بسم الله الرحمن الرحيم
هذا قطعة من درس طويل ألقاه الأصوليُّ المحدث الشيخ عبد الله بن محمّد العبدري الحبشي رحمه الله تعالى في بيان معنى حديث خلق الله ءادم على صورته. قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:
الحمدُ لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى ءاله وصحبه الأكرمين.
أما بعدُ فالإنسانُ يُسمَّى العالـمَ الأصغرَ، مجموع الكون يسمى العالم الأكبر أما الإنسان بما أن الله تعالى شرفه وإن كان حجمه صغيرًا جعل فيه معانيَ راقيةً لم يجعلها في غيرهِ من المخلوقات يُسَمَّى العالم الأصغر لكن لا يقال الإنسان صورة مصغرة عن الله لا يُقال لا يقال لا يقال، لا مناسبة بين الله وبين أي شيء من خلقهِ لا الإنسانِ ولا الملائكةِ لو كان الله تعالى يشبه شيئًا من خلقه لأشبه الملائكةَ الذين هم خُلِقُوا من نورٍ، النورُ عالمٌ لطيفٌ عظيمُ النفع جميلُ المنظر ومع ذلك لا مناسبة بين الله وبين الملائكة، الله تعالى لا يشبه شيئًا لأنه هو أوجد هذه الأشياءَ اللطيفةَ والكثيفةَ، الإنسانُ والنور والظلمات والروح والهواء كل ذلك هو خلقه لا يشبه شيئًا من هؤلاء ولا من هؤلاء، لو كان يشبه شيئًا من هؤلاء ما استطاع أن يخلُقَهم لكن تشريفًا لابن ءادم تعالى أوحى إلى نبيه حديثًا فقال: إن الله خلق ءادم على صورتِهِ([i]) اهـ أي الصورة التي هي لله مِلْكًا وخَلْقًا مُشَرَّفةٌ عندهُ مُكَرَّمةٌ، بهذا المعنى قال: إنّ الله خلق ءادم على صورته أي صورة الله بمعنى الصورة التي هي ملكٌ وخَلْقٌ لله تعالى مشرفةٌ عنده، بهذا المعنى الرسول صلى الله عليه وسلم قال: إن الله خلق ءادم على صورته لا بمعنى أن الله تعالى له شكلٌ، خالقُ الأشكالِ كيف يكون له شكلٌ لو كان له شكلٌ لصحَّتِ الألوهية للبشر، لصحَّتِ الألوهية للشمس لصحّت الألوهية للقمر لم تكن الألوهية خاصةً لله، لو كان الله له شكل كالإنسان كالشمس والقمر والكواكب لم يكن منفردًا بالألوهية دون هذه العوالم النيرة وغيرها مع ما فيها من بديع الشكل وبديع الحُسن، لو كان الله تعالى يشبه شيئًا منها لصحّت الألوهية لغيره كالشمس هذه الشمس نيّرَةٌ عظيمةُ النورِ عظيمةُ النفع تنفع الإنسان تنفع الأرض تنفع الجوَّ تنفع النبات تنفع الحيوانات تنفع أبدان الناس ومع ذلك لا يجوز عبادتُها إنما يُعبَدُ مَن خلقَ هذه الأشياءَ المتقابلاتِ كلَّها، خلق النور وخلق الظلمات، خلق المتقابلات، ما هو مقابلُ النورِ الظلمةُ ما هو مقابل الحرارة البرودةُ ما هو مقابل البرودة الحرارة ما هو مقابل اليبوسة الرطوبة ما هو مقابل الرطوبة اليبوسة وهكذا سائر المتقابلات هو خلَقَها، الذي خلق هذه المتقابلات الذي لا يشبه شيئًا منها هو الذي يستحقُّ أن يُعبد وهو الله.
حديثُ خلقَ اللهُ ءادمَ على صورتهِ اهـ ثابت لكن بعض الناس يغلطون في فهم معناه يأخذون من هذا معنى الشكل أي أن الله تعالى له شكل كالإنسان قريب إلى شكل الإنسان هذا كفر والعياذ بالله.
انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم.
[i])) رواه البخاريّ في صحيحه بابُ بدءِ السلامِ، ومسلمٌ في صحيحه باب النهي عن ضرب الوجه وغيرهما.
الإشعارات