الأحد نوفمبر 24, 2024

بيان أهمية تعلم أحكام الطهارة
ومعنى الطهور شطر الإيمان

درس ألقاه المحدث الشيخ عبد الله بن محمد العبدريّ رحمه الله تعالى على جماعةٍ من النساء فِي سُوَيْسِرَة وهو فِي بيان أهمية تعلم أحكام الطهارة ومعنى الطهور شطر الإيمان. قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:

الحمد لله ربّ العالمين وصلوات الله البَرّ الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين.

أمَّا بعدُ: فقد قال رسول الله r: «الطُّهور شَطْرُ الإيمان»([i]).اهـ. أي: الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر والنجاسةِ شطرُ الإيمان، أيْ: نصفه؛ لأن الطهارة أمر مهم فِي الدين ليس كما يقول الجهلة الذين يُعَيِّرُونَ مَن يشتغل بأحكام الاستنجاء من البول والغائط والطهارةِ من الحدث الأكبر والأصغر يرون الاعتناء بهذا أمرًا ليس فيه فائدةٌ، هؤلاء ما عرفوا الدين ما عرفوا دين الإسلام، الدينُ هو ما شرعه الله تعالى على لسان نبيّه محمد r فما حسَّنه الله فهو حسن وما قبَّحه فهو قبيح.

والأولى بالطهارة منه مِن بين النجاسات هو البول، أولى النجاسات بالابتعاد منه والتحرّز منه البول، وإن كان بحسب نظر الناس الغائط أشدَّ لكنه فِي شرع الله البول أشد عذابًا لمن لا يحترز منه من سائر النجاسات لذلك قال رسول الله r: «اسْتَنْزِهُوا مِن البول فإن عامَّةَ عذاب القبر منه»([ii]).اهـ. أي: أكثر عذاب القبر من البول وقد كان شرعُ بَنِي إسرائيل، أيِ: الشرعُ الذي أنزله الله لنبيّ الله إسرائيل([iii]) أنه إذا أصاب البول ثوبَ أحدهم لا يُطَهِّرُهُ الماء إلا أن يُقطع يُقرض بالمقراض هذا كان عندهم فرق، أما شريعة محمد r فهِيَ أسهل الشرائع فالماء يكفِي، إذا صُبَّ على ما أصابه البول الماءُ بحيث يزول رائحةُ البول وطعمُه ولونه كَفَى لتطهير ذلك الموضع من الثوب. الحمد لله الذِي جعل شرع محمد r أسهلَ الشرائع.

كان بنو إسرائيل لهم أنبياءُ كثيرٌ ءاخرهم عيسى u كان أَمْرُ البول عندهم أشدَّ مما هو عندنا، الله تعالى أنزل على أولئك الأنبياء أنَّ البول لا يطهر إلا بالقطع إلا بالقَرْضِ بالمقراض كما أنَّهُ أَنْزلَ عليهم أن الصلاة لا تصح إلا بمكان مخصوص، الناس الذين كانوا يتبعون عيسى المسيح كانوا يصلون فِي البِيَعِ ما كانوا يصلُّون مثلنا فِي متاجرهم وفي الفضاء وفي السوق ما كان رخصةً لهم أن يصلوا الصلاة فِي أيّ مكانٍ كان أما شرعية محمد صلى الله عليه وعلى جميع إخوانه النبيين وسلم فالله جعلها سَمْحَةً سهلةً، أمة محمد يجوز لهم أن يصلوا الصلوات الخمس فِي متاجرهم وفي البَرّيَّةِ والسوق ولو صليت فِي الشارع أيضًا تصح الصلاة لكنها فِي وسطه مكروهة أما إذا إنسانٌ انحاز عن وسط الشارع وصلى فليس فِي هذه الصلاة كراهة.

وقد كان فِي أنبياء بني إسرائيل الصلاةُ والوضوءُ حتى فِي شريعة إبراهيم كان الوضوء والصلاة، لم يُنزل الله تعالى وحيًا على نبيٍّ من الأنبياء إلا وأدخل فيه الصلاة، ءَادَمُ u الذي هو أول البشر كان يصلِّي ثم أولاده كذلك هو علَّمهم، كانوا يصلون، ثم الأنبياء الذين جاؤوا بعده كانوا يصلون ويأمرون أممهم بالصلاة، إنما اليهود والنصارَى بعد زمان من وفاة موسى والأنبياءِ الذين جاؤوا بعده بزمان، أي: حين جاء المسيح u اليهود غَيَّرَتْ شريعة موسى؛ لأنهم ما ءَامَنُوا بالمسيح أنه نبيٌّ؛ بل كذبوه وقالوا عنه ساحر ما اعترفوا بنبوته ثم أمة المسيح كانوا على الإسلام مِائَتَيْ سنةٍ كانوا يصلون ويصومون صيامًا كصيامنا لا يأكلون ولا يشربون شيئًا فِي وقت الصيام كانوا يتجنبون الشيءَ الذي فيه الدَّسَم والشَّيْءَ الذي ليس فيه الدسم والشيءَ المائعَ السائلَ والشيءَ الجامدَ كانوا يتجنبون كل ذلك إلى أن يَصِلُوا إلى وقت إفطارهم ثم حرّف لهم علماؤهم دين المسيح، بعد مِائَتَيْ سنة حَرَّفوا لهم ثم ازداد التحريف كلما مضى زمن يزيدون التحريف حتى لم يتركوا من دين المسيح شيئًا؛ بل استبدلوا بالتوحيد عبادةَ المسيح عيسى وعبادةَ أمه وعبادةَ الرهبان؛ لأنّهم كانوا يعتبرون ما أحلَّ لهم الراهبُ مُحـرِّفًا شرعَ عيسى حقًّا كانوا يعتقدون ما أحلَّ لهم الراهبُ مُحـرِّفًا شرعَ عيسى حقًا كانوا يعتقدون أنَّ للراهب حقَّ التغير والتصرفِ والتدبيرِ فِي الدين فهم الذين قالوا لهم كُلُوا كذا وكذا واجتنبوا كذا وكذا وجعلوا لهم هذا بدل الصيامِ الحقيقيّ الذي كان المسيح علَّمه، والوضوء حذفوه تركوا الوضوء بالمرة إنما يدخلون كنائسهم وينحنون انحناءً ليس الصلاةَ التي كانت أتباعُ المسيح u يؤدُّونها إنما يسمونها صلاةً وليس فيها إلا شيءٌ من الانحناء وبعضُ الأعمال التي يعملونها بأبدانهم. كان فِي أمة المسيح رجل كان يعمل تجارةً تارة يربح وتارة يخسر فقال لأعمَلَنَّ تجارةً لا خسارة فيها فترك البلد، ترك بيته الذي كان يسكنه وبَنَى صومعة، أي: حجرة صغيرة مُحَدَّبَةَ الرأس يبيت فيها ويعبد الله، يُصلِّي فيها فالناسُ أُعجبوا به كان اسمه جُرَيْجًا قالوا جريج صار مجتهدًا فِي العبادة فتعرضَتْ بَغِيٌّ من بَغَايَا بنِي إسرائيل، أي: زانيةٌ قالت: إن شئتم أفتنه، لَأَفْتِنَنَّهُ، فرءَاها هو لكن أعرض عنها لم يَنْفَتِنْ بها ثم صادفتْ راعيًا يرعى الغنم فِي تلك الأرض فواقعها فَحَمَلَتْ منه ثم لما وضعتْ حَمْلَها قالوا لها: ممن هذا الحمل؟ قالت: مِن جريج، فصدقوا كلامها من غير أن يتبينوا الأمر فذهبوا ومعهم الـمَسَاحِي فهدموا صومعته وأخذوه وذهبوا به يَجُرُّونَهُ وضعوا فِي عنقه حبلًا يجرونه ويسخرون به ويسبُّونه، فقال لهم: دَعُونِي حتى أصلِّيَ ركعتين فتوضأ وصلى ركعتين ثم وضع إصبعَهُ فِي بطن هذا المولود فقال له من أبوك يا غلام؟ فقال الغلام: أبِي الراعِي، فلما رأوا هذه العجيبة هذه الكرامة التي تدل على أنه وليٌّ من أولياء الله، أيْ: مؤمن كامل صاروا يتمسحون به ويقبّلونه تبرُّكًا به وقالوا له: نَبْني لك صومعتك من ذهب، فقال: لا أريد ذلك أعيدوها من طين كما كانت. هذه القصة فيها دليل على أن أمة المسيح u كان عندهم وضوء كما نحن نتوضأ وكان عندهم صلاة إنما الفرق فِي عدد الصلوات المفروضة، نحن أمة محمد r فُرِضَت علينا خمس صلوات فِي اليوم والليلة وأولئك فُرضت عليهم صلاتان، فِي هذه الحادثة العجيبة دليلٌ أنَّ من كان متبعًا للمسيح متبعًا شريعتَهُ من غير تحريف ولا تبديل وكان مجتهدًا فِي اتباع المسيح كامل الاجتهاد كامل الإيمان فهو ولِيٌّ من أولياء الله كما يوجد من أمة محمد r أولياء كثير لكن أولياء أمة محمد أكثرُ عددًا بكثير من غيرهم.

فيجب العناية بأحكام الطهارة ولا ينبغِي للمسلم أن يستحِيَ مِن تَعَلُّم أحكام الطهارة ولا سيما أحكام الحدث الأكبر والحدث الأصغر، كثيرٌ فِي الرجال الذين يمنعهم الاستحياءُ مِن تعلم أحكام الطهارة من الجنابة بأقسامها أو تعلم أحكام الطهارة من الحدث الأصغر هؤلاء إذا ماتوا ولم يتعلموا إذا ماتوا بلا توبة يستحقون عذابًا شديدًا فِي الآخرة وكذلك النساءُ اللَّاتِي يَسْتَحِين يمنعهن الاستحياءُ عن تعلم أحكام الحدث الأكبر والحدث الأصغر هؤلاء أيضًا يستحققن عذاب الله فِي القبر وفي الآخرة. الاستحياء لا ينبغِي فِي تعلم أمور الدين إنما الاستحياء الذي يحبه الله أن يَكُفَّ الإنسان عن الرذالات، أي: الأعمال الدنيئة وكذلك الاستحياء بترك مطالبة الشخص بحقه كالدين الذي له على الناس يسكت استحياءً هذا شيءٌ يحبه الله أما الاستحياء عن تعلّم أمور الدين وتطبيقها فِي ما يتعلق بالحدث الأكبر فهذا خُسران كبير. جاءت امرأة إلى رسول الله r فقالت: يا رسول الله هل على المرأة مِن غُسْلٍ إذا هِيَ احتلمت قال: «نعم إذا رأت الماء»([iv]).اهـ. والمراد بالماء هو المنيُّ، معناه: يجب على المرأة أن تغتسل، أي: تغسل كُلَّ جسدها إذا رأت المنيَّ لو لم تره بعينها لكن علمت بالتدفق أو اللذة بالخروج، أيْ: أحست بذلك مع بروزه([v]) يكون حكمها كأنها قد رأته بالعين هذا حكمٌ مِن أحكام الطهارة من الحدث الأكبر.

كذلك من المهم معرفة أحكام الحيض؛ لأن الحيض مسائله متشعبة تختلف حالاته فيجب معرفة تلك الأحكام إما بطريق الدراسة وإما بطريق السؤال الشفوِيّ لأهل المعرفة حتى لو لم تجد المرأة فِي بلدها من يعرف هذه الأحكام يجب عليها أن تسافر، ألا تسافر هذه الأيام البنات الأبكار لتعلم علومِ الدنيا إلى بلاد بعيدة لِـمَا يطمعن مِن بحبوحة العيش مع أنه لا تَضمن لهن هذه الدراساتُ بُحبوحة العيش، ما يُدْرِي هذه البنت متى يَحُلّ بها أجلُها متى يدركها أجلُها قبل أن تنتهِيَ من هذه الدراسة أو بعد أن تنتهِيَ منها وقبل أن تصل إلى أملها مِن جمع المال الذي تعيش به عيشة رغدةً عيشة واسعة ما يدريها لكن بما أن النفس تشتهِي جمعَ المال وأن تكون متنعمة تتحمل هذه المشقة وتعيش فِي هذا الأمل الذي قد تبلغه وقد لا تبلغه بموتٍ أو غير ذلك فأما تعلُّمُ علمِ الدين من أحكام الطهارة وغير ذلك ففيه ثوابٌ مضمونٌ مَن فَعَلَهُ لوجه الله تعالى فثوابه مضمون؛ لأن الله تبارك وتعالى وعد – وهو لا يخلف فِي الميعاد – مَن عمل حسنة أنَّ له عشرَةَ أمثالها وقد يُكتب له بحسنة واحدة سبعُمائة حسنة وقد يكتب له الحسنة الواحدة إلى ألف ألف وإلى ألفي ألف وإلى أكثرَ من ذلك هذا الربحُ المضمونُ أما هذه علوم الدنيا فربحها غير مضمون ومع ذلك فالذي يتعلم علومَ الدنيا من غير أن يُضَيّعَ علمَ الدين الذي هو لا يَستغنِي عنه ويؤاخذ على تركه فِي الآخرة فلا بأس إذا حسَّن الإنسان نيته بتعلم هذه العلوم الدنيوية لِيَخْدِم بها الإسلام دين الإسلام لا بأس بذلك؛ بل فيها فِي هذه الحال حسنةٌ، أيْ: ثوابٌ. ويشتبه على كثير منَ الناس أمرُ المنِيّ الذي هو موجبٌ للغسل بأمر الـمَذْيِ فيجب معرفة الفرق بينهما، بخروج المنِيّ أول مرة من الشخص يتعلق التكليف فيصير بذلك مكلفًا تكتب عليه الحسنات والسيئات، أما المذي فلا يرتبط به هذا الحكم. وقال الفقهاءُ الإسلاميون إن الـمَذْيَ فِي النساء أكثرُ منه فِي الرجال وهو شيءٌ رقيقٌ لزِجٌ يخرج عند ثوران الشهوة، أي: فِي ابتداء الشهوة أما الذي يخرج فِي نهايتها فهو المنيُّ والمذيُ لا يوجب خروجه الغسل وأما المنيُّ فيوجبه. ثم الله تبارك وتعالى ذكر فِي القرءان أنه يَخْلُقُ الإنسان {مِنْ مَّاءٍ دَافِقٍ} [سورة الطارق: 6]، أي: متدفّقٍ {يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ والتَّرَائِبِ} [سورة الطارق: 7]، أي: صلب الرجل وترائب المرأة، أيْ: عظام صدرها وصف كلًّا من الماءين بالتدفق ماء الرجل متدفق ومنيُّ المرأة متدفق إنما فِي اللون يختلفان منيُّ الرجل أبيضُ ثخينٌ ومنيُّ المرأة أصفرُ رقيقٌ. والمذْيُ يكثر ابتلاءُ الإنسانِ به لا سيما الشابُّ والشابة وقد نصَّ فقهاء مذهب أحمدَ بنِ حنبلٍ بالعفو عن يسره، أيْ: إذا كان الشاب أو الشابة يصيبهما شيءٌ قليلٌ منَ الـمَذْيِ يجوز أن يصلِّيَ الشخص مِن غير أن يغسل ذلك الموضع أما إذا كثُر فإنه يجب غسله ولا يُعْفَى عنه إلا أن مذهب الإمام مالك فِي أحد قوليه أنَّ النجاسات كلها ليس شرطًا إزالتها لصحة الصلاة، أيْ: تصح الصلاةُ بدون إزالتها فإن كان له عذر بترك إزالة النجاسة حصل الثواب فِي صلاته وإلا فلا يحصل الثواب لكن أسقط الفرص فِي تلك الصلاة.

هذه الأمور مهمةٌ تعلُّمُها مهمٌّ جدًّا لذلك قال الرسول r: «الطهور شطر الإيمان»([vi]).اهـ. أي: نصفه، ومعناه: الطهارةُ جانبٌ كبيرٌ من أمور الإيمان.

فعليكُنَّ بتعلّم أمور الدين لأنه أمرٌ بالِغُ الأهمية حتى إنه يجوز للمرأة أن تذهب لمعرفة حكمٍ من أحكام الدين التي تلزمُها بدون إذن الزوج بدون رضاه ما عليها ذنبٌ أما إذا خرجت بدون إذنِ الزوج لأمور غير ضرورية فعليها ذنبٌ تؤاخذ به يومَ القيامة، فقهكنَّ الله بالدين. انتَهَى.

والله تعالى أعلم.

[i])) رَواهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِه، بَابُ: فَضْل الْوُضُوء.

[ii])) رَواهُ الدارقطنِيّ فِي سننه، باب: حكم الماء إذا لاقته النجاسة.

[iii])) أي: يعقوب عليه الصلاة والسلام.

[iv])) رواه البخاريّ فِي صحيحه، باب: إذا احتلمت المرأة ورواه مسلم فِي صحيحه، باب: وجوب الغسل على المرأة.

[v])) أي: بروزه إلى ظاهر فرج البكر ووصوله إلى مدخل الذكر من الثيّب.

[vi])) رواه مسلم فِي صحيحه، باب: فضل الوضوء.