الأحد ديسمبر 7, 2025

الدرس الخامس عشر

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰن الرَّحِيمِ

بيان أهمية الإيمان والوفاة عليه

درس ألقاه المحدث الشيخ عبد الله بن محمد العبدريّ رحمه الله تعالى وهو في بيان أهمية الإيمان والوفاة عليه.

قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:

الحمد لله رب العالمين، وصلوات الله وسلامه على سيد المرسلين، وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين.

أما بعد، فقد قال الله تبارك وتعالى في سورة الصف: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}([i]) قوله تعالى: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} فيه تقديم ذكر الإيمان بالله والإيمان برسوله على الجهاد في سبيل الله بالنفس والأموال، مع أن الجهاد أمر عظيم في دين اللهن لكن الإيمان بالله ورسوله هو أساس الدّين بحيثُ إنَّ مَن فقد هذين أي الإيمانَ بالله ورسوله فهو خاسر لا ينفعه أيُّ عمل يعمله من صدقة وإحسان إلى الناس وبر الوالدين والجهاد وغير ذلك، كل الأعمال لا تنفع بدون هذين أي بدون الإيمان بالله والإيمان برسوله، أعظم نِعَم الله على الإنسان في هذه الحياة الدنيا هو الإيمان بالله ورسوله لأن من ءامن بالله ورسوله وثبت على ذلك ومات على ذلك فهو مضمون له عند الله تعالى دخول الجنة إن كان بعد عذاب على ذنوبه الكبيرة التي مات قبل أن يتوب عنها وإن كان بلا عذاب، من دون سبق عذاب، لا بد له من دخول الجنة.

كان رجل من قريش من قبيلة أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه يدعى عبد الله بن جدعان، كان في الجاهلية على عبادة الأوثان لا يؤمن بالآخرة، كان في بدء أمره فاتكًا شريرًا مؤذيًا، حتى أبوه من شدة ما كرهه ومل منه قال له أمام جمع من الناس أنت لست ابنِي، فطرده فَكَرِهَ الحياة فقال اطلبُ الموت. فخرج خارج مكة فتوجه إلى جبل فوجد شقًّا قال أدخلُ هذا الشق لعل فيه ما يُريحنِي من الحياة، فدخل فوجد ثعبانًا كبيرًا عيناه جوهرتان مضيئتان فظنه ثعبانًا حقيقيًا فاقترب منه فوجده ثعبانًا كله ذهب، ثم وراءه في الشق وجد رجالًا ليسوا من أهل ذلك الزمان ووجد عند رؤوسهم لوحًا من الفضة مكتوبًا فيه بيت شعر:

صاحِ هل رَيْتَ أو سمعت براعٍ

 

رد فِي الضرع ما جرى في الحلاب

 مرادهم بهذا أن الإنسان إذا حلب البهيمة فهذا اللبن الذي حلبه لا يعود إلى الضّرْع كذلك نحن بعد خروجنا من الدنيا لا نرجع إليها.

ثم عبدُ الله وجد كومًا من ذهب وكومًا من فضة فأخذ من الذهب ما استطاع في ردائه فرجع إلى قومه صار يعطِي هذا من هذا الهذب ويعطي هذا ويعطي هذا فأحبوه وجعلوه سيدًا لهم فصار يحسن إلى الناس ويَقْرِي الضّيف ويصِل أرحامه فكان مشهورًا بهذا بين العرب، فسألت سيدتنا عائشة رسول الله عن هذا الرجل هل ينفعه ما كان يفعله بعد موته فقال: «لا إنه لم يقل يومًا رب أغفر لي خطيئتي يوم الدين»([ii]). اهـ. المعنى أنه لم يكن من الذين ءامنوا بالله واليوم الآخر. فمن هنا لا ينفع إنسانًا أيُّ عملٍ يعمله إلا أن يكون مات على الإيمان بالله ورسوله والإيمان باليوم الآخر. وأصلُ الإيمان هو الإيمان بالله ورسوله، لذلك قال إمام أهل السُّنَّة أبو الحسن الأشعرِيّ أفضل العلوم العلم بالله والعلم برسوله والعلم بأمور دينه. اهـ.

معناه: أفضل ما يكتسبه الإنسان في حياته ويربحه هؤلاء الأمور الثلاثة الإيمان بالله، والإيمان بالرسول ومعرفة ما فرض الله على الإنسان كالصلاة والصيام ونحو ذلك.

الإيمان بالله ليس مجرد أن يقول الإنسان لا إله إلا الله؛ بل الأمر المهم الذي لا بد منها أن يعرف معنى لا إله إلا الله، ومعناه: أنه لا يجوز أن يتذلل نهاية التذلل إلا لله، والله تبارك وتعالى هو الموجود الذي لا يشبه شيئًا من الموجودات لا يشبه الإنسان ولا الملائكة ولا الهواء ولا النور أي الضوء، ولا الظلام ولا الروح، ليس ذا لون ليس ذا شكل ليس ذا حد، ليس ذا هيئة، منزه عن كل ما هو من صفات البشر وغير البشر، منزه عن الحد بمعنى أنه لا تجوز عليه المساحة ليس مقدارًا بالمساحة، لا يجري عليه التقدير بالمساحة، دليل ذلك من حيث الشرع قول الله تبارك وتعالى في سورة الشورى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيء}([iii]) معناه أن الله تبارك وتعالى لا يشبه شيئًا بوجه من الوجوه، وأما من حيث العقل فلأن الله تبارك وتعالى لو كان له حدٌّ أيْ مِساحة لم يستحقَّ الألوهية.

هذا المعنى جاء به القرءان، فلو كان هناك في القرءان الكريم ءاياتٌ من فسرها على ظواهرها أوهم ذلك أن لله حيزًا وأن له مساحة وحدًّا وأن له جهة فهذه الآيات ليس معناها هذا المعنى الذي يتبادر إلى الأذهان، بل لها معانٍ ليست من قبيل صفات الخلق.

جعلنا الله تبارك وتعالى ممن يثبتون على الإيمان، وحفظنا من المهالك في الدنيا والآخرة، وجعلنا هادين مهتدين غير ضالين ولا مُضِلّين وسبحان الله والحمد لله رب العالمين.

انتهى والله تعالى أعلم.

([i]) سورة الصف، الآيتان: (10 و11).

([ii]) رواه مسلم في صحيحه بابُ الدَّلِيلِ على أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى الكُفْر لا يَنفَعُهُ عَمَلٌ.

([iii]) سورة الشورى، الآية: (11).