درس ألقاه المحدث الفقيه اللغوي الشيخ عبد الله بن محمد العبدريّ رحمه الله تعالى فِي الثاني من رجب سنة سبع وأربعمائة وألف من الهجرة الشريفة الموافق للثالث من شهر ءاذار سنة سبع وثمانين وتسعمائة وألف رومية فِي بيته فِي بيروت وهو فِي بيان أن الكفر هو أشد الذنوب مع كلام على حرمة عقوق الوالدين وحرمة الطاعة فِي المعصية. قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:
الحمد لله ربّ العالمين وصلاة الله البَرّ الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمد أشرف المرسلين وعلى ءاله وسائر الأنبياء والمرسلين وسلام الله عليهم أجمعين.
أمَّا بعدُ: فقد قال الله تبارك وتعالى: {وَالفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [سورة البقرة: 191] معناه: الشرك أشدُّ من القتل، الذي يكفر بالله، يعبُد غيرَ الله، هذا أشدُّ من مجرد القتل عُدوانًا، المسلم إذا قتلَ واحدًا اثنين ثلاثة وأربعةً عدوانًا ظلمًا هذا أخَفُّ من الشرك بالله، الشركُ بالله أشدّ، ليس معنى: {والفِتْنَةُ} الفتنةَ بين الناس للنميمة، لغةُ العرب واسعة كلمة واحدة تأتي لنحو عَشر معان ولأكثرَ من ذلك، هذه كلمة الفتنة تأتي لِعدّة معان، لأكثرَ من عشر معان من جملتها الشّرك، فِي القرءان وردَت بمعنى: الشّرك فِي هذه الآية والآية التي تشْبِهُها {والفْتِنَةُ أَكْبَرُ مِنَ القَتْلِ} [سورة البقرة: 217] فِي موضعٍ اللهُ تعالى قال: {أَكْبَرُ} وفِي موضعٍ قال: {أَشَدُّ} الفتنة بالموضعين بمعنى: الشرك، لا تَعْنِي هنا فِي هاتين الآيتين {والفِتْنَةُ أَكْبَرُ منَ القَتْلِ} و{والفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} النميمة، ما أراد بذلك النميمةَ بين اثنين لا، أينَ عظمُ الشّرك من عظم النّميمة بين الناس.
من عظم ذنب الكفر بسائر أنواعه إنْ بالإشراك وإن كان بتكذيب الرسول r أو الطعن فيه أو فِي شريعته أو بنبيّ من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أنه بأيّ شكلٍ كان أعظمُ من قتل ألف نَفْسٍ ظلمًا وأكَلَ أموال الناس على أحوالٍ شتّى هذا أخفّ من ذنبِ الذي كَفَرَ كفريّة واحدة، لأنّ الكفر هو رأسُ الذّنب الله تعالى قال: {والْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 254].
معنى الآية: أنّ الكُفرَ هو أشَدُّ الظلم، ليس أشد الظلم أكل أموال النّاس أو قتل الناس ظلمًا عُدوانًا والتّعدّي على الناس وهَتْكَ أعراض الناس، لا ليس هذا الظلم الأكبر؛ بل الظلمُ الأكبر هو الكفر إن كان بعبادة غير الله أو كان بسبّ الرسول r أو بسبّ الله أو بسبّ الملائكة أو بسبّ الأنبياء ولو نبيًّا واحدًا أو إنكار ما أثبت القرءان مع العلم أو إثبات ما نفَى القرءان أو العكس كلّ هذا كفر، إذا كان يعلم الشخص أن الله فِي القرءان أثبت شيئًا فنفاه كفر، هذا كُفرٌ خروج من الإسلام كذلك العكس، فالكفر بجميع أنواعه هو رأس الظلم ليس كما يظنّ بعضُ الناس، بعض الناس يقولون الكافر الإنسان الذي هو غيرُ مسلم ولا يؤذي أحدًا لا بالنظر ولا باليد ولا بالتّعدّي على أموال النّاس أمرُه أهوَن أخفُّ من المسلم الفَتّاك المتعدّي على الناس فِي أموالهم وأبدانهم، من جهلهم يظنون أن هذا المسلم أشَدُّ إثمًا عند الله، أشدُّ ظُلمًا، هذا جهل، هذا جهلٌ، رأسُ الظلم هو الكفر، الله تعالى قال: {والْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [سورة البقرة: 254] معناه: هم أشدُّ الخَلْق ظُلمًا الكفار هم أشدّ الخَلْق ظلمًا، ظلمهم أكبَرُ مِن ظلم غيرِهم، هذا المعنى يعني الكفر ظلمٌ أعظمُ من كل ظلم. ثم الكافر يكون عذابهُ فِي الآخرة على حسب معاصيه يكون عذابه فِي الآخرة على حسب ما عندَه من المعاصِي غير الكفر، إذا كان مجتهدًا فِي الكفر يكون عذابُه أعظم وإذا كان مع اجتهاده فِي الكفر يضرب الناس ويأكل أموالهم ويعتدِي على المسلمين يكون عذابُه أعظم، العذابُ مراتب، عذاب الكفّار مراتب، ليس كلُّ الكفار على حدّ سواء فِي جهنّم لذلك الله تبارك وتعالى: {أَدْخِلُوا ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابَ} [سورة غافر: 46]؛ لأن ءال فرعون كفروا عبدوا فرعون صدقوه فِي قوله أنا ربكم الأعلى ثم ظلموا بَنِي إسرائيل الذين كانوا مسلمين قومَ يوسف، أبناء إخوة يوسف لما جاءوا إلى مصر سكنوا هناك لأن يوسف صار هو حاكم البلاد، سكنوا هناك توالدوا كثُرَ عدَدُهم حتى جاء زمان فرعون، هذا فرعون استذلَّهم وصل إلى أنّه إن ولدتِ المرأةُ ذكرًا يقتله وإن ولدت أنثَى يقول: اتركوها للخدمة، هؤلاء ءال فرعون الله تعالى قال عنهم: { أَدْخِلُوا ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابَ} يأمُرُ الملائكة ملائكةَ العذاب بأن يُدخِلوا ءال فرعون، أي: أتباعَهُ الذين كانوا على هذا الفساد مَعهُ أشَدَّ العذاب.
ثمّ من الظّلم عقوقُ الوالِدين، بعضُ الناس من أجل خاطر الأمّ يَعُقُونَ ءَاباءَهُم ويؤذُونَهم ويحرقُونَ قَلبَهم، هذا من أكبر الذنوب عند الله، وأنا يكون أمرُهُم العكسَ مِن ذلك يعُقونَ الأمَّ من أجل خَاطِر الأب. الواجبُ على الإنسان أن لا يطيعَ أحدًا فِي معصية الله إن الأمُّ أرادت أن تَظلِمَ الأب فالولد الذكر أو الولد الأنثى لا يجوز لهما أن يُطيعا الأمَّ وكذلك العكسُ لا يجوز، ما الأمُّ وما الأبُ بالنسبة إلى عِظَم حَقّ الرُّبُوبِيَّة، الأمّ والأب مخلوقان من مخلوقات الله، لا يضرّان بذواتهما ولا ينفعان بذواتهما، الضارُّ على الحقيقة الله والنافع على الحقيقة اللهُ، لماذا يقعان فِي معصية الخالق الذِي خلقهما وخلق سائر العالم أهل الجنّة والنار، كيف يُطَاعَان، هذا يجب الحذَرُ منه، هذه خَصلة كثيرة. انتَهَى.
وسبحانَ الله والحمدُ لله ربّ العالمين.
والله تعالى أعلم.