الخميس مارس 28, 2024

بيان أن نكاح المتعة محرم إلى يوم القيامة

قال الله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ {5} إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ {6} فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ {7} [سورة المؤمنون].

فهذه الآية تفيد أن التمتع بها ليست واحدة من المذكورة، أما انها ليست بمملوكة فظاهر، وأما انها ليست بزوجة فلأن الزواج له أحكام كالإرث وغيره وهي منعدمة فيها باتفاق من أهل السنة وغيرهم، فلا ميراث فيها ولا نسب ولا طلاق، والفراق فيها يحصل بانقضاء الأجل من غير طلاق، وبهذه الوتيرة أثبت القاضي يحيى بن أكثم كون المتعة بعد تحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم لها زنا.

وأما قوله تعالى: وَءاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ {25} [سورة النساء] فمعناه مهورهن أي مهور النساء في الزواج الشرعي الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: “لا نكاح إلا بولي”، فالأجور هنا هي المهور كما ذكر ذلك أهل التفسير.

وقال العلامة اللغوي ابن منظور في اللسان العرب ما نصه: “وأجر المرأة: مهرها” اهــ

فلا يجوز نكاح المتعة وهو أن يقول: زوَّجتك ابنتي يومًا أو شهرًا لما روى مسلم والبيهقي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لقي ابن عباس رضي الله عنهما وبلغه أنه يرخص في متعة النساء فقال له علي: “إنك رجل تائه” أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة وعن لحوم الحُمُر الأهلية”.

أيضًا لأنه عقد يجوز مطلقًا فلم يصح مؤقتًا كالبيع، ولأنه نكاح لا يتعلق به الطلاق والظهار والإرث وعدة الوفاة فكان باطلًا كسائر الأنكحة الباطلة.

قال القرطبي في تفسيره ما نصه: “قال ابن العربي: الذي أجمعت عليه الأمة تحريم نكاح المتعة” اهــ

وقال النسفي في تفسير قوله تعالى: إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ {6} فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ {7} [سورة المؤمنون] ما نصه: “فيه دليل تحريم المتعة” انتهى. وكذا ذكر الرازي في تفسيره.

قال النووي الشافعي في روضة الطالبين ما نصه: “النكاح المؤقت باطل سواء قيَّده بمدة مجهولة أو معلومة، وهو نكاح باطل” اهــ

وفي المدونة للإمام مالك أنه سئل: “أرأيت إن قال: أتزوجك شهرًا يبطل النكاح أم يجعل النكاح صحيحًا ويبطل الشرط؟ قال مالك: النكاح باطل يُفسخ، وهذه المتعة، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحريمها” اهــ

وقال السرخسي الحنفي في المبسوط ما نصه: “المتعة ان يقول الرجل لامرأته: أتمتع بك كذا من المدة بكذا من البدل، وهذا باطل عندنا” اهــ

وقال ابن قدامة الحنبلي في المغني ما نصه: “معنى نكاح المتعة أن يتزوج المرأة مدة مثل ان يقول: زوجتك ابنتي شهرًا أو سنة أو إلى انقضاء الموسم أو قدوم الحج وشبهه، سواء كانت المدة معلومة أو مجهولة، فهذا نكاح باطل نص عليه أحمد فقال: نكاح المتعة حرام” اهــ

فبعد هذه النقول من المذاهب الأربعة ونقل الإجماع على تحريم نكاح المتعة يتبين أن هذا النكاح باطل فاسد.

وأما ما يسميه البعض “زواج المتعة” فالجواب: أنه أخرج الإمام مسلم في كتابه الجامع الصحيح “صحيح مسلم” حديثًا صحيح الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “يا أيها الناس إني كنتُ قد أذنتُ لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شىء فليُخَلّ سبيلهن، ولا تأخذوا مما ءاتيتموهن شيئًا”، وكتاب صحيح مسلم مشهور بين العلماء وهو أصح الكتب المصنفة في الحديث النبوي بعد كتاب صحيح البخاري فهذان كتابان معتمدان عند المسلمين.

فإن ادعى البعض أنه حديث موضوع مختلق ومكذوب فليثبتوا ذلك عبر دراسة سند الحديث إن هم استطاعوا، أم أنه خفي عليهم أن في علم الحديث النبوي إسنادٌ من جرَّاء دراسته ينكشف الحديث المكذوب من غيره، فالإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء.

والدراسة هذه تؤخذ من كتب الجرح والتعديل التي تتكلم عن رجال السند في الحديث، وبمعرفة أحوال الرواة أي رواة الحديث يُعلم صحة الحديث أو عدم صحته، فهل بعد كل هذا يستطيع أحد أن يثبت لنا عن طريق دراسة السند وأحوال الرواة أن حديث تحريم المتعة مكذوب؟ من استطاع فليفعل ولن يستطيع.

أما دليل تحريم نكاح المتعة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ما رواه مسلم في صحيحه كما مر من حديث الربيع بن سَبرة الجهني أن أباه حدثه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “يا أيها الناس إني كنتُ قد أذنتُ لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شىء فليُخَلّ سبيلهن، ولا تأخذوا مما ءاتيتموهن شيئًا”.

وما رواه مسلم أيضًا في صحيحه من حديث عمرو الناقد وابن نمير قالا: حدثنا سفيان بن عيينه، عن الزهري، عن الربيع بن سبرة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة.

وعن الربيع بن سبرة عن أبيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى يوم الفتح عن متعة النساء.

قال ابن شهاب: أخبرني عروة بن الزبير أن عبد الله بن الزبير قام بمكة فقال: إن أناسًا أعمى الله قلوبَهم كما أعمى أبصارهم يُفتون بالمتعة يُعَرّضُ برجل فناداه فقال: إنك لَجِلْفٌ جافٍ فلَعمري لقد كانت المتعة تُفعل على عهد إمام المتقين يريد الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال له ابن الزبير: فجرب بنفسك فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك.

قال ابن شهاب: فأخبرني خالد بن المهاجر بن سيف الله أنه بينما هو جالس عند رجل جاءه رجل فاستفتاه في المتعة فأمره بها فقال له ابن أبي عَمرة الأنصاري: مهلًا، قال: ما هي؟ لقد فُعِلت في عهد إمام المتقين، فقال ابن أبي عمرة: إنها كانت رخصة في أول الإسلام لمن اضطُر إليها كالميتة والدم ولحم الخنزير ثم أحكم الله الدين ونهى عنها.

وروى البخاري ومسلم وابن ماجه وغيرهم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن لحوم الحُمُرِ الأهلية.

وروى مسلم أيضًا أن عمر بن عبد العزيز قال: حدثنا الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة وقال: “ألا إنها حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة ومن كان أعطى شيئًا فلا يأخُذْه”.

وروى ابن ماجه في سننه وغيرُه عن ابن عمر أنه قال: “لما ولي عمر بن الخطاب خطب الناس فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثًا ثم حرمها، والله لا أعلم أحدًا يتمتع وهو مُحصَنٌ إلا رجمته بالحجارة إلا أن يأتيني بأربعة يشهدون أن رسول الله أحلها بعد إذ حرمها”، فلا حجة بعد هذا لمن يقول إن أبا بكر وعمر هما حرما المتعة من تلقاء أنفسهما بل رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمها إلى يوم القيامة.

ومما يؤيد ما ذكرناه ما رواه البيهقي في السنن الكبرى عن الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه أنه قال عن نكاح المتعة: “ذلك الزنا”.

وأما كون نكاح المتعة قد أُحل فترة قبل فتح مكة فلأن النساء المؤمنات المسلمات كان عددهن قليلًا وكان الجندي المسلم إذا خرج للغزو مسافة بعيدة تشق عليه العزوبة لكن بعد فتح مكة وقد دخل الناس في دين الله أفواجًا فدخل كثير من نساء العرب في دين الله، ثم نزلت بعد ذلك أحكام الإرث والطلاق في القرءان الكريم فلم تدعو الحاجة للمتعة فلذا حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم المتعة إلى يوم القيامة.

وزيادة تفصيل ذلك أن متعة النساء اقتضت الحكمة إباحتها في زمن كان أصل إباحة متعة النساء للحرب والضرورة، فقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما يكونون في السفر في بعض أسفارهم للغزوات أي للجهاد في سبيل الله تطول عليهم العزوبة، فأحل الله لهم أن يستمتعوا من النساء تسهيلًا عليهم ورحمة بهم، ثم نزل الوحي السماوي بتحريمها ثم نزل الوحي بإباحتها وذلك في غزوة الفتح ثم نسخ الله تعالى هذا الحكم بعد ثلاثة أيام من دخولهم مكة إلى يوم القيامة فكان الوحي الذي حرمها عام الفتح هو ءاخر ما نزل في متعة النساء. ويدل عليه ما رواه مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حَرَّمَها: “إني كنت قد أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة”.

وكان من السبب المقتضي لإباحة المتعة قبل ذلك أن كان في النساء المسلمات قلة وإنما كثرت النساء المسلمات بعد فتح مكة وذلك لإن العرب دخلوا في دين الله بعد الفتح أفواجًا فعمَّ الإسلام جزيرة العرب فلم تكن بعد ذلك ضرورة تدعو إلى متعة النساء. فكان السبب الذي أبيح من أجله متعة النساء أمران: إحداهما المشقة التي كانوا يقاسونها في الحرب، وقلة النساء المسلمات، فلما زال السببان لم تقتض المصلحة إباحتها.

ثم إن هناك سببًا ءاخر وهو أن الميراث والعدة وأحكام الطلاق لم تكن ترتبت قبل ذلك فلما ترتبت هذه الأحكام بالوحي الذي نزلت به لم يبق داعٍ لضرورة إباحة المتعة.

ثم إن سيدنا علي رضي الله عنه ما عمل المتعة قط ولا مرة لا قبل زواجه بفاطمة رضي الله عنها ولا بعد زواجه بها إلى أن توفاه الله تعالى، وكذا الحسن والحسين وعلي زين العابدين رضي الله عنهم ولا يستطيع أحد أن يثبت ذلك على علي أو على أبنائه أنهم عملوا المتعة بعد أن حرمها الرسول صلى الله عليه وسلم، ومما يدل على ذلك اعتبار الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه المتعة هي الزنا بعينه كما قدمنا.

تنبيه: ثم إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليس هو من حرمها من قِبَلِ نفسه فلو كان هو فعل ذلك لكان قام عليه عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه الذي لا يخاف في الله لومة لائم لأن عليًّا لم يكن من الذين يتركون النطق بالحق خوفًا من الناس بل كان جريئًا لقول الحق، كان ردَّ عليه عليٌّ وغيره من الصحابة لكن بما أن عليًّا نفسه يعتقد أن المتعة حرام بعد تحريم الله تعالى ما أنكر على عمر، فعمر رضي الله عنه ما حرم المتعة من تلقاء نفسه إنما أشاع الحرمة التي حرمها رسول الله في حياته عام الفتح، أشاع هذا لأنه الخليفة فقد صادف أن بعض الناس ظلوا يفعلون المتعة في أيام عمر رضي الله عنه فأراد أن يُعلن هذا الأمر الذي خفي على بعض الناس الذين ما سمعوا أن المتعة حرمها الرسول صلى الله عليه وسلم بعدما أحلها.

وقد ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: “نعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن” معناه أنا أتمنى أن يكون أبو الحسن وهو علي حاضرًا عندي عند كل مسألة معضلة، فعمر كان يشتهي إذا وقع في الغلط أن ينبهه علي، فلو كان إظهار عمر لحرمة المتعة باطلًا فما الذي ألجم علي بن أبي طالب عن الكلام! وما كان علي زوَّج ابنته لرجل يخالف دين الله تعالى ويحرم ما أحل الله، سبحانك هذا بهتان عظيم.

تم الكتاب بحمد الله تعالى، وسبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.