درس ألقاه المحدث الشيخ عبد الله بن محمد العبدريّ رحمه الله تعالى فِي سويسرة فِي السادس والعشرين من شهر ربيع الأول سنة اثنتَيْ عشرة وأربعمائة وألف من الهجرة الشريفة الموافق للخامس من تشرين الأول سنة إحدى وتسعين وتسعمائة وألف رومية وهو فِي بيان جواز التبرك والتوسل بالأنبياء والأولياء بالإجماع وأن من خالف فِي ذلك ابن تيمية وتبعه محمد بن عبد الوهاب. قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:
الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه.
أمَّا بعدُ: فإذا زار المسلم قبر النبيّ أو قبر الوليّ لطلب البركة من الله جائز بإجماع علماء الإسلام من الصحابة وهَلُمَّ جرّا.
التبرك بقبور الأنبياء والصالحين جائز الذِي يحرمه فهو ضالٌّ زائغٌ وذلك لأنه صح فِي الحديث ما رواه أحمد([i]) وما رواه الحاكم([ii]) فِي مستدركه قال جاء أبو أيوب t إلى قبر النبيّ r فوضع وجهه على قبره فمرّ مروان بن الحكم فقال ما هذا فالتفت أبو أيوب فعرفه مروان، فقال أبو أيوب t ما أتيت الحجر إنما أتيت رسولَ الله r إني سمعت رسول الله يقول: «لا تَبْكُوا على الإسلام إذا وَلِيَهُ أَهْلُهُ ولكن ابكوا عليه إذا وَلِيَهُ غيرُ أهله».اهـ. هذا الحديث صحيح. أبو أيوب الأنصاري t الذي هو أحد المشاهير من أصحاب رسول الله r من السابقين الأولين فَعَلَ هذا الفعل للتبرك وضع وجهه على قبر الرسول r، للتبرك والشوق إليه وضع وجهه على قبر الرسول r وما أنكر عليه أحد من الصحابة أما مروان هذا حاكمٌ مِن قِبَلِ معاوية ليس صحابيًّا. الصحابة ما أنكروا عليه ما قالوا له كيف تضع وجهك على قبر الرسول. ثم بعد ذلك علماء المسلمين الأكابر الأولياء لم يزالوا يعتبرون زيارة قبر النبيّ لطلب البركة من الله بزيارته بالدعاء هناك رجاء إجابة الدعاء، لم يزل هذا دأبَ السلفِ والخلفِ كذلك، حتى إنه سئل الإمام أحمد بن حنبل t سأله ابنه عبد الله قال سألته عن رجل يمس منبر النبيّ r ويقبله ويفعل بالقبر مثل ذلك للتبرك تقربًا إلى الله تعالى فقال الإمام أحمد: لا بأس بذلك، وهكذا كُتُبُ الحنابلة يذكرون بعد القرن السابع والثامن يذكرون فِي مؤلّفاتهم كالذين سبقوهم أنه يجوز مس القبر للتبرك وقليل منهم قال مكروه، معناه: تركه أحسن ثم كان جماعة من أصحاب رسول الله r، عندما يخلو المسجد مسجد الرسول r، عندما يَقِلُّ الناس يقومون يضعون أيديهم على رمانة المنبر، منبرُ الرسول r كان له رمّانة رُكِّبت عليه الرمانة، الرمانة شيء مستدير هكذا مركب على ناحية منه يضعون أيديهم للتبرك ويدعون الله تعالى ليستجيب الله لهم دعاءهم فِي هذه الحال، فِي الحال التي وضعوا أيديهم على رمّانة المنبر النبويّ، هذا فعلُ جماعة من الصحابة. روى هذا الأثر الحافظ أبو بكر ابن أبي شيبة فِي كتابه «المصنف». ثم أحد الحنابلة يقال له: الحافظ عبد الغنِيّ بن سعيد كانت خرجت له دُمُّلَةٌ تداوى منها فأعياه علاجها ما كان يتعافِى فذهب إلى قبر الإمام أحمد بن حنبل t مسحها هكذا هذه الدُمّلَة التي أتعبته، مسحها فتعافَى، هذا من حفاظ الحديث ما أحد أنكر عليه لكن فِي هذا العصر كثر الذين يقولون لمن مسّ قبر ولي أو نبي مشرك كافر هؤلاء اليوم فِي هذا الزمن كثروا فاحذروهم، هؤلاء من أين أخذوا هذا الشيء أخذوا هذا الشيء، من رجل يقال له: ابن تيمية مات سنة ثمانية وعشرين وسبعمائة، هذا الرجل هو الذي شَوَّشَ على المسلمين أمورهم، قبل ذلك ما كان أحد يحرِّم زيارة قبر النبيّ r للبركة، أي: طلب البركة من الله رجاء إجابة الدعاء عنده وكذلك عند غيره من الأنبياء والأولياء، ما كان أحد ينكر قبل أن يُحدث ابنُ تيمية هذا القول الشاذَّ، ثم بعد أن مات ابنُ تيمية بنحو أربعمائة سنة رجلٌ يقال له: محمد بن عبد الوهاب من أهل نجد الحجاز أخذ هذا الأمر من كتب ابن تيمية فأحيا هذا الشيء الذي كاد يندرس، ابنُ تيمية فِي أيامه كان الملِك محمد بن قلاوُون كان يحكم بر الشام كله وبَرَّ مصر والحجاز هو لما وصل إليه أمر ابن تيمية أنه شوش على المسلمين فِي بر الشام بعد أن حُبس عدّة مرات فِي دمشق والإسكندرية وفي القاهرة الملك أمر القضاة الأربعة، كان فِي القاهرة قاضٍ حنفِيٌّ وقاضٍ مالكيٌّ وقاضٍ حنبليٌّ وقاضٍ شافعيٌّ أمر هؤلاء بأن ينظروا فِي أمره فنظروا فِي أمره فقالوا هذا الرجل ضال يجب التحذير منه فأُبلغ الملك هذا الأمر فعمل الملك منشورًا هذا المنشور أَمَرَ أن يُقرأ على المنابر فِي بر الشام وفي بر مصر للتحذير من ابن تيمية ومن أتباعه ونفّذ الملك ما قرره هؤلاء القضاة الأربعة قالوا يُحبس الحبس الطويل فَرُدَّ إلى دمشق فحبس ظل فِي الحبس حتى مات. أعطوا بالكم أعطوا بالكم هذا الرجل هو أول من حرّم زيارة قبور الأنبياء والأولياء للتبرك؛ أي: ليعيطهم الله البركة فِي هذه الزيارة هو أول من حرم؛ بل جعل هذا شركًا هو جعله كفرًا وشركًا، فلا يلتفت لرأي ابن تيمية وأتباعه الذين اليوم انتشروا فِي بعض البلاد فلا تلتفتوا إلى كلام هؤلاء، هؤلاء شاذون خالفوا السلف والخلف، حُفَّاظ الحديث بعد ابن تيمية كانوا يتبركون بزيارة قبور الأولياء، حفاظ الحديث بعد ابن تيمية كانوا كالذين كانوا قبل ابن تيمية كهذا الحافظ الذي ذكرناه الحافظ عبد الغني بن سعيد هذا قبل ابن تيمية بعد سنةِ أربعمائة كان، كذلك الحافظ سراج الدين بن الملَقّن هذا توفي بعد ابن تيمية بنحو ستين سنة، هذا من حفاظ الحديث من الفقهاء الشافعيين حفاظ الحديث هذا له كتاب اسمه «طبقات الأولياء» يذكر فيه تراجم أولياء من السلف والخلف قال فِي هذا الكتاب أنا ذهبت إلى قبر معروف الكرخي هناك وقفت دعوت الله تعالى عدة مرات فالأمر الذي كان يصعب عَلَيَّ ينقضِي لما أدعو الله هناك عند قبره.
هذا معروف الكرخي من الأولياء البارزين المشهورين فِي بغداد معروف العامة والخاصة يقصدون قبره للتبرك حتى قال بعض علماء الحديث قبر معروفٍ الترياقُ الـمُجَرّب، معناه: زيارة قبر معروف لقضاء الحاجات ترياق مجرب. الترياق هو دواء مركب معروف عند الأطباء القدماء كانوا يركّبون أدويةً يسمونها التّرياق، بعض السلف بعض أكابر السلف ممن كان فِي زمن الإمام أحمد بن حنبل اسمه إبراهيم الحربي، أبو إسحـٰق إبراهيم الحربي كان يُشَبَّهُ بالإمام أحمد t، كان عاصَرَهُ كانا فِي زمن واحد وكان أحمدُ أرسل ابنه عبد الله ليتعلم عنده الحديث، هذا الإمام الجليل الحافظ الفقيه المجتهد قال قبرُ معروفٍ الترياقُ المجرَّب وقال أيضًا تقبيل حجرة النبيّ r مستحب حجرة النبيّ r هِيَ التي دفن فيها، أي: بيت عائشة رَضِي الله عنها هذه الحجرة يقول إبراهيم الحربي الإمام إبراهيم الحربي تقبيل هذه الحجرة مستحب، يعني: فيه ثواب؛ لأنه تبركٌ برسول الله r تعظيمٌ له. هذا هو الحقيق فلا تغتروا بهؤلاء الذين يكفّرون مَن قصد قبر نبيّ أو وليّ للتبرك ليدعوَ هناك فيستجيبَ الله دعاءه وييسرَ له أمره ويكشفَ عنه الشدة هؤلاء الذين يكفّرون هؤلاء المتبركين لا تعتبروهم شيئًا، ثم هم يَكْذبون يقولون للناس نحن سَلَفِيَّةٌ، يعني: نحن نتبع الصحابة والتابعين وأتباع التابعين ومن تبعهم إلى حدود الثلاثمائة من كان من علماء الإسلام فِي حدود الثلاثمائة الأولى يقال لهم سلف ومن جاء بعدهم يقال لهم خلف هؤلاء يسمون أنفسهم السلفية وهم ضد السلف والخلف.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
([i]) رواه أحمد فِي المسند، مسند أبي أيوب الأنصاري (ح23585).
([ii]) من حَدِيث أَبِي عَوَانَةَ، قال الذهبيِّ فِي التلخيص هو صحيح.