌّ متحيز في هذه الأرض إنما المرادُ من هذه الآيات كلّها معنًى ليس فيه تشبيهُ الله بخلقه أي ليس فيه إثباتُ المكانِ والحيّزِ لله تعالى فيُوَفَّقُ بين الآياتِ لأنَّ القرءانَ يُصَدّقُ بعضُهُ بعضًا ويقال لذلك في قوله: ﴿الرحمنُ على العرشِ اسْتَوَى أي بلا كيفٍ أي من غير أن يكونَ على معنى الجلوسِ أوِ الاستقرارِ أو الـمُحاذاةِ وكذلك في قوله: ﴿وقالَ إنِّي ذاهبٌ إلى ربي سَيَهدينِ إنه ليس المرادُ إثباتَ الحيز والمكان لله تعالى في هذه الأرض إنما معناه إني ذاهبٌ إلى ربي بلا كيف أي من غير معنى المكان والحيز. والذي يقرب هذا المعنى الصحيحَ من القلب أن يعرفَ الإنسان أن الله تعالى كان قبل المكان أي قبل العرش وما دونَه، ولا يُقبَلُ أن يكون في مكان قبل وجود المكان، لا يُعقل أن يكون ذلك فلمَّا ثبتَ أنَّ الله تعالى كان قبل المكان موجودًا بلا مكان فلا يُستغربُ أن يكون الله تعالى بعد أن خلق المكان العرشَ وما تحته موجودًا بلا مكان كما قال مصباح التوحيد وصباح التفريد عليُّ بنُ أبي طالب رضي الله عنه كانَ اللهُ ولا مكانَ وهو الآنَ على ما عليه كانَ اهـ.

ويكفي بطريق الاختصار أن يُلاحِظَ الإنسانُ هذه الكلماتِ في نفسه كانَ اللهُ ولا مكانَ وهو الآنَ على ما عليه كان وهذا مأخوذٌ من قول الله تعالى: ﴿ليسَ كمثلهِ شيءٌ([viii]) . أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت أذهانُهم سيَّالةً أي سريعةَ الفهم كانوا يفهمون المعنى الصحيحَ بسماع الكلمات يفهمون المعنى الصحيحَ لمَّا سمعوا قول الله تعالى: ﴿ليسَ كمثلهِ شيءٌ علِمُوا أنَّ الله تعالى موجودٌ بلا مكان وأنه لا تجوزُ عليه الألوان لا البياضُ ولا السوادُ ولا الشُّقرةُ ولا الحُمرةُ ولا الزُّرقةُ وأنه منزهٌ عن الحجم والـمِساحة والطول والعرض والعمق مُنَزَّهٌ عن ذلك كله كانوا يعلمون من هذه الكلمات ﴿ليسَ كمثلهِ شيءٌ معانيَ التنزيهِ كلَّها كانوا يفهمون من قول الله تعالى: ﴿ليسَ كمثلهِ شيءٌ تنزيهَ الله عن المكان وتنزيهَهُ عن اللون وتنزيهَهُ عن الـمِساحة وتنزيههُ عن الشكل وتنزيهَهُ عن الكيفية كانوا يفهمون ذلك، هذا الأمرُ الذي اليومَ قد يدَرَّسُ على بعض الناس أيامًا عديدة ثم لا يفهمون المعنى المقصود معنى التنزيهِ الكافي، أما أولئك كانوا يفهمون هذه المعانيَ معانيَ التنزيهِ لله تعالى عن المكان واللون والشكل والحيز من هذه الكلمة الـمُوجزةِ الجامعةِ ﴿ليسَ كمثلهِ شيءٌ وكذلك يفهمون ذلك من قول الله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أحدٌ* اللهُ الصمدُ* لم يَلِدْ ولم يُولَدْ* ولم يكُن لَّهُ كُفُوًا أحد([ix]) من هذه الكلمات كانوا يفهمون التنزيهَ، التنزيهَ بجميع وجوهه كانوا يفهمون.

وأما قولُهُ تعالى: ﴿ثمَّ دَنا فتَدَلَّى* فكانَ قابَ قوسَينِ أو أدْنى([x]) صح عن الصحابة تفسيرُه بأنه دُنُوّ جبريلَ من محمدٍ فقوله تعالى ثم دنا فيه ضمير يعود إلى جبريل وكذلك قوله فتدلى فيه ضمير يعود على جبريل والمعنى أن جبريل دنا من رسول الله فتدلى إليه وذلك بعد أن رجع الرسول صلى الله عليه وسلم من المستوى الذي وصل إليه وسمع فيه كلامَ الله ورأى اللهَ بقلبِه لا بعينه بعد أن نزل من المستوى الذي كان فيه بعد أن تركه جبريلُ جاءه جبريلُ وهو نازلٌ فدنا إليه فتدلى في صورته الأصلية التي هي ذاتٌ له ستُّمائةِ جناحٍ ليس بالصورة التي كان فيها حين أخذه من مكة من البيت الذي كان نائمًا فيه ثم أتى به إلى المسجد الحرام ثم أركَبَهُ البُراقَ رَديفًا له جبريلُ في الأمام وسيدُنا محمّد خلفَهُ تلك الصورةُ صورةُ بشرٍ عاديّ لكنه ما لبث تحول في هذه المدة التي انفردَ فيها الرسول صلى الله عليه وسلم وغاب عنه فظهر له أي تبدَّى له جبريل بتلك الصورة التي هي ذات ستمائة جناح، عن هذا يخبرنا الله تعالى بقوله: ﴿ثمَّ دَنَا فتَدَلَّى كذلك قوله تعالى: ﴿فكانَ قابَ قَوسَينِ أو أدْنَى أراد الله به أن جبريلَ كان في دنوِّهِ من محمّد كقاب قوسين أو أدنى أي أقرب والقوسان هما الذراعان. هذا معنى الآية وليس معناه أن الله اقتربَ من الرسول صلى الله عليه وسلم حتى صار قريبًا منه بالمسافة كذراعين أو أقل لا، لأن القرب بالمسافة يكون بين جسم وجسم والله تعالى ليس جسمًا ولا له مكانٌ سبحانه.

الله تبارك وتعالى بما أنه منزهٌ عن المكان ليس الذين في البحار أو في الأرض السابعة في بُعدٍ مكانيّ من ذات الله تعالى كما أن ملائكة الله الحافّين من حول العرش ليسوا قريبين من الله تعالى قُربًا مسافيًّا فهو مُنزَّهٌ عن القُربِ المكانيّ وهذا الحديثُ الذي رواه مسلم أقربُ ما يكونُ العبدُ من ربهِ وهو ساجدٌ([xi]) اهـ دليلٌ على هذا المعنى أي أنَّ الله منزه عن المكان لأنه لو كان مُتمكنًا متحيزًا في العرش لكان أهلُ الأرضِ بعيدين من الله تعالى وأبعدهم من الله ساجدٌ ولكان الملائكةُ الحافُّون من حول العرشِ أفضلَ من أنبياء الله الذين كانوا نشأوا في الأرض ثم بعد موتهم مستقرُّهم قبورُهم.

كلُّ نبيٍّ من أنبياء الله بعد موته لا يستقر في الجنة ولا في العرش كأولئك الملائكةِ الحافّين من حول العرش إنما مستقرُهم قبورُهم. روينا بالإسناد الصحيح من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الأنبياءُ أحياءٌ في قبورِهِم يُصَلُّونَ([xii]) اهـ هذا على الدوام إلى أن يُنفَخَ في الصور ويومَ يُنفخُ في الصورِ يُغشَى عليهم لا يموتون موتةً ثانيةً بل يُغشَى عليهم تلكَ الساعةَ عند نفخةِ الصَّعْقِ التي يموت فيها مَن كان عندئذٍ على وجهِ الأرض من الإنس والجنّ كلُّهم يموتون تلك الساعةَ أما الأنبياءُ الذين يكونون في قبورهم يُغشَى عليهم لا يموتون موتةً غيرَ موتتهم الأولى، مثلًا سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلم لا يموت إلا الموتةَ التي ماتها في المدينة المنورة في بيته الذي كانت عائشة تسكنه اختار الله تبارك وتعالى أن يكون موته ودَفْنُهُ في بيت عائشة الصدِّيقةِ بنتِ الصدِّيقِ رضيَ الله عنهما هذا فيه دليلٌ على فضل عائشةَ على سائر نساءِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم سوى خديجةَ عائشةُ أفضلُ نساء الرسول أفضلُ أزواجِ الرسول بعدَ خديجةَ. خديجةُ سبقتها بالوفاة ماتت قبل الهجرة قبل أن يهاجرَ الرسول فالله تبارك وتعالى لولا أنَّ لها فضلًا عنده على غيرها من أزواج الرسول لم يكن يَتَوفَّى النبيّ في بيتها تُوُفي في بيتها ودُفنَ في المكان الذي توفيَ فيه حفروا له قبرًا في بيت عائشة دُفِنَ هناك. هذا الحديث الذي اتفق عليه العلماء لا يختلف في ذلك عالم عن عالم كلُّ العلماء متفقون على أن الرسول صلى الله عليه وسلم توفيَ ودفن في بيت عائشة رضي الله عنها لولا ما لها من الفضل العظيم عند الله ما كان لها هذا الحظُّ، هذا الحظُّ الكبيرُ ما كان لها، ما نالت هذا الحظَّ الكبيرَ إلا لأنها أفضلُ عند الله تعالى من أزواجهِ اللاتي كُنَّ في قيدِ الحياة عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أيضًا كان حظُّ أبي بكر وعمرَ أنهما دُفِنا بجنب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يُدفَنْ هناك أحدٌ غيرُهما في هذا البيت الذي هو بيت عائشة، بعد أنْ دُفِنَ فيه رسول الله ماتَ أبوها أبو بكر فدُفِنَ فيه خلف مَنكِبِ رسول الله ثم مات عمرُ بن الخطاب فدفن خلف منكب أبي بكر رضي الله عنهما ولم ينَلْ هذا الفضلَ أحدٌ من الصحابة لا مَن كان من أهل البيت ولا من غيرهم حتى بنتُهُ فاطمةُ ما دُفنت هناك دُفِنت في الجَبّانة العامة في البقيع كذلك عمُّهُ العباسُ كذلك الحسنُ بن عليّ بن أبي طالب كذلك زينُ العابدين كذلك غيرُهم من أكابر أهل البيت ما نال هذا الحظ الذي ناله أبو بكر وعمر. الفضلُ بتفضيل الله تعالى ليس الفضل بالعاطفية، ليس الفضل بالنسب، لو كان الفضل بالنسب كان العباسُ أولَى مَنْ يُدفَنُ هناك فالذي يطعن في عائشةَ رضي الله عنها وأبي بكر وعمرَ مثَلُهُ كمثلِ ناموسةٍ أي بعوضة نفخت على جبل لتزيله:

إذا أكرمَ الرحمنُ عبدًا بعِزَّة

 

فلن يقدرَ المخلوقُ يومًا يُهينَهُ اهـ

الذي جعله الله تعالى عاليَ الرتبة عنده فهو عالي الرتبة لا أحدَ مِمَّنْ يحسُدُهُ أو يُناوِؤُهُ يجعله على خلاف تلك الصفة كذلك الذي أهانَهُ أي الذي هو هيّن على الله فهو هيّن لا يستطيع أحد أن يجعله من الأعْلَيْن درجةً قال الله تعالى: ﴿ومَن يُهِنِ اللهُ فمَا لهُ مِن مُّكرِمٍ([xiii]) الإنسان المؤمن لا يكون كامل الإيمان حتى يُسلِّمَ لله تعالى تسليمًا ويَسْتَسلِمَ استسلامًا أي لا يعترضَ على شيءٍ مما أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم وحتى لا يعترضَ على إنسان فضَّلَهُ اللهُ تعالى من باب الحسد أو الأنانية لذلك في الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري والطبراني والبيهقي رحمهم الله مما رواه النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن ربه تبارك وتعالى: مَن عادَى لي وليًّا فقد ءاذَنْتُهُ بالحرب([xiv]) اهـ الإنسان الذي يحارب أولياء الله كأبي بكر وعمر وعائشة فهو مخذولٌ ممقوتٌ لن يضرَّ أولئكَ بما لهم من الفضل عند الله لن يضرهم شيءٌ لن يضر أبا بكر شيئًا ولن يضر عمرَ شيئًا ولن يضر عائشة شيئًا لن يستطيع أن يَنقُصَ من درجاتهم التي كتب الله لهم مثقالَ ذرةٍ إنما يضرُّ نفسه هذا الإنسانُ إنما يضر نفسه لأنه تعرَّضَ لسَخَطِ الله تعالى ومَقْتِهِ.

مَن عادَى لي وليًّا فقد ءاذَنْتُهُ بالحربِ اهـ أي ليعلَمْ أني مُحارِبُهُ ومَن حارَبَهُ اللهُ تعالى فهو المحرومُ الهالِكُ الخاسِرُ، الذي يُحاربُ وليًّا من أولياءِ اللهِ يهلِكُ ويخسَرُ ولا سيَّما أبو بكر وعمر اللذان هما أفضل أولياء أمة محمّد صلى الله عليه وسلم لن يلحق بهما في درجاتهما حتى يكون معهما سواءً أحدٌ من هذه الأمةِ مهما بلغ في الفضل عند الله فإنَّ الله تعالى يُفَضِلُ مَن يشاءُ من عبادهِ المؤمنين على من يشاء. هذا سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلم ما عاشَ من العمر إلا ثلاثًا وستين سنةً والقَدْرُ الذي عاشه بعد أن نزل عليه الوحيُ ثلاثٌ وعشرونَ سنةً وماتَ قبله من الأنبياء من عاشَ ألفَ سنة، هذا نوحٌ عليه السلام عاشَ أكثرَ من ألفِ سنةٍ وءادمُ عاشَ ألفَ سنةٍ مع ذلك اللهُ تعالى فضَّلَ مُحمدًا الذي عاشَ ثلاثًا وستينَ سنةً فقط.

لو كان الفضلُ بطول العمر في العبادة في الإسلام لكان أولئكَ أفضلَ من رسول الله بدرجات كثيرةٍ بدرجاتٍ مُضاعفةٍ ءادمُ ونوحٌ لكانا أفضلَ من سيدنا محمّد بمراتبَ كثيرةٍ لكنه عليه الصلاة والسلام فضَّلَهُ اللهُ تباركَ وتعالى هذا الفضلَ على ءادمَ وعلى نوحٍ وغيرهما من الأنبياء بل وعلى الملائكة الذي لا يأكلون ولا ينامون ولا يشربون بل لا يفتُرُونَ عن ذكرِ اللهِ تعالى ليلَهم ونهارَهم في طاعة الله، رُفِعَ عنهم النومُ والتعبُ والجوعُ والعطشُ والشهوةُ، رُفِعَ عنهم كلُّ هذا وهم خلقوا قبل ءادم وإن كان لم يَرِدْ في تحديد وجود الملائكة قبل ءادم مدةٌ معيَّنةٌ في ذلك لكنه من المعلوم قطعًا أن الملائكة خُلقوا قبل ءادمَ، ومع ذلك فالنبيّ محمّد صلى الله عليه وسلم أفضل منهم.

فليس هناك طريقٌ يصِلُ به العبد إلى مراتب الكمال إلا الإيمانُ بالله ورسوله والتسليمُ لله ولرسوله بأن يُثبِتَ العبدُ ما أثبتَهُ الرسولُ وينفي ما نفاه الرسول.

انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم.

[i])) رواه أحمد في مسنده باب حديث جابر بن سمرة السوائي.

[ii])) رواه مسلم في صحيحه باب النهي عن سبق الإمام بركوع أو سجود ونحوهما.

[iii])) هذا على ما مشى عليه النوويّ في المجموع، وكذا قاله في شرح الروض عقب ذلك هذا الحديث، وقد قال الشبراملسي في حاشيته على النهاية ومذهبنا أن مجرد رفع الرأس قبل الإمام أو القيام أو الهُوِيّ قبله مكروه كراهية تنزيه، وأنه يسن له العود إلى الإمام إن كان باقيًا في ذلك الركن اهـ.

[iv])) رواه البخاري في صحيحه باب قول الله تعالى: ﴿وإنَّ يُونُسَ لَمِنَ المُرسَلينَ﴾ إلى قوله: ﴿فآمِنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إلى حينٍ﴾ ورواه مسلم في صحيحه باب في ذكر يونس عليه السلام.

[v])) سورة الأنعام/الآية 18.

[vi])) سورة طه/الآية 5.

[vii])) سورة الصافات/الآية 99.

[viii])) سورة الشورى/الآية 11.

[ix])) سورة الإخلاص.

[x])) سورة النجم/الآية 8-9.

[xi])) رواه مسلم في صحيحه باب ما يقال في الركوع والسجود.

[xii])) رواه البزار في مسنده باب مُسند أبي حمزةَ أنس بنِ مالك.

[xiii])) سورة الحج/الآية 18.

[xiv])) رواه البخاري في صحيحه بابُ التواضُعِ.