بيان حكم الضرب على الدف وأنه جائز
روى البخاري في صحيحه عن عائشة أنها زفّت امرأةً إلى رجلٍ من الأنصار، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: “يا عائشة ما كان معكم لهوٌ فإن الأنصار يعجبهم اللهو”.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرحه: “في رواية شريك، فقال: “فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدّف وتغني؟” قلت: تقول ماذا؟ قال: “تقول:
أتيناكم أتيناكم فحيّانا وحيّاكم
ولولا الذهب الأحمر ما حلّت بواديكم
ولولا الحنطة السمرا ءُ ما سمنت عذاريكم”
وروى أبو داود في سننه أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: “يا رسول الله إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدّف، قال: “أَوفي بنذرك”، قالت: إني نذرت أن أذبح بمكان كذا وكذا – مكان كان يذبح فيه أهل الجاهلية – قال: “لصنم”؟ قالت: لا، قال: “لوثن”؟ قالت: لا، قال: “أوفي بنذرك”.
روى الترمذي وابن حبّان: “أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع المدينة من بعض مغازيه جاءته جارية سوداء، فقالت: يا رسول الله إني نذرت إن ردّك الله سالمًا أن أضرب بين يديك بالدّف، فقال لها: “إن كنتِ نذرت فأوفي بنذرك”.
وأمّا مَن قال جوازه خاص بالنساء فقوله مردود، لأن إباحته عامة للرجال والنساء، والتخصيص بالنساء لا يشهد له العرف ولا الشرع، لأن أهل اليمن مشهور عندهم أن الرجال يضربون به، وكذلك أهل برّ الشام الصوفيّة، وأهل الذكر ذلك دأبُهم.
قال الحافظ المجتهد تقي الدين السبكي في رد ذلك ما نصه: “الجواب (الحمد لله) قد روى مسلم رحمه الله في صحيحه من حديث أبي معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها في حديثها الطويل الذي قالت فيه: “دخل علي أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث، قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر: أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا أبا بكر، إن لكل قوم عيدًا، وهذا عيدنا”، وفي حديث أبي معاوية عن هشام بهذا الإسناد “جاريتان يلعبان بدف”.
ورواه النسائي من حديث الزهري عن عروة: “وفيه جاريتان تضربان بالدف وتغنيان ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى بثوبه فكشف عن وجهه فقال: “دعها يا أبا بكر إنها أيام عيد”، هي أيام منى ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بالمدينة، فضرب الجاريتان بالدف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسمع”.
وقوله صلى الله عليه وسلم: “دعهما يا أبا بكر” من أقوى دليل على حل الضرب بالدف، ولهذا نحن نوافق من صحح حلّه مطلقًا في العرس والختان وغيرهما. والجمهور لم يفرقوا بين الرجال والنساء، وفرق الحليمي ضعيف لأن الأدلة لا تقتضيه.
أما حل ضرب النساء له فمحقق، وكذا سماع الرجال كذلك، كما صح في هذه الأحاديث.
وأما ضرب الرجال فالأصل اشتراك الذكور والإناث في الأحكام، إلا ما ورد الشرع فيه بالفرق، ولم يرد هنا في ذلك شىء، وليس ذلك مما يختص بالنساء حتى يقال إنه يحرم على الرجال التشبيه بهن فبقي على العموم.
وقد روي: “أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف”.
فلو صح لكان فيه حجة لأن “اضربوا” خطاب للذكور، لكن الحديث ضعيف.
ومذهب أحمد: الفرق في الاستحباب لا في الجواز على المشهور عندهم” اهــ
تنبيه: ليعلم أن الجارية في اللغة: الفتاةُ حرّة كانت أو أمة، وما يظنه بعض الناس من أنه خاص بالإِماء أو بالبنات اللاتي هنّ طفلات توهم فاسد وجهل باللغة.
قال الغزالي في إحياء علوم الدين ما نصّه: “العارض الثاني في الآلة بأن تكون من شعائر أهل الشرب أو المخنثين وهي المزامير والأوتار وطبل الكوبة فهذه ثلاثة أنواع ممنوعة وما عدا ذلك يبقى على أصل الإِباحة كالدّفّ وإن كان فيه الجلاجل وكالطبل والشاهين”. اهــ وسكت الحافظ محمد مرتضى الزبيدي في شرحه على الإحياء على ذلك.
وفي كتاب كفّ الرعاع عن محرمات اللهو والسماع لابن حجر الهيتمي، ما نصّه: “قال الشيخان – أي الرافعي والنووي رحمهما الله -: حيث أبحنا الدّفّ فهو فيما إذا لم يكن فيه جلاجل، فإن كانت فيه فالأصح حلّه أيضًا” اهــ
وفي الفتاوى الكبرى لابن حجر الهيتمي ما نصّه: “وقد رقص الحبشة في المسجد وهو صلى الله عليه وسلم ينظرهم ويقرّهم على ذلك. وفي الترمذي وسنن ابن ماجه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أعلنوا هذا النكاح وافعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدّف”، وفيه إيماء إلى جواز ضرب الدّفّ في المساجد لأجل ذلك فعلى تسليمه يقاس به غيره”. انتهى كلام ابن حجر.
وقال في كتاب فتح الجواد بشرح الإِرشاد ما نصّه: “ويباحُ الدّف وإن كان فيه نحو جلاجل، لرجل وامرأةٍ ولو بلا سبَب” اهــ