الأربعاء ديسمبر 4, 2024

ليعلم أن كثيرا من الناس ظنوا أن القول بأن نوع العالم أزلي ليس مخلوقا لله وإثبات الحدّ لله والجسمية وتحريم التوسل بالأنبياء والأولياء بعد موتهم والتبرك بزيارة قبورهم هو عقيدة السلف وما كانوا عليه عملا فدعت الضرورة إلى بيان حال ابن تيمية الحراني الذي كان سببا في إيهام بعض الناس ذلك وبذلك يظهر أن الأمر على خلاف هذا أي أن السلف كانوا على تنزيه الله عن الحد أي الحجمية بمعنى أن الله ليس له حجم أصلا أي ليس له حد في علم الله ولا فيما وصل إليه علم الخلق، وأن التوسل بالأنبياء والأولياء بعد موتهم والتبرك بزيارة قبورهم رجاء إجابة الدعاء عند قبورهم هو ما كان عليه السلف.

والإمام أحمد كان على خلاف ما أحدثه ابن تيمية وأتباعه، ومن الواجب كشف هذا التلبيس لبيان أن الإجماع انعقد على جواز التوسل بالأنبياء والأولياء بعد وفاتهم وأن قصد قبورهم للتبرك ليس شركا ولا معصية وأن مس قبر الصالح للتبرك جائز ليس في ذلك شئ من الشرك ولا المعصية.

واعلم أن أحمد بن تيمية الذي هو حفيد الفقيه المجد بن تيمية الحنبلي المشهور ولد بحران ببيت علم من الحنابلة، وقد أتى به والده الشيخ عبد الحليم مع ذويه من هناك إلى الشام خوفا من المغول وكان أبوه رجلا هادئا أكرمه علماء الشام ورجال الحكومة حتى ولوه عدة وظائف علمية مساعدة له وبعد أن مات والده ولّوْا ابن تيمية هذه الوظائف بل حضروا درسه تشجيعا له على المضي في وظائف والده وأثنوا عليه خيرا كما هو شأنهم مع كل ناشئ حقيقٍ بالرعاية، وعطفهم هذا كان ناشئا من مهاجرة ذويه من وجه المغول، وكان من جملة المثنين عليه التاج الفزاري المعروف بالفركاح وابنه البرهان والجلال القزوني والكمال الزملكاني ومحمد بن الحريري الأنصاري والعلاء القونوي وغيرهم لكن ثناء هؤلاء غرّ ابن تيمية ولم ينتبه إلى الباعث على ثنائهم فبدأ يذيع بدعا بين حين وءاخر وأهل العلم يتسامحون معه في الأوائل باعتبار أن تلك الكلمات ربما تكون فلتات لا ينطوي هو عليها، لكن خاب ظنهم وعلموا أنه فاتن بالمعنى الصحيح فتخلوا عنه واحدا إثر واحد على توالي فتنه.

ثم إن ابن تيمية وإن كان ذاع سيطه وكثرت مؤلفاته وأتباعه هو كما قال فيه المحدث الحافظ الفقيه ولي الدين العراقي ابن شيخ  الحافظ الفقيه ولي الدين العراقي في كتابه الأجوبة المرضية على الأسئلة المكية: (علمه أكبر من عقله). وقال أيضا إنه خرق الإجماع في مسائل كثيرة قيل تبلغ ستين مسئلة بعضها في الأصول وبعضها في الفروع خالف فيها بعد انعقاد الإجماع عليها. اهـ

وتبعه على ذلك خلق من العوام وغيرهم فأسرع علماء عصره في الرد عليه وتبديعه منهم الإمام الحافظ تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي فقد قال في الدرة المضية ما نصه: أما بعد فإنه لما أحدث ابن تيمية ما أحدث في أصول العقائد ونقض من دعائم الإسلام الأركان والمعاقد بعد أن كان مستترا بتبعية الكتاب والسنة مظهرا أنه داع إلى الحق هاد إلى الجنة فخرج عن الاتباع إلى الابتداع وشذ عن جماعة المسلمين بمخالفة الإجماع وقال بما يقتضي الجسمية والتركيب في الذات المقدس، وأن الافتقار إلى الجزء أي افتقار الله إلى الجزء ليس بمحال وقال بحلول الحوادث بذات الله تعالى وأن القرءان محدث تكلم الله به بعد أن لم يكن وأنه يتكلم ويسكت ويحدث في ذاته الإرادات بحسب المخلوقات وتعدى في ذلك إلى استلزام قدم العالم والتزامه بالقول بأنه لا أول للمخلوقات فقال بحوادث لا أول لها فأثبت الصفة القديمة حادثة والمخلوق الحادث قديما ولم يجمع أحد هذين القولين في ملة من الملل ولا نحلة من النحل فلم يدخل في فرقة من الفرق الثلاثة والسبعين التي افترقت عليها الأمة ولا وقفت به مع أمة من الأمم همة، وكل ذلك وإن كان كفرا شنيعا مما تقل جملته بالنسبة لما أحدث في الفروع. اهـ كلام الحافظ السبكي

قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم (إنّ النّاسَ إذَا رَأَوا المنكَرَ فَلَم يُغَيّرُوه أَوشَكَ أَن يَعُمَّهُمُ اللهُ بعِقَابٍ) رواه الإمام أحمد.

كلُّ مَا حَرَّمَ اللهُ يُقَالُ لَهُ مُنكَرٌ، وأَكبَرُ المنكَرِ الكُفرُ، مَعنى الحديثِ أنّ النّاسَ إذَا رَأوُا المنكَرَ فَلَم يُغَيّرُوهُ أي فلَم يمنَعُوه أوشكَ أَن يَعُمَّهُمُ اللهُ بعِقَابٍ في الدُّنيا قَبلَ الآخِرةِ ثم في الآخرةِ أَيضًا لهم عُقُوبةٌ، أَوشَكَ مَعناه قَريبٌ، لأنّه فَرضٌ إنكَارُ المنكَر على مَن استَطاعَ.