الخميس نوفمبر 21, 2024

الدرس التاسع والثلاثون

بسم الله الرحمن الرحيم

بيان الطريقة الرفاعية

درسٌ أعطاهُ الشيخُ عبدُ اللهِ بنُ محمدٍ الهرري الحبشي رحمهُ اللهُ في المركز الإسلاميّ في نوشاتيل في سويسرة ليلةَ الأربعاءِ العاشرِ من ذي القَعدةِ سنة عشرين وأربعمائة وألف من الهجرة الموافق للخامس عشر من شهر شباط سنة ألفين ر قبل إعطاءِ الطريقة الرفاعيةِ هناكَ وهوَ في بيانِ الطريقة الرفاعيةِ وكونِها سنةً حسنةً. قالَ رحمهُ الله تعالى رحمةً واسعةً:

الحمدُ لله رب العالمينَ والصلاةُ والسلامُ على سيدِ الـمُرسلينَ وعلى جميعِ إخوانهِ منَ النّبيينَ وعلى ءالهِ الطاهرينَ.

أما بعدُ فقد قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ سنَّ في الإسلامِ سنةً حسنةً فلهُ أجرُها وأجرُ مَنْ عمِلَ بها بعدَهُ لا ينْقُصُ من أجورِهِم شيءٌ ومَن سنَّ في الإسلامِ سنةً سيِّئَةً كانَ عليهِ وِزرُها ووِزْرُ مَن عملَ بها بعدَهُ([1]) اهـ فمَن فتحَ طريقًا منَ الخيرِ لم يكن قبل ذلك يوافقُ القرءانَ والحديثَ فلهُ أجرُ تلكَ الحسنةِ وأجرُ مَن عمِلَ بها بعدَهُ إلى يومِ القيامةِ، كلّما عمِلَ إنسانٌ تلكَ الحسنةَ هوَ يتجدَّدُ لهُ الثوابُ، كذلكَ مَن عمِلَ عملًا سيئًا مخالفًا للقرءانِ والحديثِ يُكتَبُ عليهِ وِزْرُهُ ووِزْرُ مَنْ عمِلَ بهِ بعدَهُ. وهذا الحديثُ فيهِ بيانُ البدعةِ الحسنةِ والبدعةِ السيئةِ فما أحدَثَهُ أهلُ العلمِ في الدينِ مما لم يفعلهُ الرسولُ إنْ كانَ موافِقًا للقرءانِ والحديثِ ففاعلُهُ لهُ ثوابُ عملِهِ لتلكَ الحسنةِ وثوابُ مَنِ اقتدَى بهِ بعدَ ذلكَ. والذي يُدخِلُ في الدينِ ما ليسَ منهُ مما يُخالفُ القرءانَ والحديثَ وِزْرُهُ يُكتَبُ عليهِ ووِزْرُ مَنِ اتَّبَعَهُ في ذلك العملِ.

الطريقةُ الرفاعيةُ والطريقةُ القادريةُ وغيرُهما من كُلّ طُرُقِ أهلِ اللهِ وهي نحوُ أربعينَ الذينَ أحدَثوها لهم أجرُ عَمَلِهِم ذلكَ ثمّ مَنِ اتَّبَعَهُم في تلكَ الحسنةِ كلَّما فعَلَها بعدَهم أحدٌ يتجددُ لهم أجرٌ فسيدُنا أحمدُ الرفاعيُّ لمَّا عَمِلَ طريقَتَهُ هذه التي هيَ استِغفارٌ مائةَ مرةٍ بلفظٍ مُعيَّنٍ والصلاةُ على النبيِّ بلفظٍ مُعينٍ مائةَ مرةٍ ولا إلهَ إلا الله مائةَ مرةٍ لَمَّا أحدثَ هذا كُتِبَ لهُ أجرُهُ ثم أجرُ مَن يعملُ بطريقتِهِ إلى يوم القيامةِ. وكذلكَ غيرُهُ من أهلِ اللهِ الذينَ عَمِلُوا الطريقةَ كالشيخِ عبدِ القادرِ الجيلانيّ فطُوبَى ثمَّ طُوبَى أي لهُ خيرٌ كثيرٌ لمن يعملُ سنةً حسنةً موافقةً للقرءانِ والحديثِ ثمّ تَبِعَهُ عليها غيرُهُ وويلٌ ثم ويلٌ لِمَنْ يُحدِثُ عملاً مخالفًا للقرءانِ والحديثِ باسمِ الدينِ فإنهُ يُكتبُ عليهِ ذنبُ عَمَلِهِ بنفسِهِ وذنبُ مَنِ اتَّبَعَهُ بعدَ ذلكَ إلى يومِ القيامةِ.

مثالُ ذلكَ بدعةُ الوهابيةِ. محمّدُ بنُ عبد الوهابِ هو الذي أحدثَ هذهِ العقيدةَ الفاسِدَةَ فعليهِ وزرُهُ ووزرُ مَن يَتْبَعُهُ بعدَهُ إلى يوم القيامةِ. وذلكَ مثلُ ما أخبرَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم بهِ أنهُ كلّما قتلَ إنسانٌ إنسانًا ظُلمًا يُكتَبُ على ابنِ ءادمَ الأولِ الذي هُوَ أولُ مَن قتلَ إنسانًا ظُلمًا يكونُ لهُ نصيبٌ من تلكَ المعصيةِ. ءادمُ عليهِ السلامُ أحدُ ابنَيهِ حسدَ ابنَهُ الآخرَ على ما أنعمَ اللهُ بهِ عليهِ فقتَلَهُ فهذا الذي قتلَ أخاهُ هوَ أوَّلُ مَن قتلَ قتلاً مُحرَّمًا فهوَ يُجدِّدُ لهُ معصيةُ قتلِ الظُّلمِ كلَّما حصلَ في الدنيا إلى يوم القيامةِ. وأمثالُ ذلكَ كثيرٌ. هذا زعيمُ الوهابيةِ محمّدُ بنُ عبدِ الوهابِ هوَ أولُ مَن حرَّمَ قولَ يا محمدُ وهوَ أولُ مَن حرَّمَ تعليقَ الحُروزِ التي فيها قرءانٌ وهو أولُ مَن حرَّمَ عملَ المولدِ في شهرِ ربيعٍ الأول شكرًا للهِ على إظهارِ سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم في مثلِ ذلكَ الوقتِ.

فلْيَحذَرِ الإنسانُ أن يعملَ في الدينِ أمرًا جديدًا يُخالفُ القرءانَ والحديثَ فإنهُ يُكتَبُ عليهِ ذنبُهُ ومثلُ ذنبِ مَن يعمَلُ بعدَهُ تلكَ المعصيةَ. كانَ الرسولُ عليه السلامُ يُنادَى في وجهِهِ يا محمدُ ثمَّ حرَّمَ اللهُ تعالى أن يُنادَى في وجهِهِ يا محمّدُ فبَقِيَ نِداؤُهُ في غيرِ وجههِ جائزًا لم يُحرِّمْهُ أحدٌ إلا هذا الخبيثُ الدجَّالُ محمدُ بنُ عبدِ الوهابِ.

لماذا حرَّمَ اللهُ أن يُنادَى في وجهِهِ يا محمّدُ بعدَما كانَ جائزًا لأنَّ بعضَ الناسِ الجُفاةِ الذينَ ليسَ عندَهم أدبٌ جاءُوا فوقفوا خلفَ حُجَرِ رسولِ الله فنادَوهُ يا محمّدُ اخرجْ إلينا فحرَّمَ اللهُ أن يُنادَى يا محمدُ في وجههِ تشريفًا لهُ ولم يزلِ المسلمونَ بعدَ موتهِ عليه الصلاةُ والسلامُ يُنادُونَهُ يا محمدُ طلبًا للبركةِ. اثنانِ منَ الصحابةِ فَعَلا ذلكَ ثمّ إلى يومِنا هذا علماءُ الإسلامِ والعوامُّ يقولونَ يا محمدُ طلبًا للبركةِ منَ اللهِ بالتَّوجُّهِ بهِ عليهِ السلامُ.

بعدَ هذه الترجمةِ نُلَقِّنُ الطريقةَ الرفاعيةَ إنْ شاءَ اللهُ. الحمدُ لله وسلامٌ على عبادهِ الذينَ اصطفَى أمّا بعد فلْنَذكُرْ مِن مناقبِ سيدنا أحمدَ الرفاعيّ رضي الله عنه. كان سيدُنا أحمدُ الرفاعيُّ من ذريةِ الحُسينِ بنِ عليّ بنِ أبي طالبٍ رضيَ اللهُ عنهُم كانَ في القرنِ السادسِ الهجريّ تُوفي سنةَ خمسمائةٍ وثمانٍ وسبعينَ منَ الهجرةِ. كان يعيشُ في العراقِ وكذلكَ الشيخُ عبدُ القادرِ كانَ في العراقِ. كان أولياءُ ذلكَ الزمنِ يقولونَ الشيخُ أحمدُ الرفاعيُّ أفضلُ الأولياءِ درجةً. كانَ للشيخِ أحمدَ الرفاعيّ خالٌ اسمهُ الشيخُ منصورٌ البَطائحيُّ رضيَ الله عنهُ رأى الرسولَ صلى الله عليه وسلم في المنامِ فقالَ له بَشِّرْ أختَكَ بأنّها ستلِدُ بعدَ أربعينَ ليلةً ولدًا يكونُ سيدَ الأولياءِ كما أنهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ سيدُ الأنبياءِ. فولدتهُ أمُّهُ بعدَ أربعينَ ليلةً ثم نشأَ نشأةً طيّبةً إلى أن صارَ أعلمَ الناسِ بالقُرءانِ والحديثِ. كانَ يُدرِّسُ في علمِ الدّينِ أوَّلَ النهارِ وءاخِرَ النهارِ. أكثرَ شيءٍ كانَ يهتمُّ بهِ التوحيد وكانَ يُقرِئُ الناسَ أيضًا الفقهَ والتفسيرَ والحديثَ ويجلسُ يومَ الخميسِ على كُرسيّ الوَعظِ لأنهُ كان يأتيهِ الأمراءُ والعُلماءُ وطلَبَةُ العلمِ وعامةُ الناسِ. يجتمعُ عندهُ ءالافٌ مُؤلَّفةٌ، مرةً جلسَ على كرسيّ الوعظِ وكانَ في المجلسِ ثلاثُ طوائِفَ منَ الكُفَارِ يهودٌ ونصارَى وصابِئَةٌ وكانَ من المسلمينَ خلقٌ كثيرٌ. لمّا هوَ بدأ بالوعظِ رقَّتْ قلوبُ الناسِ نزلتِ الرحمةُ فأسلمَ من أولئكَ الكفّارِ ثمانيةُ ءالافٍ أو أكثرُ وتابَ منَ المسلمينَ الغافلينَ الـمُتَلوِّثينَ بالذنوبِ أربعونَ ألفًا في المجلسِ. وحصلَ لهُ منَ الخُلفاءِ الذينَ خلَّفَهُم في الطريقةِ ومَن خلَّفَهُ خلفاؤهُ في حياتِهِ مائة وثمانونَ ألفَ خليفةٍ وكانَ يجتمعُ في السنةِ في ليلةٍ تُسمَّى ليلةَ الـمَحْيا كانَ يجتمعُ عندهُ مائةُ ألفٍ أو أكثرُ ثمّ هو يَكفيهِم طعامَهُم وشرابَهم وهذا ما حصلَ لأحدٍ من أولياءِ هذهِ الأمةِ. هذا سِرٌّ أكرَمَ اللهُ بهِ الشيخَ أحمدَ الرفاعيَّ معَ أنهُ ما كانَ مَلِكًا ولا وزيرًا ولا من بيتِ الـمُلْكِ والوِزارةِ.

ثمَّ إنَّ اللهَ تعالى أظهرَ للرفاعيةِ ءاياتٍ وشواهِدَ على أنَّ لهم عندَ اللهِ شأنًا كبيرًا. اللهُ تعالى ذلَّلَ لأتباعِ السيدِ أحمدَ الرفاعيَّ الثعابينَ والعفاريتَ والنارَ. مشهورٌ في الشرقِ والغربِ أنَّ مشايِخَ الرفاعيةِ يَدخُلونَ الأفرانَ الحاميةَ فينامونَ في جانبٍ والخَبَّازُ يخبِزُ في جانبٍ ءاخَرَ لا تُؤثَّرُ فيهم النارُ ويوقِدُونَ أحيانًا نارًا عظيمةً فيَدخُلُونَها فيذكرونَ اللهَ فيها حتى تَنْطَفِئَ لا تؤذيهم ولا تُحرِقُ ثيابَهُمْ اهـ.

الذي يأخذُ الطريقةَ الرفاعيةَ ويثبُتُ عليها ينالُ لُطفًا كبيرًا في حياتِهِ وعندَ موتِهِ يحفظُهُ اللهُ من أن يتَخَبَّطَهُ الشيطانُ أي من أن يَفْتِنَهُ لأنَّ الشيطانَ يبذُلُ جُهْدَهُ في تلكَ الساعةِ ليَفتِنَ الإنسانَ ويُخرِجَهُ منَ الدينِ. وفي الآخرةِ يَلطُفُ بهِ لُطفًا كبيرًا.

انتهى والله تعالى أعلم.

 

[1])) رواه مسلم في صحيحه باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة، أو كلمة طيبة وأنها حجاب من النار.