الإثنين ديسمبر 8, 2025

الدرس الرابع والثلاثون

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰن الرَّحِيمِ

بيان خطر التخوض في المال بغير حق

درس ألقاه المحدث الشيخ عبد الله بن محمد العبدريّ رحمه الله تعالى في بيان خطر التخوض في المال بغير حق قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:

الحمد لله رب العالمين وصلاة الله البر الرحيم وسلامه على سيد المرسلين محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين.

أما بعد: فقد كان من الصحابيات صحابيّة تسمّى خولة بنت ثامر سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم بعض أحاديث وكانت خولة هذه من جملة ما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث «إن رجالًا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة»([i]). اهـ وفي رواية لهذا الحديث أي حديث خولة رضي الله عنها زيادةٌ في أوله وهيَ إن الدنيا حلوة خضرة وإن رجالاً يتخوضون في مال الله ورسوله فلهم النار يوم القيامة([ii]). اهـ معنى الحديث أن الدنيا غرارة حلوة خضرة أي أنها تشبه الخضرة التي تشتهيها النفس وتميل إليها، الدنيا كمثل هذه الخضرة التي تميل إليها النفوس أي أنها غرارة.

ثم قال: «إن رجالًا يتخوَّضون في مال الله بغير حقّ فلهم النار يوم القيامة»، إنّ أناسًا يتخوضون في مال الله معنى مال اللهُ الزكاة والوقف ومال بيت المال وغير ذلك من الأموال كل المال مال الله الذي يأخذ المال بغير حقٍّ ويتصرف كما يشاء ويسترسل في ذلك فلهم النار يوم القيامة لهم عذاب جهنم يوم القيامة. هذا الحديث يحرم علينا أن نأخذ أيَّ مال من الأموال بغير حقَّهِ الشرعيّ الذي أحله الله به.

وكذلك جاء بالحديث الآخر: «لا نزول قدمًا عبد يوم القيامة حتى يسأل عن اربع عن عمره فيم أفناه وعن جسمه فيم أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن علمه ماذا عمل فيه»([iii]). اهـ.

هذا المال ليس يذهب في الدنيا بالتصرف الذي يحصل فيها ثم لا يعود السؤال عنه في الآخرة، لا، المال الذي يدخل في يد الإنسان يُسأل عنه هذا الإنسان يوم القيامة من أين اكتسبه أي من أين جاءك هذا المال أمن حلال أم من حرام وفيمَ أنفقه في أيّ شيءٍ صرف هذا المال فإن أخذه من حلال وصرفه في حلال فليس عليه وزره يوم القيامة بل إن صرف في وجوه البر في جوه العمل الصالح فإنه يسر بجزائه يوم القيامة أما إن كان جلبه بالحلال ثم صرفه في الحرام يكون عليه وَبالًا يكون عليه نِقمة وإن أخذه من حرام وصرفه في حلال فذنبه أشدُّ فكيف إذا أخذه من حرام وصرفه في حرام كهؤلاء الذين يأخذون مال الوقف بغير استحقاق فلهم الويل أي شدة العذاب، وكالذي يجمع أموال الناس باسم الزكاة ثم يصرفه في غير محله يتصرف به لنفسه بغير استحقاق ولمحاسيبه بغير استحقاقِ فله الويل.

وكذلك مال اليتيم إذا صرف هذا المال بغير مصلحة اليتيم فله الويل إلا أنَّ الأم إن كانت فقيرة ليس عندها ما يكفيها وكان لها يتيم له مال ورثه من أبيه لها أن تأخذ منه بدون إسراف أما أن تأخذ منه وتطعم الناس والزائرين والواردين، ذلك حرام إذا أطعمت من مال ابنها اليتيم، أما لحاجاتها الشخصية فتأخذ منه قدر حاجاتها أما أعمام اليتيم فليس لهم أن يأخذوا من مال اليتيم لأنفسهم وإن كان هذا العم فقيرًا لكنه إن كان مشغولًا بخدمة ومراعاة مال اليتيم واليتيمة القاصر فإن له أن يأخذ بقدر حاجته بدون إسراف بأن يأخذ كل شهر ما يكفيه لحاجاته الأصلية ليس للأمور الزوائد بل لحاجاته الأصلية إن كان يشتغل بمال اليتيم، أما إذا كان لا يشتغل فحرام، عليه أن يشتغل يكد بعرق جبينه ويأكل أو يشحذ، لكنه إن كان مشغولًا يصرف وقته ويبذل وقته في إصلاح مال اليتيم وتنميته لينمى له ويصلحُ لليتيم ماله فانشغل بذلك له أن يأخذ قدر ما يكفيه لحاجاته بحسب أتعابه فيُعَدّ كأجير لا يعد كشريك فإن اعتبر نفسه كشريك وأخذ بالمناصفة فهو ملعون.

فإن استأجره القاضي ليشتغل بأموال الأيتام القاضي يحدّد له الأجرة المناسبة لعمله بأموالهم فهذا جائز.

وكذلك مالية الدولة لا يجوز للحاكم أن يتصرف فيها تصرفًا فيه إسراف كما يفعل ملوك العصر الذين يدعون الإسلام اليوم الواحد منهم يصرف لنفسه ولأفراد عائلته عشرات الآلاف كل شهر من يوم وُلِدَ، هؤلاء من يوم يولد الطفل من الأسرة يجري له أربعون ألفًا كل شهر، الطفل الذي ولد الآن لأنه من الأسرة أربعون ألفًا ثم بعدما يكبر يزيد. هذا حرام في دين الله.

الحاكم نفسه ليس له أن يأخذ ما يكفي ألف نفس ما يكفي عشرة آلاف نفس لمفرده من خزانة الدولة. الحاكم الرئيس نفسه لا يجوز له في شرع الله أن يأكل ما يكفي لألف نفس أو عشرة ءالاف أنفس كما يفعل هؤلاء. عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه كان في زمانه بيت مال المسلمين غنيًا ومع ذلك كان عمر يعتبر نفسه كقيم اليتيم قال أنا أعتبر نفسي من هذا المال كقيم اليتيم قال أنا أعتبر نفسي من هذا المال كقيم اليتيم إن احتجت أكلت منه وإلا تركته. وكذلك سيدنا عليٌّ رضي الله عنه لما ماتَ ابنُهُ الحسنُ صعِدَ المنبر فأثنى على أبيه ذكر مزاياه وقال إنه لم يترك صفراء ولا بيضاء إلا سبعَمِائة درهم كان أعدَّها لحاجة له وكان أمير المؤمنين كان بيده بيت مال المسلمين مع ذلك لما مات ما وجد عنده لا ذهب ولا فضة غير السبعمائة درهم ما ترك شيئًا من النقود. هكذا كان خلفاءُ المسلمين رؤساء المسلمين ما كانوا مثل هؤلاء الذين ضيعوا الأمة. هذا الفقر الذي اشتد بالمسلمين سببه استئثار هؤلاء ببيت المال، من سوء تصرف هؤلاء صارت أولاد المسلمين تدخل في الشيوعية من الفقر ليغيظوا الأغنياء يظنون أنهم إن صاروا شيوعيين يصيرون سواسية مع الناس، طمعًا في هذا يصيرون شيوعيين فيكفرون يخسرون دينهم يخسرون الإسلام فيصيرون كافرين، لكن ما هو الذي ساقهم إلى الدخول في الشيوعية، هو سوء تصرف الأغنياء والرؤساء، ما يرون من سوء تصرف الأغنياء والرؤساء. الواحد من الرؤساء يصرف لنفسه ولعائلته ولحاشيته ما يكفي عشرات ءالاف نفس لما ينظرون إلى هذا وينظرون إلى الغنيّ الذي عنده مليون أو عشرة ملايين ولا يلتفت إلى جاره لا يرحم جاره جاره الذي أضرَّ به الفقر، لما ينظرون إلى أحوال هؤلاء وتصرفاتهم هؤلاء الشباب الجهال يميلون إلى الشيوعية يدخلون في الشيوعية لأن الشيوعية توهمهم أنهم إن دخلوا في الشيوعية يكونون في أمور المعيشة كغيرهم هكذا يظنون.

الله تعالى جعل لأهل الضرورات والفقر حقًّا في أموال الأغنياء، الله تعالى ما أذن أن يُتَصَرَّف في هذا المال تصرف إسراف إنما أذن أن يُتَصَّرف فيه تصرفًا ليس فيه إسراف ليس فيه تبذير أما التصرف الذي فيه تبذير فيكون ذلك وبالًا عليه يوم القيامة، يومَ يُسأل العبد عن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه ذلك اليوم يَرَى الويل ويأخذ جزاءه من عقوبة الله تعالى كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الذي سمعَتْهُ منه خولة الأنصارية «إنَّ رجالًا يتخوَّضون في مال الله بغير حقٍّ فلهم النار يوم القيامة».

ثم إن الإنسان كما يُسأل أيضًا عن هذه الأشياء الأربعة يُسأل أيضًا عما يتكلم به لسانُه ليس يُسال عن النية فقط كما يظن بعض الناس، بعض الناس يقولون العبرة بالنية بل الإنسان يُسأل عن نيته وعن كلامه الذي يتكلم به وعن سمعه فإذا كان إنسان يستمع إلى حديث قوم وهم له كارهون يسترق السمع من حديث قوم وهم لا يحبون أن يسمع حديثهم هذا غيرُهم فَيَسْتَرِقُ واحد فيستمع لكلامهم ولو علموا لأزعجهم ذلك إزعاجًا كبيرًا هذا أيضًا يعذبه الله تعالى يوم القيامة عذابًا أليمًا بما استمع. أناس يتحدثون فيما بينهم بحديث لا يحبون أن يسمعه غيرهم لكن ليس مما فيه ضرر وتآمر على المسلمين لا إنما حديث عادي لا يريدون أن يطلع عليه الناس غيرُهم فواحدٌ يسترق السمع فيستمع لحديثهم، هذا يستحق عذابًا يوم القيامة له عذاب أليم.

الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صُبَّ فِي أذنيه الآنُكُ يوم القيامة»([iv]) اهـ الآنك هو الرصاص المذاب بالنار جزاء وفاقًا أي هذا من باب الجزاء الذي هو وفق العمل أليس استمع بأذنه هذه فكان جزاؤه أن يعذب بأذنه، أمور ذلك اليوم خارقة تخرق العادة غريبةٌ لا تقاس بأمور الدنيا.

كذلك الكلام الذي يتكلم به الإنسان يُسأل عنه يوم القيامة. كذلك الحسد وهو من أعمال القلوب يسأل عنه. عمل اللسان يُسأل عنه وعمل القلب يسال عنه وعمل الأذن يسال عنه وعمل الرجل كذلك يسال عنه وعمل اليد كذلك يسال عنه الله تعالى ما أعطانا هذه الجوارح السمع والبصر واللسان واليد والرجل ما أعطانا سُدًى بل أعطانا لنشكره بهذه النعم لأن السمع نعمة والبصر نعمة واليد نعمة والرجل نعمة اللسان يرشد به الجاهل إلى ما ينفعه باللسان يعلم الشيء الذي فيه منفعة وباللسان يزال الظلم والرِّجُل يتردد بها إلى الأماكن التي فيها مرضاة الله تعالى إلى المساجد وإلى غيرها من كل مكان يُنتفع به في الدين وكذلك يُمْشَى بها في مصالح المعيشة واليد كذلك ينتفع بها في صالح المعيشة التي أذن الله فيها لعباده وللجهاد في سبيل الله وغير ذلك من الأعمال الحسنة ومنها كتابة الدروس الدينية والسمع ينتفع به بما يَنفع من أمور المعيشة وأمور الدين.

وأما الفؤاد وهو القلب فَيُنتفع به في التفكر في مخلوقات الله تعالى، الفؤاد أي القلب يُنتفع به في كثير من الوجوه يُنتفع به في التفكر بمخلوقات الله. الإنسانُ لما ينظر إلى هذه الكواكب والشمس والقمر وإلى النباتات والجبال يزداد إيمانًا بقدرة الله تعالى لأنه يعلم إذا نظر بعقل سليم إذا فكر بعقل سليم في هذه المخلوقات أن هذه المخلوقات ما وُجدت من دون خالق إنما أوجدها خالقٌ، خالقٌ ليس حادثًا لا يشبه شيئًا من الأشياء فيزداد حبًّا بالله تعالى وخشية منه وتعظيمًا له فيبعثه ذلك على الازدياد من عمل الخير لآخرته. لما يتفكر بقلبه في مخلوقات الله ينظر إلى نبات الأرض فإنه يطلع ثم يكون أخضر ثم يستوي ثم يعطي ثمره ثم بعد ذلك يصير هشيمًا يابسًا فيتحطم فيأخذ من هذا عبرةً. العاقل إذا فكر بقلبه بعقله يأخذ من هذا عبرة. يقول نحن أيضًا هكذا كهذا النبات هذا النبات كان قبل مدة أخضرَ منظرُهُ كان يسر ثم عاد يابسًا ثم صار حطامًا متفتتًا متكسرًا كذلك نحن لا ندوم على هذه الحال لا بد لنا من زوال من هذه الدنيا، لا بد لنا من زوال من هذه الدنيا، لا بد أن نرحل عنها فيتحك لتهيئة الزاد للحياة الباقية التي هي بعد هذه الحياة الفانية فإن كان قبل ذلك على غير حالة التوبة يتوب إلى الله يترك المعاصِيَ التي كان يباشرها يتركها ويُقبل على طاعة الله تعالى فيجِدّ ويجتهد فيكون اكتسب الدرجات العلا عند الله تبارك وتعالى.

التفكر بالقلب يُقَوِّي اليقينَ ويزيد الخشيةَ من الله تعالى ويزيد المحبةَ لله تعالى ويزيد الشوقَ إلى الله تعالى. أنزل الله في القرءان الكريم في التفكر ءَايات منها هذه الآية الكريمة التي لها أثر عظيم في تحريك القلوب {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}([v]).

الله ما خلق هذه الأشياء التي في السمٰوات والأرض ما خلقها عبثًا بل خلقها لحكمة ما خلق شيئًا عبثًا إنما أكثرُ ينظرون نظرًا بدون تفكر ينظرون بأعينهم نظرًا بدون تفكر.

لما نزلت هذه الآية قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها»([vi]). اهـ.

كان رسول الله عليه الصلاة والسلام ينام قبل نصف الليل بعدما يصلي العشاء ثم لما يصرخ الديكُ أي نصف الليل يقوم فيتوضأ ويصلي ما كتب له ثم يُغْفِي إغفاءه ثم يقوم فيتوضأ ويُصَلِّي ما كتب الله ثم يُغْفِي إغفاءه ثم يقوم فيتوضأ ويُصَلِّي ما كتب الله له وكان أول ما يقوم من النوم يقرأ الآيات العشر التي هي من أواخر سورة ءال عمران: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ} الآية.

هذه الأحجار الصخور التي في الجبال الله خلقها لحكمة كل شيء خلقه لحكمة وإن في هذه الصخور لَمَا يتشقق من خشية الله.

كان ثلاثة أشخاص من بني إسرائيل من المسلمين المؤمنين كانوا في سفر فلم يجدوا مكانًا يبيتون فيه كانوا بحاجة إلى مكانٍ يبيتون فيه فيستريحون فبعد أن دخلوا الغار انحدرت صخرة من الجبل فنزلت على فم الغار هذه الصخرة الرسول عليه الصلاة والسلام قال إنها انحدرت من مكانها من خشية الله. الله تعالى له حكمة في تحدرها من مكانها ونزولها على فم الغار الذي دخله هؤلاء الثلاثة انسد عليهم باب الغار فدخل عليهم في أنفسهم ضيق شديد لم يكن هناك أناس ينظرون إليهم فيزيحون عن هذا الباب هذه الصخرة ففكروا كلٌّ فكر في نفسه قال ليذكر كل واحد منا عملًا عمله لوجه الله تعالى وليتوسل إلى الله بذلك العمل حتى يخلصنا مما نحن فيه فذكر كل واحدٍ ما عمله من عمل صالح لوجه الله تعالى ثم سأل كل واحد الله تعالى قال كل واحد منهم اللَّهُمَّ إن كنت عملت هذا لوجهك فافرج عنا ما نحن فيه، لما أولهم سأل ربه بعمله الذي عمله من العمل الصالح الذي عمله لوجه الله انزاحت شيئًا بحيث لا يستطيعون الخروج من هذه الفُرجة لا يستطيعون الخروج ثم الثاني توسل إلى الله بعمل صالح عمله أيضًا لله تعالى فانزاحت أيضًا لكن بحيث لا يخرجون ثم الثالث توسل إلى الله تعالى قال اللَّهُمَّ إني عملت كذا وكذا فإن كنت عملت لوجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة انزاحت عن فم الغار فخرجوا، هذه الصخرة هي نزلت تزحزحت من شدة الخوف من الله تعالى، الله تعالى خلق فيها شعورًا فما تحملت ما استقرت في مكانها من المدة ما صار فيها من اهتزاز من التأثير، فكثيرٌ من الصخور تتزحزح عن مكانها وذلك من خشية الله تعالى، الله تعالى يخلق في الجمادات أيضًا في كثير من الجمادات يخلق الخشية والخوف منه حتى إن كثيرًا من الصخور تنشق من شدة ما يصير فيها من خشية الله تعالى، تتفلق، وكذلك الإنسان المؤمن من شدة التفكير في خلق الله تعالى يزداد من اليقين والإيمان بحيث إنّ قلبه يقلق خوفًا من الله تعالى.

الله تعالى خلق الفؤاد أي القلب كي يُنْتَفَع به بالتفكر في خلقه في مصنوعاته أما التفكر في ذات الله فلا يجوز فالله تعالى موجود ولا يشبه الموجودات فمهما تفكر الإنسان في الله سبحانه وتعالى لا يصل إلى نتيجة، لا يعرفُ حقيقةَ الله إلا الله، الله تعالى هو يعلم حقيقة ذاته ولا أحد يعرف حقيقة ذاته وإنما هذه المصنوعات جعلها أنواعًا وأشكالًا شتَّى حتى نتفكر فيها ونزداد إيقانًا وإيمانًا بخالقها لذلك قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ابن عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في ذات الله»([vii]). اهـ. لأن الله تعالى لما كان لا يشبه شيئًا لا يجوز التفكر في ذاته لا يجوز التفكر للبحث للوصول إلى معرفة حقيقة ذات الله تعالى، الله تعالى لا يَعلم حقيقته إلا هو هو يعلم حقيقته لا يعلم أحد حقيقة ذات الله تعالى لذلك نحن أُمِرْنا في التفكر في مصنوعاته ونُهِيْنا عن التفكر في ذاته.

حقيقةُ أنفسنا لا نعلمها الواحد منّا هل يحيط علمًا بكل ما فيه من الحواس والصفات والأحوال لا يحيط علمًا، الإنسان لا يعرف كم عدد شعرات رأسه فكيف يحيط بأحوال نفسه، فإذا كان لا يحيط بأحوال نفسه، فكيف يحيط بخالقه الذي لا شبيه له لذلك مُنِعْنا من التفكر في ذات الله وأُمِرْنا بالتفكر في مخلوقاته.

هذا عبد الله بن عباس ابن عمر الرسول صلى الله عليه وسلم كان له لسان سؤول وقلب عقول كان وهو صغير السن لما كان في نحو عشر سنين كان شديدَ الحرص على معرفة أحاديث الرسول وأحوال الرسول حتى إنه ذات يوم بات في بيت رسول الله، خالته اسمها ميمونة بنت الحارث هذه زوجة الرسول خالة عبد الله بن عباس بات في بيتها ليطَّلِعَ ماذا يفعل الرسول في الليل وهو صغير السن لكنه همته كبيرة فنام بالقرب من الرسول ثم لما قام الرسول بعد منتصف الليل قام فتوضأ الرسول فبدأ يصلي تهجدًا لله تعالى فوقف الغلام إلى جانبه من الجانب الأيسر الرسول وهو بالصلاة أخذ بأذنه وفتله إلى جهة يمينه لأن المأموم يقف في يمين الإمام ثم الرسول التزمه هكذا ضمه إليه ودعا له بأن يعلمه الله تعالى القرءان والحكمة فكان يُسَمَّى بعدما توفى تعالى القرءان والحكمة فكان يُسَمَّى بعدما توفى الرسول ترجمان القرءان من شدة ما أعطاه الله تعالى من الفهم في تفسير القرءان ثم بعدما توفي الرسول وتوفِيَ أبو بكر وكانت خلافةُ عمر كان عمر يقدمه ويدخله في مجلس الشُّورى مع الناس الكبار السن فقال له بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لماذا تقدم عبد الله بن عباس على أولادنا فقال إنه فتى الكهول له قلب عقول ولسان سؤول. اهـ. أي قلبه كثير الفهم كثير الذكاء ولسان سؤول أي يسال عما يحتاج إليه ليس كبعض الناس يسكت بل يستفيد من هذا ومن هذا ومن هذا، يسأل عما يحتاج إليه عما ينفعه من أمور الدين.

والله تعالى أعلم.

([i]) رواه البخاريُّ في صحيحه باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ}.

([ii]) رواه أحمد في مسنده.

([iii]) رواه الترمذي في سننه باب في القيامة.

([iv]) رواه ابن حبان في صحيحه باب الاستماع المكروه وسوء الظن والغضب والفحش.

([v]) سورة ءال عمران، الآية: (190، 191).

([vi]) رواه ابن حبان في صحيحه ذكر البيان بأن المرء عليه إذا تخلى لزوم البكاء على ما ارتكب من الحوبات وإن كان بائنًا عنها مجدًا في إتيان ضدها.

([vii]) رواه البيهقيُّ في الأسماء والصفات.