بسم الله الرحمن الرحيم
درسٌ ألقاهُ المحدث الشيخ عبد الله بن محمّد الهرري الحبشي رحمه الله تعالى وهو في بيان أن القرءان هو المهيمن على باقي الكتب المنزلة وبيان حال المسلم عند الموت وبعده. قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:
الحمدُ لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمّد وعلى ءاله الطيبين الطاهرين.
أما بعد فقد قال الله تبارك وتعالى في سورة البقرة ﴿بَلَى مَنْ أسلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾([i]) (1) ورُوّينا بالإسنادِ الصحيح المتصل في مسند الإمام أحمد ابن حنبل رحمه الله تعالى من حديث عَمْرِو بنِ عَبَسَة رضي الله عنه وهو من السابقين إلى الإسلام كان أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم من أصحابِهِ عشرةٌ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المسلمُ مَنْ أسلَمَ قلبه لله وسَلِمَ المسلمونَ من لسانِهِ ويده([ii]) اهـ.
القرءان هو كتاب الله المنزل على سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلم وهو مُهَيمنٌ على ما قبله من الكتب السماوية أي أنه لا ناسخ له أما هو ينسخ الشرائع التي أنزلها الله على أنبيائه. كلُّ الشرائع التي أنزلها الله على أنبيائه كانت كل شريعة منها في الوقت الذي أُنزِلَت فيه واجبًا العمل بها فشريعةُ ءادَمَ التي هي إسلامية كان العمل بها واجبًا في زمن ءادم لا يجوز العمل بخلافها ثم لمّا أنزلت بعده شريعةٌ على من جاء بعده من الأنبياء كان العمل واجبًا بالشريعة
الجديدة ثم بعد ذلك لما أنزل الله تعالى شريعة أخرى فيها ما يخالف ما قبلها كان العمل بها واجبًا ثم أنزل الله تبارك وتعالى ءاخرَ الشرائع كُلّها شريعةَ محمّد فجعلها ناسخة للشرائع التي قبله.
وهذه الشرائعُ كلها تابعة للإسلام الذي هو دين جميع الأنبياء ودين الملائكة وهو لا يدخله نسخ. الإسلامُ دين الله الذي أنزله لملائكته وأنبيائه جميعًا لذلك ليس دينٌ عند الله تعالى مقبولاً إلا الإسلام. الإسلام هو دين الله وما سوى الإسلام لا يسمّى دينَ الله، الإسلام هو دين الله الذي لا يقبل دينًا سواه، والأنبياء كلهم دينهم الإسلام وهو لا يدخله نسخٌ لأنَّ الإسلام هو عقيدةٌ.
الإسلامُ هو عبادةُ الله وحده وأن لا يُشركَ به شيءٌ والإيمانُ بالقدرِ أي أنَّ كل شيء لا يوجد إلا بإيجادِ الله وأنه لا خالق إلا الله وأنَّ بعد هذه الحياة حياةً ثانية تسمى الآخرة وأنَّ في تلك الدار دارَين إحداهما الجنة دار النعيم الـمُقيم والأخرَى جهنم دار العذاب المقيم والتصديقُ بأن الله تعالى أرسل من عباده من الناس رُسُلاً صادقين لا يَكذبون على الله بل كلُّ ما يُبَلِّغُونَهُ عن الله حقٌّ وأنهُ تعالى أنزل كتبًا على مَن شاء من أنبيائهِ كلُّها منزل من الله تعالى. هذا معنى الإسلام فهذا لا يدخله نسخ هذا لم ينتسخ إنما النسخ في الشرائع فالشرائع التي كانت قبل شريعة محمّد نُسِخَتْ بشريعة محمّد لأن شريعةَ محمّد فيها أحكامٌ تُخالف شرائعَ الأنبياء قبلَهُ، الأنبياء قبل محمّد ما كان لهم أن يتيمموا إذا فقدوا الماء كان الوضوء مشروعًا لهم لكنهم إذا لم يجدوا الماء فليس عندهم بديل عن الماء بل يتركون الصلاة حتى يحصلوا على الماء أما شريعة محمّد صلى الله عليه وسلم فقد أنزل الله تعالى فيها التيمم وكان نزول التيمم بعد أن مضى أكثر من ثلاثة عشر عامًا من بداية مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي شريعةِ محمّد أيضًا حُكْمٌ لم يكن في شرائع الأنبياء السابقين وهو أكلُ الغنيمةِ والغنيمةُ هيَ المالُ المأذخوذ من الكفار قهرًا وغلبة لم يكن أيام الأنبياء الذي مَضَوا قبل سيدنا محمّد رخصة في أكل الغنائم أي الأموال المأخوذة من الكفار قهرًا وغلبة كانوا يجمعونها أي أموالَ الكفار التي استولوا عليها كانوا يجمعونها فيرسل الله نارًا تأكل هذه الأموال فكان في شرائع أولئكَ مَنْ أكلَ من أموالِ الغنيمةِ أي من أموال الكفار بعد أن يُكسَروا شيئًا استحق عذاب الله أما في شريعة محمّد فإن الله تعالى أحلَّها لهم فضَّلَهم على مَن قبلهم من أمم الأنبياء بإباحة الغنيمة لهم وأنزل الله تبارك وتعالى الرخصة في ذلك أي في أكل الغنيمة في القرءان قوله تعالى: ﴿فكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُم حلالاً طيِّبًا﴾([iii]) فهذا أي أكل الغنائم لم يكن حلالاً في شريعة من الشرائع إلا في شريعة محمّد، وهناك أمور أخرى أيضًا في شريعة محمّد نسخ الله بها شرائع الأنبياء الذين قبله فلهذا المعنى كان القرءان هو الحاكمَ على كل الكتب المنزلة القرءان يحكم الكتب المنزلة، فما أحل في القرءان فهو حلالٌ وما حرم في القرءان فهو حرام لو كان الشيء حلالًا في بعض الكتب المنزلة قبل القرءان ثم حرم في القرءان فلا يجوز أن يقول قائل عن ذلك الشيء إنه حلال اعتمادًا على أنه كان حلالًا في الكتب التي أُنزِلت قبل القرءان لأن الله تعالى نسخ ذلك.
الله تعالى يأمر بشيءٍ ثم ينهَى عنه هذا ليسَ نقصًا على الله وينهى عن شيء ثم يرفع الحظر عنه أي يبيحه وهذا أيضًا لا نقص فيه ولا يكون كذبًا يكون في القول بذلك نسبةُ الكذب إلى الله لأن الكذب يحصل في الإخبار الكذب يكون في الإخبار لا في الأمر والنهي الله تعالى نهَى مَن قبلنا من الأمم أن يأكلوا من الغنائم وأباح لأمة محمّد أن يأكلوها هذا ليس معناه أنّ الله تعالى انتقض كلامه، لا، الله تعالى لا يدخل كلامه الكذبُ كلامه صدقٌ وقوله حقٌّ والله تعالى كان عالمًا في الأزل قبل أن يخلق الخلق أنه يبيح لأمةِ كذا الشيءَ أن يفعلوه ثم يُحرِّمُهُ على مَن بعدهم كان عالمًا بذلك ليس جديدًا على الله تعالى، كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقبل القبلة أي الكعبة في صلاته والمؤمنون أتباعه كانوا يستقبلون الكعبة في صلواتهم إلى أن هاجر الرسول إلى المدينة فأمره الله تعالى باستقبال بيت المقدس في الصلاة ثم استمر يستقبل بيت المقدس سبعة عشر شهرًا ثم أنزل الله تعالى عليه الوحيَ بأن يستقبل الكعبة وهذا أيضًا أي أمرُ اللهِ تعالى لسيدنا محمّد باستقبال بيت المقدس في الصلاةِ تلكَ المدة التي هيَ سبعة عشر شهرًا كان العمل بذلك واجبًا فرضًا وكان لا يجوز في تلك الأيام أن يستقبل أحد في صلاته الكعبة إلا بيت المقدس ثم لما رفع الله تعالى الحكم وأعاد الأمر إلى ما كان عليه من استقبال الكعبة كان فرضًا على المسلمين أن يستقبلوا الكعبة ولا يجوز لأحد بعد ذلك أن يستقبل في صلاته بيت المقدس ثم استمر هذا الحكم لم ينسخه الله تعالى بل ثبت الأمر على ذلك ولا ينسخ إلى يوم القيامة.
هو النسخ لا يكون إلا بالوَحْيِ والوحيُ قد انقطع بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم انقطعَ الوحيُ فلا يُنسَخُ شيءٌ من شرعِ الله. لا يأتي بعد ذلك ناسخ.
فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الذي رواه عمرو بن عبسة أن تسلم قلبك لله معناه أن تعبد الله تعالى وحده ولا تشركَ به شيئًا وتقصد بعبادتك التقرب إلى الله، ثم قال وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك اهـ هذا ذَكَرَهُ لبيان الكمال، كمالُ الإسلام لا يكون إلا بذلك فالمسلم الكامل هو الذي كفَّ يده ولسانه كفَّ يده عن أن يضرب بها مسلمًا وكفَّ لسانه عن أن يُؤذي به مسلمًا فمن ءامنَ بالله ورسوله وأخلص لله تعالى في عبادته أي لم يبتغِ إلا وجه الله وكفّ يده ولسانه أي كفّ ظلمه وأذاه عن المسلمين فلم يظلم أحدًا منهم بيدٍ ولا بلسانٍ أي وأدَّى جميع الفرائض واجتنب جميع المحرمات كان مسلمًا كاملاً. والمسلم الكامل له مزية ليست لغيره في الدنيا والآخرة، مزية المسلم الذي أدى الفرائض واجتنب المحرمات واستقام بطاعة الله تعالى مزيته على غيره من المسلمين هيَ أنه عند خروجه من الدنيا ينزل عليه ملائكة من ملائكة الرحمة يتفاوت عددهم بالنسبة للمؤمنين الكاملين فمنهم من ينزل عليه خمسمائة ومنهم من ينزل عليه أكثر من ذلك ومنهم من ينزل عليه أقل من ذلك فيبشره هؤلاء بأنه مِن أحباب الله وأن ملك الموت المسمّى عزرائيل يبشره كذلك برحمة الله ورضوانه فيحب الموت عندئذ أي تذهب عنه كراهية الموت والخوف من القبر لأن كلام الملائكة ملائكة الرحمة له تأثير في نفس هذا المؤمن فينقلب من كراهية الموت والخوف من القبر إلى ضد ذلك فلا يخاف الموت ولا يخاف من القبر لأنه عَلِمَ أنه ليس عليه عذاب ولا نَكَدٌ وأن الله تعالى راضٍ عنه. ثم إنه يُصْعَدُ بروحه بعد أن يفارق الجسد إلى السموات السبع فيلقَى تبشيرًا وتعظيمًا وإجلالاً من ملائكة السماء السابعة كل الملائكة المقربين من ملائكة السموات السبع يبشرونه يرى منهم ابتهاجًا به وإقبالاً عليه وسرورًا بقدومه فيزداد هذا الروح سرورًا وفرحًا ثم يؤمر الملائكة الذين صعدوا به إلى السماء السابعة أن يردوه إلى الأرض فيردونه إلى الأرض في لحظة قصيرة لأنَّ هذا يتم قبل أن يُحمَلَ الجسدُ إلى القبر، هذا العروج بهذا الروح إلى السماء السابعة والعود به إلى الأرض يتم ذلك في هذه المدة القصيرة أي قبل أن يُجَهَّزَ جسدُهُ إلى القبر. ثم يُعادُ الروح إلى الجسد في القبر بعد أن يُدفنَ الجسد فيعود إليه الإحساس فيعود إليه عقله كما كان ثم لا يزال بعد ذلك براحة تامة لا يحس بألم ولا وحشة ولا فزع ولا يتسلط عليه شيء من هوام الأرض من نمل فما فوق ثم تظل في قبره الروح مع الجسد إلى أن يبلى الجسد ثم يُصعد بالروح بعد بِلَى الجسد إلى الجنة فيأكل من ثمار الجنة يكون طيرًا يأكل من ثمار أشجار الجنة إلى أن تقوم الساعة ثم يوم تقوم الساعة يعاد الجسد كما كان ويعود الروح إلى جسده ثم يخرج من قبره مسرورًا غير خائف ولا محزون ثم بعد ذلك يَلقَى الكرامة من الله حتى يتبوأ منزله في الجنة مكرمًا.
وأما المسلم الذي لم يصل إلى حد الكمال بأن كان لا يؤدّي الفرائض أو يؤدّي نصفًا ويهمل نصفًا أو يرتكب الكبائر هذا إن مات وهو في هذه الحال لا يكون حاله كحال المؤمن الكامل بل يصيبه نكدٌ في قبره مدةً ثم ينقطع عنه ويُؤخَّرُ له باقي عذابه إلى الآخرة ثم بعد أن يستوفي بقية عذابه في الآخرة يخرجه الله تعالى من العذاب فيدخله الجنة، هذا لمن لم يغفر الله له وأما من غفر الله له فإنه لا يُعَذَّبُ في قبره ولا في ءاخِرتِهِ.
ثم هؤلاء الذين يحفظهم الله تعالى من عذاب الآخرة مع كونهم غير كاملين في الإسلام هم أصنافٌ صنفٌ منهم رُزَقُوا الشهادة إما بالقتل في سبيل الله وإما بغير ذلك فالذي يذهب إلى سلطان جائر ويكلمه بحق فيأمره بما فرض الله وينهاه عمّا حرم الله لوجه الله ثم يقتله هذا السلطان الجائر هذا لم يُقتَل في المعركة لكنه عند الله تعالى من أفضل الشهداء لأنه خاطر بنفسه لوجه الله تعالى، ومنهم من يُرزَقُ غير ذلك من أنواع الشهادات كالذي يقتل ظلمًا من أجل ماله أو من أجل جاهه أو غير ذلك. كانت في الصحابيات أي النساء اللاتي ءامنَّ برسول الله واجتمَعْنَ به امرأة من الأنصار تسمى أم ورقة كانت من أهل المدينة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها مع بعض الصحابة يقول لهم قوموا بنا نزور الشهيدة ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عاشت هذه المرأة إلى أيام خلافة عمر بن الخطاب رضيَ الله عنه فقام عبدٌ وأمةٌ مملوكان لها وقتلاها ثم أُخبِرَ عمر بن الخطاب بحادثة قتلها فأمر بالتفتيش عنهما أي عن العبد والأمة اللذين قتلا أم ورقة ظلمًا ثم هربا. كانت هيَ مالكةً لهما بحقّ لأن الاسترقاق بالطريقة الشرعية حلال لا ينكره من هو مسلمٌ له إلمام بعلوم شريعة الله إلا الملحدُ، قتلاها ظلمًا لم تُسِئ إليهما في المعاملة ما جوّعتهما ما عذبتهما بالجوع أو بغير ذلك إنما هما بغيَا عليها واعتديا فخنقاها غمّاها بخرقة حتى ماتت ثم أُدركا فقُتلا قتلهما عمر بن الخطاب لأنهما اشتركا في قتل نفس مسلمة ظلمًا وعدوانًا، ولو اشتركت ألف نفس بقتل مسلم لكان القصاص على الجميع مثلاً لو أمسكتْ ألف نفس حبلاً ثم ركّبتهُ في عنق رجل مسلم فجروهُ إلى البحر كان هذا القتل مشتركًا فيه بين الألف نفس وهؤلاء الألفُ يستحقون القتلَ لذلك قتلَ العبدَ والأمةَ عمرُ بن الخطاب رضيَ الله عنه.
ثم إن من أعظم الفرائض معرفةَ العلم الذي لا يُستغنَى عنه من علم الشريعةِ من علم الدين. علم الدين قسمان قسم فرض على كل مسلم ومسلمة وقسم على بعض المسلمين أن يتعلموه ليس على الجميع ومن لم يتعلم هذا القسم الذي هو فرض على كل مسلم فإنه من الفاسقين لو كان يصلي الفرائض ويتهجد بالليل والناس نيام أو كان يحج عشرات المرات ويتصدق كل يوم صدقاتٍ كثيرةً ويدفع الزكاة المفروضة أو كان يذهب إلى القتال إلى الجهاد فإن هذا فاسق لأن من لم يتعلم العلم الذي فرضه الله فإنه عبدٌ فاسقٌ عبدٌ عاصٍ عبدٌ مذنبٌ. تجدونَ كثيرًا من الناس لا يتعلمون علم الدين الضروري إنما يكتفون بأنهم يترددون إلى المساجد ويحجون ويصومون ويتصدقون ويزكون أما العلم الشرعيّ فقد نبذوه وراء ظهورهم هؤلاء لا يكونون مفلحين هيهات هيهات. لا يكونون مفلحين مهما ذكروا الله بألسنتهم لو كان الواحد منهم يذكر كل يوم عشرة ءالاف أو كان أحدهم يهلل كل يوم عشرة ءالاف تهليلةٍ أي لا إله إلا الله أو سبعين ألف مرة يقول الله الله الله باللفظ الصحيح فإن هذا لا يكون قريبًا من الله بل هو بعيد من الله والشيخ الذي ينتسب إليه الذي يُعطي الطريقة للناس لا ينجيه من سخط الله. هيهات هيهات مَن هذا حاله أن يكون من المقبولين الـمَرْضِيِّينَ عند الله لأنه أكثر واشتغل بالطريقة هيهات هيهات. أحدهم قال لي أنا صارتْ لي مصيبةٌ تحطمتْ سيارتي وأصِبْتُ في جسمي فمكثتُ سنةً وزيادةً في بيتي لزمت البيت سنةً وزيادةً وأظن أن ذلك جاءني لأني تركت الختمةَ النقشبندية قلت لهُ ما أضعت صلواتٍ من الصلوات الخمس في هذه المدة قال بلى قلت ليس من الختم أنت تستحق هذه المصيبة بتركك الصلوات الخمس. انظروا من شدة جهلهم قال هذه المصيبة استحققتها لأني تركتُ الختم لعنة الله على الجهل يُحَسّنُ الباطل للإنسان ويقبح الحق للإنسان. الختم ليسَ فرضًا. الله لم يفرض الانتساب لطريقة من الطرق لا الطريقة القادرية ولا الطريقة النقشبندية ولا الطريقة الرفاعية. لا يُسأل العبد يوم القيامة هل أخذتَ الطريقة القادرية هل أخذت الطريقة النقشبندية هل أخذتَ الطريقة الرفاعية لِمَ لَمْ تأخذ لا يُسأل. إنما يُسأل عما افترضَ الله على عباده يُسأل إن أضاع الصلوات الخمس أو واحدة منها يُسأل عن منع الزكاة يسأل عن تعلم علم الدين. الإنسانُ المسلم الفائز الناجي في الآخرة هو المسلم الذي ءامنَ بالله ورسوله وعرف الله تعالى كما يليق بالله من غير أن يشبهه بشيءٍ من غير أن يعتقد بأن الله تعالى كالإنسان له أجزاء ورأس وصدر ووجه كمعتقد اليهود. اليهود اعتقدت أن الله له رأسٌ وله وجهٌ وقَفًا أما المسلمُ فلا يعتقدُ ذلك، الشخصُ لا يكون مسلمًا حتى ينزّه الله تعالى عن شَبَهِ المخلوقات. الذي يعتقد في الله أن له رأسًا لا يكونُ مسلمًا ولو حجّ وصلى وصام وأخذ الطريقة والتزمَ الأورادَ فإنه لا يكون مسلمًا عند الله، كذلك الذي يعتقدُ أن الله جسمٌ نورانيٌّ كالشمس والقمر لا يكون مسلمًا، وكذلك الذي يعتقد أن الله جالسٌ على العرش فهذا ليسَ مسلمًا ليس مؤمنًا ليس عارفًا بالله لأنَ الليل والبياض والسواد والشُّقرة والزرقة وغيرَ ذلك من صفات المخلوقين وربنا تبارك وتعالى مُنزَّهٌ عن ذلك لأنه تبارك وتعالى لو كان يشبه الشمس ما استطاع أن يخلق الشمس ولو كان يشبه النور ما استطاع أن يخلق النور. النورُ وقتًا يكون في هذه الأرض ثم ينطوي عن هذه الأرض إلى ما بعدها ومن الجهة الأخرى تكون الظلمة وبعد ذلك تذهب ويأتي النور هذا يرحل من هنا فيأتي الآخر ثم هذا يرحل من هنا فيأتي فيعقبه النور. هذان مخلوقان. الله تعالى لو كان نورًا لم يستطع أن يخلق هذا النور ولا الشمس والقمر ولا نور النهار ما كان يستطيع أن يخلقها لكنه هو خالقُ كل شيء خالقُ النور فليسَ نورًا خالقُ الظلمة فليس ظلمة خالقُ الهواء فليس هواءً وخالقُ الريح فلا يكون ريحًا وخالقُ الروح فليس هو روحًا. النصارى يعتقدون أن الله روحٌ ومَن يعتقد أن الله روحٌ وهو يدَّعي الإسلام ويصلي ويصوم فهذا عند الله كافرٌ لأنه ما عرف الله. الله تعالى خالق النور هو الذي يُنير السموات والأرض هو خلق النور لم يكن في الأزل هذا الضوء ولا الظلمات لم يكن في الأزل إلا اللهُ لم يكن في الأزل عرش ولا سموات ولا أرض ولا زمان ولا مكان ولم يكن في الأزل شيءٌ إلا الله ثم خلق المخلوقات خلق الماء والعرش ثم خلق السموات بعد أن خلق اللهُ تعالى الماءَ والعرشَ والقلم الأعلى واللوحَ المحفوظَ خلق الله تعالى سائرَ خلقه فهو تبارك وتعالى لا يشبه شيئًا من هذه المخلوقات التي رأيناها والتي لم نرها فمن اعتقد في الله تعالى أن كشيءٍ من هذه الأشياء النورِ والظلماتِ أو الريح أو الروح أو أنه ذو لونِ بياضٍ أو سوادٍ أو شقرةٍ أو حمرة فإنه لم يعرف الله ولا يكونُ مؤمنًا بالله حتى يُغيّرَ هذا الاعتقاد، بعد أن يغير هذا الاعتقاد إلى الاعتقاد الصحيح بأنَّ الله تعالى لا يشبه شيئًا من الأشياء عندئذ يكون عرف الله ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهدُ أن محمدًا رسول الله فإذا قالها مع معرفته بمعنى أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمدًا رسول الله دخل الإسلام صار مسلمًا.
انتهى والله تعالى أعلم.
[i])) سورة البقرة/ الآية 112.
[ii])) رواه أحمد في مسنده باب عمرو بن عبسة.
[iii])) سورة الأنفال/الآية 96.