الخميس نوفمبر 21, 2024

بيان أن الغلو فِي الدين مهلكٌ

درس ألقاه المحدث الشيخ عبد الله بن محمد الهررِيّ رحمه الله تعالى فِي بيان أن الغلوّ فِي الدين مَنهِيٌّ عنه وأنه مُهلك. قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:

الحمد لله ربّ العالمين صلاة الله البَرّ الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمد أشرف المرسلين وسلم وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين.

أمَّا بعدُ: فإن الله تبارك وتعالى قال: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ} [سورة النساء: 171]. الغُلُوُّ: هو مجاوزة الحد الذي أمر الله به عباده. أهلُ الكتاب كانوا غَلَوْا، أي: تجاوزوا الحد الذي أُمِروا به أُمروا أن لا يعبدوا إلا الله ويؤمنوا بالأنبياء الذين بُعثوا إليهم فهم تجاوزوا الحد الذي أُمروا به فأما اليهود فإنهم غَلَوْا فِي محبة عُزَيْرٍ فعبدوه وقالوا: عزيرٌ ابنُ الله، عزيرٌ هذا رجل من أولياء الله الصالحين جاء بعد موسى u فعلَّمَهُ الله التوراة فحفظها عن ظهر قلب، هنا دخلهم الغلو قالوا: عزير هذا ما كان ليحفظ التوراة فِي هذا الوقت القصير إلا لأنه له خصوصية ليست لغيره فقالوا عنه ابنُ الله؛ لأنّه حفظ التوراة فِي وقت قصير فِي وقت لم تجز العادة أن تُحفظ فيه التوراة. ثم هؤلاء الذين يقولون عن عزير ابن الله كانوا فِي زمن الرسول r وقبل الرسول r كانوا لكنهم فِيما بعد ذلك انقرضوا ولم يبقَ منهم أحد. هذا عزير مهما رَأَوْا له من العجائب والكرامات ليس لهم أن يقولوا عنه ابنُ الله فذلك غُلُوٌّ منهم، أيْ: تجاوُزٌ للحدّ الذي أمرهم الله به. وأما أنه نبيٌّ ومنهم من يقول عنه وليٌّ فقط؛ لأنه لم يَرِدْ ذِكْرُهُ فِي القرءان بوصف النبوة كما وصف خمسة وعشرين من أنبياء الله، لم يصف عزيرًا بوصف النبوة لذلك اختلفوا فِي أمره منهم من قال: إنه نبيٌّ ومنهم من قال: إنه رجل صالح ولم يأت عن سيدنا محمد r وصفُهُ بالنبوة إنما ورد هناك حديثٌ ضعيف الإسناد أنه عليه الصلاة والسلام قال: «لا أدرِي عزيرٌ نبيٌّ أم لا»([i]).اهـ. هذا الحديث ضعيف لم يثبت ولو ثبت ليس فيه إثبات النبوة له ولا نفِيٌ صريح للنبوة عنه فلذلك نحن نقول يجوز أن يكون نبيًّا ويجوز أن يكون عبدًا صالحًا وليًّا من أولياء الله.

وأما غُلوّ النصارى فهو أشدُّ حيث إنهم كُلَّهم عبدوا المسيح واتخذوه إلهًا فهم متفقون فِي ذلك ليس بين فِرَقِ النصارى اختلاف إنما طائفة من النصارى تسمّى الأرمنسوية تقول نحن نقول عن عيسى ابن الله لا بمعنى أنه ابنه؛ بل بمعنى: أنه تولاه بالعناية هؤلاء يسمون الأرمنسوية، هم النصارى افترقوا إلى اثنتين وسبعين فرقة، هذه الأرمنسوية طائفة من النصارى تقول إن المسيح ابن الله لكن يقولون نحن لا نعنِي أن المسيح ابن الله حقيقة، أي: أنه وَلَدَهُ إنما نعنِي بقولنا إن المسيح ابن الله أنه تولاه الله بالعناية، أي: خصه بمزايا لم يعطها غيره، بهذا المعنى نقول نحن المسيح ابن الله. وهذا التأويل لا ينفعهم فهم كافرون الإنسان بمجرد أن يقول عن أيّ خلقٍ من خلق الله ابنُ الله فهو قد كَفَرَ بمجرد إطلاق هذا اللفظ كفر ولا يوجد فِي الإنجيل الأصليّ وصفٌ للمسيح بأنه ابن الله ولا يوجد فِي الإنجيل وصف الله تعالى وتسميته بالأبوة فِي هذه الأناجيل المحرفة الموجودة بأيدِي النصارى فِي بعض المواضع مذكور أن المسيح قال عن الله أبِي وفِي بعض المواضع فِي هذه الأناجيل المحرفة أبي وأبيكم وكلا الأمرين مكذوب على الإنجيل الذي أنزله الله تعالى على المسيح إنما هذه الأشياء بعد أن تركوا الإسلامَ الذِي جاء به المسيح وحرفوا الإنجيل الذي أنزله الله عليه كتبوا من عند أنفسهم هذه الأشياء، هذا كله بعدما غَيَّروا دين المسيح، تركوا الإسلام الذي هو عبادة الله وحده، تركوا هذا الإسلام الذي أمرهم المسيح به فعبدوا المسيح، بعد ذلك كتبوا فِي هذه الأناجيل كلمة أبي عند الله تعالى أما فِي الإنجيل الذي أنزله الله فلا يوجد ذلك، فالنصارى كلهم بعد أن تركوا دين المسيح الذي هو الإسلام عبادة الله وحده أن لا يُشْرَكَ به شَيْءٌ كلهم عبدوا المسيح وإن اختلفوا فِي بعض المسائل.

الله I نهانا عما نَهَى عنه أهلَ الكتاب مِن الغلو كلُّ ما يذكره عن الأمم الماضية من مساوئهم وكفرياتهم فهو لتحذيرنا عن أن نشابههم، الله تعالى لهذه الحكمة وغيرِها ذكر عن اليهود ماذا فعلوا من الكفريات والضلالات وعن النصارى ماذا حصل منهم من الكفر والضلال وعن غيرهم من الأمم كقوم هود الذين يسمون عادًا وقوم صالح الذين يسمون ثمودًا حتى نتعظ مما وقعوا فيه من الكفر والضلال، الله تعالى يذكر فِي القرءان فِي مواضع كثيرة ذكر ما حصل من اليهود من الانحراف والضلال وكذلك فِي مواضع كثيرة ذكر لنا عن النصارى أنهم ضَلُّوا وانحرفوا وفي طَيِّ ذلك تحذيرٌ لأمة محمد عن أن يقعوا فِي مثل ما وقع به أولئك. أما هذه الأمة فالرسول r أخبر أنه لا بد أن تكون أمته على الإسلام ومع ذلك أخبر بأن بعضًا من أمته يكفرون يعودون مشركين وسَمَّى قبيلة من قبائل العرب تسمّى دَوْسًا ذكر أنه لا تقوم الساعة حتى تعبد نساء الدوس([ii]) الوثن وقال فِي هذا الموضوع: «لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين»([iii]).اهـ. لكننا بما أننا نحن ءَاخِرُ الأمم، نبيّنا ءَاخِرُ الأنبياء وأمته ءَاخِرُ الأمم المسِيءُ منهم الذي انحرف وضَلَّ والتحق بالمشركين فكفر بالله ورسوله فضيحتُهُ تكون يوم القيامة لأنه ليس بعد هذه الأمةِ أمةٌ أخرى يُبعث إليها نبيٌّ وينزل الوَحْيُ عليه ويُذْكَرُ له مساوئُ هذه الأمة. قال رسول الله r: «نحن الآخِرون السابقون»([iv]).اهـ. ومعناه: نحن الآخِرون، أي: فِي الوجود الظاهرِ فِي الدنيا والسابقون، أي: بدخول الجنة. نبيّنا محمد r هو أول من يُفتح له باب الجنة، ويدخل الجنة قبل أيِّ نبيٍّ من أنبياء الله هو يدخل قبل أيِّ أحد من الأنبياء ثم يدخل الأنبياء ثم بعد ذلك أمتُهُ يدخلون الجنة قبل غيرهم من الأمم هذا معنى قوله r: «نحن الآخِرون السابقون».اهـ. وقال عليه الصلاة والسلام: «أنا حَظُّكُمْ مِنَ الأنبياء وأنتم حَظّي مِن الأمم»([v]).اهـ. r وشرَّف وكرَّم.

وجاء فِي الأحاديث الصحيحة فِي التحذير مِن الغُلُوّ قولُه r لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما غَدَاةَ مزدلفة: «الْقُطْ لِي حصًى» قال عبد الله بن عباس فلقطتُ له مثل حصى الخَذْفِ فقال رسول الله r: «أَلَا بمثل هذا فارموا ألَا بمثل هذا فارموا ألَا بمثل هذا فارموا وإياكم والغُلُوَّ فإنَّ الغلوَّ أهلك مَن كان قبلكم»([vi]).اهـ. غداة مزدلفة لقط عبد الله بن عباس الحصى التِي يُرمى بها الجمرات وذلك أفضل ما يكون وإن كانت عادة الناس جرت فِي هذه العصور بأن يلقطوا الحصى ليلًا فإنَّ الأفضل تأخيره إلى الفجر اتباعًا لرسول الله r ثم الأفضل اتباعُهُ r فِي أن يكون مقدار الحصى الذِي يُرمى به قدرَ حصى الخَذْفِ، والخذفُ هو وضع الحصاة على الإبهام ثم رميُها بالمسبّحة

، هذا الحصى يكون بقدر حبة الفول، فالأفضل أن يكون رَمْيُ الجمار بمقدار حَصَى الخذف لا أكبرَ ولا أصغرَ، إن كان أكبرَ صحَّ وإن كان أصغرَ صحَّ لكنه إذا كان بقدر حَصَى الخذف يكون أفضلَ اتباعًا له r. الشاهدُ فِي هذا الحديث أنه عليه الصلاة والسلام نَهَى عن الغلوّ وبيَّن لنا أنَّ الغلوَّ هو الذِي أهلك مَن كان قبلنا من الأمم هو الذِي أهلك اليهود وهو الذِي أهلك النصارى وأهلك كثيرًا من غيرهم من غير اليهود والنصارى فالغلوُّ لا خير فيه.

ثم الغلوّ أنواع وأقسام؛ منه: الغلوّ الذِي يفعله بعضٌ وهو أنهم لـمَّا يكونون صائمين يصومون عن الكلام بالمرة عن كلام الخير وعن كلام الشر هذا غلوٌّ، الله تعالى لا يحب ذلك، الصائم إذا صام عن كلام الشر فذلك خير، أما أن يصوم عن كلام الخير وعن كلام الشر ولا يكلم إنسانًا فذلك غلوٌّ ممقوت لا يحبه الله تعالى، يوجد فِي بعض البلاد إلى عصرنا هذا أناسٌ لـمّا يكونون صائمين يصومون عن الكلام بالمرة من الفجر إلى غروب الشمس لا يتكلمون مع الناس لا بخير ولا بشرّ هذا من الغلوّ الذِي نَهَى عنه رسول الله r؛ لأن المحافظة على الصيام الذي فيه زيادة الأجر والثواب يكون بترك عملِ الزُّور، أي: العملِ الذي حرمه الله تعالى والقولِ الذِي حرمه الله تعالى هذا يكون محافظة على الصيام حتى يكون الأجر كاملًا، أيْ: بعد المحافظة على تجنب المفطّرات مِن كل ما يدخل إلى الجوف من طعام أو شراب فإذا حَفِظَ جوارحه حَفِظَ نظرَهُ عن النظر المحرّم ويده عن تناول شيء حَرَّمَهُ الله وسَمْعَهُ عن استماع المحرّم ورجْلَهُ عن الذهاب إلى ما فيه معصيةٌ لله تعالى وغير ذلك مما حرَّم الله تعالى فإذا تجنب الصائم كلَّ ما حرمه الله تعالى وتجنب مع ذلك القولَ، أي: اللفظَ الذِي لا خير فيه فذلك مما يزكو به عملُهُ، أيْ: صيامه أما الإمساك عن كلامِ الخير، فإن ذلك غلوٌّ لا يحبه الله تعالى.

ومن الغلو ما يفعله بعض المداحين والمنشدين من إجهاد النفس برفع الصوت، المدَّاحُ والمنشدُ إذا أجهد نفسه برفع صوته حتى تنتفخ عنقه فهذا لا يحبه الله تعالى أما إذا رفع صوته بمدح الرسول r مع الإخلاص لله تعالى بلا إجهاد النفس مِن غير أن يجهد نفسه كان ذلك حسنًا؛ لأن رفع الصوت بالأذان مطلوب.

ومن الغلوِّ الشديد ما يقوله كثير من التجانية من أن صيغة صلاة الفاتح وهِيَ صيغة صلاة على النبيّ تعدِل ستة ءالاف ختمة من القرءان إلى غير ذلك من الأكاذيب التي افتروها على الرسول وعلى شيخهم هذا، شيخهم لا تصح عنه هذه الخرافات إنما هم بعدما مات شيخُهم افترَوْا عليه ثم طبعوا هذه الكتب المحرفة طبعوها ونشروها بين الناس قبل خمسة وعشرين سنة بناحية من الحبشة وجدتُ أناسًا مِن أتباع هذه الطريقة التجانية وجدت بعضَهم يقول لا يكون حركة ولا سكون إلا بتصرف الشيخ كان لهم شيخٌ يعطيهم الطريقة مِن فُلَانَة من بلاد فُلَانَة من أفريقية نعوذ بالله العظيم هذا الغلوّ يجرف الإنسان حتى يوقعه فِي مَهواة الضلال فيهلكه هذا نَزَّلَ شيخهم منزلة الله، أنا كنتُ أعرف شيخهم الذِي هم غَلَوْا فِي محبته نزَّلهُ بعض مريديه منزلة الله فقال لا يكون حركة ولا سكون إلا بتصرف الشيخ، والعياذ بالله تعالى من الغلو.

الله تبارك وتعالى جعل لعباده مراتب، أفضل خلق الله الأنبياءُ، الأنبياءُ أفضلُ خلقِ الله فينبغي تعظيمهم أكثرَ من غيرهم لكنه لا يجوز تعظيم نبيّ من أنبياء الله إلى حدّ أن يُشَبَّه بالله تعالى كما جعلت النصارى المسيح ابن مريم إلهًا وكما جعلت لعلمائهم لرهبانهم أهليةَ مغفرة الذنوبِ جعلوا لهم أنهم يستطيعون أن يغفروا ذنوب المذنبين بعد الاعتراف أمامهم هذا غلوٌّ، هؤلاء النصارى غَلَوْا فِي المسيح وغَلَوْا فِي رهبانهم فلا يجوز الغلوّ فِي تعظيم الأنبياء إلى وصفهم بوصف الربوبية، مغفرة الذنوب خاصةٌ بالله تعالى، اللهُ تعالى هو الذِي يغفر الذنوب ولم يدَّعِ أحدٌ من أنبياء الله أنه يغفر ذنوب الناس، سيدنا محمد r كان يأتيه الواحد من أصحابه فيطلب منه الاستغفار فيقول: يا رسول الله استغفر لِي، فيقول الرسول r: اللَّهُمَّ اغفر لعبدك فلان أما أن يقول غفرتُ لك ذَنْبَكَ فلا يجوز على نبيّ من أنبياء الله. هكذا كان أنبياءُ الله ما كانوا يُنزلون أنفسهم منزلة الله ما قال أحد منهم تعالَوا اعترفوا بذنوبكم عندنا نغفر لكم، لم يدّع ذلك أحدٌ منهم. ثم بعد الأنبياءِ والملائكة فأولياء البشر يستحقون التعظيمَ، التعظيمَ الذي ليس فيه غلوٌّ، أما التعظيم الذي فِي غُلُوٌّ فلا يجوز. لو كان يجوز الغلوّ لجاز فِي حق الأنبياء لكنه لا يجوز، الله تعالى نَهَى عن الغلو فِي القرءان الكريم، ونَهَى رسولُه r بهذا الحديث عن الغلوّ قال: «فإياكم والغلوَّ فإن الغلو أهلك مَن كان قبلكم»([vii]).اهـ.

ثم هؤلاء التيجانيون وصفوا الرسول r بما هو كفر صريح وضلال. عندهم صيغة يَدَّعُونَ أن هذه علمها الرسولُ r لشيخهم أبي العباس التيجانِيّ يقولون الرسول r علمها لأبِي العباس التيجانيّ، ما هِيَ هذه الصيغة؟ هذه الصيغة الكفرية اللَّهُمَّ صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد عَيْنِ ذاتك الغَيْبِيَّةِ، منذ عشرين سنة تقريبًا كان هنا فِي بيروت رجل من التيجانيين صادفتُه بجامع من الجوامع قال الرسول عَيْنُ ذات الله، هؤلاء موجودون هنا فِي بيروت موجودون قال سَمْعَ أُذُنِي الرسولُ عين ذات الله، من أين أخذ هذا من هذه الكلمة التي هم يقرأونها ويَعُدُّونَها مِن أحسن الصيغ فِي الصلاة على النبيّ اللَّهُمَّ صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد عين ذاتك الغيبية.

ومن الغلو أن يوصف العملُ الذي هو من النوافل لا يتجاوزُ حدَّ النفل أن يُجعل بدرجة الفرائض، جَعْلُ النفل بدرجة الفرائض منَ الغُلُوِّ، وكذلك جَعْلُ العملِ المكروهِ تنزيهًا الذِي ليس فيه معصيةٌ حرامًا فبعض الناس يقولون عن الكلام فِي حال الوضوء يقولون عنه حرامٌ، هذا كذب وافتراءٌ، الكلام الذي فيه حسنة التكلم به فِي حال الوضوء ليس فيه كراهةٌ ولا معصيةٌ، أما الكلام الذي لا خير فيه لكنه ليس من قبيل الكلام الـمُحَرَّم يكون فِي حال الوضوء مكروهًا تنزيهًا لا يكون حرامًا لا يكون معصيةٌ إنما يكون مكروهًا تنزيهًا، تركه فيه ثواب، من ترك الكراهة كان فِي ذلك ثواب ومَن ارتكبه فليس عليه معصية، فالكلام فِي حال الوضوء ليس من الحرام، لا يجوز أن يقال عنه إنه حرام كما يقول بعضُ الجاهلين وذلك من الغلو الذي نهانا الله عنه، مَن جعلَ المكروهَ حرامًا فقد غلا. كذلك مَن يُحَرّم مَدَّ الرجلين إلى القبلة مَن يُحرّمُ ذلك فقد غلا وذلك معصية كبيرةٌ، الذِي يُحَرّم هذا مَدَّ الرجلين على القبلة وقع فِي معصية كبيرة، رسول الله r ما حرَّمه والقرءان ما حرمه والفقهاء أئمة الاجتهاد ما حرموه بطريق الاستنباط فمن أين يكون تحريم هذا؟ هذا إذا لم يكن فِي جهة القبلة مصاحف أو كتب علم شرعي بمسافة قريبة أما إذا كانت مصاحفُ وكتب علم شرعِيٍّ بمسافة قريبة فِي جهة القبلة فمدَّ إنسانٌ رجلَهُ إلى هذه المصاحفِ ولم تكن المصاحف موضوعةً على مكانٍ مرتفع كظهر خزانة كان ذلك حرامًا إلَّا إذا كانت المصاحفُ مرفوعةً ومدَّ رجله إلى أسفل ما مدَّ رِجلَه بإزاء المصاحف حتى تكون رجلُهُ مُسامِتَةً للمصاحف لا بل المصاحف بمكان مرتفعٍ ورجله مدَّها إلى أسفل هذا ليس حرامًا. هذا أيْ تحريمُ مدّ الرجلِ إلى القبلة الذي يقع مع بعض الناس هذا غُلُوٌّ ليس من تعظيم القبلة التي جعل الله تبارك وتعالى قِبلةً للصلاة، والدليل على ذلك أن الذي يعجِز عن القيام إلى الصلاة بالقيام والجلوس، الذي يعجز عن الصلاة قائمًا وجالِسًا يمدُّ رجليه إلى القبلة ويرفعُ رأسه بشيءٍ حتى يكون استقبل القبلة، وهذا المدُّ مَدُّ الرجلين فِي الصلاة لهذا الرجُل الذي لا يستطيع أن يصلِّيَ قائمًا ولا قاعدًا إلا وهو مستلق على قفاه فهذا مأمورٌ به شرعًا فلو كان فِي ذلك كراهةٌ لم يأمر الله تبارك وتعالى عبادَهُ أن يفعلوا ذلك.

ومن الغلو العجيب الذِي هو من الكفر الصريح ما حصل فِي بعض بلاد الحبشة أن رجلًا كان متفانيًا فِي حب سيدنا عبد القادر الجيلاني t فسوَّلَت له نفسه أن يقدم عملًا يَحْتَرِمُ به سيدنا عبد القادر بعمل لم يَسبق له مثيل فقال لَأُقَرّبَنَّ نفسِي له فذبح نفسه على زعمه يُعظّمُ الجيلانيَّ تعظيمًا ما سبقَ له نظيرٌ قتلَ نفسهُ.

كذلك حصل فِي الحبشة أنه كان هناك وليٌّ مِن أولياء الله حصلت له كراماتٌ عجيبَة حتى إنه أحيا ميتًا وأظهر أعمالًا عجيبةً غيرَ ذلك فَفُتِنَ به كثيرٌ من الجهال فعملوا له قصيدة بلغتهم بلغة الحبشة يصفونه بها بهذه القصيدة أنه مِثْلُ الله، هذه القصيدة هم يردّدونها شِعْرًا بلغتهم عَمِلُوها شِعْرًا بلغتهم يقولون إنه مِثلُ الله؛ لأنّه أحيا ميتًا وأظهر أعمالًا عجيبة وهو من أولياء الله الكاملين وهو ليس معهم فِي هذا الذنب ليس على عِلم منه عملوا هذه القصيدة؛ بل بعدما مات  هذا الشيخ عملوا له هذه القصيدة. كانت قصة إحياء الميت لهذا الوليّ أنه كان له مريد متفانٍ فِي محبته وخدمته فتوفاه الله تعالى والشيخ كان غائبًا إلى ناحيةٍ ثم جهزوه للدفن ثم جاء الشيخ فقيل له تُوُفِّيَ فلان وها هو ذا جهزناه للدفن، فجاء الشيخ فتضرع إلى الله فأحياه الله تعالى. هذا سببُ موته أن بعض الكفار عِمِلُوا غارةً على أهل هذه البلدة التي فيها هذا المريدُ فقتلوا أشخاصًا ومِن جملة مَن قتلوهم هذا خادم الشيخ ذبحوه ذبحًا فأحياه الله لما توجه الشيخ إلى الله تعالى استجاب الله تعالى دعوته فأحياه الله تعالى فهؤلاء رَأَوْا هذه العجيبةَ الكبيرةَ وغيرَها مِن العجائب من هذا الشيخ فَغَلَوْا فِي محبته، وهؤلاء لا عذر لهم عند الله، العبدُ عبدٌ مهما ظهرت منه كرامات وعجائب لا يجوز أن يوصف بصفة الربوبية لا يجوز أن يقال عنه إنه مثل الله لكن المشايخ أهل الله الكاملين ما عليهم مِن ذنبِ هؤلاء شيء؛ لأنّهم ما رضُوا ولا أمروهم إنما الذنب على هؤلاء الذين يَغْلُونَ فِي محبتهم فيخرجون من شريعة الله، الذنبُ عليهم ليس على أولئك المشايخ أما الشيخ الذِي يشير للناس أن يطيعوه طاعةً عمياء فِي ما أحلَّ اللهُ وفِي ما حرَّم الله وفي كل شَيْءٍ فهذا يحمِل وِزره وأوزارَهم لأنه تسبَّب فيها أما مَن لم يتسبب لغيره فِي العمل بمعصية أو كفرية فهذا لا يَحْمِلُ ذنوبَ الذين عصَوُا الله تعالى، قال الله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [سورة الأنعام: 164]. انتَهَى.

[i])) رواه أبو داود فِي سننه، بَابٌ فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

[ii])) روى البخاريّ فِي صحيحه، باب: تغيير الزمان حتى تُعبد الأوثان عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: «لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة».

[iii])) رواه الترمذيّ فِي سننه، بَابُ: مَا جاءَ لَا تَقومُ السَّاعةُ حَتَّى يَخرُجَ كَذَّابُونَ.

[iv])) رواهُ البخاريُّ فِي صحيحِه، بَابُ: فرض الجُمعةِ ورواهُ مسلمٌ أيضًا فِي صَحيحِهِ، بابُ: هِدَايَةِ هَذِهِ الأمَّةِ لِيَومِ الْـجُمَعَة.

[v])) رواهُ ابنُ حِبَّان فِي صَحيحِهِ، بابُ: فَضْلِ الأُمَّةِ.

[vi])) رواهُ ابنُ حِبَّان فِي صَحيحهِ، بابُ: ذِكْرِ وَصْفِ الحَصَى التي تُرْمَى بها الجِمَار.

[vii])) رواه ابن حبَّان فِي صحيحه، باب: ذكر وصف الحصى التي ترَمى بها الجِمار.