الأربعاء ديسمبر 11, 2024

بيان أن إخراج الحروف من مخارجها في الصلاة شرط لصحة الصلاة

اعلم أنَّ الله تعالى جعل للصلاة أركانًا وشروطًا لا تصحُّ الصّلاةُ بدونها، ومن هذه الأركان الفاتحة، فقد قال عليه الصلاة والسلام: “لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب” رواه الترمذيّ وغيرُه، فلا بُدّ لقراءة الفاتحة في الصلاة من الإِتيان بالبسملة وهي قول بسم الله الرحمن الرحيم، والتشديدات وهي أربع عشرة شدّة، فمَن ترك واحدة منها لم تصحّ فاتحته كأن قال: إياك بتخفيف الياء بدل (إِيَّاكَ) بتشديدها، أو قال مالك يوم الدين بتخفيف الدال بدل تشديدها ونحو ذلك، ولا بد من الموالاة وذلك بأن لا يفصل بين شىء منها وما بعده فصلًا طويلًا أو قصيرًا بنيّة قطع القراءة، وكذا الترتيب أي الإِتيان بها على نظمها المعروف، وإخراج الحروف من مخارجها.

وهذا الأمر الأخير لا بدّ من الاعتناء به كي يُقرأ القرءان على حسب ما أنزلَ، فلا يبدل القارئ الذالَ زايًا فيقرأ: (الَّذِينَ) بالزاي بدل الذال، ولا: نَسْتَعِينُ {5} بالطاء بدل التاء، ولا: المُستَقِيمَ {6} بالكاف بدل القاف ولا بحرف بين القاف والكاف، ولا الضاد دالا مفخمة في: وَلاَ الضَّالِّينَ {7}.

وأولى الحروف عناية بإخراجها من مخرجها الصاد، فإنّ كثيرًا من النّاس يأتون بها بين الصّاد والسين لا هي صادٌ محضة ولا هي سينٌ محضة، وهي حرف إطباق واستعلاء وهمس وإصمات ورخاوة وصفير، ويشاركها في الصفير الزاي والسين، كما نصّ على ذلك غير واحد من علماء التجويد.

قال شمس الدين بن الجزري في كتابه التمهيد في علوم التجويد ما نصّه: “الثاني عشر حروف الصفير وهي ثلاثة: الصاد والزاي والسين، سمّيت بذلك لأنّ الصوت يخرج معها عند النطق بها يشبه الصفير، فالصفير من علامات القوّة، والصادُ أقواها للإِطباق والاستعلاء اللذين فيها، والزاي تليها لجهر فيها، والسين أضعفها لهمس فيها” اهــ

قال زكريا الأنصاري الشافعي وهو أخذ علوم القراءة من شمس الدين بن الجزري في شرح الجزرية ما نصّه: “صفيرُها أي حروف الصفير، صادٌ مهملة وزاي وسين مهملة، سمّيت بذلك لصوت يخرج معها بصفير يشبه صفير الطائر، وفيها لأجل صفيرها قوة، وأقواها في ذلك الصاد للإِطباق والاستعلاء، وتليها الزاي للجهر، ثمّ السين” اهــ

وقال ابن الحاجب في الشافية: “وحروف الصفير ما يُصفَرُ بها وهي: الصادُ والزاي والسين” اهــ

وقال النووي في المجموع نقلًا عن الإِمام أبي محمد الجويني   عبد الله بن يوسف والد إمام الحرمين ما نصّه: “ولو أخرجَ بعضَ الحروفِ من غيرِ مخرجه بأن يقول نستعين تُشبه التاءُ الدالَ، أو الصاد لا بصاد محضة ولا بسينٍ محضة بل بينهما، فإن كان لا يمكنُه التعلّم صحّت صلاته، وإن أمكنه وجب التعلّم ويلزمهُ قضاءُ كلّ صلاة في زمنِ التفريط في التعلّم هذا حكم الفاتحة” اهــ

وقال ابن مالك رحمه الله وهو إمامٌ في اللغة والقراءة والنحو في تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد ما نصّه: “لهذه الحروف فروعٌ تُستحسن وهي: الهمزة المسهّلة والغُنّة ومخرجها الخيشوم، وألفا الإِمالة والتفخيم، والشين كالجيم، والصاد كالزاي، وفروع تستقبح وهي: كاف كجيم وبالعكس، وجيم كشين، وصاد كسين، وطاءٌ كتاء، وظاءٌ كثاء، وباءٌ كفاء، وضادٌ ضعيفة” اهــ