الأحد ديسمبر 22, 2024

بيان أن موافقة العمل للشرع يكون بتعلم
علم الدين

درس ألقاه المحدث الشيخ عبد الله بن محمد العبدريّ رحمه الله تعالى فِي بيروت فِي العشر الأول من القرن الخامس عشر من الهجرة الموافق للثمانينات من القرن العشرين بالتأريخ الرومِيّ وهو فِي بيان أن موافقة العمل للشرع يكون بتعلم علم الدين وفِي الكلام على بعض تفاصيل الزكاة. قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم.

أمَّا بعدُ: فإن أحسنَ الحديث كتاب الله وأحسنَ الـهَدْيِ هَدْيُ محمد r قال الله تعالى: {قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [سورة ءال عمران: 31] علامة حب الله تعالى هو اتّباع الرسولِ r فمن أحبه اتبع شريعته اتبع حديثه الفعلِيَّ والقولِيَّ فما جاء عن رسول الله r يأتي به من غير تحريف ولا تبديل وما جاء عنه r من الأفعال التِي هِيَ بيان لشرعه r لَزِمَ اتباعُهُ فيها فمن ادعى محبته r وخالف ما جاء عنه من التعاليم فهو غير مقبول عند الله. روينا فِي الصحيح «صحيح البخارِيّ» أنه r قال: «صَلُّوا كما رأيتمونِي أُصَلِّي»([i]).اهـ. وهكذا يجب اتباعه r فِي أمر الزكاة فِي أمر الصيام فِي أمر الحج وغيرِ ذلك. فمن زعم أنه يفعل عبادة من العبادات وخالف رسولَ الله r أو تَرَكَ تعاليمه فكانت تلك العبادة على خلاف ما جاء عن رسول الله r فهو مردود لا يقبله الله ولا ينفعه ظَنُّهُ أنه عمل بالدين؛ لأن الدين ليس بأهواء الناس الدينُ هو ما شرعه الله على لسان نبيّه محمد r من وافق ذلك الشرعَ كان عمله مقبولًا زاكيًا عند الله ومن خالف رُدَّ عليه مهما طال تعبُهُ فليستِ العبرة بكثرة التعب والمشقة؛ بل العبرة بموافقة الرسول r فمَن عرف ما كان فِي شرع رسول الله r فعمِل على موافقة ذلك الشرع بغير تحريف ولا تبديل فله عند الله تعالى جزاءُ عمله فلا يغرنَّكم صورةُ الأعمال لا تغرنكم صورةُ الصلاة لا تغرنكم صورةُ الزكاة لا تغرنكم صورةُ الصيام لا تغرنكم صورة الحج ليس العبرةُ بصور الأعمال إنما العبرة بموافقة الأعمال شريعة الله فما أكثرَ الأعمالَ المردودةَ عند الله بعدم موافقة شريعة رسول الله r. هذا الحج كثير من الناس يحجُّون صورةً ولكن ليس لهم عند الله حج وذلك لعدم موافقتهم للحج الذي جاء به رسول الله r فهؤلاء مهما تحملوا من المشقات والأتعاب فِي حَجّهم ليس لهم عند الله تعالى حج، وتلك الصلاة كثيرٌ من الناس يصلّون يأتون بصورة الصلاة لكنها غيرُ صحيحة لعدم موافقتها ما جاء عن رسول الله r، كذلك الصيام يصومون وليس صيامهم عند الله تعالى صحيحًا فليس لهم بصيامهم أجر وكذلك الزكاةُ كثير من الناس يؤدون زكاة أموالهم صورة أي شكلًا وهِيَ فِي الحقيقة فاسدة غير مقبولة لمخالفة شرع رسول الله r، كثير من الناس يعطون بنية الزكاة من أموالهم للجمعيات من غير أن يوكّلوا أفراد هذه الجمعية بتوزيع هذا المال على مستحقِي الزكاة إنما يتركون هذا المال إليهم من غير أن يوكلوهم فِي صرفه لمن يستحق الزكاة فِي شرع الله ثم هذه الجمعيات تأخذ هذه الأموال فتتصرف فيها تصرفًا مخالفًا لشرع الله، كذلك كثير من الناس يدفعون بنية الزكاة قِسْطًا من أموالهم لبناء الجامع فهذا أيضًا غيرُ مقبول حتى إنّي سمعت أن رجلًا دفع من ماله قسطًا لنصرانيّ اسمه جورج أو أبو جورج قال أعطوه مِن الزكاة من زكاتِي، وأمثال هذا من الأعمال الضائعة التي ليس لها عند الله وزنٌ كثيرٌ، هِيَ عند الله غير مقبولة؛ بل عليهم فيها ذنبٌ، بدلَ أن يكسبوا الثواب يكسبون المعاصِي، وهكذا من صلى صلاة لم يوافق شرع رسول الله r فيها أو دفع من ماله بنية الزكاة على ما يخالف شرع رسول الله r فهو فاسد ليس له عند الله ثواب؛ بل لا تبرأُ ذمتُهُ؛ بل يؤاخذ يوم القيامة لإضاعة ذلك العمل لإضاعة ذلك المال حيث إنه وضع ذلك المال بنية الزكاة على خلاف ما شرع الله.

والدليل الذي يبيّن لكم أن الزكاة التي تُعطى إلى الجمعيات من غير توكيل لأصحاب الجمعيات لتوزيع هذا المال على مَن يستحق الزكاة إنما يدفعون إليهم وهم يوهمونهم أنها مساعدة فيتصرف أصحاب الجمعيات على حسب أهوائهم على حسب إرادتهم، الدليلُ على عدم صحة ذلك وأن الزكاة لا يجوز دفعها لكل عمل خيرِيّ كما يظن كثير من الناس أن رسول الله r جاءه رجلان جَلْدان، أي: قويان فِي أجسامهما يطلبان منه الزكاة فَصَوَّبَ فيهما النظرَ صَعَّدَ، أيْ: نظر وتأمل فِي أجسامهما لم ير بهما شيئًا من ءاثار الضعف فِي صحتهما ثم قال لهما: «إنه لا حق فيها»، أي: فِي الزكاة «لغني ولا لِقَوِيّ مكتسب»([ii]).اهـ. قال لهما حتَّى يُبَيِّن لهما الحكمَ الشرعيَّ «إنه لا حق فيها»، أي: فِي الزكاة «لغنيّ»، أي: لمن يملك ما يكفيه بحسب حاجاته الأصلية «ولا لقويّ مكتسب»، أي: لمن يستطيع أن يعمل عملًا يكفيه بعد أن أعلمهما الحكم الشرعي وَكَلَ سرائرَهما إلى الله تعالى لكنه خوفَّهما حتى لا يأخُذَا من مال الزكاة التي يعطيهما رسول الله r إن لم يكونا بالصفة التي يُسْتَحَقُ بها الزكاة كأنّه قال لهما إنَّ الزكاة لا حقَّ فيها لمن كان غنيًّا، أيْ: من كان عنده مال يكفيه من الـمِلك ولا لمن كان قويًّا على الكسب والعمل الذي يكفيه، أي: وواجدًا له فإذا كنتما كذلك فإنكما تأخذان هذا المال الذي أعطيكما حرامًا وإن لم تكونا من أهل هذه، أيْ: صفة الغِنَى، أي: الكفاية من المال أو الحصولِ على عمل يكفيكما فإنكما تأخذانِها بحقّ، هو نصحهما، بحسب الظاهر ما رأى فيهما علة لكن بما أنهما تعرَّضَا فطلبا قال فِي نفسه لعلهما صادقان فأعطاهما. هذا الحديث صحيح الإسناد رواه أبو داود والبيهقيُّ([iii]) وغيرهما خلقٌ كثير من أهل الحديث فلو كانتِ الزكاة يجوز دفعها لبناء المساجد التي يشترك فيها الغنيُّ والفقير للصلاة فيها، أي: لكل عمل خيريّ يشترك فيه الغنيُّ والفقيرُ لم يقل رسول الله r: «إنه لا حق فيها لغنيّ ولا لقويّ مكتسب»([iv]).اهـ. بل كان أعطاهما من غير أن يقول لهما هذا القولَ، فقد تبيَّن أن الزكاة لا يجوز دفعُها لكل مشروع خيريّ وإنما تُدفع للثمانية الذين ذكرهم الله فِي القرءان، ذكر الله تعالى فِي سورة التوبة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ} [سورة التوبة: 60] فِي سبيل الله هذه الكلمةُ كثير من الناس زاغوا عن فهمها ففهموها على غير وجهها، الله تعالى ذكر الفقراء والمساكين والعاملين على الزكاة، أيِ: الذين يبعثهم الإمام أو الخليفة أو سلطان المسلمين لِيَجْبُوا الزكوات من أهل الأموال حتى توزَّع على المستحقين فإنَّ هؤلاء الموظفين فِي الزكاة أيضًا لهم حقٌّ فِي الزكاة مقابل تعبهم؛ لأنهم يدورون على أصحاب الأموال ويجمعونها ثم يأتون بها إلى بيت المال ثم يوزعها وكيلُ بيت المال الذي عيَّنه الخليفة أو السلطان على حسب شريعة الله، وذكر الله تعالى أن الصدقات، أي: الزكوات للمؤلفة قلوبهم، أيِ: الكفار الذي أسلموا وفي نياتهم ضعف ما تآلفوا مع المسلمين يحتاجون إلى أن يتألَّفوا حتى تزول عنهم الوحشة، كذلك الرقاب، الرقاب اليوم كالمعدومين وهم العبيد المملوكون الذين يُشارِطهم أسيادهم على أنهم إذا دفعوا مالًا يكونون أحرارًا هؤلاء أيضًا صِنْفٌ جعل الله لهم حقًّا فِي مال الزكاة، اليوم هؤلاء كالمعدومين لأن الاسترقاق الشرعيَّ ألغته أوروبة. أوروبة ألغت الاسترقاقَ الشرعيَّ الذي كان فِي زمانِ إبراهيم u وما بعده وأوحَى الله تعالى إلى أنبيائه بصحته. والغارمون كذلك الذين ركبتهم الديون الذين عليهم ديون وليس عندهم ما يوفّون به هذه الديون. كذلك ذكر ابن السبيل، من هو ابن السبيل، المسافر الذي ليس معه ما يوصله إلى مقصده يُعْطى ما يوصله إلى مقصده. ذكر قبل ابن السبيل فِي سبيل الله هنا مزلةُ أقدام كثيرٍ من الناس هنا حرفوا شريعة الله لما سمعوا كلمةً فِي سبيل الله ظنوا أن معناها كلُّ عمل خيرِيّ لذا أدخلوا بناء الجوامع وأدخلوا بناء المدارس وأدخلوا الجمعيات وأدخلوا المستشفيات وأدخلوا غير ذلك من كل عمل هو فيه خيرٌ نفعٌ للناس كلُّ ذلك أدخلوه تحت قول الله تعالى {وَفِي سَبِيل اللهِ} ولم يَدْرُوا أن الذي أُنزل عليه القرءان وهو أعلم الناس بمعاني القرءان وهو رسول الله r بيّن أنه ليس المراد فِي ذلك كلَّ مشروع خيريّ، بيَّن أن بناء المساجد لا يدخل ونحوُ ذلك من الأعمال الخيرية لا تدخل، بيّن بحديثه هذا وبحديث ءاخر صحيح أيضًا، هؤلاء قلةُ معرفتهم بعلم الحديث يورّطوهم بالانفراد عن شريعة الله، يوجد رجل ألَّف رسالة فِي الزكاة يفتِي فيها هنا فِي لبنان يفتِي فيها بأنه يجوز دفع الزكاة لبناء الجوامع ويقول عندِي، أيْ: يجوز عندِي وهو لا يحفظ حديثًا واحدًا بإسناده، الذين يقولون عندِي هم الذين حفظوا عشرات الألوف من الأحاديث النبوية مع أسانيدها مع معرفة أحوال رواتها مع الاطلاع على ما قاله الأئمة المجتهدون قبله مع الإحاطة بذلك مع القريحة الوَقَّادة التي تتوقد ذكاء كهؤلاء المشاهير الأئمةِ الأربعة وغيرِهم أولئك يصح لهم أن يقولوا ليس هذا الذِي لا يحفظ حديثًا واحدًا بإسناده يقول عندي. ثم إن الحكم بالزكاة أنه لازم وفرض ظاهرٌ حكمُهُ بين المسلمين أنه فرضٌ مِن فرائض الدين فمن أنكر فرضيَّة الزكاة فقد كفر كالذي ينكر فرضية الصلوات الخمس والذي ينكر فرضية صيام رمضان والذي ينكر الحج وجوبَ الحج على المستطيع والذي ينكر وجوب الجهاد على المستطيع وغير ذلك من أمور الدين الظاهرة التي يعرفها العالم والجاهل من أنكر شيئًا من ذلك كفر كذلك الذي ينكر حرمة شرب الخمر فهو كافر كذلك الذي ينكر حرمة الزنا فهو كافر أما الذي لا ينكر حكم الشرع لا ينكر أن الصلوات الخمس فرض لكنه تكاسل ولا يؤديها والذي يبخل عن أن يدفع ماله زكاة مع الإيمان بأن الزكاة فرض فِي زمن الرسول r وفيما بعد زمن الرسول فهذا ليس بكافر إنما هو عاصٍ، هؤلاء لو كانوا يفهمون الدين كانوا عرفوا أن الذي يؤمن ولا يعتبرها فرضًا كالذي يشرب الخمرة ويحرمها لا يقول عنها ليست حرامًا إنما هِيَ مكروهة؛ بل يحرمها لكنه يشربها فإنه خيرٌ مِنَ الذي لا يشربها وهو لا يحرمها، هذا الذي لا يشربها ولكن لا يحرمها كفر كذَّب شريعة الله كذَّب دين الله وفي شبه هذه المسألة قال بعض الذين كانوا مُبْتَلَيْنَ بالخمر شعرًا:

سأشربها وأزعمها حرامًا

 

 

وأرجو عفو ربي ذي امتنان

   

ثم قال عن ذاك الذِي لا يحرمها:

ويشربها ويزعمها حلالًا

 

 

وتلك على الشقيّ خطيئتان

   

يقول ذلك ارتكب جريمتين أما أنا ارتكبت جريمة واحدة يقول أنا أُحرمها وأَشربُها جريمتِي واحدة أما ذلك يشربها ولا يحرمها فالجريمة جريمتان. الذي يشرب ويحرمها، أي: يعتقد أنها حرام أقل شرًّا من الذي لا يحرمها ولا يشربها.

وكذلك الذي يبخل بدفع الزكاة من ماله وهو يؤمن بأن الزكاة فرضٌ حقٌّ من حقوق الله فِي أموال المسلمين أقلُّ شرًّا من الذي يدفعها ولا يعتبرها فرضًا، فهذه المسألة شبيهةُ مسألةِ مانع الزكاة الذي يمنع دفعها بخلًا بالمال لا إنكارًا لفرضيتها.

تلخص أنَّ من أنكر أمرًا من الحكم الشرعيّ ظاهرًا بين المسلمين أنه يكفر كالذي ينكر فرضية الصلوات الخمس أو فرضية الزكاة أو فرضية صيام رمضان أو ينكر حرمة شرب الخمر وما أشبه ذلك من كلِّ أمرٍ ظاهرٍ حكمُهُ فِي شرع الله أنه فرض أو حرام فمن خالف ذلك فهو كافر مرتد وأما من ارتكب هذه المحرماتِ الظاهرةَ ويعتقد تحريمها فإنما هو مسلم عاصٍ، الذي يترك فرضًا من هذه الفرائض الظاهرة كالصلوات الخمس والزكاة وصيام رمضان مع العلم والإيمان والتصديق بفرضيتها فهو مسلم عاصٍ لا يقال كافر، ولا مشرك إنما المشرك هو الذي يعبد غير الله كالذي يعبد الوثن على اختلاف أنواعه أو يعبد الشمس أو القمر يعترف لفظًا بوجود الله تعالى ويعبد غير الله كهؤلاء النصارى، يقولون لفظًا الله موجود لكنهم أشركوا بالله بعبادتهم للمسيح عيسى وكان فِي اليهود أيضًا أناس يعترفون بوجود الله لكنهم يعبدون عُزَيْرًا كانوا يقولون عنه ابن الله مثلما قالت النصارى فِي المسيح، وكذلك الذين عبدوا الحاكم بأمر الله هؤلاء أيضًا يعترفون لفظًا بوجود الله يقولون الله موجود لكنه حَلَّ فِي الحاكم بأمر الله يقولون دخل فِي الحاكم بأمر الله فصار هو الحاكمَ بأمر الله هذا هو الإشراك ليس الإشراك التَّمَنُّعَ من أداء فرض من الفرائض هذا ليس إشراكًا فمن سماه إشراكًا فهو جاهل باللغة جاهل بالفقه الإسلامي لا يقال أشرك إلا لمن عبد غير الله، هذا الذي يؤمن بالله ورسوله ويؤمن بأن الزكاة فرض كيف يسمَّى مشركًا، من سمَّاه مشركًا خالف اللغة وخالف الشريعة ولو سمعه أبو جهل لضحك منه؛ لأن أبا جهل خبير بأساليب اللغة فصيحٌ من الفصحاء يعرف معانِيَ المفردات ويعرف معانِيَ التراكيب.

المسلم الذي يؤمن بالله ورسوله يؤمن بالله وحده ويصدق الرسول r فِي جميع ما جاء به لكن نفسه تبخل بدفع الزكاة وإخراجها من ماله يبخل بخلًا فقط هذا لا يسمَّى مشركًا لا من جهة اللغة ولا من جهة الشرع.

فالذِي يسعى لأخذ الزكوات من أجل الجمعيات على غير وجه شرعيّ ومن غير أن يكون بنية توزيع هذا المال على المستحقين بل بنية خدمة مركز الجمعية وتهيئة الأدوات ونحو ذلك فإنه عصى الله تعالى وأضاع زكوات الناس فعليه أن يُبَرِّئَ نفسه، يرجع على أصحاب الأموال الذين أخذ منهم وهم نيتهم أن يخرجوا ذلك زكاةً فيتخارج معهم قبل الآخرة قبل يوم القيامة يتخارج معهم يرد عليهم تلك الأموال التي أضاعها عليهم أو يُعْلِمُهم، يقول لهم: أنا أفسدتُ عليكم زكاتكم صرفتُها فِي غير مصرفها فسامحوني. لقد ضلَّ سَعْيُ هذه الجمعيات التي لا تتعلم الفقه ثم تسعَى باسم أن تخدم المسلمين سعيًا فاسدًا مخالفًا لشرع الله فلتنظر ولتحاسب نفسها قبل الآخرة قبل القبر قبل أن يصيروا من أهل البرزخ فإنهم استحقوا الويل؛ لأنهم تصرفوا فِي زكوات الناس فِي غير مصارفها فالذي يأخذ مال الزكاة وهو ليس أهلًا لها لنفسه أو يأخذها ويصرفها فِي غير مصارفها كل أولئك يستحقون الويل فِي الآخرة والسبب فِي ذلك جهلهم بحقيقة الحكم الشرعي، لو كانوا يعلمون حقيقة الحكم الشرعي ما تورطوا، هم يَحْسَبُونَ أنهم يُحْسِنونَ صُنْعًا هم يظنون أنهم خدموا الإسلام وأنهم أنقذوا الناس يظنون أنقذوا كثيرًا من الضرورات وما أحسنوا العمل، هؤلاء يُشبهون فِي عملهم الذي عملوه الذين قال الله فيهم: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [سورة الكهف: 103، 104] أشبهوا أولئك وإن كان أولئك كافرين خارجين عن الإسلام لكن هؤلاء أشبهوا أولئك؛ لأنّهم عملوا عملًا يظنون أنهم صاروا به مصلحين من أهل الخيرات وهم إنما جمعوا معاصِيَ وأوزارًا. انتهَىَ.

وسبحان الله والحمد لله ربّ العالمين.

والله تعالى أعلم.

[i])) رواه ابن حبّان فِي صحيحه، ذكر البيان بأن قوله r: «فأذنا وأقيما» أراد به أحدهما.

[ii])) رواهُ أبو داود فِي سننه، بابُ: مَن يعطَى من الصَّدقة وحد الغنى.

[iii])) رواه البيهقيّ فِي سننه الكبرى، كتابُ قسم الصدقات، باب: الفقير أو المسكين له كسب أو حرفة تغنيه وعياله.

[iv])) رواهُ أبو داودَ فِي سننه، بابُ: مَنْ يعطَى من الصَّدقة وحد الغنى.