المقدمة الثانية
بيان أن الألفاظ إما صريحة وإما غير صريحة
وذلك بالنظر إلى أن اللفظ المنطوق به ينقسم إجمالا إلى قسمين:
الأول: الصريح، والثاني: غير صريح.
فقد (قسّم) علماء اللغة (المنطوق إلى صريح وغير صريح، وجعلوا الصريح ما دل على معناه مطابقة أو جزئه تضمنا، وجعلوا غير الصريح ما دل بالالتزام)[(685)].
أو نقول: (الكلام المفيد ينقسم ثلاثة أقسام: نص وظاهر ومجمل)[(686)].
فـ ( النص: هو ما يفيد بنفسه من غير احتمال، كقوله تعالى: {…تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ… *} [(687)]، وقيل: هو الصريح في معناه ، وقد يطلق النص على ما لا يتطرق إليه احتمال يعضده دليل، فإن تطرق إليه احتمال لا دليل عليه فلا يخرجه عن كونه نصا)[(688)].
ومع أن النص هو الصريح فقد نبهوا إلى أن الصريح يختلف عنه بأمر، وهو أن المراد من الصريح يظهر ظهورا تاما لكثرة الاستعمال، ولذا قالوا فيه: هو (ما تناهى في الوضوح وكشفِ الخفاء عن المراد أي ما ظهر المراد منه ظهورا تاما بسبب كثرة الاستعمال حقيقة كان أو مجازا، مثل بعت واشتريت ووهبت، فإن هذه الألفاظ لكثرة استعمالها أقيمت مقام معناها بخلاف النص فإنه لا حاجة فيه إلى انضمام كثرة الاستعمال إليه، وحكمه ثبوت مدلوله مطلقا بغير حاجة للبينة، وقيل: كل خالص صريح، ومنه قول صريح، وهو ما لا يفتقر إلى إضمار أو تأويل، وإنما سمي ذلك الكلام بالصريح لخلوصه عن محتملاته في العرف)[(689)]. فالخلاصة: أن الصريح هو (ما لا يحتمل غير المقصود، كأنت زان)[(690)].
ولذلك قالوا في تعريفه: (الصريح في الطلاق والعتق والقذف ونحو ذلك هو اللفظ الموضوع له، لا يفهم منه عند الإطلاق غيره، والصريح الخالص من كل شىء، ولذلك يقال: نسب صريح أي خالص لا خلل فيه، وهذا اللفظ لهذا المعنى أي لا مشارك له فيه)[(691)].
ثم الظَّاهِرُ لغة: هو (الواضح، واصطلاحا: ما دل دلالة ظنية)[(692)]، وهذا باعتبار أنهم قالوا في تعريفه: (الظاهر ما احتمل معنيين أحدهما أظهر من الآخر)[(693)] أي بما يتبادر للسامع عند طرؤه على سمعه، ويلاحظ بما مر معنا في تعريف الصريح عبارة: (ظهورا تاما) وهو (احتراز عن الظاهر، إذ الظهور فيه ليس بتام لبقاء الاحتمال)[(694)].
وقد جمع كل هذه المعاني ابن قدامة في قوله: «الظاهر وهو ما يسبق إلى الفهم منه عند الإطلاق معنى مع تجويز غيره، وإن شئت قلت: ما احتمل معنيين هو في أحدهما أظهر، فحكمه أن يصار إلى معناه الظاهر ولا يجوز تركه إلا بتأويل، والتأويل صرف اللفظ عن الاحتمال الظاهر إلى احتمال مرجوح به لاعتضاده بدليل يصير به أغلب على الظن من المعنى الذي دل عليه الظاهر»[(695)] اهـ.
ولذلك قال الجرجاني والمناوي في تعريفه: «الظاهر ما دل على معنى دلالة راجحة بحيث يظهر منه المراد للسامع بنفس الصيغة، ويكون محتملا للتأويل والتخصيص»[(696)] اهـ.
ويساعد على التنبيه على ذلك ما جاء في بيان معنى التأويل، وأنه (في الأصل الترجيع، وفي الشرع صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى يحتمله)[(697)] أي لدليل يدل عليه، وإلا كان تحكما وهوى.
وأما ( المجمل: فهو ما لا يفهم منه عند الإطلاق معنى، وقيل: ما احتمل أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر، وذلك مثل الألفاظ المشتركة، كلفظة العين المشتركة بين الذهب والعين الناظرة، والقرء للحيض والطهر، والشفق للبياض والحمرة)[(698)]، و(الذي يوجب الإجمال الدلالة المشتبهة على المراد اشتباها لا يدرك إلا ببيان من المجمِل)[(699)].
( وحاصل هذا أن المحتمل : إما أن تكون دلالته على كل واحد من المعاني على السوية فهو المجمل أو لا، فإن كانت دلالته على بعض المعاني أرجح فالطرف الراجح ظاهر، والمرجوح مؤول لأنه يَؤول إلى الظهور عند مساعدة الدليل له.
ولا شك في اشتراك النص والظاهر في رجحان الإفادة، وإنما النص راجح لا يحتمل غيره، والظاهر راجح يحتمل غيره، ومقابلهما المجمل والمؤول فإنهما اشتركا في أن كلا منهما يفيد معناه إفادة غير راجحة، إلا أن المؤول مرجوح والمجمل ليس مرجوحا بل مساويا)[(700)]، وكلاهما يحتاجان إلى الكشف عن مقصود المتكلم.
وقد لخص سائر ما تقدم أبو عبد الله محمد بن أحمد المالكي التلمساني بقوله: «اعلم أن اللفظ: إما أن يحتمل معنيين أو لا يحتمل إلا معنى واحدا، فإن لم يحتمل بالوضع إلا معنى واحدا فهو النص، وإن احتمل معنيين، فإما أن يكون راجحا في أحد المعنيين أو لا يكون راجحا، فإن لم يكن راجحا في أحد المعنيين فهو المجمل، وهو: غير متضح الدلالة، وإن كان راجحا في أحد المعنيين فإما أن يكون رجحانه من جهة اللفظ، أو من جهة دليل منفصل، فإن كان من جهة اللفظ فهو الظاهر، وإن كان من جهة دليل منفصل فهو المؤول. فخرج من هذا: أن اللفظ، إما نصّ، وإما مجمل، وإما ظاهر، وإما مؤول»[(701)] اهـ.
وعليه فيمكن أن يقال: اللفظ (المنطوق قسمان: صريح أي في دلالة اللفظ على المعنى، لأنها دلالة ناشئة عن الوضع أي وضع اللفظ له ولو تضمنا أي ولو كانت بطريق التضمن)، وقد مرت الإشارة إليها، (وغير صريح أي في دلالة اللفظ)[(702)]، كما بيّنا قريبا.
لكن قال الحافظ السيوطي: «قال العلماء: الصريح اللفظ الموضوع لمعنى لا يفهم منه غيره عند الإطلاق، ويقابله الكناية». وقال: «قاعدة: الصريح لا يحتاج إلى نية، والكناية لا تلزم إلا بنية»[(703)] اهـ.
وقد وقع في رسالة البدر الرشيد في بيان المكفرات والتي أسماها رسالة في الألفاظ المكفرات عنوان: (فصل في الكفر صريحا وكناية)[(704)]، وعليه فإن اللفظ المحتمل لأكثر من معنى لا يحكم على قائله بالكفر إلا إن انكشفت نية هذا القائل كما سبقت الإشارة إليه.
فلم يعبر بالظاهر بل بالكناية، ولنقف على سبب ذلك نحتاج أن نفهم معنى الكناية، فما هي الكناية؟ قال ابن فارس: «كنو الكاف والنون والحرف المعتل يدل على تورية عن اسم بغيره، يقال: كنيت عن كذا، إذا تكلمت بغيره مما يستدل به عليه، وكنوت أيضا، ومما يوضح هذا قول القائل:
وإني لأكنو عن قذور بغيرها
وأعرب أحيانا بها فأصارح
ألا تراه جعل الكناية مقابلة للمصارحة»[(705)] اهـ.
وقال الجرجاني: «الكناية كلام استتر المراد منه بالاستعمال وإن كان معناه ظاهرا في اللغة سواء كان المراد به الحقيقة أو المجاز ، فيكون تردد فيما أريد به، فلا بد من النية أو ما يقوم مقامها من دلالة الحال كحال مذاكرة الطلاق ليزول التردد ويتعين ما أريد منه.
والكناية عند علماء البيان هي أن يعبر عن شىء لفظا كان أو معنى بلفظ غير صريح من الدلالة عليه لغرض من الأغراض، كالإبهام على السامع نحو جاء فلان أو لنوع فصاحة نحو فلان كثير الرماد أي كثير القرى.
وما استتر معناه لا يعرف إلا بقرينة زائدة، ولهذا سموا التاء في قولهم: أنت، والهاء في قولهم: إنه، حرف كناية، وكذا قولهم: هو. وهو مأخوذ من قولهم: كنوت الشىء وكنيته أي سترته»[(706)] اهـ.
(والكناية والحقيقة تشتركان في كونهما حقيقتين، وتفترقان بالتصريح في الحقيقة وعدم التصريح في الكناية)[(707)].
فكأنهم يعنون بالكناية والظاهر شيئا واحدا، حيث ترجح طرف في الكناية بسبب القرائن أو السياق أو أنه لما كانت الكناية محتملة فقد قابلت الصريح فشملت في طياتها الظاهر، يشهد لهذا ما نبه إليه الصنعاني في شرحه لمنظومة الشيخ محمد بن يحيى بهران في أصول الدين، وهو في هذا الشطر التالي: «أو لا فظاهر له الظنية»، فقال: «إشارة إلى القسم الثاني من قسمي المنطوق إلى دلالته أي أو لا يدل على معنى واحد، بل تردد بين معان تحمل المقصود وغيره، فإنه يسمى الظاهر أي ما كان أحد معانيه أظهر من غيره، ولا ينافي الاحتمال والتردد، وهذا تسمى دلالته ظنية أي تفيد الظن لدلالته على الاحتمال الراجح من الاحتمال المرجوح»[(708)] اهـ.
قال شيخنا الحافظ المحقق الشيخ عبد الله الهرري الحبشي رضي الله عنه: «اعلم أن الألفاظ قسمان: صريح ليس له إلا وجه واحد، وظاهر يحتمل معنيين أحدهما أقرب من الآخر أو هما متساويان» [(709)] اهـ.
فيتلخص مما مر: أن أحكام الألفاظ المجملة وكذا ألفاظ الكناية تتبع في الحكم عليها اللفظ الظاهر أي لجهة الحكم على المتكلم بلفظ الكناية أو باللفظ المجمل لأن هذا لا ينكشف فيه المقصود إلا بمعرفة نيته، فإن محل النظر فيهما إلى إفصاح الناس عن مرادهم باعتبار المفرد من الكلمات أو المركب من الجمل بما يدل عليه سياق كلامهم أو القرائن والدلائل فيتبع اللفظ الظاهر أو يبقى مجملا فيحتاج إلى تنبيه من المتكلم على مقصوده ببيان نيته عند النطق، ولا يمكن للسامع أن يحكم إلا بذلك، ولما كان محل النظر في الأمر المخوف منه التسرع بالتكفير هو ما ترجحت الدلالة فيه بما يسبق إلى الفهم ويتبادر إلى ذهن السامع احتجنا أن نقف على بيان الأحكام المتعلقة بالظاهر من الألفاظ، وكذا بالصريح، ويكون حكم لفظ الكناية والمجمل ملحقا بالظاهر.
وعلى كل فإنه لما كان في اللفظ الظاهر طرف راجح، مما يرتب عليه تخوف، وهو تسرع السامع إلى تكفير المتكلم به أي باللفظ الظاهر، وذلك إن كان الطرف الراجح هو الكفر، كان الكلام في بيان أحكام الألفاظ الدائرة بين الصريح والظاهر مهما لأكثر من معنى وفائدة:
الأول: تنبيها للعامي حتى لا يعاجل إلى التكفير مع كونه لا يفهم لسان العرب.
الثاني: أن الظاهر فيه طرف راجح، وقد يكون المعنى الكفري هو الراجح.
الثالث: أن الحاجة أظهر في اللفظ الظاهر لبيان حكمه.
الرابع: أن شيخنا الشيخ عبد الله الهرري رحمه الله ورضي عنه مشى عليه في كتبه لنفس المعاني المبينة في الأول والثاني والثالث.
قال المحدث الشيخ عبد الله الهرري رحمه الله: «قسم العلماء اللفظ المكفر إلى ظاهر وصريح»[(710)] وللتأكيد نعيد ترتيب وإيضاح القسمين إن شاء الله مع بيان ما يتبع ذلك في الحكم عند السامع، وذلك على النحو التالي :
– فالظاهر: ما كان له بحسب وضع اللغة وجهان فأكثر، ولكنه أقرب إلى أحدهما دون غيره، وقد يكون هذا الأظهر أو الأقرب هو المعنى الكفري، أي أحدهما متبادر وهو الكفر، والمعنى الآخر غير متبادر، لذلك من تكلم بلفظٍ ظاهر، لا يحكم بكفره حتى يتبين مراده.
فلو قال شخص مثلا: الماء خير من الله، فإن هذه الكلمة تحتمل معنيين:
– المعنى الأول: أن الماء أفضل من الله، وهو كفري بلا تردد، ومن قصده عند النطق بهذه الكلمة كفر، لكننا لا نحكم عليه بذلك إلا أن ينكشف لنا مراده، وذلك بأن يلتزم هذا المعنى أي أن يعترف ويصرح بأنه يقصده.
– والمعنى الثاني: الذي تحتمله الكلمة أيضا هو الماء نعمة من الله، ولا ريب أن هذا المعنى صحيح لا يعارض شرع الله.
فمن نطق بهذه الكلمة أو ما يماثلها من المحتملات لا يجوز لنا أن نكفره حتى يتبين لنا مراده منها.
– وأما الصريح : فليس له بحسب وضع اللغة إلا وجه واحد، فمن تكلّم بلفظٍ صريح في الكفر كُفِّرَ ولا يُسأل عن مراده، ولا يقبل له تأويل إلا أن يكون لا يعرف ذلك المعنى الصريح، بل يظنّ أن معناه غير ذلك، فإن هذا اللفظ بالنسبة إليه ليس له حكم الصريح، مثال هذا قول بعض الناس: ما في الوجود إلا الله أو لا موجود إلا الله أو هو الكل، فإن هذه الألفاظ من صريح الكفر بحسب معناها اللغوي لأن معناها أن العالَم هو الله[(711)].
فإن قال صاحب هذا الإطلاق الممنوع: أردت أنه لا موجود بذاته إلا الله أو أن الله هو الخالق لكل ما في الوجود أو هو المنعم أو هو المعطي أو أن الله مدبر كل شىء أو نحو ذلك من المعاني التي لا تخالف دين الله.
(قيل له: قد أتيت بلفظ مطلق في موضع تقييد، فكان إطلاقك ممتنعا، فإن كان ذلك هو ما تفهمه من هذه الإطلاقات فالمعنى الذي تضمره صحيح، لكن العبارة فيها إطلاق، وأهل العلم قالوا: الإطلاق في محل التفصيل خطأ ، وقد أجمع أهل السنة على منع كل إطلاق لم ترد به الشريعة سواء كان في حق الله تعالى أو في حق أنبيائه صلوات الله وسلامه عليهم أو في حق دين الله تعالى)[(712)]، وحيث كان في هذه الكلمات إطلاق منعناه، وليس للمسلم أن يُجاوز ما حد له الشرع في التعبير بحيث يخرج به عما جاء في الشريعة، فيتوهم بعض الناس منها ما لا يجوز، ويتستر بها أهل الحلول والإلحاد كما حصل في الماضي ويحصل في الحاضر، وسيأتي التنبيه على هذه الحيثية أكثر عند الكلام على مسألة لازم المذهب.
قال أبو الهدى الصيادي: «من قال: أنا الله أو ما في الوجود إلا الله أو لا موجود إلا الله أو الكل هو الله أو نحو ذلك:
فإن كان عاقلاً صاحيًا في قيد التكليف فلا خلاف بين المسلمين جميعًا في كفره لمخالفته نص القرءان، إذ يلزم حينئذ نفي الخالق والمخلوق والرسول والمرسل إليه والجنة والنار للزوم الاتحاد من هذا القول، وهو أشد زللا والعياذ بالله من الذين قالوا بالحلول والاتحاد وقد خصصوهما بسيدنا عيسى فقط عليه الصلاة والسلام بخلاف من قال ما تقدم فإنه يلزم من قوله الشمول لكل الموجودات، وبهذا صرح بعضهم فقال:
وما الكلب والخنزير إلا إلهنا
وما الله إلا راهب في كنيسة
وهذا كفر وضلال تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم.
وأما إن كان قائل ما تقدم غائبا عن شعوره مغمى عليه فقد سقط عنه التكليف، فلا يكفر حينئذ ولا يؤاخذ شرعا، كما أنه لا يجوز تقليده مطلقا ، ولا ريب أن التفوه بمثل ذلك من كل عاقل مكلف يغضب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
واعلم أن أهل الطريق الحق لا ينحرفون في الأقوال والأفعال عن ظاهر الشرع، وكفى بالشرع والشارع قدوة وإماما والسلام»[(713)] اهـ.
علما أن (الذين وضعوا هذه الكلمات لأول مرة يفهمون منها المعنى الفاسد ويتعمدونه، وهو توحيد الله والعالم، أي يجعلون الله والعالم شيئًا واحدًا فيكفرون، هؤلاء كانوا من ملاحدة المتصوفة من المنتسبين إلى الإسلام فَسَرَتْ منهم إلى أسماع بعض العوام من غير أن يعرفوا معناها، وهؤلاء الملاحدة من مدعي التصوف وصلت إليهم هذه الكلمة من بعض فلاسفة اليونان، ثم منذ نحو قرن ظهر من أناسٍ ينتسبون للشاذلية اليشرطية القول بهذه الكلمات مع اعتقاد معناها الذي هو كفر وهو المعنى الأصلي لها، وهؤلاء تارة يقولون الله حال في كل شخص، وتارة يقولون باتحاد الله بالأشخاص)[(714)].
وشأن أهل (الطريقة رفاعية) كانت أو غيرها (ردُّ القول بالوحدة المطلقة والحلول، بل ورد الشطحات والدعاوى العريضة التي لا يقول بها الشرع ولا يرتضيها العقل، وحيث إن القول بالوحدة المطلقة والحلول يؤدي إلى الكفر والعياذ بالله تعالى، والشطحات والدعاوى العريضة تؤدي إلى الفتنة، وتزلق بقدم الرجل إلى النار، فاجتنابها واجب وتركها ضربة لازب)[(715)].
قال الإمام الرفاعي رضي الله عنه: «صموا أسماعكم عن علم الوحدة وعلم الفلسفة وما شاكلهما فإن هذه العلوم مزالق الأقدام»[(716)] اهـ.
وقال أيضًا: «ينقلون عن الحلاج أنه قال: أنا الحق، أخطأ بوهمه، لو كان على الحق ما قال أنا الحق، يذكرون له شعرا يوهم الوحدة كل ذلك ومثله باطل، ما أراه رجلا واصلا أبدا، ما أراه شرب، ما أراه حضر، ما أراه سمع إلا رنة أو طنينا، فأخذه الوهم من حال إلى حال، من ازداد قربا ولم يزدد خوفا فهو ممكور.
إياكم والقول بهذه الأقاويل، إن هي إلا أباطيل، درج السلف على الحدود بلا تجاوز، بالله عليكم هل يتجاوز الحد إلا الجاهل، هل يدوس عنوة في الجب إلا الأعمى، ما هذا التطاول»[(717)] اهـ.
(قال الفقهاء: إن الشخص إذا تكلم بكلمة كفر صريحة يكفر، إلا أن يكون قالها في حالة غيبة عن العقل، كما يحصل من بعض المجاذيب النطق بكلام كفري صريح، لكن يكونون في تلك الساعة في غيبة عن العقل، أو كان من نطق بهذه الكلمة الصريحة لا يفهم معناها، أو سبق لسانه إليها بلا إرادة فلا يكفّر. ومن هنا قال أبو الهدى الصيادي، شيخ الرفاعية في زمانه في شرح رسالة لبعض الصوفية في ءاخرها: فائدة استطرادية: من قال أنا الله، أو ما في الوجود إلا الله، أو لا موجود إلا الله، أو الكل هو الله، أو نحو ذلك فإن كان عاقلاً صاحيًا في قيد التكليف، فلا خلاف بين المسلمين جميعًا في كفره لمخالفته نص القرءان» اهـ[(718)]. أي أنه مرتد فيجرى عليه أحكام المرتد وإلا فلا.
هذا إن كان يفهم من قول لا موجود إلا الله، ومن قول هذه الكلمات معناها الذي هو كفر، أما إن كان يظن أن معناها غير ذلك فلا يكفّر قائله ، لأن من الناس من يقولون هذه الكلمات الثلاث الأخيرة، ويفهمون منها غير معناها اللغوي فلا يكفّرون، ومع ذلك يجب تحذيرهم وبيان أن معناها الأصليّ كفر، والظاهر من حالهم أنهم يفهمون أنه لا مدبّر للعالم إلا الله.
ويؤيد ما ذكر ما قاله الشيخ عبد الوهاب الشعراني في كتابه «اليواقيت والجواهر»: «قال الجنيد: لو كنتُ حاكمًا لضربت عنق من سمعته يقول لا موجود إلا الله»، وكثير ممن يدّعون التصوف اليوم بعيدون من كلام سيد الصوفية الجنيد رضي الله عنه، ومن جاء بعده من أكابر الصوفية المحققين، وقد قال وليّ الله بلا خلاف سيدنا الإمام أبو العباس أحمد بن عليّ الرفاعي رضي الله عنه: «لفظتان ثلمتان في الدين: القول بالوحدة والشطح المجاوز حد التحدث بالنعمة» اهـ وبعض متصوفة الزمان يقرأ من مثل هذه القصيدة «فما المرءاةُ والمرئيُ إلا الله» يقصد أن العالم مرءاة لله والمرئيّ فيها هو الله، وفي معنى هذا قول النساء المنيريات أتباع منيرة قبيسي: كل ما تهواه موجود في ذات الله، وذلك في دفتر جمعن فيه كلمات متفرقة من مواضع شتى تلقفنها من هنا ومن هناك سمينه مزامير داود. وفي هذا المجموع غير هذا مما يوهم الاتحاد أي اتحاد العالم بالله وهذه العقيدة أكفر الكفر)[(719)].
فمن نطق بالكفر الصريح وهو عامد أي بغير سبق اللسان، وغير مكره، وعالم بمعنى اللفظ، فهذا يكفر ، سواء كان نطقه من باب السب لله أو للرسول أو لغيره من الأنبياء أو الملائكة أو سب شريعة الإسلام، أو من باب إنكار ما علم من الدين بالضرورة، ولا يدخله التأويل، لأنه لو كان يدخله التأويل لتعطل تطبيق أحكام الردة، وتلفظ من يشاء بما يشاء من الصريح ثم يقول كلامي له تأويل، وهذا باب من الفوضى كبير، فلا ينظر بعد كون اللفظ صريحا إلى قصد الشخص ولا إلى معرفته بحكم تلك الكلمة أنها تخرج من الإسلام.
أما ( إن نطق -الشخص- باللفظ الصريح وهو يظنّ لجهله بالمعنى اللغوي أن الكلمة تحمل وجهين، أحدهما كفريّ والآخر ليس فيه كفرٌ، ومراده المعنى الذي ظنه غير كفري فإنه لا يكفر ، بخلاف من عرف أنّ الكلمة صريحة بحسب وضع اللغة وابتكر من عنده معنى ءاخر فقصده ولم يعتقد ذلك المعنى لكن تلفظ بها عمدًا مع فهمه لمعنى اللفظ الأصلي، وذلك كقول بعض السفهاء: أخت ربك أو قول بعضهم لبعض: يا ابن الله، فهؤلاء يكفرون مع أنهم لا يقصدون المعنى، وهؤلاء قسم منهم يقولون: «يا ابن أللاّ» بدون هاء من لفظ الجلالة، وهم يفهمون من هذا اللفظ الله، وبعضهم يلفظ بالهاء لأن عندهم الله بالهاء وأللاّ بلا هاء واحد.
وعليه فمن حيث الإجمال نقول في حق المتلفظ بالصريح: إننا ننظر في حاله ، هل يفهم المعنى أم أنه يجهله، وظن أن هذه الكلمة معناها شىء ءاخر، فإن كان يجهله فإننا لا نكفره في هذه الحال، بل نعلمه معنى الكلام وننهاه عنه)[(720)]، وفي ذلك اعتدال وإنصاف وتوسط بين المتهاونين بالنطق بهذه الكلمات وأمثالها كما يأتي في بحثنا هذا وبين المتشددين في غير محل التشدد.
أما أن الصريح لا يؤول فمما يشهد له ما نقله محمد بن يوسف العبدري: «وقال أحمد بن أبي سليمان صاحب سحنون في رجل قيل له: وحق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: فعل الله برسول الله، وذكر كلاما، قيل: ما تقول يا عدو الله، قال: إنما أردت برسول الله العقرب، فقال للذي سأله: اشهد عليه وأنا شريكك في قتله وثواب ذلك. قال ابن أبي الربيع: لأن ادعاءه للتأويل في لفظ صراح لا يقبل لأنه امتهان، وهو غير معزر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا موقر له .
وأفتى فقهاء الأندلس بقتل ابن حاتم وصلبه بما شهد عليه من استخفافه بحق النبي صلى الله عليه وسلم وأن زهده لم يكن قصدا»[(721)] اهـ.
والإمام حبيب بن الربيع هو أحد كبار المالكية المتوسطين بين المتقدمين منهم والمتأخرين، وهو من أصحاب الوجوه الذين يستخرجون الأحكام بالاستنباط من نصوص الإمام مالك رضي الله عنه.
وقد ذكر ذلك غير واحد من الأصوليين، كما نقل ذلك عنهم إمام الحرمين الجويني، في نفس الحادثة عن الأصوليين وأقرهم على ذلك أن (إضمار التورية أي فيما لا يحتملها كما هو واضح لا يفيد فيكفر باطنا أيضا لحصول التهاون منه، وقال الغزالي: ولو صرح بكلمة الردة وزعم تورية حكى الإمام[(722)] عن الأصوليين أنه يكفر ظاهرا وباطنا للاستخفاف)[(723)].
والتورية وتسمى أيضا بالإيهام والتوجيه والتخييل، والتورية أولى بالتسمية لقربها من مطابقة المسمى، لأنها مصدر وريت الخبر تورية إذا سترته وأظهرت غيره، فكأن المتكلم يجعله وراءه بحيث لا يظهر، وهي في الاصطلاح: أن يذكر المتكلم لفظا مفردا له حقيقتان أو حقيقة ومجاز، أحدهما قريب، ودلالة اللفظ عليه ظاهرة، والآخر بعيد، ودلالة اللفظ عليه خفية، ويريد المتكلم المعنى البعيد، ويوري عنه بالقريب، فيوهم السامع أول وهلة أنه يريد المعنى القريب، وليس كذلك ولهذا سمي هذا النوع إيهاما[(724)].
وفي تفسير القرطبي عند تفسير قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأَسْرَى… *} [(725)]. إلى ءاخر الآية ما نصه: «قال علماؤنا إن تكلم الكافر بالإيمان في قلبه وبلسانه ولم يمض فيه عزيمة لم يكن مؤمنا، وإذا وجد مثل ذلك من المؤمن كان كافرا، إلا ما كان من الوسوسة التي لا يقدر على دفعها فإن الله قد عفا عنها وأسقطها”[(726)] اهـ.
وقال أيضا عند شرح قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ *} [(727)] ما نصه: «قال القاضي أبو بكر بن العربي: لا يخلو أن يكون ما قالوه من ذلك جدّا أو هزلا، وهو كيفما كان كفر، فإن الهزل بالكفر كفر لا خلف فيه بين الأمة»[(728)] اهـ. فهؤلاء قصدوا اللعب ولم يقصدوا الخروج من الدين ومع ذلك:
1 – سمى الله قولهم استهزاء.
2 – قال: {لاَ تَعْتَذِرُوا} أي لا عذر لكم.
3 – وقال: {…قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} ، صرح بتكفيرهم.
4 – وقال: {…قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} . فبعد هذا ليس لمتعسف أن يقول هو كفر بالنعمة.
وفي الفتاوى الهندية ما نصه: «رجل كفر بلسانه طائعا وقلبه مطمئن بالإيمان يكون كافرا ولا يكون عند الله مؤمنا، كذا في فتاوى قاضيخان”[(729)] اهـ.
قال شيخنا العبدري الهرري الحبشي رضي الله عنه: ولا يُغتر بما يفعله بعض المنتسبين إلى العلم اليوم، وذلك أنهم يؤولون الكلام الكفري الصريح، حتى إن بعضهم قال لي: إذا قال الشخص أنا الله يؤول.
وكان أحدهم – وهو من المشاهير – سئل عن هذا البيت، الذي يقوله بعض أهل الشام من المنتسبين للطريقة الشاذلية عندما يقفون في حلقة الذكر:
فما في الوجود سوى واحدٍ
ولكن تكثّر لما صفا
فأفتى بأن هذا لا يجوز وأنه كفرٌ لا تأويل له، ثم راجعه من يعز عليه، وألح عليه وكان متولعًا بهذه الحضرة، فرجع عن فتواه الأولى، مع أن هذا البيت فيه نسبة التغيّر إلى الله، حيث إنه مذكور فيه أن الله لما صار صافيًا صار كثيرًا، وفيه عقيدة الوحدة المطلقة وفيه نسبة الانتقال من الكُدرة إلى الصفاء إلى الله تعالى، وكل هذا كفر صريح. والعلماء قالوا: اللفظ الصريح لا يؤول، قال حبيب بن ربيع أحد كبار المالكية: «ادعاء التأويل في لفظ صراح لا يقبل»[(730)] اهـ.
وقال الأردبيلي الشافعي في كتابه «الأنوار»: «ولو قال أنا الله وهو أنا كفر”[(731)].
وأما إن كان اللفظ له أكثرُ من معنى ، وبعض معانيه كفريًا وبعضها غير كفر، لا يفتيه المفتي بالكفر إلا إذا علم أنه أراد بهذا اللفظ المعنى الكفريَّ ، وقد قال الإمام المجتهد محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة، فيمن قيل له: صلّ فقال لا أصلي: «إن أراد بقوله لا أصلي أنه لا يصلي كسلاً لا يكفر، وإن أراد لا أصلي لأجل أنك أمرتني لا يكفر، وإن أراد لأني قد صليتُ لا يُكفّر، وإن أراد لا تجب عليّ الصلاة كُفّر».
هذا هو المقرر عند فقهاء الشافعية والحنفية وغيرهم، قالوا: إن أراد الشخص بلفظٍ المعنى الكفري لا تنفعه فتوى المفتي بغيره فتبينُ امرأته منه. وقال بعض الحنفية: فإذا فعل الشخص فعلاً مختلفًا في كونه كفرًا عند الفقهاء، وكانت روايةٌ عن الإمام صاحب المذهب بترك تكفيره، يؤخذ بتلك الرواية فلا يكفَّر قائله.
ومعنى ذلك أنه إذا اختلف المجتهدون أو اختلف قول مجتهد واحد في التكفير بشىء، يترك التكفير هذا فيما كان قولاً لمجتهد، ليس فيمن دون المجتهد في اصطلاح الفقهاء، لأن معنى الرواية هو ما يروى عن المجتهد، لأن المجتهد قد يقول في المسئلة قولين وثلاثة وأكثر.
وأما ما يرويه بعض الناس من أنه إذا كان في الكلمة تسعة وتسعون قولاً بالتكفير وقولٌ واحد بترك التكفير، يؤخذ بهذا القول الواحد. فلا أصل له ثابت لا عن أبي حنيفة ولا عن مالك[(732)][(733)] اهـ.
فمن لا يفهم المعنى فإنه لا يكفر كما ظهر، قال العز بن عبد السلام: «فصل فيمن أطلق لفظا لا يعرف معناه لم يؤاخذ بمقتضاه: فإذا نطق الأعجمي بكلمة كفر أو أيمان (جمع يمين) أو طلاق أو إعتاق أو بيع أو شراء أو صلح أو إبراء لم يؤاخذ بشىء من ذلك، لأنه لم يلتزم مقتضاه ولم يقصد إليه، وكذلك إذا نطق العربي بما يدل على هذه المعاني بلفظ أعجمي لا يعرف معناه فإنه لا يؤاخذ بشىء من ذلك لأنه لم يرده، فإن الإرادة لا تتوجه إلا إلى معلوم أو مظنون.
وإن قصد العربي بنطق شىء من هذه الكلم مع معرفته بمعانيها نفذ ذلك منه، فإن كان لا يعرف معانيها مع كونه عربيا فإنه لا يؤاخذ بشىء من ذلك، إذ لا شعور له بمدلوله حتى يقصد إلى اللفظ الدال عليه» [(734)] اهـ. وقال علاء الدين المرداوي قوله: «وصريح الطلاق في لسان العجم: «بهشتم بكسر الباء والهاء وسكون الشين وفتح التاء. فإن قاله العربي، وهو لا يفهمه، أو نطق الأعجميّ بلفظ «الطلاق» وهو لا يفهمه: لم يقع، بلا نزاع»[(735)] اهـ.
وعليه فقد تبين أنه لو قيل لأعجمي لا يفقه العربية: إن أردت أن تتحبب إلى زوجتك فقل لها: أنت طالق ثلاثا، فقال لها ذلك، فلا يقع الطلاق، وإن فهمت زوجته معنى تلك الكلمة.
(ومن هنا يُعلم أنه لا ينبغي التسرع في إطلاق التكفير على شخصٍ نطق بكلامٍ ظاهرٍ -أي محتمل لأكثر من معنى- قبل العلم بمراده، ولا التسرع في إطلاق التكفير على من نطق بالصريح، وخاصة في هذا الزمان إلا بعد العلم بأنه يفهم معنى اللفظ ويعرف كونها صريحة، وعن هذا قال بعض العلماء من الحنفية وغيرهم: إذا كان للكلمة سبعون معنىً هي كفر ومعنى واحد ليس كفرًا لا يكفر المتلفظ بها إلا أن يُعلم أنه أراد معنى من المعاني التي هي كفر، ويُنسب قريب من هذا إلى بعض الأئمة المجتهدين أبي حنيفة أو مالك ولا يصح ذلك عنهما، لكن المعنى صحيح ولو لم يقله أحد من الإمامين، والتعبير المقرر عند الفقهاء المتأخرين في إثبات حكم الردة هو قولهم: إن كان للكلمة وجوه تقتضي الكفر ووجه واحد لا يقتضي الكفر لا يكفّره المفتي إلا أن يقصد المعنى الكفري، ومرادهم بالوجوه المعاني، فإن الكلمة الواحدة قد يكون لها بضعة عشر معنى ككلمة اليد، فمن نسب اليد إلى الله وأراد بها العضو الذي هو من الإنسان وغيره يحكم عليه بالكفر لأنه شبّه الله بخلقه. ومن نسب اليد لله وأراد به القدرة أو النعمة أو نحو ذلك من المعاني التي ليس فيها تشبيه الله بخلقه فلا يُكَفَّر، وعلى هذا التفصيل يحكم على من يفسّر اليد المضافة إلى الله في القرءان أو الاستواء على العرش بالمعنى الحسيّ الذي هو من صفات المخلوق. وكذلك من يفسّر المجيء الوارد في القرءان في قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ… *} [(736)] بأنه كمجيء الإنسان والملائكة بالانتقال والحركة من جهة إلى جهة فإنه يكفر.
أما لو نطق بالصريح وكان ناسيًا للمعنى الذي كان يعرفه قبلاً، وعند النطق كان يفهم معنى ليس فيه كفر فلا يكفُرُ.
ولو سمعنا مثلاً شخصًا يقول: الصلاة على النبي مكروهة، فلا ينبغي التسرع في تكفيره، بل يُسأل عن مراده لأنّ العرب يُطلقون كلمة النبي على الأرض المرتفعة المحدودبة، فإن تبين أن مراده أن الصلاة على الأرض المحدودبة مكروهة لكون هذه الصلاة لا خشوع فيها فكلامه صحيح، وإن تبين أن مراده بقوله هذا أن الصلاة على النبي محمد مكروهة[(737)] فهو كافر، [وحكمه أنه كفر كفرا صريحا لا يقبل التأويل لتعيّن المعنى الأول].
ويتبين لنا أيضًا أمر، وهو أنه ليس للمفتي أن يفتي في هذه المسائل إلا أن يعلم لسان أهل البلد فيما يستعملون من الألفاظ، وقد قال الفقهاء: ليس للمفتي أن يفتي فيما يتعلق بالألفاظ إلا أن يعرف اصطلاحات أهل البلد)[(738)].
وعليه فمن نطق بكلام له معنيان أحدهما كفري والآخر ليس بكفري، فهذا إذا لم يرد المعنى الكفري فلا يكفر، ومن الأمثلة على ذلك أيضا أن يقول الشخص: هذا خير من الله إذا رأى نعمة، كأن رأى عالما جليلا تقيا ناصحا للناس شفوقا عليهم، فإنه إن أراد أنه خير من عند الله فلا يكفر ولا بأس بذلك، وهذا فهم من ينطق بها غالبا، وإن أراد به أن ذلك العالم هو أفضل من الله فيكفر.
وإن من المهم التوسطَ في الحكم، و الله تبارك وتعالى يحب الوسط ويكره الإفراط والتفريط ، لذلك فإن الحكم على شخص بالكفر أو الإسلام إن كان مستندا إلى دليل فذاك صواب عند الله، وإن كان لا يستند إلى دليل فهو هلاك على صاحبه. قال العلماء: إدخال كافر في الملة أمر عظيم، وإخراج مسلم عنها أمر عظيم ، المعنى أنه لا يحكم لشخص بأنه مسلم بدون دليل شرعي، ولا يحكم على مسلم بالكفر إلا بدليل شرعي.
فاللفظ الذي يصدر من شخص ينظر في معناه، إن كان معناه تكذيبا للدين أو استخفافا بالله أو رسل الله أو الملائكة أو دين الإسلام أو شعائر الدين، وليس له معنى آخر يسأل الشخص ماذا فهمت؟ إن فهمت من هذا اللفظ كذا وكذا فهو كفر، إن فهمت منه غير ذلك فاذكر ما هو ، فإن ذكر المعنى الذي هو كفر، يقال له: كفرت تشهد، ارجع عن هذا الكفر وتشهد، وإن قال: إني أفهم منه معنى آخر وكان ذلك المعنى غير معارض للشرع، لا يقال له كفرت، فإن كان من المحرم يقال له: هذا حرام لا تعد إليه، لهذا قال الفقهاء: ينبغي للمفتي أن يعرف اصطلاح البلد الذي هو فيه، في ألفاظهم، فما يفهمه أهل ذلك البلد من معنى الكلمة فعلى موجبَها يحكم المفتي، أما قبل أن يعرف اصطلاح البلد فقد يحكم فيقع حكمه على خلاف ما هو الواقع عند أهل ذلك البلد .
الكلمة الواحدة قد يكون لها عدة معان بعضها تكذيب للدين، وبعضها لا بأس به، التسرع في الحكم على من تلفظ بها قبل التأمل في الأمر خطر عظيم، المسؤول عن مسألة يتأمل فيما يفهم الشخص من هذا اللفظ ، فإن كان يفهم منه الكفر يطلب منه العودة عن الكفر إلى الإسلام بالشهادة، وإن كان يفهم منه معنى لا بأس به فلا يُكفَّر.
الإمام محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة وهو يعد مجتهدا، في أول أمره كان تلميذا لأبي حنيفة، ثم بلغ إلى حد الاجتهاد، سئل عمن قال: لا أصلي، فقال: إن كان يعني لأنه قد صلى فلا يُكفَّر، وإن كان يعني أنه لا يصلي لأجل هذا الذي يأمره فلا يُكفَّر، وإن كان يعني أنه متكاسل، لا يصلي لأنه متكاسل فلا يُكفَّر، وإن قال لأنها لا تجب عليَّ كُفِّر.
وفي «الفتاوى الهندية»: أن الإمام محمد بن الحسن قال في رجل، قيل: له ألا تخاف الله؟ فقال: لا، وكان على معصية ظاهرة: «إنه يكفر لأنه لا يمكن التأويل»، وأما لو قال هذه المقالة في أمر ليس فيه معصية لا يكفر، لأن مراده أني ما عملت شيئا حرمه الله فلا أخاف أن يعاقبني على ذلك لأجل هذا لا يكفر، وعلل تكفيره في الحال الأول بأنه لا يمكن التأويل، وقال فيمن قيل له: اتق الله، ولم يكن على معصية. فقال: لا أخافه: «لا يكفر»، لأن له تأويلاً أي أني ما عملت معصية فأخاف عقوبته.[(739)]
فمن عوتب على معصية ظاهرة، فقيل له: اتق الله خف الله، قال: لا أخافه، كفر، كأن قيل له: لا تشرب الخمر أو لا تأكل اللحم الذي ذبح على غير الطريقة الشرعية، بأن كان ذابحه كافرا من غير اليهود والنصارى واستحل ذلك، فقال على إثر ذلك: لا أخافه كفر.
هو هكذا ينبغي التفصيل والاحتياط، ثم إن التسرع بالتكفير قد يسبب ضررا للشخص الذي تسرع ولغيره لأنه قد يصدقه، ويقول بما قال، فيهلك كما هلك الأول .
بعض النّاس أحيانًا يتكلمون ببعض الكلمات الكفرية لا يفهمون معناها الذي هو كفر بل يظنّون أن لها معنى غير ذلك هؤلاء عند الله مسلمون ما خرجوا من الإسلام، لأنهم لا يفهمون من ذلك اللفظ المعنى الفاسد، بل هم يفهمون منه معنى ليس به بأس لا يضر العقيدة، هؤلاء لا نكفّرهم إن علمنا أنّهم لا يفهمون من هذه الكلمة المعنى الفاسد الذي هو كفر، الذي هو مثبِت للكفر، لا نكفرهم، أما إذا لم نعلم حالهم الذي هم عليه في الباطن من عدم فهمهم للمعنى الفاسد نحن ما علمنا أنهم لا يفهمون من تلك الكلمة معناها الفاسد بل سمعناهم يقولونها فنحن لنا أن نكفرهم نعتبرهم كفارًا -لاستتار بواطنهم عنّا-، لكنهم عند الله ما كفروا، لذلك كثيرٌ من الفقهاء يقولون: إذا سمعت من شخص كلمة كفر فاحكم على كلمته بأنّها كفر، أمّا هو فلا تحكم بأنّه كافر، لأنّه يجوز أن يكون سبق لسان، ويجوز أن يكون لم يفهم معنى تلك الكلمة المقتضية للكفر، فالاحتياط أن يقال: هذه الكلمة التي قلتها كفر ارجع تشهّد، بدل أن نقول له كفرت، إذا قلنا هذه الكلمة كفر تشهّد، هذا خير من أن نقول له: كفرت تشهّد لأنه يحتمل أنّه نطق على وجه سبق اللسان أو أنه أراد أن يصل تلك الكلمة بكلمة أخرى تخرجها من كونها كفرا، فحال دون أن يقول تلك الكلمة مانع من الموانع إما النسيان وإما انشغال بغير ذلك، فلم يُلحق تلك الكلمة التي تخرج تلك الكلمة التي قالها عن كونها كفرًا، لذلك الاحتياط أن يقال هذا الكلام كفرٌ تشهّد بدل أن نقول له كفرت إلاّ إذا تبين لنا ظهر لنا منه أنه قال تلك الكلمة عن فهمٍ لمعناها الكفري وعن عمد عندئذ يجوز لنا أن نقول كفرت تشهّد، كما قال الشّافعي لحفصٍ الفرد: لقد كفرت بالله العظيم، لأنه ناقشه، هذا الشخص ناظر الشافعي فأقام الشافعي عليه الحُجّة، فلم يرجع فعندئذ الشافعي قال له: «لقد كفرت بالله العظيم”[(740)]. فقال حفص: «إنما أراد الشافعي قتلي»[(741)].
وقد ألف غير واحد من الأئمة من المذاهب الأربعة رسائل في بيان أحكام الردة وذكر الأمثلة عليها كما لا يخفى، قال أبو بكر الدمياطي: «واعلم أنه يجري على ألسنة العامة جملة من أنواع الكفر من غير أن يعلموا أنها كذلك، فيجب على أهل العلم أن يبينوا لهم ذلك، لعلهم يجتنبونه إذا علموه، لئلا تحبط أعمالهم ويخلدوا في أعظم العذاب وأشد العقاب، ومعرفة ذلك أمر مهم جدًّا، وذلك لأن من لم يعرف الشر يقع فيه وهو لا يدري، وكل شر سببه الجهل، وكل خير سببه العلم فهو نور مبين، والجهل بئس القرين»[(742)] اهـ.
وقال تاج الدين السبكي: «ولا خلاف عند الأشعري وأصحابه بل وسائر المسلمين أن من تلفظ بالكفر، أو فعل أفعال الكفار أنه كافر بالله العظيم، مخلد في النار وإن عرف بقلبه، وأنه لا تنفعه المعرفة مع العناد، ولا تغني عنه شيئا، ولا يختلف مسلمان في ذلك»[(743)] اهـ. وقال الملا علي القاري: «ثم اعلم أنه إذا تكلم بكلمة الكفر عالمًا بمعناها ولا يعتقد معناها، لكن صدرت عنه من غير إكراه بل مع طواعـية في تأديته، فإنه يحـكم عليه بالكفر»[(744)] اهـ.
وكل ذلك حرصا من أهل العلم كما بين الدمياطي وغيره على العامة.
لذلك قال شيخنا الحافظ الهرري العبدري رضي الله عنه: «ومن الجهل الفاحش ظن بعض الناس فيمن حصل منه كفر، أنه يقال هذا الكلام كفر ولا يقال إن الشخص كفر، وهذا جهل فاحش ، وقد قال الإمام الأوزاعيّ رضي الله عنه في أمر غيلان القدريّ للخليفة هشام: «كافرٌ ورب الكعبة يا أمير المؤمنين»[(745)].
وقال الحافظ المجتهد ابن المنذر في كتاب «الإشراف»: «وقال شَبابَة وأبو النضر: «المرّيسيُّ كافرٌ جاحد يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه»[(746)]. وقال يزيد بن هارون: «جهم كافر قتله سَلمُ بنُ أحوز بأصبهان”اهـ. والمريسي كان درس الفقه على أبي يوسف القاضي ثم انحرف. وقال أبو حنيفة لشخص ينتسب إلى الإسلام وهو جهم: «كافر أخرجوه» اهـ.
فالحق الذي كان عليه السلف وتبعهم الخلف عليه، أن من ثبت كفره يقال كفر، وأما من لم يثبت كفره، بأن كان اللفظ الذي خرج من لسانه محتملاً أنه صدر منه وهو لا يعلم معناه، أو كان هناك احتمال أنه خرج منه على وجه سبق اللسان، فلا بأس أن يقال فيه إن كلامه هذا كفر، لأن هذا من الاحتياط، والاحتياط مطلوب، وعلى هذا يحمل قول الغزالي: «الخطأ في ترك ألف كافر في الحياة، أهون من الخطأ في سفك دم لمسلم واحد »[(747)] اهـ.
وهذه الكلمة التي قالها إمام الحرمين والغزاليّ، بعض المتسرعين يحتجون بها لترك تكفير من ثبتت ردته، وهذا تعطيل لشرع الله.
وهذا الذي يفعله هؤلاء ليس من الورع، وإنما الورع إثبات الأمرين على حسب القواعد الشرعية، وخير الأمور الوسط»[(748)] اهـ.
والحذر الحذر من كتاب سيد سابق المسمى «فقه السنة»، وكتاب «نحن دعاة لا قضاة» لحسن الهضيبي، وأمثالهما مما يحتوي على عدم تكفير من كفر إلا إذا قصد الانتقال إلى دين ءاخر غير الإسلام، فهؤلاء أهلكهم الوهم فظنوا بأنفسهم أنهم صاروا أئمة مجتهدين لا يرون التقيد بالأئمة المجتهدين.
ومما يؤيد ردنا أن أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما، بعثهما الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، وكان أحدهما يعمل في الأراضي المنخفضة، والآخر في الأراضي العالية، وكانا يجتمعان كل مدة للتشاور. وحصل مرة أن أبا موسى قيّد رجلاً أسلم ثم ارتد، فجاء معاذ بن جبل فرأى الرجل وكان راكبًا بغلة فقال: ما هذا؟ قيل له: هذا رجل أسلم ثم ارتد، فقيل له: انزل، فقال: لا أنزل حتى يُقتل، فقُتل فنزل عن دابته. ووجه الدليل أنه لم يقل هل سألتموه أكان قاصدًا الانتقال من الإسلام الذي كان عليه إلى دين ءاخر بدل دين الإسلام أم لا. وهذا الحديث رواه البخاري وغيره[(749)].
هذا دين الله وهو ما جرى عليه العمل عند الحكام، وذلك لأن حكام المسلمين إذا أُتي إليهم بالشخص الذي نطق بالكفر، لا يقولون له هل أردت لما قلت هذا الكلام الخروج من دين الإسلام والانتقال إلى غيره، هذا عمل حكام المسلمين سلفًا وخلفًا، فما خالف فهو مردود. إنما كانوا يعتمدون لإجراء حكم المرتد على أمرين: إما باعترافه، وإما بقيام بيّنة أي شاهدين عدلين بأنه نطق بهذه الكلمة، ثم إن المالكية زادوا تأكيدًا فقالوا: فإن ادعى أنه سبقُ لسان ليس بإرادة منه لا يأخذ القاضي بكلامه، بل يلزمه الرجوع بالنطق بالشهادة وإلا أجرى عليه حكم المرتد.
ومما يؤيد ذلك ما قاله الحافظ الكبير أبو عَوانة الذي عمل مستخرجًا على البخاري، وكان معاصرًا للبخاري، قال فيما نقله الحافظ ابن حجر في فتح الباري ما نصه: «وفيه أن من المسلمين من يخرج من الدين من غير أن يقصد الخروج منه، ومن غير أن يختار دينًا على دين الإسلام » اهـ.
وعبارته: «وترجم أبو عوانة في صحيحه لهذه الأحاديث – أي أحاديث الخوارج التي هي صريحة في تكفيرهم – بيان أن سبب خروج الخوارج كان بسبب الأثرة بالقسمة مع كونها صوابًا فخفي عنهم ذلك، وفيه إباحة قتال الخوارج بالشروط المتقدمة، وقتلهم، وثبوت الأجر لمن قتلهم، وفيه أن من المسلمين من يخرج من الدين من غير أن يقصد الخروج منه، ومن غير أن يختار دينًا على الإسلام، وأن الخوارج شر الفرق المبتدعة من الأمة المحمدية ومن اليهود والنصارى»[(750)].
قال الحافظ ابن حجر: «قلت: والأخير مبني على القول بتكفيرهم مطلقًا»[(751)] اهـ.
ثم إنه مما يجدر التذكير به أن كلام المجتهد يقدم على كلام من دونه، قال الإمام الشافعي رضي الله عنه ونفعنا الله بعلمه آمين: «فأما من تم عقله ولم يكن عالما بما وصفنا فلا يحل له أن يقول بقياس وذلك أنه لا يعرف ما يقيس عليه كما لا يحل لفقيه عاقل أن يقول في ثمن درهم ولا خبرة له بسوقه. ومن كان عالما بما وصفنا بالحفظ لا بحقيقة المعرفة فليس له أن يقول أيضا بقياس لأنه قد يذهب عليه عقل المعاني. وكذلك لو كان حافظا مقصر العقل أو مقصرا عن علم لسان العرب لم يكن له أن يقيس من قبل نقص عقله عن الآلة التي يجوز بها القياس، ولا نقول يسع هذا والله أعلم أن يقول أبدا إلا اتباعا ولا قياسا»[(752)] اهـ.
وعليه فينبغي التنبه إلى أنه لا يؤخذ بكلام من ينتسب إلى المذهب الشافعي مثلا إذا خالف كلام إمامه الإمام الشافعي، فالفقهاء الذين هم غير مجتهدين لا يلتفت لكلامهم إذا خالف أحدهم كلام المجتهد، فما لبعض الناس يتركون القاعدة الأصلية المعتمدة، لنقل كلام عالم مقلّد لإمام من الأئمة المجتهدين كالشافعي، فيما خالف فيه إمامَه الشافعي.
وإلى هذا أشار السيد أحمد بن محمد الحنفي الحموي أثناء رده على ما يحكى عن بعض من لا سلف له من قوله: ما ذكر في الفتاوى أنه يكفر بكذا وكذا فذلك للتخويف والتهويل لا لحقيقة الكفر، وهذا باطل، بقوله: «والحق أن ما صح عند المجتهدين فهو على حقيقته وأما ما ثبت عن غيرهم فلا يفتى به في مسألة التكفير»[(753)] اهـ.
وقد اتفق الفقهاء على تقسيم الكفر إلى ثلاثة أنواع: كفر قولي، وكفر فعلي، وكفر اعتقادي، على أن كل واحد كفر بمفرده، فجاء بعض مدعي الاجتهاد في أيامنا يلتقطون كلمة من هنا وكلمة من هناك لتحريف ما عرف في الأمة وظهر ضرورة حيث جعلوا الكفر القولي يُشتَرَطُ أن يكون معه الاعتقاد، وقصد الخروج من الإسلام إلى دين ءاخر، وهذا أمر انفرد به بعض شذاذ الآفاق في أيامنا هذه مخالفين بكلامهم علماء الإسلام الذين سبقوهم من السلف والخلف. ثم هؤلاء ليس فيهم أحد وصل إلى حد المفتي، ولا إلى نصفه ولا إلى عشره، لأن المفتي شرطه أن يكون حافظًا لأغلب مسائل المذهب الذي ينتسب إليه، ولعل هؤلاء نقلوا قولهم هذا من كلام الشوكاني – الذي هو من غير أهل السنة والجماعة – من كتابه السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار[(754)].
وقد سبقهم إلى ما ينقض كلامهم الإمام المجتهد المطلق محمد بن جرير الطبري، في كتابه «تهذيب الآثار»، وسيأتي نقله فماذا يكون كلام هؤلاء أمام كلام هذا الإمام المجتهد المطلق، الذي هو كمالك والشافعي وغيرهما من المجتهدين، وقد كان ابن جرير صاحب مذهب متبوع ثم انقرض المنتسبون إلى مذهبه، فيجب على هؤلاء التائهين أن يرجعوا إلى ما مضى عليه علماء الإسلام، ويحذروا مما ألّفوا مما ينطوي على هذا الكلام الفاسد، وإلا فعليهم وزرهم ووزر من يتبعهم بمطالعة كتبهم، فإن مؤلفاتهم ضرر على من يطالعها ويصدّق ما فيها، فإنها تجرئ على التلفظ بألفاظ الكفر لأنهم يعتقدون أنها لا تخرج من الإسلام، لأنهم لا يريدون الخروج إلى دين غير دين الإسلام، إنما يفوهون بها بألسنتهم وهذا دعوةٌ للناس إلى الكفر. ومما ينقض ما أتى به هؤلاء الذين هم ليسوا فقهاء، ولا محدثين، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسًا يهوي بها في النار سبعين خريفًا» [(755)]. فلم يشترط رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه هذا أن يكون الشخص ناويًا ومعتقدًا وقاصدًا الانتقال من الإسلام إلى غيره، ومع ذلك قال بأنه ينزل بهذه الكلمة إلى قعر جهنم، ولا يصل إلى قعر جهنّم إلا الكفّار . فقوله صلى الله عليه وسلم: «يهوي بها في النار سبعين خريفًا» دليل على أن الإنسان قد يعتقد اعتقادًا، أو يفعل فعلاً، أو يقول قولاً هو كفرٌ، ولا يرى بذلك بأسًا، أي لا يرى فيه معصية وهو في الحقيقة كفرٌ، فيكون في جهنم في مكان لا يكون فيه عصاة المسلمين إلا الكفار، لأن المسلم العاصي لا يصل إلى ذلك الحد. فما أبعد كلام هؤلاء من هذا الحديث.
وقال البدر الرشيد الحنفي في رسالة له في بيان الألفاظ الكفرية: «من كفر بلسانه طائعًا، وقلبه مطمئن بالإيمان فهو كافر، وليس مؤمنا عند الله»، وعليه فلا ينفعه ما في قلبه ولا يكون عند الله مؤمنًا، لأن الكافر إنما يتميز من المؤمن بما يصرح به، فإن نطق بالكفر كان كافرًا عندنا وعند الله . وقال: «من تكلم بكلمة الكفر، وضحك به غيره كفرا»[(756)] اهـ.
وهذا الذي حصل في هذا الزمان من بعض العوام، قال شيخنا الحافظ الكبير الشيخ عبد الله الهرري رحمة الله عليه رحمة واسعة: «فقد ذكر لي رجل من أهل دمشق قال: كنا في وزارة الخارجية، فأقبل رجل أعمى، فقال أحدنا: «قال الله تعالى إذا رأيت الأعمى فكبه لست أكرم من ربه» فأضحكنا. فقلت له: هذا كفر فكيف تضحكون له؟! هذا حال كثير من الناس اليوم يكفرون لإضحاك الناس، أو لغرض ما من أغراض الدنيا، فهؤلاء إذا رأوا مؤلفاتكم هذه يزدادون جرأة واطمئنانًا للارتياح بما يتكلمون به من كلام الكفر، فإن هذا الرجل حكى لي هذه الحكاية من باب المباسطة، وقد جرت العادة في لبنان أن كثيرًا من الناس – إذا لقي بعضهم بعضًا – يقول أحدهم للآخر: اشتقنا لك، أخت ربك، أين كنت. وكذلك اعتادوا فيما بينهم أن يقول أحدهم للآخر يا ابن الله»[(757)] اهـ.
فهذا الأمر فيه تهوين أمر الكفر للجهال ، لأن من اطلع على كلام هؤلاء يرى أنه لا بأس إذا تكلم الشخص بكلمات الكفر بجميع أنواعها، فيقول: أنا أقول هذه الكلمات ولا أقصد الخروج من الإسلام فلا أكفر. فعلى قول هؤلاء إذا إنسان قال كفرًا أو فعل كفرًا فأُتي به إلى حكام الشريعة، لا يجرى عليه أحكام الردة حتى يقال له هل كنت قاصدًا الخروج من الإسلام، واخترت دينًا غير الإسلام، وهذا لم ينقل عن حكام المسلمين في أثناء التاريخ الإسلامي من الخلفاء وغيرهم، وقتل المرتد حكم ديني أنزل على محمد كما نزل على موسى عليهما السلام، فإن موسى قتل المرتدين الذين ارتدوا إلى عبادة العجل في غيبته إلى الطور وكانوا سبعين ألفًا، وشرائعُ الأنبياء لا تُرد بالرأي وهي حق في حياتهم وبعد مماتهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
ومما يؤيد ردنا على هؤلاء ما قاله الحافظ ابن حجر العسقلاني، عند الكلام عن الخوارج ما نصه: «وممن جنح إلى ذلك من أئمة المتأخرين الشيخ تقي الدين السبكي، فقال في فتاويه: «احتج من كفّر الخوارج، وغلاة الروافض، بتكفيرهم أعلام الصحابة لتضمنه تكذيبَ النبي صلى الله عليه وسلم في شهادته لهم بالجنّة. قال: وهو عندي احتجاج صحيح. قال: واحتج من لم يكفرهم بأنّ الحكم بتكفيرهم يستدعي تقدم علمهم بالشهادة المذكورة علمًا قطعيًا، وفيه نظر لأنا نعلم تزكية من كفروه علمًا قطعيًّا إلى حين موته، وذلك كافٍ في اعتقادنا تكفير من كفرهم، ويؤيده حديث «من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما» [(758)] وفي لفظ مسلم «من رمى مسلمًا بالكفر، أو قال عدوّ الله إلا حارَ عليه» [(759)] قال: وهؤلاء قد تحقق منهم أنهم يرمون جماعة بالكفر، ممن حصل عندنا القطعُ بإيمانهم، فيجب أن يُحكم بكفرهم بمقتضى خبر الشارع. وهو نحو ما قالوه فيمن سجد للصنم، ونحوه ممّن لا تصريح بالجحود فيه بعد أن فسروا الكفر بالجحود.
فإن احتجوا بقيام الإجماع على تكفير فاعل ذلك قلنا: وهذه الأخبار الواردة في حقّ هؤلاء تقتضي كفرهم، ولو لم يعتقدوا تزكية من كفّروه علمًا قطعيًا، ولا ينجيهم اعتقاد الإسلام إجمالاً، والعمل بالواجبات عن الحكم بكفرهم، كما لا ينجي الساجد للصنم ذلك، قلت: وممن جنح إلى بعض هذا البحث الطبري في تهذيبه فقال: بعد أن سرد أحاديث الباب -أي باب من ترك قتال الخوارج للتأليف وأن لا ينفر الناس عنه-: «فيه الرد على قول من قال: لا يخرج أحد من الإسلام من أهل القبلة بعد استحقاقه حكمه إلا بقصد الخروج منه عالِما فإنه مبطل لقوله في الحديث: «يقولون الحق ويقرؤون القرءان، ويمرقون من الإسلام، ولا يتعلقون منه بشىء» [(760)]، ومن المعلوم أنهم لم يرتكبوا استحلال دماء المسلمين وأموالهم إلا بخطأ منهم فيما تأوّلوه من ءاي القرءان على غير المراد منه، ثم أخرج بسند صحيح عن ابن عباس وذُكر عنده الخوارج، وما يلقون عند قراءة القرءان، فقال: «يؤمنون بمحكمه ويهلكون عند متشابهه»[(761)]. ويؤيد القول المذكور الأمر بقتلهم، مع ما تقدم من حديث ابن مسعود: «لا يحل قتلُ امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث” وفيه: «التارك لدينه المفارقُ للجماعة» [(762)]. قال القرطبي في «المفهم»: يؤيد القول بتكفيرهم التمثيل المذكور في حديث أبي سعيد، يعني الآتي في الباب الذي يليه، فإنّ ظاهر مقصوده أنهم خرجوا من الإسلام ولم يتعلقوا منه بشىء، كما خرج السهم من الرمية لسرعته وقوة راميه، بحيث لم يتعلق من الرميّة بشىء. قد أشار لذلك بقوله: «سبق الفرث والدم» [(763)]، وقال صاحب «الشفاء» فيه: «وكذا نقطع بكفر كل من قال قولاً يَتَوَصل به إلى تضليل الأمة أو تكفير جميع الصحابة» [(764)]. وحكاه صاحب «الروضة» في كتاب الردة عنه وأقره» انتهى كلام الحافظ ابن حجر[(765)].
والجملة التي نقلها الحافظ عن الإمام المجتهد ابن جرير الطبري حجة قاصمة لظهور أولئك الذين خالفوا في هذه المسئلة، مبطلة لكلامهم لأنه صرّح بأن الذي يقول كلام الكفر يكفر ولو لم يقصد الكفر والخروجَ إلى دين سوى الإسلام.
وهذه المقالة الخبيثة لم يقل بها أحدٌ من العلماء المعتبرين، ولا حجّة في قول إمام الحرمين، على أنه لو كان في من شذ في هذه المسئلة مُسْكَةٌ من فهم وعقل لكفاهم قوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ *} [(766)]، فإن الآية صريحة أن اعتقاد الكفر في غير المكره لا يُشترط، وكذلك شرح الصدر بالكفر ليس شرطًا في ثبوت كفر قائل كلمة الكفر في غير المكره.
ولم يشترط أحدٌ من علماء المسلمين اعتقادَ معنى لفظ الكفر في غير المكره. وقول الإمام المجتهد المطلق محمد بن جرير الطبري في «تهذيب الآثار» المتقدم ذكره ينسف افتراءات القائلين بتلك المقالة الخبيثة.
ومما هلك فيه خلق أنهم تبعوا بعض المبتدعة المعروفين في عصرهم بعض مقالات الجهمية والمرجئة، ومقولتهم معارضة لصريح النصوص، فما هي تلك المقالة؟
قال الشهرستاني عند ذكر فرق المرجئة: «فأما الصالحي فقال: الإيمان هو المعرفة بالله تعالى على الإطلاق، وهو أن للعالم صانعا فقط، والكفر: هو الجهل به على الإطلاق»[(767)] اهـ.
وقال البغدادي: «الفصل السادس من فصول هذا الباب في ذكر الجهمية والبكرية والضرارية وبيان مذاهبها: الجهمية أتباع جهم بن صفوان الذى قال: بالإجبار والاضطرار إلى الأعمال، وأنكر الاستطاعات كلها، وزعم أن الجنة والنار تبيدان وتفنيان، وزعم أيضا أن الإيمان هو المعرفة بالله تعالى فقط، وأن الكفر هو الجهل به فقط»[(768)] اهـ. وهو مما يجب نبذه كما رأيت فيما قدمناه حتى الأن.
قاعدةٌ مفيدة : قال الفقهاء من تلفظ بكلام كفر، أو فعل فعلاً كفريًا، وجهل أن ما حصل منه كفر، لا يُعذر بل يُحكم بكفره. قاله القاضي عياض المالكي[(769)]، والشيخ ابن حجر الهيتمي الشافعي، وكذلك عدد من فقهاء الحنفية.
ومن المتفق عليه أن القولَ الكفري كفر بمفرده، ولو لم ينضم إليه اعتقاد ذلك الكفر بالقلب ولا عملٌ بالبدن، وكذلك الكفر الفعليُّ كفرٌ وردّة من فاعله، لو لم يقترن به قول واعتقاد، وكذلك الكفر الاعتقادي كفر بمفرده، من غير أن ينضم إليه قولٌ باللسان أو فعل، وهذا مجمع عليه عند الفقهاء . وقد اشتهر في كتب الفقه تقسيم الكفر إلى ثلاثة: قول أو فعل أو اعتقاد.
وهذا الإمام المجتهد الأوزاعي ناظر غيلان الدمشقي في أول القرن الثاني من الهجرة، لكونه قدريًا فقطعه بالحجة، ثم قال للخليفة هشام بن عبد الملك: «كافر ورب الكعبة يا أمير المؤمنين” فقطع يديه ورجليه وعلقه بباب دمشق[(770)].
ولم يذكر عن الأوزاعي ولا هشام أنه سأل غيلان: هل قلت هذا الكلام وأنت قاصد الخروج من الإسلام، واستبدال دين غيره عنه، فليراجع تاريخ دمشق الجزء الثامن والأربعون من ترجمة غيلان أبي مروان، وذكر الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق أنه كان من موالي سيدنا عثمان وكان يقص في المسجد النبوي.
ـ[685] روضة الناظر لابن قدامة المقدسي (ص/177).
ـ[686] سورة البقرة: جزء من الآية 196 .
ـ[687] باختصار من روضة الناظر لابن قدامة المقدسي (ص/177 – 178).
ـ[688] بتصرف من المصباح المنير (ص/128)، والتعاريف (ص/455)، والتعريفات (ص/174)، وبأخصر منه في كتاب الكليات (ص/562)، ودستور العلماء (2/174).
ـ[689] الحدود الأنيقة (ص/24).
ـ[690] المطلع على أبواب المقنع (ص/334).
ـ[691] الحدود الأنيقة (ص/27).
ـ[692] معجم مقاليد العلوم (ص/64).
ـ[693] بتصرف من دستور العلماء (2/174)، والكليات (ص/562).
ـ[694] روضة الناظر لابن قدامة المقدسي (ص/178).
ـ[695] التعاريف (ص/489)، والتعريفات (ص/185).
ـ[696] التعريفات (ص/72).
ـ[697] روضة الناظر لابن قدامة (ص/180 – 181).
ـ[698] التقرير والتحبير لابن أمير الحاج (2/92).
ـ[699] بتصرف من الإبهاج (1/216).
ـ[700] مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول (ص/48)، الطرف الثاني في الدلالة على متعلق الحكم.
ـ[701] التقرير والتحبير (1/146) تحت عنوان: دلالة المنطوق ودلالة المفهوم لأنفسهما.
ـ[702] الأشباه والنظائر (1/293)، القول في الصريح والكناية والتعريض.
ـ[703] تهذيب رسالة البدر الرشيد في الألفاظ المكفرات لمحمد بن إسماعيل بن محمد الرشيد (ص/34)، وقد شرحها وعقب على مسائلها الملا علي القاري الحنفي في خاتمة شرحه على كتاب الفقه الأكبر للإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي (ص/265).
ـ[704] مقاييس اللغة لابن فارس (5/139).
ـ[705] التعريفات (ص/240)، ومثله في التعاريف للمناوي لكن بلا تمثيل (ص/610 – 611).
ـ[706] الكليات (ص/761).
ـ[707] إجابة السائل شرح بغية الآمل (ص/232 – 233).
ـ[708] صريح البيان (ص/221).
ـ[709] قواعد مهمة للشيخ عبد الله الهرري رحمه الله رحمة واسعة (ص/14).
ـ[710] بتصرف من قواعد مهمة للشيخ المحدث عبد الله الهرري رحمه الله (ص/14 – 15).
ـ[711] بتصرف وتعديل يناسب المقام من المختار من كتاب لحن العامة والخاصة في المعتقدات للشيخ أبي علي عمر السكوني (ص/6 – 7).
ـ[712] الكوكب الدري في شرح بيت القطب الكبير لأبي الهدى الصيادي تحت عنوان خاتمة استطرادية (ص/11 – 12).
ـ[713] بتصرف من قواعد مهمة (ص/15).
ـ[714] الطريقة الرفاعية للشيخ أبو الهدى الرفاعي الصيادي (ص/15).
ـ[715] البرهان المؤيد (ص/88).
ـ[716] البرهان المؤيد (ص/36).
ـ[717] الكوكب الدري (ص/11 – 12)
ـ[718] التعاون على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (ص/80 – 81).
ـ[719] بتصرف من قواعد مهمة (ص/16 – 17).
ـ[720] التاج والإكليل لأبي عبد الله محمد بن يوسف العبدري المالكي (6/285). شرح الشفا بتعريف حقوق المصطفى (4/378). وانظر أيضا إكفار الملحدين في ضروريات الدين للمحدث محمد أنور شاه الكشميري (ص/90).
ـ[721] أي إمام الحرمين الجويني.
ـ[722] باختصار من حاشية الجمل على شرح المنهج (5/122). ونهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، كتاب الردة (7/394).
ـ[723] الكليات (ص/277)، والمصباح المنير (ص/252)، ومختار الصحاح (ص/299).
ـ[724] (سورة الأنفال/70).
ـ[725] الجامع لأحكام القرءان (8/55).
ـ[726] (سورة التوبة/65).
ـ[727] الجامع لأحكام القرءان (8/197).
ـ[728] الفتاوى الهندية (2/283).
ـ[729] نقله عنه القاضي عياض في «الشفا»: (2/217).
ـ[730] الأنوار لأعمال الأبرار للشيخ يوسف الأردبيلي (2/489).
ـ[731] نقل أبو العباس شهاب الدين أحمد بن محمد مكي الحسيني الحموي الحنفي في كتابه غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر (3/424 – 425): «إذا كان في المسألة وجوه توجب التكفير ووجه لا يوجب، فعلى المفتي أن يميل إلى الوجه الذي يمنعه تحسينا للظن بالمسلم، ثم إن كانت نية القائل ذلك فهو مسلم، وإن كانت نية الوجه الذي يوجب الكفر لا ينفعه حمل المفتي كلامه على الوجه الذي لا يوجب الكفر، ويؤمر بالتوبة والرجوع وبتجديد النكاح بعد الإسلام، ثم إن أتى بكلمة الشهادة على وجه العادة لم ينفعه ما لم يرجع عما قال، لأنه بالإتيان بكلمة الشهادة على وجه العادة لا يرتفع الكفر» اهـ.
ـ[732] التعاون على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: (79 – 80).
ـ[733] بتصرف بحذف الأمثلة من قواعد الأحكام في مصالح الأنام (2/102 – 103).
ـ[734] الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف لعلاء الدين المرداوي (8/475).
ـ[735] سورة الفجر: جزء من الآية 22 .
ـ[736] لسان العرب (15/302)، وتاج العروس شرح القاموس (40/11).
ـ[737] بتصرف خفيف من قواعد مهمة للشيخ عبد الله الهرري رحمه الله (ص/17 – 18 – 19)، وهو كما رأيت بفضل الله بحث جامع لأطراف هذه المسألة،= = بما يكشف عن المراد ويزيل الالتباس إن شاء الله تعالى، تطبيقا على الألفاظ الصريحة والظاهرة، ولم أجد مثله جامعا ومختصرا على هذا الوجه.
ـ[738] الفتاوى الهندية (2/261).
ـ[739] رواه البيهقي في السنن الكبرى (10/43)، (19690)، كتاب الإيمان، باب ما جاء في الحلف بصفات الله تعالى كالعزة والقدرة والجلال والكبرياء والعظمة والكلام والسمع ونحو ذلك.
ـ[740] رواه اللالكائي في اعتقاد أهل السنة: (2/253)، (422).
ـ[741] إعانة الطالبين للدمياطي (4/132).
ـ[742] طبقات الشافعية الكبرى (1/91).
ـ[743] شرح الفقه الأكبر لملا علي القاري (ص/244).
ـ[744] تاريخ مدينة دمشق (48/209).
ـ[745] الإشراف (2/258).
ـ[746] الاقتصاد في الاعتقاد (ص/81)، القطب الرابع: إثبات نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وإثبات ما أخبر هو عنه، الباب الرابع: بيان من يجب تكفيره من الفرق.
ـ[747] التعاون على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (ص/82).
ـ[748] رواه البخاري في صحيحه: كتاب المغازي: باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع، ومسلم في صحيحه: كتاب الإمارة: باب النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها.
ـ[749] فتح الباري (12/301 – 302).
ـ[750] فتح الباري: (12/302).
ـ[751] الرسالة (ص/ 511).
ـ[752] غمز عيون البصائر شرح كتاب الأشباه والنظائر (2/190).
ـ[753] السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، طبعة دار الكتب العلمية (4/578). على أن الشوكاني خالف بتعليقه على حدائق الأزهار مقتضى كلام المؤلف، فليتنبه.
ـ[754] أخرجه الترمذي في سننه (4/557)، (2314)، كتاب الزهد: باب فيمن تكلم بكلمة يضحك بها الناس.
ـ[755] تهذيب رسالة البدر الرشيد في الألفاظ المكفرات لمحمد بن إسماعيل بن محمد الرشيد (ص/19).
ـ[756] التعاون على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ـ[757] أخرجه مسلم في صحيحه (1/97)، (60)، كتاب الإيمان، باب بيان حال إيمان من قال لأخيه المسلم يا كافر.
ـ[758] أخرجه مسلم في صحيحيه بلفظ «أو قال عدوّ الله وليس كذلك إلا حار عليه»: (1/79)، (61)، كتاب الإيمان، باب بيان حال إيمان من رغب عن أبيه وهو يعلم.
ـ[759] أخرج البخاري في صحيحه ما في معناه: (6/2540)، (6532)، كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم.
ـ[760] أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه: (7/556)، (37902)، كتاب الجمل، ما ذكر في الخوارج.
ـ[761] أخرجه البيهقي في السنن الكبرى: (8/19)، (15622)، كتاب النفقات، باب تحريم القتل من السنة.
ـ[762] أخرجه النسائي في السنن الكبرى: (5/159)، (8560)، كتاب الخصائص، ذكر ما خص به علي من قتال المارقين.
ـ[763] الشفا بتعريف حقوق المصطفى: (2/ 286).
ـ[764] فتح الباري: (12/299 – 300).
ـ[765] (سورة النحل: 106).
ـ[766] الملل والنحل (ج 1/ ص144) ، لمؤلفه محمد بن عبد الكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني.
ـ[767] الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية (ص/195) ، لمؤلفه عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي أبو منصور.
ـ[768] الشفا بتعريف حقوق المصطفى: (2/231).
ـ[769] تاريخ مدينة دمشق: (48/209).
ـ[770] العقيدة الطحاوية: (31_32).