بسم الله الرحمن الرحيم
هذهِ رسالةٌ أملاها المحدّثُ الشيخُ عبدُ اللهِ بنُ محمدٍ العبدري الحبشي رحمهُ اللهُ تعالى في ربيعٍ الآخِر سنةَ خمس وعشرينَ وأربعمائة وألف من الهجرة الموافق لشهر أيار سنة ألفين وأربع ر وهيَ في بيانِ بعضِ ما نُسِبَ إلى الشيخِ عبدِ القادرِ الجيلانيّ مما هوَ افتراءٌ عليهِ. قال رحمهُ الله تعالى رحمةً واسعةً:
الحمدُ لله ربّ العالَمينَ وصلّى اللهُ على سيدنا محمّد وعلى ءاله وسلّم.
قالَ الشيخُ عبدُ الفتاحِ الزُّعبيُّ من طرابلسَ الشام من ذريةِ الشيخِ عبدِ القادرِ الجَيلانيّ رضيَ اللهُ عنهُ إنَّ كتابَ الفُيُوضاتِ الرّبانيةِ ليسَ مِن جَدّنا اهـ وذلكَ لأنَّ فيه أمورًا لا تليقُ بالأولياءِ منها أنَّ فيه أنَّ الله كلَّمَ الشيخَ عبدَ القادر. الأولياءُ لهم إلهامٌ وليسوا مُكَلَّمين كالأنبياء. حتى إنَّ المكلَّمينَ منَ الأنبياءِ ثلاثةٌ ءادمُ ونبيُّنا محمدٌ وموسى فلا يجوزُ أن يُقالَ إنَّ الله قال للشيخ عبد القادر يا غوث الأعظم الأمر كذا وكذا.
وفي هذا الكتابِ يا غوث الأعظم أكلُ الفقراءِ أكْلي وشِرْبُهُمْ شربي اهـ وهذا باطلٌ لنسبتِهِ الأكلَ والشربَ للهِ عزَّ وجلَّ تعالى اللهُ عن ذلك.
وفيه كذبٌ ءاخَرُ على سيدنا عبدِ القادِر من قصيدةٍ هيَ القصيدةُ اللاميَّةُ وهيَ:
سَقاني الوَصْلُ كاساتِ الوِصالِ |
| فقُلْتُ لِخَمرَتي نَحْوي تعالى اهـ. |
ومنَ القصيدةِ الأخرى النُّونيةِ وفيها فنادَمَني ربي حقيقًا وناداني اهـ والـمُنادَمَةُ من صفاتِ المخلوقِ فلا تُنسب إلى الله.
وفيها كذبٌ ءاخرُ وهوَ هذا البيتُ:
ولو أنَّنِي ألْقَيتُ سِرِّي على لَظَى |
| لأُطْفِئَتِ النيرانُ مِن عُظْمِ بُرهاني اهـ |
وذلكَ لأنَّ الجنةَ والنارَ مخلوقتان للبقاءِ لا تَفْنَيانِ منذُ يومِ خُلِقَتا إلى ما لا نهايةَ له. وهذا بعيدٌ منَ الشيخ عبدِ القادرِ لأنَّ هذا ضِدُّ الشريعةِ ضِدُّ دينِ اللهِ والأولياءُ محفوظونَ من كُلّ ما هو مُصادمةٌ للشريعةِ.
وكذلك ما أُشيعَ عنهُ بأنهُ قال قَدَمي هذه على رقبةِ كُلّ وليّ لله اهـ ليسَ صحيحًا. الأولياءُ شأنُهُمْ التواضُعُ وقد قالَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم: التواضعُ أفضلُ العبادةِ اهـ وهذا الكلامُ نفاهُ عنِ الشيخ عبدِ القادرِ الشيخُ سراجُ الدينِ الـمَخْزوميّ في كتابهِ صحاح الأخبار وكذلك الحافظُ ابنُ رجَبٍ الحنبليُّ وغيرُهما وقالَ الشيخُ سراجُ الدينِ المخزوميُّ كذبَ على الشيخ عبدِ القادر عليٌّ الشَّطَنُوفي الـمِصريُّ الذي ألَّفَ كتابَ روضةِ الأسرارِ وروَّجَ الأكاذيبَ بقولهِ حدَّثَنا فلانٌ عن فلانٍ عن الشيخِ عبدِ القادر اهـ وهذا الشَّطَنُوفي ظهرَ بعدَ الشيخِ عبدِ القادرِ بمائةِ سنةٍ فعمِلَ هذا الكتابَ. وأما كتابُ الفُيُوضاتِ الربانية فهوَ أُلِّفَ في القرنِ الثالثَ عشرَ في أواخره. فيجبُ التحذيرُ من هذينِ الكتابينِ.
أما كتابُ الغُنْيةِ فهوَ من تأليفِ الشيخِ عبدِ القادرِ لكنْ أدخَلَ فيه بعضُ الحنابلةِ المشبّهةُ كلمتين فاسدَتَينِ إحداهما أنَّ الشيخَ عبدَ القادرِ قالَ إنَّ اللهَ في جهةِ السماء وأهلُ السنةِ متّفقونَ على أنَّ اللهَ موجودٌ بلا مكانٍ والقولُ الآخر إنَّ حروفَ الـمُعجَمِ قديمةٌ أي ليس لوجودها ابتداءٌ وهذا أيضًا خلافُ مذهبِ أهلِ السنةِ. مذهبُ أهلِ السنة أنهُ لا قديمَ لا ابتداءَ لوجودِهِ إلا اللهُ. الأصواتُ وحروفُ الـمُعجَمِ العربيةُ وغيرُها كلُّها مخلوقةٌ ما كانَت موجودةً قبلَ أن يخلقَ اللهُ الماءَ والعرشَ فيجبُ على العلماءِ التحذيرُ الشديدُ من هذه الأشياءِ.
والذينَ أدخَلُوا على الشيخ عبدِ القادر في كتابهِ الغُنيةِ هاتَينِ المقالَتَين همُ الذينَ يعتقدونَ أنَّ اللهَ متكلمٌ بالصوتِ والحرف. وأهلُ السنةِ يقولونَ اللهُ متكلمٌ بكلامٍ أزليّ أبديّ ليسَ صوتًا ولا حرفًا، هكذا قالَ إمامُ أهلِ السنةِ أبو الحسن الأشعريُّ والإمامُ أبو منصورٍ الماتريديُّ.
الوهابيةُ مشبّهةٌ يقولونَ اللهُ يتكلمُ بالحرف والصوت كما نحن نتكلم. أهلُ السنةِ يقولونَ القرءانُ لهُ إطلاقانِ أحدُهما الحروفُ التي أخذَها جبريلُ منَ اللوحِ المحفوظِ وقرأها على الرسول صلى الله عليه وسلم والإطلاقُ الآخرُ كلامُ اللهِ الذي ليسَ حرفًا ولا صوتًا وليسَ لهُ ابتداءٌ ولا انتِهاءٌ. وهذا القرءانُ الذي هوَ مؤلَّفٌ منَ الحروفِ عبارةٌ عن ذلك الكلامِ.
وهذا الدّسُّ ليسَ بعيدًا فقد دُسَّ على الشيخِ عبدِ الوهابِ الشَّعرانيّ في بعض كتبهِ ما ليسَ من كلامِهِ في حياتهِ لأنهُ في تلكَ الأزمنةِ الكتبُ الـمُؤلَّفةُ يكتُبُها المؤلّفُ أو يُملي على شخصٍ فيكتبُ هذا الـمُسْتَملي ثمّ الناسُ يستنسخونَ من هذا الكتابِ نُسَخًا مُتعددةً، كان يُمكنُهُم بسُهولةٍ التغييرُ والتحريفُ لأنهُ لم تَكُنْ في تلكَ الأيامِ هذهِ المطابعُ.
انتهى والله تعالى أعلم.
الإشعارات