يقول الله تعالى في القرآن الكريم: هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ. أي لا خالق إلا الله. ومعنى الخالق أي الذي أبدع وكوّن جميع المخلوقات أي أبرزها من العدم إلى الوجود، فلا خلق بهذا المعنى إلا لله. والله تبارك وتعالى جعل أمور الدنيا على الأسبابِ والمُسببات، يعني هناك أسبابٌ لحصول أمور ومسبباتٌ تنشأ عنها. الشُرب سبب وخالق الارتواء هو الله، الأكلُ سبب وخالق الشِّبع هو الله، الدواءُ سبب وخالق الشفاء هو الله مع أنه سبحانه وتعالى قادرٌ على خلق المُسَبَّبَات من غير وجود الأسباب. الله قادر على خلق الشِبع من غير أكل، والله قادر على خلق الارتواء من غير ماء، والله قادر على خلق الشفاء من غير دواء. فكما أن المسلم لا يكفر ولا يشرك إذا أكل ليشبع وإذا شرِب ليرتوي وإذا أخذ الدواءَ ليتعافى فإنه لا يكفر ولا يشرك إذا طلب من الله تعالى حصول منفعة أو اندفاع مضرة بسبب ذكر اسم نبيٍ أو ولي إكراما لهذا النبي أو لهذا الولي لأن للأنبياء والأولياء جاها عند الله. وهذا معنى التوسل عند المسلمين : التوسل هو طلبُ حصولِ منفعة أو اندفاعِ مضرة من الله بذكر اسم نبي أو ولي إكراما للمتوسَّل به أو بذكر عملٍ صالحٍ يحبه الله كما جاء في دعاء الخروج إلى المسجد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا خرج إلى المسجد: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا، وهذا توسل منه صلى الله عليه وسلم بالعمل الصالح، فلو كان كفرا وإشراكا وعبادة لغير الله لما كان قاله الرسول صلى الله عليه وسلم وعلمه للناس لأن الرسولَ لا يحب الشرك بالله ولا يفعلُه ولا يعلّمُه للناس ولا يستحسنُه ولا يحثُ الناس على فعله لأنه أبعدُ خلق الله من الكفر والشرك وعبادة غير الله. ثم زد على ذلك أن المشيَ إلى المسجد مخلوق، والنبي صلى الله عليه وسلم مخلوق، بل هو أفضلُ المخلوقات عليه الصلاة والسلام، فإن جاز التوسل بالعمل الصالح كالمشي إلى المسجد مع كونه مخلوقا، فمن باب أولى أن التوسلَ بأفضل المخلوقات محمد صلى الله عليه وسلم جائزٌ بلا شك ولا ريب. واعلم رحمك الله أن التوسل بالأنبياء والأولياء والأعمال الصالحة ليس واجبا على الداعي، وليس فرضا عليه إنما هو جائز حلال. فمن شاء دعا اللهَ بلا توسل فقال اللهم اغفر لي. ومن شاء توسل فقال اللهم بحق محمد اغفر لي أو اللهم بحق الأنبياء والأولياء والصالحين وبحق أعمالي الصالحة اغفر لي. هذا جائز في دين الله تعالى وهذا جائز أيضا. وإنما حرَّم ذلك الوهابية الذين بزغوا منذ نحو مائتينِ وخمسينَ سنة فشذوا بذلك عن المسلمين وكفروهم بغير حق وأنزلوا سيفهم على رقابهم وأشبعوه من دمائهم والعياذ بالله تعالى. جهلهم بالدين وسوءُ فهمهم لمعنى التوسل انقلب مع مرور الزمن إلى هذا السكين الذي نراه على رقاب المسلمين بذريعة أنهم أشركوا بالله فعبدوا القبور والأنبياء والصالحين. وأعمالهم هذه لم تلق قبولا عند المؤمنين وانفضح أمرهم بأنهم اليدُ الخبيثة التي يحركها أعداء الإسلام ليضربوا المسلمين ويمزقوهم من الداخل، فما كان منهم إلا أن يتبرءو من اسم الوهابية ويدّعوا زورا وبهتانا أنهم سلفية وهم في ذلك كاذبون ولا يجوز تسميتهم بالسلفية لأن السلف هم أهل القرون الثلاثة الأولى والوهابية ليست منهم ولا على منهجهم. أبو حنيفة ومالك والشافعيُ وأحمد من السلف الصالح والوهابيةُ يخالفونهم بل ويكفرونهم بالتصريح تارة وبالتلميح تارة أخرى. هذا منهج الوهابية تكفير وتبديع وتفجير وتنفير وكم وكم من الناس نفروا من الإسلام وظلموا المسلمين لظنهم أن الوهابيةَ يمثلون الإسلام أو أنهم من المسلمين. ومن مواطن غلوهم أنهم كفروا المسلمين الذين يتوسلون بالنبي حتى إنهم قالوا: أبو جهل وأبو لهب أكثر توحيداً لله وإخلاصاً لله من المسلمين الذين يتوسلون بالأولياء والصالحين على زعمهم. هذا الكلام الباطل مذكور في كتابهم المسمى كيف نفهم التوحيد ، تأليف الوهابي محمد أحمد باشميل في الصحيفة السادسة عشر من الطبعة الثالثة، فمن يقول يا رب بجاه حبيبك محمدٍ ارزقني أو يسر أمري فهو عندهم كافر حلالُ الدم وبهذا استحلوا دماءَ المسلمين من أهل الحرمين والطائفِ وبلادِ الشامِ منذ مطلعِ القرن الثالث عشر الهجري. وفي كتاب زعيمِهم محمدِ ابن عبد الوهاب الذي سمّاه كشفُ شبهات في التوحيد، بالصحيفة السادسة عشر يقول: إنّ المشركين الذين قاتلهم الرسول بالسيف، هؤلاء أخفّ شركاً من المشركين الذين في زماننا لأنهم يتوسلون بالنبي ويزورون قبور الصالحين على زعمه. وأيضاً في كتاب محمد ابن عبد الوهاب الذي سمّاه فتحُ المجيد شرحُ كتابِ التوحيد الذي علّق عليه أعمى الوهابية ابن باز، يقول محمد ابن عبد الوهاب: إن أهلَ الشام وأهلَ مصر واليمن والحجاز والعراق وأهلَ البلاد الإسلامية كفّار لأنهم يزورون قبور الأولياء والصالحين على زعمه. وبهذا يظهر لكم جليا كيف طاوعتهم أنفسُهم منذ نشأتهم إلى زماننا هذا على قتل المسلمين بغير حق في الشام والعراق ومصر واليمن والجزائر وتونُس وسائرِ البلاد الإسلامية بلا شفقة ولا رحمة. ومما أهلكهم أيضا وزادهم ضلالا فتوى شيخِهم الفيلسوفِ المجسم أحمدَ بنِ تيمية الحراني في كتابه الذي سمّاه قاعدةٌ جليلة في التوسل والوسيلة، طبع المكتب المسمى الإسلامي سنة1989 في الصحيفة 154-155 ، حيث قال: إن النداءَ والتوسلَ بالأنبياء والأولياء والصالحين ومشايخِ أهل بيت النبي سواءٌ كانوا أحياءً أو أمواتاً شِركٌ يُخرِجُ من الإسلام على زعمه!! و بذلك يكون ابن تيمية قد جعل اللواط والزنى وأكلَ الخنزير وشُربَ الخمر أخفُّ من التوسل بالنبي والعياذ بالله تعالى!! وليعلم أن أول من حرم التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم هو ابن تيمية الحراني عليه من الله ما يستحق. ما سبقه على ذلك إنس ولا جان، وبذلك يكون عليه وزرُ كلِ تكفيرٍ وقتلٍ للمسلمين المتوسلين برسول الله صلى الله عليه وسلم. قال رسول الله من سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقُصَ من أوزارهم شيء. وقال الشيخ الإمام الفقيه المحدث تقيُ الدين السبكي في كتابه شفاءُ السقام في زيارة خير الأنام طبع دار الجيل بيروت لبنان في الصحيفة 153 : “اعلم انه يجوز ويحسن التوسل والاستغاثة والتشفع بالنبي صلى الله عليه وسلم الى ربه سبحانه وتعالى، وجوازُ ذلك وحُسنُه من الأمور المعلومةِ لكل ذي دين المعروفةِ من فعل الأنبياء والمرسلين وسِيَرِ السلف الصالحين والعلماءِ والعوامِ من المسلمين ولم ينكر احدٌ ذلك من أهل الأديان ولا سُمع به في زمن من الأزمان حتى جاء ابنُ تيمية فتكلم في ذلك بكلام يُلبّسُ فيه على الضعفاء الأغمار وابتدع ما لم يُسبق إليه في سائر الأعصار“. والإمام تقي الدين السبكي هو أبو الحسن عليُ بنُ عبد الكافي السبكي الذي كان معاصرا لابن تيمية والذي قال فيه الذهبي مادحا: ليَهْنَ المنبرُ الأُموي لما … علاه الحاكم البحر التقيُّ، شيوخ العصر أحفظُهم جميعاً … وأخطبُهم وأقضاهم عليُ. وفي الختام أسأل الله تعالى بجاه نبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبجاه أهل بيته الطيبين الطاهرين وبجاه عائشةَ رضي الله عنها وسائرِ أمهات المؤمنين وبجاه الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والأئمة المهتدين أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وسائرِ الأولياء والصالحين أن يوفقنا لما يحب ويرضا وأن يجعلنا من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون والحمد لله رب العالمين