الأحد ديسمبر 22, 2024

بيان عظم ذنب لعن المسلم بغير حق

درس ألقاه المحدث الشيخ عبد الله بن محمد العبدريّ رحمه الله تعالى فِي بيروت فِي سنة أربعمائة وألف من الهجرة الشريفة أو التي بعدها الموافق لسنة ثمانين وتسعمائة وألف رومية أو التي بعدها وهو فِي بيان عظم ذنب لعن المسلم بغير حق. قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى ءاله وأصحابه الطيبين وءاله الطاهرين.

أمَّا بعدُ: فقد روينا بالإسناد المتصل فِي مسند الإمام أحمد وغيره أن نبيّ الله r قال: «لَعْنُ المسلم كَقَتْلِه([i])».اهـ.

شرح الحديث اللعنُ من الله تعالى الإبعاد من الخير فمعنى لَعَنَ اللهُ فلانًا، أي: أبعده من الخير ليس معناه لا يرحمه الله البتة الرحمة العامة ولا الرحمة الخاصة وأما مِن العبد فهو الدعاء على العبد بأن يبعده الله من الخير، وإنما قيد رسول الله r فِي هذا الحديث بالمسلم؛ لأن لعن الكافر ليس كلعن المسلم، الكافر يجوز لعنه بالتخصيص والتعيين وبالتعميم، أي: من غير تخصيصٍ وتعيينٍ كِلا الأمرين جائز، هذا هو القول المنصور الذي تؤيده الأحاديث النبوية، وليس لما قاله بعض الشافعية كالغزالي وجهٌ وهو أنه لا يجوز لعن شخص معين ولو كان كافرًا إلا من عُلِمَ موتُهُ على الكفر بطريق النصّ الشرعِيّ، أي: إلا إذا كان واردًا فِي القرءان أنه يموت كافرًا إلا إذا ورد فِي القرءان أنه يموتُ كافِرًا أو نص عليه رسول الله r. الغزاليُّ وكثير من الشافعية على هذا القول لكن هذا القول غيرُ معتمد، القول المعتمد أنه يجوز لعن الكافر الذي ورد النص على موته كافرًا والذي لم يرد النص بموته على ذلك. الذي ورد النص على موته كافرًا كفرعون فإن الله تبارك وتعالى قال: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَمَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} [سورة هود: 98] فلو كان إيمانه بعدما أدركه الغرق مقبولًا ما قال الله تبارك وتعالى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأْوْرَدَهُمُ النَّارَ} ولا قال رسول الله r فيمن لا يحافظ على الصلوات الخمس إنه يكون يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأُبَيّ بنِ خَلَفٍ هؤلاء قد قام النص من رسول الله r على موتهم على الكفر؛ لأن الحديث دل على أنهم من أصحاب النار المؤبدين المخلدين فيها؛ لأنهم لو لم يكونوا من أصحاب النار المخلدين فيها ما ضرب بهم المثل لعقوبة تارك الصلاة لأن تارك الصلاة يرافق هؤلاء برهة من الزمن وذلك دليل على شدة عذاب تارك الصلاة، لو كان تاركُ الصلاة من الذين عذابهم خفيف ما قال فيه رسول الله r هذا القول لكنه لما كان من أشد الناس عذابًا يوم القيامة قال فيه ذلك. وليس فِي هذا الحديث أن تاركَ الصلاة المعتقِدَ لفرضيتها الذي يؤمن بالله ورسوله يكون دوامًا فِي الآخرة مع هؤلاء أئمة الكفر فرعون وهامان وقارون وأُبَي بن خلف، ليس فيه ذلك. ثم الثلاثةُ الأول فرعون وهامان وقارون ليسوا من أمة محمد الذين أرسل الله إليهم محمدًا لأنهم كانوا فِي أيام موسى u والرابع من أمة محمد r الذِي شملتهم دعوة محمد r وهو أُبَي بن خلف كان من أكابر مشركِي قريش من أهل مكة. فلعنُ المسلم يجوز لسبب شرعي وهو أن يكون غاشًّا يغش المسلمين فِي معاملاته الدنيوية أو يغشهم فِي دينهم، يتصدَّى للتدريس وهو ليس بأهل فيحرفُ شرع الله هذا أكبر غشًّا من الأول فيجوز لعنُهُ لكن ليس مطلقًا؛ بل بنية زجره عن هذه المعصية التي هي جريمة كبيرة فإن الغش إن كان فِي أمور الدنيا كالبيع والشراء وإن كان فِي أمور الدين فهو من كبائر الذنوب، أما الكافر فيجوز لعنه مطلقًا إلا الكافر الذمّيَّ، فإنّه فلا يجوز لنا أن نلعنه بحيث يسمع، والذمّيُّ هو الذِي دفع الجزية والتزم الشروط التي يُعطِي العهد عليها كالذين عاهدوا عمر بن الخطاب ومن جاء بعدهم من الكفار الذين وافقوا على دفع الجزية مع التزام الشروط بعد عمر t كل هؤلاء ذميون حتى ينقضوا العهد. روينا فِي سنن أبي داود أن أهل نجران أمرهم رسول الله r بالجزية وشرط عليهم أن لا يأكلوا الربا وأنهم إن أحدثوا حدثًا أو أكلوا الربا، أي: إن نقضوا العهد أو أكلوا الربا الذي شرط عليهم رسول الله r أن لا يأكلوه انتقض عهدهم خرجوا عن كونهم ذميين ثم أجلاهم عمر بن الخطاب بعد وفاة رسول الله r لنقضهم العهد أجلاهم، أي: أخرجهم من أرض اليمن، هِيَ نجران معدودة فِي الأصل من اليمن والآن هِيَ مع السعودية تحت حكم السعودية كان هناك مسكنهم كان عمر بن الخطاب خاف أن يميلوا على المسلمين ميلة؛ لأنه وجدهم قد تكاثروا وحدث السبب مِن قِبلهم وهو أنهم خالفوا الشرط شرط الذمة الذي وضعه عليهم رسول الله r فانتهز هذه الفرصة فطردهم أجلاهم.

الكافر الذمي لا يجوز لعنه فِي وجهه وفي خلفه بحيث يبلغه فيتأذى مع كفره لا يجوز هو يفترق عن سائر الكفار مع كفره يفترق عن غير الذميين من الكفار وكذلك المعاهد يفترق عن غيره والمعاهد هو الذي صالحه إمام المسلمين لمصلحة الإسلام على ترك المقاتَلة من الجانبين لمدة لا تزيد على عشر سنين فكفار قريش عاهدهم رسول الله r عام الحديبية على ترك قتالهم؛ أي: على أن لا يقاتلهم ولا يقاتلوه عشر سنوات ثم انتقض عهدهم بعد عامين هم نقضوا العهد، الرسولُ r ساحته منزهة عن نقض العهد هو أَوْفَى الناس بالعهود أَوْفَى خلق الله بالعهد هو رسول الله r، إنما نَقْضُ العهد حصل منهم حصل منهم كانوا ساعدوا طائفة من الكفار دخلوا فِي ذمتهم على ضرب طائفة من الكفار كانوا داخلين فِي عهد رسول الله r أولئك الذين كانوا فِي عقد قريش كفار قريش مشركي مكة يقال لهم: بنو بكر والذين كانوا فِي عهد رسول الله r يقال لهم: بنو خزاعة هؤلاء كفار قريش الذين كانوا عاهدوا رسول الله r وعاهدهم على ترك القتال عشر سنوات ساعدوا هؤلاء بالسلاح والخيل ليضربوا هؤلاء الذين كان لهم عهد من رسول الله فبذلك انتقض عهدهم فغزاهم رسول الله r بعد مضي عامين من مدة الهدنة ففتح رسول الله r مكة وفي ذلك أنزل الله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّـهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّـهِ أَفْوَاجًا (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [سورة النصر: 1 – 3].

ثم ليس من شرط جواز اللعن لمسلم فاسق فاجر غشاش أو كافر من الكفار أن يُعلم موته على الكفر بطريق الوحي من الله تعالى فقد لعن رسول الله r أشخاصًا من غير أن يوحي إليه أنهم يموتون على الكفر؛ بل أسلموا بعد ذلك بعد أن لعنهم رسول الله r صاروا من المسلمين الطيبين هذا القولُ الذِي يدور فِي أفواه كثير من المتفقهة إنه لا يجوز لعن الكافر المعين الذي لم يرد نص بموته على الكفر قول ضعيف لا يؤخذ به.

فمعنى الحديث: «لعن المسلم كقتله»([ii])، أي: أن من يلعن مسلمًا بدون سبب شرعي، أي: لا هو غشاش للناس فِي معاملاتهم الدنيوية أو فِي أمور الدين ولا هو متجبر حطّام حُطَمَةٌ للناس ولا هو فِي معنى ذلك هذا الذي قال فيه الرسول r إن لاعنَهُ ذنبُهُ كذنب قتله فليحفظ المرء لسانه عن إطلاق اللعنة على أحد من المسلمين إلا أن يتحقق أنه من أهله بأن يعلم منه أنه غشاش فِي تجارته أو معاملاته التي يعامل بها الناس أو أنه يغش الناس باسم الدين كهؤلاء الذين يتصدرون للتدريس أو لإعطاء الطريقة يوهمون الناس أنهم أولياء الله حتى يعتقد فيهم الناس ويهدوهم الهدايا وَيسْخَوْا لهم بأموالهم فهؤلاء جائز لعنهم.

ثم هؤلاء قسم منهم خرجوا من دائرة الإسلام ليسوا فِي دائرة الإسلام كالذين يدعون الطريقة والولاية ومع ذلك يعلّمون الناس كلمات كفرية كأيهامهم لبعض الناس أنهم أنبياء كما قال أحدهم هذا الشيخ رجب ديب نحن أنبياء مُصَغَّرُونَ هذا كافر من الكفار هذا ليس له حكم لعن المسلم وكذلك من أشبهه ليس له حكم لعن المسلم. كل هؤلاء ليس لهم حكم لعن المسلم، قلنا المسلم الذي هو غشاش يجوز لعنه بنية التحذير منه أو بنية زجره هو فيرتدع يجوز لعنه فكيف الذي يقول للناس هذه الكلمة نحن أنبياء مصغرون هذا تكذيب للقرءان، الله تعالى قال: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}، أي: أن محمدًا عليه الصلاة والسلام خاتم النبيين لا يأتي بعده نبي فكيف يتجرأ من يدّعي الإسلام والولاية والطريقة على هذا القول نحن أنبياء مصغرون كيف يتجرأ والذِي لا يكفّره بعد أن يعلم منه ذلك فهو مثله. إنا لله وإنا إليه راجعون. مع هذا تُقَبَّلُ له يدُهُ يسمعون منه هذا الكلام ثم يقبلون يده ما هؤلاء هؤلاء مسلمون؟ ليسوا مسلمين ما عرفوا الإسلام.

كثير من الناس عندما يسمعون قول الرسول r «رُبَّ قائمٍ ليس له مِن قيامه إلا السهرُ ورُبَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش»([iii]).اهـ. لا يدرك معنى هذا الحديث، هذا الحديث يفسَّرُ بهؤلاء وبأناس ءاخرين هم مسلمون ما خرجوا عن الإسلام لكن لا يقومون بالصلاة مع شروطها وأركانها أو يؤدونها بشروطها وأركانها للرياء وكذلك هناك أناس مسلمون مؤمنون لكنهم يصومون بدون شروط الصيام يُخِلُّونَ بشروط الصيام بضروريات الصيام أو يصومون حتى يقال عنهم هؤلاء صوامون.

هذا معنى الحديث فاحفظوه وليكن على ذُكْرٍ منكم «لعن المسلم كقتله»([iv]).اهـ. المراد به المسلم الذي ليس غشاشًا ليس ذا غش للناس فِي دينهم أو فِي معاملاتهم ولا هو متجبّرٌ حطمة للناس، أي: ظلوم. هذا المؤمن الذي عقيدته صحيحة مؤمن بالله ورسوله ولا يقترف كفرًا من الكفريات لا فِي حال غضبه ولا فِي حال مزحه سالم من الكفريات جميعها ومن الغش للمسلمين ومن التجبر والظلم لهم لعن هذا المسلم هو الذي قال فيه الرسول: «كقتله».

وما أكثر ما يحرف كثير من الناس أحاديث رسول الله r وءايات كتاب الله، مثلًا إذا ذكر إنسان إنسانًا حصل منه كفر للتحذير منه سمعوا منه تكفير ذلك الشخص بحق يقولون من كَفَّرَ مؤمنًا فقد كفر يضعون هذا فِي غير محله من كَفَّرَ مسلمًا فقد كفر، معناه: الشخص الذي ما حصل منه كفر لا قولي ولا فعلي ولا اعتقادي لا فِي المزح ولا فِي الغضب ولا فِي حال الرضا ما حصل منه كفر من الكفريات عنادًا كَفَّرَهُ هذا الذي يُحكم عليه بكفره؛ لأنّه كفَّر مسلمًا أما من سب الله فِي حال الغضب أو المزح أو اعترض عليه لشدة الفقر أو لشدة المصيبة كهذه المصائب التي حصلت بعضُ الناس عندما يتضايقون يسبون الله، تكفير هؤلاء حق من كفّر هؤلاء لا يقال فيه من كفَّر مسلمًا فقد كفر. أنتَ تُكَفّرُ إنسانًا بحق بدليل شرعيّ ثم يقولون يدافعون عنه من جهلهم يقولون من كفَّر مسلمًا فقد كفر معناه: أنت لأنك كفَّرت ذلك الشخص المنتسب إلى الإسلام انتسابًا مع أنه يسب الله إذا غضب كفرت!!! وقد تكرر ذلك كثيرًا!!! هذا لا يقال فيه ذلك إنما يقال هذا إذا شخص قال أراد أن يحطم إنسانًا فقال فلانٌ كافرٌ بدون سبب شرعي لهذا يقال: اتق الله لا تكفّره بلا سبب شرعِيّ من كفّر مسلمًا بدون سبب شرعِيّ كفر.

أما من قال الكفر أو فعل فعل الكفر؛ كدوسه على اسم الله تعالى؛ كدوس ورقة فيها اسم الله تعالى عمدًا، أو سجود لصنم عمدًا بدون إكراه، أو غيّر عقيدته عن عقيدة الإسلام ؛كالذِي اعتقد أن الله تبارك وتعالى جالس على العرش، أو أنه شيء نور أبيض، أو نور أزرق، أو نور أصفر فهذا يكفّر؛ فالإنسان الذي يُكفّر مَن سب الله علم أنه سب الله فقال :كَفَرَ هذا كَفَرَ أو قال فِي قلبه فلان كفر فلان كافر لا يقال: لهذا أنت تُكفّر مسلمًا ومَن كفّر المسلم فهو كافر لا يقال لهذا يقال لذاك الذي كفّر مسلمًا بدون سبب إلا لأنه خالف هواه قال عنه فلان كافر فلان كافر، هذا يقال فيه مَن كفّر مؤمنًا فهو كافر، يقال له: أنت كَفَرْت لأنك كفَّرت مؤمنًا بدون سبب شرعيّ. انتَهَى.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

[i])) رواه أحمد فِي مسنده من حديث ثابت بن الضحاك الأنصاريّ رضي الله تعالى عنه.

[ii])) رواه أحمد فِي مسنده من حديث ثابت بن الضحاك الأنصاريّ رضِي الله تعالى عنه.

[iii])) رواه النسائيُّ فِي السنن الكبرى، باب: ما ينهى عنه الصائم من قول الزور والغيبة.

[iv])) رواه أحمد فِي مسنده من حديث ثابت بن الضحاك الأنصاريّ رضي الله تعالى عنه.