الأحد ديسمبر 22, 2024

بيان أن العمل المقبول ما كان خالصًا لله
وموافقًا لما جاء به رسول الله

درس ألقاه المحدث الشيخ عبد الله بن محمد العبدريّ رحمه الله تعالى فِي الرابع من شعبان سنة اثنتين وأربعمائة وألف من الهجرة الشريفة الموافق للثامن والعشرين من شهر أيار لسنة اثنتين وثمانين وتسعمائة وألف رومية وهو فِي بيان أن العمل المقبول ما كان خالصًا لله وموافقًا لما جاء به رسول الله r. قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين خاتم النبيين قائد الغر المحجّلين وعلى ءاله الميامين.

أمَّا بعدُ: فقد روينا بالإسناد المتصل إلى الإمام ابن حبّان من حديث زياد بن ميناء عن أبي سعيد بن أبي فَضالة وكان من أصحاب الرسول r قال: قال رسول الله r: «إذا كان يومُ القيامة نادَى منادٍ مَن كان أشرك فِي عمله لله أحدًا فليطلبْ ثوابه من عنده فإن الله تعالى أغنَى الشركاء عن الشِّرْكِ»([i]).اهـ. هذا الحديث الذي رواه ابن حبّان ورد فِي «صحيح مسلم» بلفظ حديث قدسيّ ذلك أن النبيَّ r قال: قال الله تعالى: «مَن عمل عملًا أشرك فيه معِي غَيْرِي تركتُهُ وشِرْكَهُ»([ii]).اهـ. معنَى الحديثين وأحد ذاك الحديث الذي هو رواية ابن حبّان ليست صورته صورةَ حديثٍ قدسيّ؛ لأن الحديث القدسيّ هو الذي يكون فِي أوله قال الله تعالى أي مما ليس قرءانًا أو يقول الله تعالى أو نحوُ ذلك فهذا هو الحديث القدسيُّ وما سوى ذلك يقال له حيث نبويّ وكلاهما بِوَحْيٍ من الله تعالى إلى نبيّه محمد r فمعنى الحديثين أنه من يعمل عملًا من أعمال الدين من صلاة أو صيام أو قراءة أو صدقة أو حج أو جهاد أو غير ذلك فإن كان يقصد به أن يمدحه الناس أو أن يذكروه فيما بينهم بالإجلال والتعظيم فإنه ليس له عند الله ثواب إنما ثوابه ما نواه من الناس وهو أن يمدحوه أو أن ينظروا إليه بعين الإجلال والتعظيم ففي الحديث الأول أنه عليه الصلاة والسلام قال فليطلبْ ثوابه من عنده، أيْ: ليطلب ثوابه من الشخص الذي أراد أن يمدحه، أي: ليس له ثواب عند الله؛ لأن الله لا يقبل منَ العمل إلا ما عُمِلَ لأجله فقط ومن قصد بعمله ثواب الله ومدح أحد من الناس فليس له عند الله ثواب؛ لأن الله لا يقبل من العمل ما أشرك فيه معه غير الله ما أشرك فيه مع الله غيره لا يقبله إنما يقبل العمل الذي عُمِلَ لأجله فقط.

ثم إن كانت نيته أن يعمل لله ولم يشرك فِي ذلك مع الله أحدًا، أيْ: لم ينْوِ مدح الناس له ثم سمع من الناس ثناءً عليه ومدحًا فلا يضره ذلك؛ لأنه ما قصد بذلك أن يمدحه الناس إنما الناس مدحوه لما علموا أنه يعمل كذا من الحسنات إنما الضرر هو أن يقصد الرجلُ فِي بدء عمله أو فِي أثناء عمله أن يمدحه الناس فهذا هو الضرر العظيم. ثم ليس ضررُ الرياء مقصورًا على أنه ليس له عند الله ثواب وإنما ثوابه من ذلك الشخص أو من أولئك الناس؛ بل هناك ضرر عظيم وهو أنه يُعَذَّبُ؛ لأن هذا يُقال له شركٌ أصغرُ فهو يشبه عبادة غير الله وإن لم يكن الشركَ الأكبرَ الذي هو مُخرِج من الإسلام لكن هذا يشبهه، قَصْدُ الشخص بعمل الآخرة غيرَ الله تعالى يشبه الشرك الأكبر الذي هو عبادة غير الله فكما أن هذا يستحق عذابًا كبيرًا فذاك يستحق عذابًا كبيرًا وإن كان بين العذابين فرق كبير الشرك الأكبر الذي هو كفرٌ عذابُهُ لا ينتهِي لا ينقطع كشرك عُبّاد الأوثان كشرك العرب الذين كانوا يقولون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى} [سورة الزمر: 3]، أيْ: أنهم لا يعبدون الأوثان إلا ليقربوهم إلى الله درجات من جهلهم وسخافة ءَارَائِهِم مشركو العرب كانوا يقولون ما نعبدهم، أيِ: الأوثانَ إلَّا ليقرِّبُونا إلى الله زُلْفَى، أي: درجةً كانوا يعترفون بأن هؤلاء الأوثان لا يساوون الله تبارك وتعالى فِي علو الشأن لكنهم كانوا يعبدونهم، أيْ: يتذللون لهم نهاية التذلل؛ لأن الشرك هو عبادة غير الله ومعنَى عبادة غير الله التذللُ لغير الله نهايةَ التذلل كانوا يتذللون للأوثان نهاية التذلل ويقولون نحن لا نتذلل لهم من حيث ذاتهم إنما نتذلل لهم ليقربونا إلى الله زُلْفَى، أي: درجةً أولئك عذابهم دائم لا ينقطع أما هذا المسلم الذي لا يعبد غير الله لكنه يعمل أعمالًا من أعمال الآخرة ليمدحه الناس يشبه أولئك فيستحق عذابًا كبيرًا لكن عذابه منقطع ويغفر الله لمن شاء منهم، هؤلاء المراؤون الذين يعملون العمل الذي يعملونه ليمدحهم الناس أشبهوا أولئك المشركين الذين كانوا يعبدون الأوثان لذلك قال الله تبارك وتعالى: «مَن عَمِلَ عملًا أشرك فيه معي غيري تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ»([iii]).اهـ. معنى: تركته وشركه تركت ذلك الشخص وشركه، أي: وعمله الذي أشرك فيه معِي غيري، أي: لا أقبل منه، فإذا كان الأمر كذلك فالعمل الذي يقبله الله تبارك وتعالى ما كان خالصًا له، أي: لم يقصد العبد به إلا الله تعالى فهذا العمل هو الذي ينفع العبد عند الله يوم القيامة فليحرِصِ الإنسانُ على أن تكون جميع أعماله الدينية مبنيةً على الإخلاص لله تبارك وتعالى.

ثم هذا القصد الذي هو خالصٌ لله تبارك وتعالى إنما ينفع العبد بعد موافقته لِسُنَّةِ رسول الله r وقد روينا بالإسناد المتصل عن الإمام سعيد بن جبير t وهو من التابعين الذين أخذوا العلم عن الصحابة أنه قال لا يقبل قول إلا بعمل وفي لفظ لا يصلح قول إلا بعمل ولا قول وعمل إلا بنية ولا قول وعمل ونية إلا باتباع سُنَّة رسول الله r.اهـ. رواه اللالكائيّ([iv]).

الحاصل: أنه لا يحصل الكمال إلا بقول وعمل ونية ولا تُقبل الثلاثة، أي: القولُ والعملُ والنيةُ إلا باتباع الرسول r، أي: إلا أن يكون قولُ الرجل موافقًا لما جاء به الرسول وعملُهُ موافقًا لما جاء به الرسول r ونيتُهُ موافقةً لما جاء به الرسول r فمن وافق قولُهُ وعملُهُ ونيتُهُ ما جاء به الرسول r فذلك هو المفلح الذي يستحق الثواب على قوله وعمله ونيته فإذا كان الأمر كذلك فعلى الإنسان أن يتعلم كيف يتبع الرسول r هل قوله وعمله ونيته موافقةٌ لما جاء به الرسول r أو غيرُ موافقةٍ فمن علم طريق الموافقة وجعل قوله وعمله ونيته موافقًا لما جاء به الرسول r فهذا هو الفائز المفلح الذي كل حسنة يعملها تُضاعف له عشرًا فأكثر إلى سبعِمِائَةٍ إلى مِائَةِ ألف إلى مِائَتَيْ ألفٍ إلى ألف ألف إلى أكثر من ذلك، هذه المضاعفة بعد ذلك بعد أن يكون القول والعمل والنية موافقًا لما جاء به الرسول r فَمِنْ هنا تظهر أهمية تعلم العلم الدينيّ لأنّ العلم الدينِيَّ هو الذي يَهْدِي لذلك هو الذي يرشد ويبيّن ويدل على القول الموافق لشرع الرسول r وعلى العمل الموافق لشرع الرسول r وعلى النية الموافقة لشرع الرسول r وأما مَن أعرض عن تعلم ذلك واشتغل بغير ذلك فهذا تائهٌ لا يدرِي فِي أيِّ وادٍ يَهْلِكُ يظن بنفسه أنه على حالة عالية وهو فِي الحقيقة ليس على شَيْءٍ.

قال عبد الله بن عمر t لقد عشنا برهة من الدهر نتعلم الإيمان قبل القرءان([v]).اهـ. المعنى: أن اهتمامنا كان فِي بدء الأمر قبل اهتمامنا بحفظ القرءان تصحيحَ العقائد والنيات، كثير من الناس يريدون أن يذكروا ويسهرون الليالي لذلك ثم أحدهم يُحَرّفُ اللفظَ الذي جاء عن رسول الله r إلى غيره، أحدهم يريد أن يهلل تهليلًا كثيرًا فيقول: (لا إلـٰه إلا اللَّا لا إلـٰه إلا اللَّا لا إلـٰه إلا اللَّا) ءالافًا ءالافَ المرات مع حذف حرف الهاء هذا ما وافق سُنَّة رسول الله r؛ لأن الرسول r ما ذكر اسم الله إلا بهذا اللفظ الله باللام المشددة والألف اللينة، أي: التِي يُلفظ بها لفظًا ولا تكتب ثم الهاء الرسول r هكذا كان يذكر اسم الله فِي كل كلامه متى ما ذكر لفظَ الجلالة كان يذكره هكذا وهذا الذي ورد فِي القرءان أما هؤلاء المغفَّلون التائهون فيحاولون أن يحوزوا الدرجات العُلى فيقولون: (لا إلـٰه إلا اللَّا لا إلـٰه اللَّا) من الإسراع على زعمهم يكثرون من العدد حتى يزداد لهم الأجر ولا يدرون أنهم يكسبون إثمًا بكل مرة؛ لأنهم حرَّفوا اسم الله، كذلك إذا ذكروا الاسم المفرد الله بعضهُم يقول بلا هاء يذكر بلا هاء (اللَّا اللَّا اللَّا) هذا ذِكْرُهُم فمِن أين يكون لهم ثواب، هذا مثالٌ للعمل الذي لم يوافق سُنَّة رسول الله، أي: ما جاء عن رسول الله r، وهناك شيءٌ كثير حتى الصلاة على النبيّ بعضهم يأتي بالياء يقول: (اللَّهُمَّ صلِّي وسلم) بالياء هذه الياء يا التأنيث هذه الياء يا خطاب الأنثى حرامٌ أن يقال: (اللَّهُمَّ صلِّي وسلم وبارك على النبيّ) حرام لماذا يؤتَى بالياء هذه الياءُ للأنثى إذا أردنا أن نأمر امرأة بالصلاةِ أو الصلاةِ على النبيّ نقول: يا فلانةُ صلِّي على النبيّ صلِّي الظهر أما الذي يطلب من الله أن يُصَلِّي على نبيه يأتي باللام المشددة بلا ياء يقول: اللَّهُمَّ صلّ وسلم وبارك عليه لا يقول صلِّي، هؤلاء المغفَّلون لا هَمَّ لهم إلا أن يترنموا ومع ذلك يطمعون بالثواب يظنون أنهم حازُوا ثواب الصلاة على النبيّ r. انتَهَى.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

([i]) رواه ابن حبّان فِي صحيحه، بابُ: ما جاء فِي الطَّاعات وثوابها.

([ii]) رواهُ مسلمٌ فِي صحيحه، باب: مَنْ أَشْرَكَ فِي عَمَلِه غَيْرَ الله.

([iii]) رواهُ مسلمٌ فِي صحيحه، باب: مَنْ أَشْرَكَ فِي عَمَلِهِ غَيْرَ الله.

([iv]) شرح أصول اعتقاد أهل السُّنَّة والجماعة للالكائي فِي سياق ما رُوي عن النبي r فِي ثواب من حفظ السُّنَّة ومن أحياها ودعا إليها.

([v]) ولفظه لقد عشنا برهة من دهرنا وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرءان.اهـ. أخرجه سعيد بن منصور فِي التفسير والطحاوي فِي شرح مشكل الآثار والحاكم فِي المستدرك وقال فِي مجمع الزوائد رواه الطبراني فِي الأوسط ورجاله رجال الصحيح.