إن مرجع هذه القصة إلى رواية مكذوبة ردّها المحققون وهي رواية ابن أبي حاتم في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «أراد سليمان عليه السلام أن يدخل الخلاء فأعطى الجرادة خاتمه وكانت امرأته، وكانت أحب نسائه إليه، فجاء الشيطان في صورة سليمان([1]) فقال لها: هاتي خاتمي فأعطته، فلمّـا لبسه دانت له الجن والإنس والشياطين، فلمَّا خرج سليمان عليه السلام من الخلاء قال لها: هاتي خاتمي، فقالت: قد أعطيته سليمان، قال: أنا سليمان، قالت: كذبتَ لست سليمان، فجعل لا يأتي أحدًا يقول: أنا سليمان إلا كذّبه حتى جعل الصبيان يرمونه بالحجارة، فلمَّا رأى ذلك عرف أنه من أمر الله عزَّ وجلَّ وقام الشيطان يحكم بين الناس([2]). فلمَّـا أراد الله تعالى أن يردّ على سليمان عليه السلام سلطانه ألقى في قلوب الناس إنكار ذلك الشيطان، فأرسلوا إلى نساء سليمان عليه السلام فقالوا لهن: أيكون من سليمان شيء؟ قلن: نعم إنه يأتينا ونحن حُيَّض (أي: يجامعهنّ وهنّ في حال الحيض)، وما كان يأتينا قبل ذلك، فلمَّا رأى الشيطان أنه قد فُطِنَ له ظن أن أمره قد انقطع، فكتبوا كتبًا فيها سحر ومكر فدفنوها تحت كرسيّ سليمان، ثم أثاروها وقرؤوها على الناس وقالوا: بهذا كان يظهر سليمان على الناس ويغلبهم، فأكفَرَ الناسُ سليمانَ فلم يزالوا يكفّرونه، وبعث ذلك الشيطان بالخاتم فدعا سليمان عليه السلام فقال: تحمل لي هذه السمك؟ ثم انطلق إلى منزله فلمَّا انتهى الرجل إلى باب داره أعطاه تلك السمكة التي في بطنها الخاتم، (انتبه هذه القصة مكذوبة) فأخذها سليمان عليه السلام فشقّ بطنها فإذا الخاتم في جوفها، فأخذه فلبسه فلمَّا لبسه دانت له الإنس والجن والشياطين وعاد إلى حاله، وهرب الشيطان حتى لحق بجزيرة من جزائر البحر، فأرسل سليمان عليه السلام في طلبه، وكان شيطانًا مَريدًا يطلبونه ولا يقدرون عليه حتى وجدوه يومًا نائمًا، فجاؤوا فنقبوا عليه بنيانًا من رصاص فاستيقظ فوثب فجعل لا يثبت في مكان من البيت إلا أن دار معه الرصاص، فأخذوه وأوثقوه وجاؤوا به إلى سليمان عليه السلام، فأمر به فنقر له في رخام ثم أدخل في جوفه ثم سُدَّ بالنحاس ثم أُمِرَ به فطرح في البحر فذلك قوله: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ} [ص: 34]، يعني: الشيطان الذي كان تسلط عليه»([3]). انتهى نقل ابن أبي حاتم.
وممن ردّ هذه القصة ابن كثير في تفسيره، فإنه قال بعد أن ذكر الكثير منها: «وهذه كلّها من الإسرائيليات، ومِنْ أَنْكَرِهَا ما رواه ابن أبي حاتم بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله: { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ} [ص: 34] قال: «أراد سليمان عليه السلام أن يدخل الخلاء…».اهـ. ثم ذكر الرواية التي ذكرناها أولًا. ثم قال: «إسناده إلى ابن عباس قويٌّ ولكن الظاهر أنه إنما تلقّاه – ابن عبّاس – رضي الله عنهما إن صحّ عنه من أهل الكتاب، وفيهم طائفة لا يعتقدون نبوّة سليمان عليه الصلاة والسلام، فالظاهر أنهم يكذبون عليه، ولهذا كان في هذا السياق منكرات من أشدّها ذكر النساء، فإن المشهور عن مجاهد وغير واحد من أئمة السلف أن ذلك الجنيّ لم يسلّط على نساء سليمان، بل عصمهنّ الله عزَّ وجلَّ منه، تشريفًا وتكريمًا لنبيه عليه السلام»([4]).اهـ.
[1])) الشياطين لا يتمثّلون بصور الأنبياء، هذا مستحيل فليحذرْ.
[2])) لا يشكّ نبيّ من الأنبياء بنبوة نفسه أبدًا ولا في أن الله تعالى يخرجه من النبوة قطّ، فالله لا يخرج نبيًّا من أنبيائه من النبوة.
[3])) تفسير ابن أبي حاتم، ابن أبي حاتم، (10/3241).
[4])) تفسير ابن كثير، ابن كثير، (7/69).